تفسير سفر يوئيل ٣ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الثالث

الآيات (1-3): “لأنه هوذا في تلك الأيام وفي ذلك الوقت عندما أرد سبي يهوذا وأورشليم. اجمع كل الأمم وأنزلهم إلى وادي يهوشافاط وأحاكمهم هناك على شعبي وميراثي إسرائيل الذين بدّدوهم بين الأمم وقسموا ارضي. والقوا قرعة على شعبي وأعطوا الصبي بزانية وباعوا البنت بخمر ليشربوا.”

ينطلق بنا النبي من الحديث عن التأديبات الإلهية إلى يوم الدينونة، يوم الرب العظيم، حيث يلقي إبليس ومن تبعه في البحيرة المتقدة بالنار. وقد بدأ القضاء على إبليس يوم الصليب (يو31:12) وهو الآن مقيَّد لمدة 1000سنة (رؤ2:20) ثم بعد هذه الألف سنة وفي نهاية الأيام يُطلق لمدة يسيرة وذلك حسب شهوات الناس “يعطيك الرب حسب قلبك” (مز20) ثم يأتي يوم الرب العظيم ويلقي في البحيرة المتقدة بالنار (رؤ10:20). ويرمز لإبليس وجنوده في هذه الأيام بالأمم = والأمم كلمة تعني الشعوب الوثنية أي التي كانت تسير وراء أوثانها التي يعمل فيها إبليس (رؤ8:21) عندما أرد سبي يهوذا = هذا بدأ بالفداء حينما حررنا الابن بعد ان اشترانا بدمه. ولكن في اليوم الأخير يكمل العمل بحصولنا على الجسد الممجد (رو23:8) ومكان الدينونة هو وادي يهوشافاط = وهذا في العبرية يعني وادي يهوه يقضي أو وادي الدينونة والقضاء. فكلمة يقضي تعني يدين. وهو وادي بجوار أورشليم، فبعد الدينونة يدخل الأبرار لأورشليم السمائية، أمّا الأشرار فيهلكون في هذا الوادي (راجع القصة في 2أي1:20-5) حقاً أن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع قوّات شر روحية لكن من معنا أقوى ممن علينا (كو15:2) إن الرب يتطلع لهذا اليوم “لأن يوم النقمة في قلبي وسنة مفدييي قد أتت” (أش4:63) والفداء بدأ بالصليب ولكنه سيكمل في اليوم الأخير. ولماذا النقمة على هذا العدو؟ قسموا أرضي وألقوا قرعة على شعبي = وكان جنود الأمم هكذا يفعلون بالسبايا ويوزعون البنات بالقرعة والأولاد يؤخذون كعبيد، والله سيدين ويقضي على استهزاء جنود الأمم بشعبه. وهنا جنود الأمم يرمزون لإبليس الذي سينتقم الله منه على ما فعله بأولاده. وإلقاء قرعة على شعب الله يذكرنا بما فعله الجند بثياب المسيح. وثياب المسيح هي شعبه (راجع قصة حلم الباب بطرس خاتم الشهداء عن آريوس حين حلم بأن آريوس مزق ثيابه أي فرق كنيسته) فكل الأمم تقاسموا أرض الله، أي الشياطين تقاسموا أولاد الله كأنهم يمتلكونهم. بل هم امتلكوهم وباعوهم باعوا الصبي بزانية = هكذا ضاعت كرامة الإنسان بسبب الخطية فصار أولاد الله يباعون بثمن بخس يساوي شهوة مع زانية وهم بددوا ميراث الرب = فحين علموهم الخطية تسببوا في تشتيتهم وعبوديتهم وسبيهم. بل قوله ألقوا قرعة = تشير للاستخفاف بأولاد الله. فكان جنود الجيوش في مراهناتهم في ألعابهم يلقون قرعة على أسرى شعب الله.

 

الآيات(4-8): “وماذا انتنّ لي يا صور وصيدون وجميع دائرة فلسطين.هل تكافئونني عن العمل أم هل تصنعون بي شيئا.سريعا بالعجل أرد عملكم على رؤوسكم. لأنكم أخذتم فضتي وذهبي وأدخلتم نفائسي الجيدة إلى هياكلكم. وبعتم بني يهوذا وبني أورشليم لبني الياوانيين لكي تبعدوهم عن تخومهم.هاأنذا أنهضهم من الموضع الذي بعتموهم إليه وارد عملكم على رؤوسكم. وأبيع بنيكم وبناتكم بيد بني يهوذا ليبيعوهم للسبائيين لأمة بعيدة لان الرب قد تكلم.”

