تفسير سفر يوئيل ١ للقمص تادرس يعقوب

اَلأصحاح الأَوَّلُ
غارات الجراد

يصف النبي غارات الجراد الأربع التي حدثت في أيامه لا ككوارث طبيعية فحسب، وإنما كجزء من خطة الله لخلاصنا. إذ يسمح لنا بالتأديب لأجل رجوعنا إليه بالتوبة.

غارات الجراد   [1-4].

افتتح النبي السفر بقوله: “قول الرب الذي صار إلى يوئيل بن فثوئيل” [1]. فإن كانت كلمة “فثوئيل” في العبرية تعنى “فتح الله”، فانه قد أنجب “يوئيل” الذي يعنى: “يهوه هو الله”. وكأنه إذ يفتح الله بصيرتنا الداخلية يعلن ذاته لنا. إنه يهوه! إى “هو الكائن”! الله هو الكائن الذي بجواره يصير الكل كأنهم غير كائنين. ففي أول لقاء لله مع أول قائد للشعب، قال له: “هكذا تقول لبنى إسرائيل: يهوه إله آبائكم إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب أرسلنى إليكم. هذا اسمى إلى الأبد. وهذا ذكرى إلى دور فدور” (خر 3: 15).

وكما يقول فيلون اليهودى الاسكندرى معلقًا على قول الله لموسى: [أخبرهم أولاً أنيّ أنا هو الكائن حتى تعرفوا الفارق بين من هو كائن وما هو ليس بموجود[8]].

ليكن في داخلنا فثوئيل، أى ليفتح الله بصيرتنا فندرك أسراره. فنتجه إليه ونوجد معه بكونه الكائن السرمدى. ولا نعطيه القفا لئلا نعود إلى العدم، إذ يقول القديس أغسطينوس: [من يأخذ الاتجاه المضاد لله إنما يسير إلى العدم[9]].

بعد هذه المقدمة المختصرة للغاية حدثهم عن غارات الجراد، قائلاً:

اسمعوا هذا أيها الشيوخ.

واصغوا يا جميع سكان الأرض.

هل حدث هذا في أيامكم، أو في أيام آبائكم؟!

اخبروا بنيكم عنه، وبنوكم بنيهم. وبنوهم دورًا (جيلاً) آخر.

فضلة القمص أكلها الزحاف.

وفضلة الزحاف أكلها الغوغاء.

وفضلة الغوغاء أكلها الطيار. [2-4]

إن كان النبي يطلب من الشيوخ أن يسمعوا لقول الرب، فإنه يسأل جميع سكان الأرض أن يصغوا، فإن الله يود أن يتحدث مع كل البشر بلا محاباة!! إن كان الله يتحدث بلغة أو أخرى فإنه يطلب أن يلتقى مع كل إنسان ليعلن عن معاملات حبه له.

هذا ويطلب النبي منهم أن يخبروا بنيهم بالأمر، أى بصوت الرب ومعاملاته. لكى يقدموا خبرة حياة للجيل القادم، وهكذا كل جيل يسلم غيره ما قد تسلمه. هذا هو “التسليم” أو “التقليد” الذي هو في جوهره “معاملات الله مع بنى البشر”. لهذا يقول الرسول بولس: “ما تعلمتموه وتسلمتموه وسمعتموه ورأيتموه في فهذا افعلوا” (في 4: 9). ويقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [يكفينا للبرهنة على عبادتنا ذلك التقليد (التسليم) المنحدر إلينا من الآباء بكونه الميراث الذي تناقلناه بالتتابع منذ الرسل خلال القديسين الذين تبعوهم[10]]… فكل جيل ملتزم بتسليم الجيل الجديد إنجيل الرب كسرّ حياة عملية خلال العقيدة السليمة والعبادة الحيّة والسلوك الروحي.

أما بخصوص غارات الجراد المذكورة هنا فقد رأى غالبية الدارسين أنها حملات حقيقية شاهدها النبي بينما ظن البعض أنها مجرد تعبير رؤيوى يكشف عما يتحقق فيما بعد، خاصة في الأزمنة الأخيرة…

القمص هو الجراد عندما يخرج من بيضه عاجزًا عن الحركة.

والزحاف هو الجراد عندما يبدأ في الحركة فيزحف أو يمشى.

والغوغاء عندما ينبت له جناحان صغيران.

والطيار ينطلق ليطير في الجو.

يرى كثير من علماء اليهود حتى أيام القديس جيروم أن هذه الغارات الأربع تُشير إلى أربع حملات قام بها سنحاريب ملك أشور ضد يهوذا (إش 1 ذ: 36)، أو إلى أربع ممالك سادت إسرائيل ويهوذا وهي: أشور وبابل؛ مادى وفارس؛ والمقدونيون؛ الرومان؛ أو: مصر وأشور وبابل واليونان… على أى الأحوال قبلت الكنيسة الأولى الفكر الرمزى لهذه الحملات دون إنكار حدوثها.

ويلاحظ في هذه الحملات الأربع (القمص. الزحاف. الغوغاء. الطيار) الآتى:

أولاً: نحن نعلم أن رقم 4 يُشير إلى العالم بجهاته الأربع: الشرق والغرب والشمال والجنوب. وإلى الجسد المأخوذ من الأرض أى من العالم. وكأن هذه الغارات تمثل حرب محبة العالم ضد المؤمن، وهجوم شهوات الجسد ضد الروح. فإذ يسقط الإنسان تحت الخطية، يسمح الله له بالتأديب خلال خطيته، إذ تحمل الخطية في ذاتها فسادها ومرارتها. فالمؤمن الذي ينحرف نحو محبة العالم وشهوات الجسد، يسمح الله أن يتركه إلى حين لهجمات محبة العالم وشهوات الجسد، ليدرك المؤمن أن الخطية تحمل في داخلها فسادها، فيتأدب بذات الخطأ الذي ارتكبه. هذا ما يؤكده لنا الله باستمرار: أن ما يحل بنا من تأديب هو ثمرة طبيعية لعمل ارتكبناه، فيقول: “أما صنعتِ هذا بنفسك؟!” (إر 2: 17). “طريقكِ وأعمالكِ صنعت هذه لكِ، هذا شركِ فإنه مرّ، فإنه قد بلغ قلبك” (إر 4: 18). فإذ يترك الإنسان الله الحق ويرتبط بمحبة العالم الباطل وشهوات الجسد الوقتية لا يتوقع إلاَّ أن يصير هو نفسه باطلاً، يفقد كل ما هو حق.

لقد أحب يهوذا العالم لا الله، شهوات الجسد لا الروح، لهذا صار أرضًا لا سماءً، وجسدًا بلا روح.

من محبة الله لنا إذ نقبل بإرادتنا أن نصير أرضًا لا سماءً، يسمح بكوارث زمنية أرضية عنيفة من براكين وزلازل وفيضانات وسيول وعواصف وأوبئة وقحط غارات الجراد والخسائر المادية تهز أرضنا، فنتركها هاربين إلى الله الذي وحده يجدد أرضنا ويجعلها سماءً له!!

إن كانت أرضنا، أى جسدنا، قد أثمر من ذاته  شهوات جسدية، يسمح الله فيرسل غارات الجراد كثمر طبيعي لخطايانا يحطم ما ظنناه ثمرًا مفرحًا. فنهرب إلى الله الذي وحده يقدر أن يقدسنا. يجردنا من أعمالنا الذاتية الشريرة، لا ليحطمنا، وإنما ليحطم ما قد سكن فينا من شر واحتل مركز قلبنا. يطرد الشر ليملك هو فينا، واهبًا إيانا بروحه القدوس ثمرًا جديدًا يليق بالإنسان الجديد. لهذا، فلا عجب إن بدأ السفر بغزوات الجراد ليعلن غزو الروح القدس لقلوبنا (2: 28-32)، إذ نفقد ثمر الإنسان القديم وأعماله الميتة وننعم بثمر الإنسان الجديد على مستوى إلهي فائق!!

لتسمح يارب بتأديباتك ليّ مهما كانت مرارتها، فإننى إذ أتلمس خلالها مرارة خطاياي، تتعلق نفسي بعمل روحك القدوس واهب الحياة الساكن فيّ!!

لقد أوضح الله لسليمان الحكيم غاية التأديب بغارات الجراد، قائلاً: “إن أمرت الجراد أن يأكل الأرض، وإن أرسلت وبأ على شعبي، فإذا تواضع شعبي الذي دُعىِ اسمي عليهم وصلوا وطلبوا وجهي ورجعوا عن طرقهم الردية، فإنني أسمع من السماء، وأغفر خطيتهم، وأبرىء أرضهم” (2 أى 7: 13-14). إنه يسمح بالجراد لا لهدمنا، بل لهدم شرنا، لطلب وجهه والتجاوب مع روحه القدوس الساكن فينا، فننال غفران الخطايا. لكن للأسف كثيرًا ما يعاند الإنسان نفسه كما فعل بنو إسرائيل إذ يوبخهم، قائلاً: “كثيرًا ما أكل القمص جناتكم وكرومكم وتينكم وزيتونكم فلم ترجعوا” (عا 4: 9).

ثانيًا: يبدأ الله في تأديبه للإنسان بالسماح لغارة القمص الصغير أن تهاجمنا. فإن لم نرجع إليه يسمح بالزحاف، وإن لم نتب فالغوغاء ثم الطيار، وإذ لا نقبل تأديباته هذه كلها يسمح بغزو الأعداء. وأخيرًا يأتى يوم الرب ظلامًا قاتمًا لمن لم يقبل كل أنواع التأديبات. إنه يتدرج معنا في تأديباته حتى متى خضعنا له يترفق بنا.

ثالثًا: لعل هذه المرحلة من الجراد: القمص والزحاف والغوغاء والطيار، تُشير إلى حرب الخطيئة ضدنا وغزوها للقلب. تبدأ بالقمص الصغير جدًا، الذي يتسلل إلى القلب أو الفكر أو الحواس خفية كالثعالب الصغيرة المفسدة للكروم (نش 2: 15)، هذه التي يُستهين بها الإنسان فتملك على القلب وتفسده. وإذ يقوم القمص بدوره الخفي ينفتح الباب للزحاف حيث تزحف إلينا خطايا أخرى، فتسلمنا خطية إلى خطية، ونصبح ألعوبة في أيديهم. وإذ يسحبنا الزحاف إلى خطايا جديدة لم نكن نظن أننا نسقط فيها يتجرأ العدو علينا فتتسرب خطايا أبشع وأمر تمثل الخطايا في أبشع صورها أى الطيار، هذه التي تنطلق بنا إلى أعماق الهاوية، هذه التي وصفها سفر الرؤيا (9: 1-12) أنها خارجة من بئر أعماق الهاوية، مفسدة لنور الشمس تلدغ كالعقرب وصوت كصوت مركبات خيل كثيرة تجري إلى قتال. بمعنى آخر كل تهاون يسحبنا إلى مرحلة أخطر حتى يستسلم الإنسان لجراد الهاوية المهلك. يقول القديس مرقس الناسك: [يقدم لنا الشيطان خطايا صغيرة تبدو كأنها تافهة في أعيننا، لأنه بغير هذا لا يقدر أن يقودنا إلى الخطايا العظيمة[11]].

آثار الغارات   [5-12].

اصحوا أيها السكارى،

وابكوا وولولوا يا جميع شاربى الخمر،

على العصير، لأنه انقطع عن أفواهكم. [5]

في البداية سألهم أن يسمعوا ويصغوا. أما وقد حدثت غارات الجراد سألهم أن يصحوا ويتيقظوا عن سكرهم إذ شربوا خمر العالم الذي أفسد عقلهم وحطم حكمتهم الحقة. يليق بهم أن يفيقوا من السكر ليبكوا ويولولوا على ما وصلوا إليه من حرمان!!

[يوجد سكر للنفس يصعب تجنبه إذ تصطادنا اهتمامات هذا العالم حتى إن كنا نعيش في حياة الوحدة. عن مثل هذا يقول النبي: “اصحوا أيها السكارى (لكن ليس بالخمر)”. ويقول آخر: “قد سكروا وليس من الخمر، ترنحوا وليس من المسكر” (إش 29: 9). في هذا السُكر يستخدمون خمرًا يسميه النبي: “سُم الافعوان”…

أتريد أن تعرف شيئًا عن ثمرة الكروم وثمر ذلك الغصن؟

إنه يقول: “عنبهم عنب سم ولهم عناقيد مرارة”. لأنه ما لم نتطهر من كل الأخطاء، ونزهد تخمة كل الشهوات، نثقل قلوبنا بمسكر وخمر أشد خطرًا. دون أن تسكر بخمر أو تتخم بولائم[12]].

لقد سكروا بخمر محبة العالم، فحرموا أنفسهم من الخمر الجديد الذي هو “الروح القدس”، الذي به تترنح النفس في محبة الله.

يدعوهم سكارى، وفي نفس الوقت يطالبهم بالبكاء والولولة على العصير لأنه انقطع من أفواههم. إذ حرموا أنفسهم مما تمتع به التلاميذ في يوم الخمسين (خمر الروح القدس) حيث وقف الرسول بطرس وقال: “لأن هؤلاء ليسوا سكارى كما أنتم تظنون، لأنها الساعة الثالثة من النهار بل هذا ما قيل بيوئيل النبي: “يقول الله ويكون في الأيام الأخيرة أنيّ أسكب من روحي على كل بشرٍ…” (أع 2: 15-17).

ليبكِ إسرائيل القديم وليولول لأنه قد انقطع عن فمه عصير الخمر السماوي الجديد برفضهم سكنى الروح فيهم، وليفرح إسرائيل الجديد – رجال العهد الجديد – ويتهللوا إذ رفضوا خمر العالم، أي أعمال الإنسان القديم لينعموا بخمر الروح المحييّ!

إذ يطلب من السكرى بخمر العالم أن يصحوا ويتعقلوا لأن غارات الجراد قد حلت بهم يكشف لهم عن فاعلية هذه الغارات من جوانب كثيرة، بكونها فاضحة لعمل الخطية فينا.

يقول “إذ قد صعدت على أرضي أمة قوية بلا عدد، أسنانها أسنان الأسد ولها أضراس اللبوة” [6]. إن كانت الجرادة في أي مرحلة من مراحل نموها لا تزيد عن كونها حشرة صغيرة يستطيع الإنسان أن يستحقها بقدمه أو حتى بأصبعه، لكن الجراد يتجمَّع معا كحملات قوية وخطيرة لا يمكن مقاومتها.

في عتاب يقول، “صعدت على أرضه”، فإن ما يحل بنا بسبب خطايانا وإن كان بسماح إلهي لتأديبنا، ولكنه يعتبر كل ما يمسنا يمس أرضه هو، إذ نحن أرض الله التي أقامها ليسكن فيها البرّ (2 بط 3: 13). فما نرتكبه من خطايا يُسيء إلى الله في أرضه!

أما سرّ قوة هذه الأمة التي بلا عدد فيكمن في فمها، إذ يقول: “اسنانها أسنان أسد ولها أضراس اللبوة”. فتحت الحية الغريبة فمها لتتحدث مع حواء، وإذ تراخت الأخيرة هلكت هي ورجلها ونسلها أيضًا. لنحذر إذن من كلمات إبليس المخادع، لنهرب منها كما من أسنان الأسد وأضراس اللبوة، إذ يقول الحكيم عن حكمة الله: “ليحفظك من المرأة الأجنبية من الغريبة الملقة بكلامها” (أم 7: 5).

يليق بنا ألاَّ نُخدع بكلامات إبليس المعسولة لئلا تمزقنا، كما يليق بنا أن نحرس لئلا يستخدمنا عدو الخير فنصير نحن أنفسنا أسنانه التي كأسنان الأسد؛ يستخدمنا في تمزيق حياة الآخرين وإيمانهم. فإن كان عدو الخير إبليس يجول كأسدٍ زائرٍ ملتمسًا من يبتلعه (1 بط 5: 8) فلا نكون نحن أداته في تمزيق اخوتنا.

من يسلم فمه لإبليس يكون اشبه بالأسنان في فم الأسد المهلك، كما يقول القديس يوحنا الدرجى: [فاه بطرس بكلمة فبكى بكاءً مرًا، ذلك لأنه لم يذكر القول القائل:” سأستيقط في طريقى لئلا أخطىء بلساني” (مز 38: 1)، ولا القول الآخر: “الزلة من السطح ولا الزلة من اللسان” ابن سيراخ (20: 20)[13]].

ومن يسلم فمه للرب يصير اشبه بالأسنان في فم الأسد الخارج من سبط يهوذا، يحمل روح الغلبة والنصرة والحياة خلال الشهادة له، لا يمزق حياة اخوته بل يمزق عمل إبليس المضاد للحق.

إذن كلنا أسنان إما في فم الأسد المقاوم للحق أو في فم الأسد الحق، وكما يقول الحكيم: ” من ثمر فم الإنسان يشبع بطنه، ومن غَلَّة شفتيه يشبع، والموت والحياة في يد اللسان” (أم 18: 20-21).

ثانيًا: “جعلت كرمتي خربةً وتينتي متهشمة” [7].

إن كان تهاوننا مع الخطيئة قد أفسد حياتنا – أرض الرب – فصارت ميدانًا لغزو عدو الخير، الأمة التي بلا عدد، المفترسة كما بأسنان الأسد وأضراس اللبوة، فإن هذا قد حطم كرمة الرب وتينته.

يدعو الرب شعبه كرمته وتينته، فالكرم يقدم العنب الذي يجتاز مع الرب المعصرة ليحمل سمة آلامه ويدخل معه إلى قوة قيامته، والتينة بغلافها الحلو الذي يضم كميات كبيرة من البذور الرفيعة إشارة إلى عمل الحب والوحدة الذي للروح القدس العذب الذي يضم الأعضاء معًا بلا انعزالية ولا فردية[14]…

فالخطيئة تفقد الكرمة والتينة سمتهما، أي تحطم عمل المسيح المصلوب والروح القدس فينا. الخطيئة تحطم كرم الرب وتهشم تينته، فلا يقبل المؤمنون المعصرة بفرح لتقديم خمر جديد في ملكوت الآب، ولا السلوك بروح الحب والوحدة الذي هو عمل الروح القدس.

الله يفرح بشعبه، كالكرمة وسط البرية، أو كتينة بكر تشبع قلبه (هو 9: 10)، لكن الخطيئة تفسد هذه الكرمة وتهشم هذه التينة، وكما جاء في سفر حبقوق: “لا يزهر التين ولا يكون حَمْلُ في الكروم” (حب 3: 17).

ثالثًا: “قد قشرتها وطرحتها فأبيضت قضبانها” [7].

امتد عمل الجراد إلى قشرة الساق والفروع. ففقدت قشرتها وصارت قضبانها بيضاء. يا للعجب فإن البياض وهو يُشير إلى النقاوة والطهارة، ففي التجلي ظهر السيد المسيح بثيابه البيضاء كالنور (مت 17: 2)، إذ حملت في داخلها شمس البرّ الذي يشع ببهائه فيها. وعند القبر المقدس رأت القديسة مريم المجدلية “ملاكين بثياب بيض” (يو 20: 12). فإن العدو وهو يحاول الخداع يستخدم اللون الأبيض في حالة البرص علامة النجاسة (لا 13: 12-13).

فمادام لنا المسيح شمس البر ملجأ لنا فيه نختفي وهو يسكن فينا نحمل بياضه كالنور، ولكن إن نُزعنا عنه برفضنا إياه نصير قضبانًا بلا قشرة تحميه… لها بياض البرص النجس. بياض المسيح يرفعنا إلى السماء حيث السماوي سرّ بياضنا قائم، أما بياض البرص فيدفع صاحبه إلى خارج المحلة ليعيش منعزلاً، يشق ثيابه ويكون رأسه مكشوفًا ويغطى شاربيه وينادى: نجس! نجس! (لا 13: 36، 45).

رابعًا: الدخول إلى حالة ترمل مبكر، إذ يقول: “نوحي يا أرضي كعروس مؤتزرة بمسح من أجل بعل صباها” [8].

إن الإنسان عند ارتكابه للخطيئة يظن أنه يشبع نفسه المحرومة ويروي جسده بالملذات، فإذا به في الحقيقة  يدخل بها إلى حالة ترمل، فتأتزر بالمسوح بغير إرادتها، لأنها فقدت عريسها الأول “الله” الذي ارتبطت به منذ صباها، وعوض ثوب العرس المفرح لها وللسمائيين، صار لها مسوح الترمل المحزنة.

على أي الأحوال يبقى عريسها الأول، عريس صباها، يتملقها ويذهب بها إلى البرية ويلاطفها (هو 2: 14)، لينزع عنها ثوب ترملها القاتم، قائلاً لها: “وأخطبك لنفسي إلى الأبد” (هو 2: 19). لكنه لا يخطبها وهي في حضن الرجل الآخر، إنما يؤكد لها: “أخطبك لنفسي بالعدل والحق والإحسان والمراحم، أخطبك لنفسي بالأمانة فتعرفين الرب” (هو 2: 19-20).

خامسًا: انقطاع التقدمة والسكيب، إذ يقول: “انقطعت التقدمة والسكيب عن بيت الرب، ناحت الكهنة خدام الرب” [9].

تكشف غارات التأديب الإلهي ما وصلت إليه النفس بسبب الخطية، فإنها إذ صارت مترملة، فقدت اتحادها بالعريس السماوي، ولم يعد يقدر الكهنة أن يقدموا تقدمة أو يسكبوا سكيبًا للرب، إذ لا يقبل تقدمة الأشرار ولا سكيب من أعطوه القفا لا الوجه.

قبول التقدمة والسكيب في بيت الرب علامة الاتحاد بين الله وشعبه المقدس ورضى الله عنه، أما وقد سقط الشعب في الرجاسات فلا قبول لتقدماته بدون التوبة والرجوع إليه. يقول المرتل: “لأنك لا تسر بذبيحة وإلاَّ فكنت أقدمها، بمحرقة لا ترضى، ذبائح الله هي روح منكسرة. القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره” (مز 51: 16-17).

في دراستنا لرسالة معلمنا بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس رأينا أن السكيب يُشير إلى حياة الفرح المستمر الذي يسكبه الروح القدس بغنى وسط الآم الكنيسة بكونها ذبيحة الله المتحدة مع المسيح الذبيح[15]. وكأن انقطاع السكيب هو انتزاع للفرح الروحي الدائم عن الشعب لتحل الكآبة عوضًا عنه… هذا هو ثمر الخطيئة الطبيعي.

نحن في حاجة أن يتقبل الله التقدمة والسكيب… فنحمل سمة المسيح المصلوب: التقدمة وسمة الفرح الروحي (السكيب)، إن رجعنا بالتوبة إليه.

سادسًا: تلف الثمار: “تلف الحقل، ناحت الأرض، لأنه قد تلف القمح، جف المسطار، ذبل الزيت. خجل الفلاحون، ولول الكرامون على الحنطة وعلى الشعير، لأنه قد تلف حصيد الحقل، الجفنة يبست، والتينة ذبلت، الرمانة والنخلة والتفاحة كل أشجار الحقل يبست، إنه يبست البهجة من بنى البشر” [10ـ12].

إن كانت قد أفسدت الخطية كرم الرب وهشمت تينته، فإنها تفقد كل ثمر روحي في حياة المؤمن الذي هو حقل الرب.

أ. يتلف الحقل ويجف المسطار (الخبز الجديد) ويذبل الزيت: إن كان القمح يُشير إلى الخبز اليومي الضروري، فالمسطار يُشير إلى الشراب الروحي المفرح بينما يُشير الزيت إلى الدواء. هكذا جراد الخطية يفقد الإنسان طعامه الروحي وشرابه ودواءه، ليعيش في حالة جوع وعطش ومرض، ليس من يشبعه ولا من يرويه أو يضمد جراحاته.

لا يبخل الله على الإنسان بشيء، لكن الإنسان في جهله يستخدم ما لله لحساب عدوه. إذ يعاتب الله عروسه، قائلاً لها: “وهي لم تعرف أني أنا أعطيتها القمح والمسطار والزيت وكثرت لها فضًة وذهبًا جعلوه لبعل” (هو 2: 8). “وخبزي الذي أعطيتك السميذ والزيت والعسل الذي أطعمتك وضعتها أمامها (أمام صور ذكور تزنى معها) رائحة سرور” (حز 17: 19).

ليتنا خلال تأديبات الله ندرك ما بلغ إليه حالنا الداخلي فنجوع ونعطش إلى البرّ (مت 5: 6). فنجد السيد المسيح خبزًا سمائيًا لنا (يو 6: 15)، ومشربًا روحيًا، وطيبًا لنفوسنا.

ب. يخجل الفلاحون ويولول الكرامون إذ يأتي رب الحصاد فيجد حقله بلا حنطة ولا شعير. يجد رعاته وكهنته لا يقدمون طعام الأغنياء (الحنطة) أو حتى طعام الفقراء (الشعير).

إن كانت الحنطة تُستخدم كطعام للإنسان والشعير كطعام للحيوان، فإن الخطية تفسد كل شيء، فلا يشبع الإنسان (النفس الإنسانية) ولا حتى الحيوان (الجسد)؛ فيعيش الإنسان في حالة فراغ وجوع روحي ونفسأني وجسدي أيضًا.

ج. لا يوجد في النفس – الحقل الإلهي – ثمرًا سواء كان رمانًا أو نخلاً أو تفاحًا.

يُشير الرمان إلى وداعة المسيح التي تنعكس على وجه الكنيسة عروسه فيناجيها الرب: “خدك كفلقة رمانة تحت نقابك” (نش 4: 3)، إذ يكون لوجهها وداعته الحقة.

تُشير النخلة إلى حياة الاستقامة التي بلا انحراف، كقول العريس لعروسه الحاملة لطبيعة عريسها المستقيمة: “قامتك هذه شبيهة بالنخلة” (نش 7: 7).

ويُشير التفاح إلى التجسد الحامل للثمر المفرح لدى الآب والناس، حيث تقول العروس لعريسها المتأنس: “كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبى بين البنين، تحت ظله اشتهيت أن أجلس وثمرته حلوة لحلقي” (نش 2: 3). هكذا بالروح القدس إذ نتحد بشجرة التفاح الفريدة بين أشجار الوعر غير المثمر نصير نحن أنفسنا تفاحًا يُفَّرح قلب الله والناس، لنا رائحة مسيحنا… “رائحة أنفك كالتفاح” (نش 7: 8).

بمعنى آخر انعدام الرمان والنخيل والتفاح إنما يعني انتزاع سمة المسيح واستقامته ورائحته عن النفس البشرية!

د. إن كانت الخطية تفقد الإنسان طعامه الروحي (الحنطة) وشرابه (المسطار) ودواءه (الزيت)، تجعله بلا ثمر للنفس والجسد (حنطة أو شعير)، تحرمه من ملامح السيد واستقامته ورائحته الذكية… فإن هذا كله يحرم الإنسان بهجته الروحية وفرحه الداخلي، إذ يقول: “إنه قد يبست البهجة من بني البشر” [12].

كثيرون يظنون في الحياة المدللة فرحًا وبهجة، وفي الحياة مع الله حزنًا وكآبة… لكن الحقيقة غير هذه فان الحياة المدللة تحمل مرارة داخلية وكآبة وسط ترفها وضحكها، أما الحياة مع الله فتقدم فرحًا روحيًا عميقًا وسط الآلام والضيقات. الخطية تفقد الإنسان فرحه الروحي، والتوبة تهب فرحًا وسط الدموع، وسلامًا داخليًا رغم الطريق الكرب والباب الضيق. لهذا كتب القديس يوحنا الدرجى مقالاً كاملاً عن “النوح الحامل الفرح”[16]، جاء فيه: [تمسك كل التمسك بالتوجع المفرح الملازم لنخس القلب، ولا تكف عنه، حتى يرفعك عن الأرضيات، ويقدمك نقيًا إلى المسيح]، [من تسربل بالنوح المغبوط المنعم به عليه كحلة عرس، عرف ضحك النفس الروحأني]، [الدموع الناتجة عن ذكر الموت تولد الخوف، إذا ولد الخوف الاطمئنان أشرق الفرح، وإذا هدأ الفرح واستمر ثابتًا أينعت زهرة الحب المقدس[17]].

دعوة إلى توبة [13-14].

كشف الله من خلال تأديباته عن ثمر الخطية المر في حياة شعبه:

* هاجمت أرضه أمة قوية بلا عدد، أسنانها كأسنان الأسد [6].

* صارت كرمته خربة، وتينته مُتهشمة [7].

* فقدت الساق والأغصان قشرتها وصارت بلا حمية [7].

* دخلت عروسه إلى حالة ترمل مبكر [8].

* انقطعت التقدمة والسكيب الذي هو علامة رضى الله وفرحه ببيته [9].

* فقدت الطعام والشراب والدواء [10].

* فقدت سمات الرب واستقامته ورائحته الذكية [12].

* خسرت البهجة الروحية [12].

والآن يسرع الرب إلى تحويل الدموع والحزن إلى التوبة، هذه التي يلزم أن يمارسها الكهنة مع الشعب، إذ يقول: “تنطقوا ونوحوا أيها الكهنة. ولولوا يا خدام المذبح. ادخلوا بيتوا بالمسوح يا خدام إلهي. لأنه امتنع عن بيت إلهكم التقدمة والسكيب…” [13]. يوجه حديثه إلى الكهنة خدام المذبح ليقوموا بدورهم القيادي، لا بالنصح والإرشاد، وإنما أولاً بممارسة التوبة العملية، ليكونوا مع الشعب غير منعزلين عنهم. وقد أبرز علامات التوبة وملامحها في النقاط التالية:

أولاً: التنطق [13] أو لبس المسوح. إنه ليس وقت للبس الملابس الكهنوتية الثمينة والبهية، إنما هو وقت للتمنطق بالمسوح حتى يرق الله لشعبه ويتراءف على أولاده الساقطين. لبس المسوح يلازمه التذلل الداخلي والانسحاق بالروح أمام الله. يقول القديس يوحنا الدرجى: [ليكن لك ثوبك على الأقل داعيًا إلى النوح لأن جميع الذين يندبون موتاهم يرتدون السواد[18]].

ثانيًا: النوح والولولة [13]. فيليق بالكاهن ألاَّ يطلب دموع اخوته وأولاده الروحيين وهو جاف في مشاعره، إنما يمارس ما يطلبه منهم، قائلاً مع النبي: “من أجل سحق بنت شعبي انسحقت، حزنت، أخذتني دهشة… ياليت رأسي ماء وعيني ينبوع دموع فأبكي نهارًا وليلاً قتلي بنت شعبي” (إر 8: 21، 9: 1).

يحدثنا القديس يوحنا الدرجى عن فاعلية النوح والدموع، قائلاً: [كما تبيد النار القصب تبيد الدمعة الطاهرة كل دنس جسدي وروحي]، [لا يحتاج الله يا أحبائي إلى إنسان يبكي ويتوجع، ولا يُريد ذلك، بل بالحرى يشاء أن يبتهج بحبه ويتهلل. أزل يا هذا الخطيئة، فتصير الدمعة الموجعة في الأعين الحسية فضلة زائدة، لأنه لا حاجة إلى تنظيف حيث لا يوجد جرح. لم يكن لآدم دموع قبل المعصية، ولن تكون دموع بعد القيامة، حيث تكون الخطيئة قد أبيدت وزال معها الوجع والغم والتنهد[19]].

ثالثا: تقديس صوم لهذا الغرض، فالتوبة تمس كل حياة الإنسان، خاصة الكاهن؛ تنهدات قلبه وصراخ فمه وملابسه وأيضًا بطنه. وكأن الإنسان يتحدث مع الله معلنًا توبته بكل وسيلة، فتتساند تصرفاته معًا للإعلان عن شوقه إلى الرجوع إلى الله.

الصوم هو لغة الأحشاء متفاعلة مع الروح والفكر والأحاسيس لتعلن الرغبة في اللقاء مع الله خلال الحياة المقدسة فيه.

يقول القديس يوحنا الدرجى: [ان عقل الصوَّام يصلي بأفكار طاهرة، أما عقل الشره فيمتلىء صورًا نجسة]، [إن إتخام المعدة يجفف ينابيع الدموع، أما إذا جفت المعدة بالإمساك فتنبع تلك المياه]، [إذا ضيَّقنا على معدتنا تذلل قلبنا، وإذا لذذناها تعجرف فكرنا[20]].

ويقول الأب مار اسحق السريأني: [قال أحد القديسين: إذ يضعف الجسد بالصوم والإماتة تتقوى النفس روحيًا بالصلاة[21]].

رابعًا: المناداة باعتكاف. إذ يقول للكهنة “نادوا باعتكاف. اجمعوا الشيوخ جميع سكان الأرض إلى بيت الرب إلهكم واصرخوا إلى الرب” [14]. هكذا يعلن النبي الالتزام بالمناداة باعتكاف، أى بالاحتفال الجماعي للتوبة، فكما اشتركت الجماعة معًا في الشر، هكذا تشترك في التوبة. وقد تحدثنا في مقدمة سفر هوشع عن التوبة الجماعية التي تتضافر مع الحياة الروحية الشخصية والعلاقة الخفية بين النفس والله بكون النفس عضوًا في الجماعة المقدسة.

إن كان الكاهن يمثل العمل القيادي في الإنسان فإنه يليق بهذه القيادة أن تنادي بالاعتكاف وتجميع شيوخ جميع سكان الأرض؛ أي يجمع الإنسان كل أحاسيسة وطاقاته وقدراته وكأنها شيوخ الأرض أى العاملون في الجسد، لكي يقدم الإنسان توبةً نابعة عن كل تصرفاته وإمكانياته الروحية والنفسية والجسدية. ليجتمع الكهنة مع سكان الأرض في بيت الرب، أى لتعمل الروح بطاقاتها مع الجسد بطاقاته تحت قيادة الرب، ويصرخ الإنسان بكليته إلى إلهه.

ليتم الاعتكاف في بيت الرب إلهنا، فنهرب من غضب الله باللجوء إليه، والاحتماء في محبته الحانية وطول أناته. وكما جاء في سفر إشعياء: “يتمسك بحصني فيصنع صلحًا معي، صلحًا يصنع معي” (إش 27: 5).

الحاجة إلى شفيع[15-20].

إذ يجتمع الكهنة مع الشيوخ في بيت الرب ينوح الكل مولولين لإدراكهم ما قد فعلته الخطية فيهم، مترقبين ذاك الذي وحده يقدر أن يشفع فيهم بدمه الكفاري، فينقذهم من الغضب الإلهي في ذلك اليوم الرهيب. لقد أبرز النبي هذين الأمرين المتكاملين: إدراك ما وصلنا إليه من مرارة ورعب قبالة يوم الرب، والحاجة إلى شفيع قادر على مصالحتنا مع الله.

فمن جهة إدراك ما وصلنا إليه يقول: “آه على اليوم لأن يوم الرب قريب، يأتي كخراب من القادر على كل شيء. أما انقطع الطعام تجاه عيوننا؟! الفرح والابتهاج عن بيت إلهنا! عفنت الحبوب تحت مدرها، خلت الأهراء، انهدمت المخازن لأنه قد يبس القمح، كم تئن البهائم؟! هامت البقر لأن ليس لها مرعى حتى قطعان الغنم تفنى” [15-18].

في اختصار صرنا في حالة جوع، إذ انقطع الطعام تجاه عيوننا، فانه لن تشبع بآخر غير الله نفسه الذي خُلقت على صورته ومثاله. لعله لهذا السبب وُلد السيد المسيح، كلمة الله المتجسد، في مزود حتى إذ صار الإنسان كحيوان جائع يميل إلى المزود، فيقتني طعامًا جديدًا قادرًا أن يشبعه أبديًا. يسمعه يقول: “أنا هو خبز الحياة… أنا هو الخبز الحيّ الذي نزل من السماء إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم… الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم” (يو 6: 48-53).

انقطع الطعام وزال الفرح والابتهاج فصارت النفس في حالة كآبة، بل صارت في موت لا تستطيع القول: “أنيّ ابتهج بالرب وأفرح بإله خلاصي” (حب 3: 18)… لأنها عزلت نفسها بنفسها عن الله مصدر بهجتها.

صارت النفس في حالة خراب بلا ثمر روحي، فعفنت الحبوب تحت مدرها، وانهدمت المخازن، وصارت بلا رجاء… حتى البهائم (الجسد) تئن، قطعان الغنم تفنى. بالخطيئة يفقد الإنسان حتى الأمور الجسدية التي من أجلها ارتكبها!

بمعنى آخر نقول إنه بالخطيئة حلت اللعنة على كل شيء حتى على الأرض، كقول الرب لآدم: “ملعونة الأرض بسببك” (تك 3: 17)… فلم يعد للبركة موضع.

الآن بعد إدراك ما وصلنا إليه من لعنة حلت بنا وبالأرض ونباتاتها وحيواناتها تدخل يوئيل كشفيع، أو بمعنى أدق كرمز للشفيع الحقيقى يسوع المسيح، الذي وحده يصرخ إلى أبيه فيستجيب له. يقول “إليك يا رب أصرخ “. إنه لا يصرخ عن نفسه وإنما عن الشعب، عن المراعى التي أحرقتها النار، وعن جداول المياه التي جفت [19-20].

هذا هو الشفيع الذي يسكن القلب “أورشليم الداخلية” فيصنع صلحًا للنفس والجسد بكل طاقاتهما مع الآب. هذا الذي يفرح به الآب ويطلبه قائلاً: “طوفوا في شوارع أورشليم وانظروا واعرفوا وفتشوا في ساحاتها، هل تجدون إنسانًا، أو يوجد عامل بالعدل طالب الحق فأصفح عنها” (إر 5: 1). إنه ربنا يسوع المسيح المختبىء في أورشليمنا الداخلية الذي به ننال الصفح عن خطايانا‍!

  

من وحي يوئيل 1

عوض غارات الجراد هب ليّ روحك الناري!

v   احسبني يا رب كيوئيل ابنًا لفثوئيل (فتح الله)!

افتح يا رب قلبي، فأبصرك داخلي؟، أتعرف عليك، وأدرك حكمتك!

v   خطايا يهوذا جلبت على أرضهم غارات الجراد الأربع:

غارات القمص والزحاف والغوغاء ثم الطيار.

خطاياي جلبت علىّ تأديباتك، تقسو بالتدريج لعلي أرجع فأتوب!

خطاياي حوّلت قلبي إلى أرض قحط.

عوض غارات الجراد ليهب روحك القدوس على أرض قلبي،

يحول بريتي إلى فردوس مثمر.

يحول أرضى إلى سماء لا تقترب إليها جرادة واحدة!

v   لتؤدب يا رب… ولتشد يدك!

لكن لا تسمح بهلاكي، بل بهلاك الفساد الذي دبَّ فيّ!

أنت تسمح ليّ بالمرارة، لكنك تطلب بهجة خلاصي وفرحي الأبدي!

v   سببت ليَّ الخطية قحطًا وجوعًا!

أفسدت سلامي ونزعت عني فرحي الداخلي!

حولت عرسي إلى مأتم!

نزعت رائحتك الزكية من أعماقي!

حرمتني من التقدمة وسكيب الفرح!

نزعت عني البركة وحلت بيّ لعنتها!

من يخلصني منها غيرك يا مخلص العالم، يا شفيعي السماوي!

أنت شبعي، وسلامي، وفرحي، ومصدر كل بركة!

فاصل

سفر يوئيلأصحاح 1
تفاسير أخرى لسفر يوئيل أصحاح 1

فاصل

مقدمة تفسير سفر يوئيل
القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير يوئيل 2
تفسير العهد القديم

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى