تفسير سفر أيوب ١٧ للقمص أنطونيوس فكري
تفسير سفر أيوب – الإصحاح السابع عشر
الأيات 1-9:
“روحي تلفت ايامي انطفات انما القبور لي، لولا المخاتلون عندي وعيني تبيت على مشاجراتهم، كن ضامني عند نفسك من هو الذي يصفق يدي، لانك منعت قلبهم عن الفطنة لاجل ذلك لا ترفعهم، الذي يسلم الاصحاب للسلب تتلف عيون بنيه، اوقفني مثلا للشعوب وصرت للبصق في الوجه، كلت عيني من الحزن واعضائي كلها كالظل، يتعجب المستقيمون من هذا والبريء ينتهض على الفاجر، اما الصديق فيستمسك بطريقه والطاهر اليدين يزداد قوة”.
روحي تلفت= أيوب كإنسان متعب حين ذكر أن أيامه قليلة (22:16) أكل حديثه عن الموت فهو وجد نفسه قريباً جداً منه، وأن قوة الحيوية فيه كادت تتوقف إنما القبور لي= أي المقبرة حيث قبور أبائي الذين سأنضم إليها قريباً. وما زاد من آلامه كلام أصحابه وهنا دعاهم المخاتلون. ويقول لولا وجودهم عنده لكان في حالة أكثر راحة، ولكانت عينيه تبيت مستريحة لكنه الأن وبسبب وعودهم التي إعتبرها كاذبة في أيام أكثر راحة، وبسبب محاولاتهم إثبات شره وهذه أسماها مشاجراتهم، لولا مشاجراتهم لكان أكثر راحة= وعيني تبيت علي مشاجراتهم. ولذلك يحول نظره إلي الله تاركاً أصحابه. كن ضامني عن نفسك= لقد سبق وإشتكي أنه يريد أن يحاكم عند محكمة السماء العادلة، ولكنه كان ينتظر شاهداً يدافع عنه، وهنا يطلب طلب آخر أن يوجد من يضمنه من الآن حتي يأتي هذا الشاهد وتتم المحاكمة (وكأنه يطلب الأفراج عنه بكفالة أوبضمان أحد حتي يأتي ذلك الشاهد الذي ينتظره). أيوب بروح النبوة ينتظر المسيح ولا يريد أن يحاكم قبل أن يأتي، من هو الذي يصفق يدي= كانت الضمانة تبرم بصفق اليد (راجع شرح هذا في أم 1:6) التساؤل هنا، من هو هذا الشخص الذي يضمنني ويشهد لي، أنا أعلم أن هناك من سيفعل ولكن من هو ياتري؟! ويعود أيوب لأصحابه فيدينهم علي قسوتهم لأنك منعت قلبهم عن الفطنة= بسبب قساوتهم منع الله عنهم الحكمة والفهم. لأجل ذلك لا ترفعهم= لا تجعلهم يكسبون جولتهم ضدي. الذي يسلم الأصحاب للسلب تتلف عيون بنيه= هذا تحذير شديد اللهجة لأصحابه أن يكفوا عن شرورهم ضده فمن يخون أصحابه خصوصاً في حالة كحالته قد يتعرض حتي بنيه للإساءة. أوقفني مثلاً للشعوب= كشخص مزدري به. صرت للبصق في الوجه، كلت عيني من الحزن من كثرة بكائه وحزنه كاد يفقد نظره. وأعضائي كلها كالظل= من هزالي صرت كأني لست إنساناً بل ظل إنسان. “اليس هذا ما حدث للمسيح فهو رجل الأحزان أش 3:53 وهو الذي إزدراه الناس وبصقوا فيه، هنا أيوب رمز للمسيح. يتعجب المستقيمون من هذا= حين يري المستقيمون هجومكم عليَ يتعجبون، والمستقيمون أيضاً سيتعجبون أن الله سمح بكل هذه الآلام لإنسان بار، بل سمح للهازئين بأن يهزأوا بالبار. والبرئ ينتهض علي الفاجر= البرئ اي المستقيم سيثور في وجه الفاجر الذي أذلني وإتهمني بالشر. ولكن أليس لهذه الآية صدي أخر، فإن كناقد فهمنا الأيات 6، 7 أنها رمز لآلام المسيح، فكل القديسين الذين آمنوا بهذا أن المسيح تألم هكذا تعجبوا أن المسيح تألم لأجلهم كل هذه الألام، وسيكتشفون مؤامرات إبليس وسينهض كل من برره المسيح(البرئ) في وجه الشيطان الفاجر ويقاوموه بإيمانهم وصلواتهم بل وإستشهادهم في سبيل الحق الذي رأوه في المسيح، وهذا ما يشهد به التاريخ من قيام الكنيسة في نهضة مباركة بعد المسيح مباشرة.
أما الصديق فيستمسك بطريقه= أيوب قد يعني نفسه بهذه الكلمات، ولكن فإن كل القديسين الذين عرفوا المسيح تمسكوا بإيمانهم، وهكذا الكنيسة كلها عبر العصور.
الأيات 10-16:- “و لكن ارجعوا كلكم وتعالوا فلا اجد فيكم حكيما، ايامي قد عبرت مقاصدي ارث قلبي قد انتزعت، يجعلون الليل نهارا نورا قريبا للظلمة، اذا رجوت الهاوية بيتا لي وفي الظلام مهدت فراشي، وقلت للقبر انت ابي وللدود انت امي واختي، فاين اذا امالي امالي من يعاينها، تهبط الى مغاليق الهاوية اذ ترتاح معا في التراب“.
إرجعوا كلكم= تأكدوا يا أصحابي أنكم مخطئون، لا أجد فيكم حكيماً= يعرف كيف يفسر مشكلة الألم الذي يسمح به الله للقديسين. وهو هنا يذكر كيف أن كل أحلامه عن أيام سعيدة كانت أوهام وتبددت بل هو إقترب من الموت. أيامي قد عبرت، مقاصدي إرث قلبي قد إنتزعت= أي في أيام رخائي كانت أفكار قلبي ومقاصدي أن أزداد رخاء وأكمل أيامي في سعادة، وكل هذا إنتهي. يجعلون الليل نهاراً نوراً قريباً من الظلمة= أصحابه بوعودهم الكاذبة أن آلامه ستنتهي حول ليله (آلامه) إلي نهار(أمال) ولكن في الحقيقة فأي نور له (رجاء في المستقبل) هو أقرب ما يكون للظلمة، فهو بلا رجاء. وكل رجاؤه كان الموت= إذا رجوت الهاوية بيتاً لي= أنني أخدع نفسي إذا ما توقعت منفذاً لي من متاعبي سوي ما يقدمه الموت. مهدت فراشي أي أعد قبره كفراش يرتاح فيه. بل قلت للقبر أنت أبي= لقد خذله أصدقاؤه فصار القبر والدود أقرب أقربائه، يرحب بالقبر فالموت صار أكثر حناناً من أصدقائه.
أمالي. . . تهبط إلي مغاليق الهاوية= الأمال التي تحدثوني عنها ستهبط معي إلي الهاوية ويغلق علينا، اي لا رجاء مطلقاً.