ما أصعب على قلب الله أن يرى أولاده، ميراثه وخاصته، فضته وذهبه. نفائسه الجيدة يستعبدون ويدخلون في عبودية الشيطان = أدخلتم نفائسي الجديدة إلى هياكلكم = الهياكل هنا هي محبة العالم التي جذب الشيطان أولاد الله لها. وفي تأمل آخر فقد أعطانا الله فضته (كلمة الله) وذهبه (السمة السماوية) ونفائسه الجيدة (ثمار ومواهب الروح) فعلينا أن لا ندخلها لهياكل محبة العالم. وحينئذ لو دخلنا لهياكل محبة العالم سيبدد العدو الشرير كل ما لنا بأبخس الأثمان. وفي آية (8) يشير لصور وصيدون جيران إسرائيل فهم استغلوا محنة الشعب ربما بعد غزو الأعداء وانقضوا عليهم وسبوا أولادهم وبناتهم وباعوهم للياوانيين (اليونان) وهنا الله يوجه لهم اللوم هل تكافئونني عن العمل = أي لقد وهبتكم أنتم أيضاً كل شئ فلماذا تكافئونني بخطف أولادي والكلام موجه ضمنياً لإبليس الذي خلقه الله كامل الجمال (أش14 + حز28) ولكن من يغيظ الله سينتقم منه الله. فهنا صور وصيدون وفلسطين = بسبب عداوتهم التقليدية لشعب الله اتخذوا مثلاً للشيطان هأنذا انهضهم = ها هو فداء المسيح الذي يحررنا ماذا انتن لي = أي هل ظلمتكم حتى تفعلوا هذا بي. وأرد عملكم = لما أخذ الإسكندر مدينة صور باع 13.000من أهلها عبيداً. وفي آية (8) هذا حدث فعلاً أيام المكابيين. ولكنها تعني روحياً أن القديسين سيدينوا العالم (1كو2:6) فالشرير لن يستطيع الاعتذار بضعفه لأن القديس كان يشابهه في كل الظروف وبحريته اختار الله. أما السبائيين = فهم سكنوا في بلاد العرب.

 

الآيات(9-13): “نادوا بهذا بين الأمم.قدسوا حربا انهضوا الأبطال ليتقدم ويصعد كل رجال الحرب. اطبعوا سكّاتكم سيوفا ومناجلكم رماحا.ليقل الضعيف بطل أنا. أسرعوا وهلموا يا جميع الأمم من كل ناحية واجتمعوا.إلى هناك أنزل يا رب أبطالك. تنهض وتصعد الأمم إلى وادي يهوشافاط لأني هناك اجلس لاحاكم جميع الأمم من كل ناحية. أرسلوا المنجل لان الحصيد قد نضج.هلموا دوسوا لأنه قد امتلأت المعصرة.فاضت الحياض لان شرهم كثير.”

الله هنا يسخر من الأمم التي إتكلت على ذاتها ويعلن ضعفها أمام أولاده الذين أعطاهم قوته (أش9:8،10). والله هنا يسأل الأمم أن يثيروا ما استطاعوا من حرب ضد أولاده، بل يحولوا سكاتهم (أسنان المحراث) إلى سيوف. والمعنى أن كل همهم هو الحرب، فليحولوا أدوات زراعتهم لأدوات حرب. وهذا عكس ما قيل في (أش4:2) ففي أشعياء يشير لسلام الكنيسة. قدسوا حرباً أي كرسوا كل طاقاتكم وإمكانياتكم للحرب. ليقل الضعيف بطل أنا = لقد ظن الشيطان الضعيف أنه بطل. وهو أدرك ضعفه في معركة الصليب. ولكن فليقل كل مؤمن أحس بضعفه أنه قوي بالمسيح (2كو9:12) وهذا الكلام موجه للشيطان وكل من يعمل فيه مثل سنحاريب وأنطيوخس وضد المسيح، وكل مقاوم للكنيسة. قارن مع (مز1:2،4) ولكن وسط هذه الاضطهادات يكون للرب خدّام وشهود وشهداء أبطال = إنزل يا رب أبطالك وفي اليوم الأخير سيأتي المسيح وسط الملائكة أبطاله. وفي (12) تنهض وتصعد = أي أن هذه الأمم ستفعل هذا بالتأكيد ويتحُّدوا الله، لتأتي عليهم الدينونة. وفي (13) قارن هذه الآية بـ (رؤ18:14 + رؤ11:19 + مت39:13) إذن هذه المعصرة هي معصرة غضب الله على الأشرار في اليوم الأخير.

 

الآيات (14-17): “جماهير جماهير في وادي القضاء لان يوم الرب قريب في وادي القضاء. الشمس والقمر يظلمان والنجوم تحجز لمعانها. والرب من صهيون يزمجر ومن أورشليم يعطي صوته فترجف السماء والأرض.ولكن الرب ملجأ لشعبه وحصن لبني إسرائيل. فتعرفون أني أنا الرب إلهكم ساكنا في صهيون جبل قدسي وتكون أورشليم مقدسة ولا يجتاز فيها الأعاجم في ما بعد”

جماهير جماهير = علينا أن لا نرتعب من إبليس حتى وأن ظهر كجماهير كثيرة وقوية أو عمل من خلال جماهير كثيرة وقوية فهو محكوم عليه. ومن يستجيب له في وادي القضاء. ولأن الرب من صهيون يزمجر = فهو الأسد في داخل كنيسته يُرعب من يضطهدها. ولأن الرب ملجأ لشعبه = فإذا كان الله هو الذي يحمينا فممن نخاف. ولأنه لن يدخل الغرباء في صهيون أي الكنيسة = ولا يجتاز فيها الأعاجم في ما بعد. فبعد أن ندخل لأمجاد السماء لن تكون هناك حروب أخرى ضدنا. ويتمجد الله في ذلك اليوم بخلاصه لأولاده فتعرفون.. جبل قدسي = في السماء ستثبت القداسة ولا حروب بعد ذلك فلن يوجد لنا جسد ضعيف قابل للسقوط ولن يدخل فيها شئ نجس = الغرباء ويكون الله نور هذا المكان = فتظلم الشمس والقمر أمام نوره.

 

الآيات (18-21): “ويكون في ذلك اليوم أن الجبال تقطر عصيرا والتلال تفيض لبنا وجميع ينابيع يهوذا تفيض ماء ومن بيت الرب يخرج ينبوع ويسقي وادي السنط. مصر تصير خرابا وأدوم تصير قفرا خربا من اجل ظلمهم لبني يهوذا الذين سفكوا دما بريئا في أرضهم. ولكن يهوذا تسكن إلى الأبد وأورشليم إلى دور فدور. وأبرئ دمهم الذي لم أبرئه والرب يسكن في صهيون.”

تظهر هنا عطايا الله الأبدية والآن الله يملك ملكاً أبدياً وسنكون نحن خاضعين بالكامل لهُ خلال رأسنا المسيح (1كو28:15) وحينئذ تتفجر فينا ينابيع الروح القدس، فيظهر فينا ثمار كثيرة بل سنكون جبال وتلال وينابيع سنمتلئ ونفيض من العصير أي الفرح وسنكون كسكارى بحب الله واللبن = يشير للمعرفة فسنفيض من معرفة الله ووادي السنط = وادي جاف فبعد أن فاض علينا الله لن نعود للجفاف ثانية بل نصبح وادي مثمر. ومصر وأدوم رمز للشيطان عدو الله وعدو شعب الله سيكون نصيبهم الخراب. وأيضاً تشير لإنتهاء كل الجوانب السلبية في الإنسان الذي دخل إلى هذا المكان المقدس. هذه المواعيد تتم جزئياً الآن في الكنيسة وكلياً في السماء. وفي (20) وعد بأن يسكن الله أورشليم أبدياً. وفي (19) سبب آخر لدينونة مصر وأدم (الشيطان) فهم الذين أفسدوا يهوذا شعب الله وجعلوهم يسفكون دماً بريئاً في أرضهم هو دم المسيح ولكن في الأيام الأخيرة سيؤمن اليهود بالمسيح وهذا هو الطريق الوحيد ليبرئهم الله من الدم الذي قالوا عنه “دمه علينا وعلى أولادنا

فاصل

سفر يوئيلأصحاح 3
تفاسير أخرى لسفر يوئيل أصحاح 3

فاصل

تفسير يوئيل 2 تفسير سفر يوئيل
القمص أنطونيوس فكري
فهرس
تفسير العهد القديم

 

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى