تفسير سفر أيوب ١٨ للقمص أنطونيوس فكري
تفسير سفر أيوب – الإصحاح الثامن عشر
نجد هنا خطاب بلدد وفيه يجدد الهجوم علي أيوب بأكثر قسوة، ونلاحظ ملاحظة هامة في خطب أيوب نلمح تقدماً من الظلمة إلي النور. . . . العكس في خطب الأصحاب نجدهم يزدادون قسوة.
الأيات 1-4:- “فاجاب بلدد الشوحي وقال، الى متى تضعون اشراكا للكلام تعقلوا وبعد نتكلم، لماذا حسبنا كالبهيمة وتنجسنا في عيونكم، يا ايها المفترس نفسه في غيظه هل لاجلك تخلى الارض او يزحزح الصخر من مكانه“.
نجد بلدد يتهم أيوب بالتحدث بكلام فارغ لا نهآية له ولا خير فيه. إلي متي تضعون أشراكاً للكلام=بلدد يتهم أيوب بأنه يدخلهم في محاورات خيالية، هي كأشراك تضل السامعين، وهي ليست سوي مجرد ألفاظ لا تحوي شيئاً( كأنها شرك يأتي إليه الصياد ويظن أن في داخله صيداً ثميناً فيجده فارغاً).تعقلوا وبعد نتكلم= إتهمه بعدم الإهتمام بما قيل له، ويطلب منه أن يفكر فيما سمع قبل أن يرد بكلام فارغ. ثم إتهمه بالإزدراء بأصحابه= لماذا حسبنا كالبهيمة عندك= وأيوب لم يقل شيئاً كهذا ولكنها مبالغة والمعني هل تحسبنا لا نفهم وكلامنا تافه كما لو كنا حيوانات. ثم إتهمه بالإنفعال والتهور
يا أيها المفترس نفسه في غيظه= كان أيوب قد إتهم الله بأنه يفترسه وهنا بلدد يرد عليه بأنه هو الذي في غيظه يفترس نفسه أي يمزق نفسه. وهذا كلام صحيح فالغيظ خطية تحمل قصاصها في نفسها، فإن سريعي الإنفعال والتهيج يمزقون أنفسهم. هل لأجلك تخلي الأرض= هذا إتهام لأيوب بأنه في غطرسته وكبريائه يظن أنه لكي يهرب من النظام الأدبي للكون، والذي يحتم عقوبة الأشرار، فلينقلب العالم رأساً علي عقب ويفرغ العالم من سكانه ليبقي أيوب وحده ويضع نظامه الخاص ويفلت من عقوبته. أو يزحزح الصخر من مكانه= من المستحيل زحزحة الصخر، ولكن هل نغير قوانين الطبيعة من أجلك. وإذا كان تغيير القوانين الأرضية (زحزحة الصخر، وإخلاء الأرض) مستحيل فبالأولي من المستحيل تغيير قوانين الله وهو مالك السموات والأرض وهو صخر الدهور.
الأيات 5-10:- “نعم نور الاشرار ينطفئ ولا يضيء لهيب ناره، النور يظلم في خيمته وسراجه فوقه ينطفئ، تقصر خطوات قوته وتصرعه مشورته، لان رجليه تدفعانه في المصلاة فيمشي الى شبكة، يمسك الفخ بعقبه وتتمكن منه الشرك، مطمورة في الارض حبالته ومصيدته في السبيل”.
بعد أن أثبت بلدد سابقاً إستحالة تغيير القوانين، يذكر هنا القانون الذي إستمات الكل في الدفاع عنه وهو حتمية هلاك الأشرار، وهذا ينطبق علي أيوب.
نعم. نور الأشرار ينطفئ= نعم فيها رد علي شكوي أيوب والمعني وإن إعترضت يا أيوب علي هذا لكنه صحيح. ونور الأشرار أي حتي ما هو منير وصالح فيهم سينطفئ سريعاً. فقد يكون للشرير نجاح بعض الوقت، كنور في حياته ولكنه سريعاً ما سينطفئ. ونجاحه هذا شئ وقتي كأنه نار مشتعلة وسريعاً ما ستنطفئ= ولا يضئ لهيب ناره. النور يظلم في خيمته. وسراجه فوقه ينطفئ= كان العادة وضع السراج أعلي الخيمة حتي يضئ الخيمة كلها. والتشبيه معناه، أن نجاحه كسراج سريعاً ما ينتهي زيته وينطفئ وإذا فهمنا التشبيه الكتابي بأن الخيمة تشير للجسد، فهكذا الحياة ستنتهي سريعاً.
تقصر خطوات قوته= بمعني الإرتباك والتردد. وتصرعه مشورته= يسلمه الله لمشورته فهذا ما يستحقه، وتدفعه مشورته الفاسدة لهلاكه (فرعون وهلاكه). لأن رجليه تدفعانه في المصلاة= المصلاة تعني الشرك. والمعني أنه هو صاحب قرار هلاكه فهو الذي قرر هذا الطريق المهلك لنفسه، وحين ينزع الله نوره أي الحكمة من الشرير فهذا يحدث فعلاً وتكون قرارات الشرير كلها خاطئة وتقوده عبر طريق مظلم من خراب إلي خراب، ولا يستطيع أن يتمم مقاصده. ويفشل في النجاة= ويمسك الفخ بعقبه وبينما هو يدبر الشر للأخرين سيقع هو في شبكة شره. مطمورة في الأرض حبالته الحبالة أو والأنشوطة هي نوع من الأشراك تخفي في الأرض، وتمسك برجل الفريسة فتتعلق الفريسة من رجلها في شجرة. ومصيدته في السبيل= أي وهو في طريقه تمسك به هذه المصيدة، وهكذا نفهم أن إبليس يضع هذه الشراك في طريقنا، لكن من ينير الله عينيه يري هذه الشراك ويهرب فينجو.
الأيات 11-21:- “ترهبه اهوال من حوله وتذعره عند رجليه، تكون قوته جائعة والبوار مهيا بجانبه، ياكل اعضاء جسده ياكل اعضاءه بكر الموت، ينقطع عن خيمته عن اعتماده ويساق الى ملك الاهوال، يسكن في خيمته من ليس له يذر على مربضه كبريت، من تحت تيبس اصوله ومن فوق يقطع فرعه، ذكره يبيد من الارض ولا اسم له على وجه البر، يدفع من النور الى الظلمة ومن المسكونة يطرد، لا نسل ولا عقب له بين شعبه ولا شارد في محاله، يتعجب من يومه المتاخرون ويقشعر الاقدمون، انما تلك مساكن فاعلي الشر وهذا مقام من لا يعرف الله”.
بلدد يستمر ويسترسل في شرح نظريته. ترهبه أهوال من حوله، وتذعره عند رجليه= إذا أمسكت الحبالة (المصيدة) بقدميه يرتعب، ولن يجد ضميره راحة، بل يظن أن الخليقة كلها تحاربه، والسماء غاضبة عليه وهو وحده في رعب. تكون قوته جائعة ما إعتمد عليه من قوة وثروة وسلطان يخزيه يوم بليته، ولا يفيده كل ما عنده. البؤار مهيأ بجانبه= أي يري خرابه يقترب. ويري موته يقترب يأكل أعضاءه بكر الموت، يأكل أعضاء جسده= المرض الذي فيه تتأكل أعضاء الجسد هو مرض البرص المخيف. وأسماه بكر الموت، فالبكر هو الأقوي والأغني فله نصيب الضعف، وبكر الموت هو أقوي الأمراض المميتة. ينقطع عن خيمته عن إعتماده= يؤخذ كل ما كان له الذي كان معتمداً عليه، ويذهب عنه حتي خيمته التي كان يسكن فيها. يساق إلي ملك الأهوال= ملك الأهوال هو الموت، فكأنه في حياته أحاطت به الأهوال، وأعظم الأهوال هو الموت فهو ينهي سعادة الأشرار في هذه الدنيا ولا أمل لهم في العالم الآخر. يسكن في خيمته من ليس له= حسب ترجمة(الإنجليزية) لأنها ليست له= أي أملاكه يرثها غيره فهو لايستحق ما أخذه من الأبرياء بالظلم. يذر علي مربضه كبريت= إذا لم يأخذه أحد يحرقه الله بنار كما أحرق سدوم وهنا إشارة مؤلمة أوجع بها بلدد قلب أيوب لما حدث لأيوب حين إحترقت أملاكه بنار.
من تحت تيبس أصوله ومن فوق يقطع فرعه= أي كل ما له سوف يباد، فبيت الشرير هنا مشبه بشجرة لها جذور(أملاكه/ صحته/ أمانه) ولها فروع( أولاده/ أحفاده/ أصهاره) والشرير كل ماله يزول. حتي أن ذكره يبيد من الأرض ولا إسم له علي وجه البر= حينما يموت وتموت عائلته كلها لا يوجد من يذكره(والبر هو الشارع في الإنجليزية) أي أن الناس في حياتهم العادية سوف ينسونه تماماً. يدفع من النور إلي الظلمة= النور في عرف الناس هو النجاح والإزدهار والشهرة، والظلمة هي الخراب والموت في النهآية.
ومن المسكونة يطرد= رسل الموت يطردونه من العالم. لا نسل له ولا عقب= إشارة مرعبة لهلاك أولاد أيوب(هل هذا كلام تعزية) ولا شارد= فأسرته كلها تهلك يتعجب من يومه المتأخرون= ينذهل الجميع مما حدث له ذهولاً تماماً(المتأخرون= الذين سمعوا بقصته من أبائهم، أي أتوا بعده، والأقدمون من عاشوا في وقته).
تفسير أيوب 17 | تفسير سفر أيوب | تفسير العهد القديم |
تفسير أيوب 19 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير سفر أيوب | تفاسير العهد القديم |