تفسير سفر القضاة ١٥ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الخامس العاشر
الآيات (1-3): “وكان بعد مدة في أيام حصاد الحنطة أن شمشون افتقد امرأته بجدي معزى. وقال ادخل إلى آمراتي إلى حجرتها ولكن أباها لم يدعه أن يدخل وقال أبوها أنى قلت انك قد كرهتها فأعطيتها لصاحبك أليست أختها الصغيرة احسن منها فلتكن لك عوضا عنها. فقال لهم شمشون أنى بريء الآن من الفلسطينيين إذا عملت بهم شرا.”
بعد مدة إذ هدأ غضب شمشون أراد أن يرجع لخطيبته وأخذ معه هدية للمصالحة جدى معزى ففوجئ بأبوها وقد زوجها وحاول إرضائه أو رشوته بأن يعطيه أختها الصغرى ولكن هل الحُب يُرشى بالجمال أو صغر السن؟!! وبلاشك فقد تسرع أبوها فى ذلك.
إنى برئ الأن =
- فهم رفضوه لأنه إسرائيلى.
- أخذوا زوجته وزوجوها لغيره.
- خدعوها وعرفوا سر أحجيته.
وثار شمشون وكانت ثورته بدآية لعدة ضربات ضد الفلسطينيين. فروح الرب لهُ طرق عديدة ويستغل كل الأمور لصالح شعبه.
الآيات (4-7): “وذهب شمشون وامسك ثلاث مئة ابن أوى واخذ مشاعل وجعل ذنبا إلى ذنب ووضع مشعلا بين كل ذنبين في الوسط. ثم أضرم المشاعل نارا وأطلقها بين زروع الفلسطينيين فاحرق الأكداس والزرع وكروم الزيتون.فقال الفلسطينيون من فعل هذا فقالوا شمشون صهر التمني لأنه اخذ امرأته وأعطاها لصاحبه فصعد الفلسطينيون واحرقوها وأباها بالنار. فقال لهم شمشون ولو فعلتم هذا فأنى انتقم منكم وبعد اكف.”
كانت أول ضربة ضد الفلسطينيين ربط مشاعل فى ذيول “أولاد أوى” وإبن أوى هو حيوان أكبر من الثعلب وأصغر من الذئب. فكانت الحيوانات تجرى مذعورة من النيران التى فى ذيولها فى كل مكان فأحرقوا الحقول كلها لأن الحقول كانت جافة إذ كان وقت الحصاد. فإغتاظ الفلسطينيون وأحرقوا بيت زوجة شمشون وأحرقوها هى وأبوها بالنار ولنلاحظ أنهم هددوها بالإحراق إن لم يفشى السر وهى أخطأت بإفشائها السر وها هى تموت بنفس الطريقة فالخطية لا تنجى. ومعنى آية (7) أنكم لو تصورتم أنكم ترضوننى بحرق إمرأتى وعائلتها فهذا لا يرضينى لأجل كل خيانتكم، فأنا مازلت أحب إمرأتى وحرقها أغاظنى، وسوف أنتقم منكم على هذه الفعلة أيضاً (أى قتل إمرأتى) وبعد ذلك أهدأ.
آية (8): “وضربهم ساقا على فخذ ضربا عظيما ثم نزل وأقام في شق صخرة عيطم.”
ضربهم ساقاً على فخذ = هذا تعبير مأخوذ من المصارعة ومترجم كانت مذبحة عظيمة لهم. أى جعلهم بضرب السيف قطعاً بعضهم فوق بعض فصار الساق فوق الفخذ والقدم فوق الرأس وما إلى ذلك. ثم أقام فى شق صخرة عيطم = هناك تأمل للقديس أغسطينوس: فالهرطقة الذين يريدون قسمة الكنيسة عن المسيح يشبهون الفلسطينيين الذين زوجوا إمرأة شمشون لصاحبه وهؤلاء نصيبهم الحرق ونحن علينا أن نرفض هذه الأفكار، أفكار إبليس فتكون كمن ألهب ذيله بالنار ثم نهرب مع شمشون إلى شق الصخرة، أى نحتمى بالمسيح صخرتنا، نحتمى بجراحاته.
الآيات (9-13): “وصعد الفلسطينيون ونزلوا في يهوذا وتفرقوا في لحي. فقال رجال يهوذا لماذا صعدتم علينا فقالوا صعدنا لكي نوثق شمشون لنفعل به كما فعل بنا. فنزل ثلاثة آلاف رجل من يهوذا إلى شق صخرة عيطم وقالوا لشمشون أما علمت أن الفلسطينيين متسلطون علينا فماذا فعلت بنا فقال لهم كما فعلوا بي هكذا فعلت بهم. فقالوا له نزلنا لكي نوثقك ونسلمك إلى يد الفلسطينيين فقال لهم شمشون احلفوا لي أنكم انتم لا تقعون علي. فكلموه قائلين كلا ولكننا نوثقك ونسلمك إلى يدهم وقتلا لا نقتلك فأوثقوه بحبلين جديدين واصعدوه من الصخرة.”
سؤال اليهود الفلسطينيين لماذا صعدتم علينا = معناه لماذا أتيتم علينا الأن بعداوة ونحن ندفع لكم الجزية، هذا سؤال يدل على الإستكانة للعبودية، ولقد إستنكر اليهود ما عمله شمشون وكأنهم كانوا راضين بتسلط الفلسطينيين عليهم راضيين بعبوديتهم. وعوضاً عن أن يحاربوا مع شمشون ويجاهدوا وافقوا على أن يمسكوا شمشون ويقيدوه ويسلموه ليد الفلسطينيين. وعجيب أن شمشون الجبار هذا لم يؤذى أحد من اليهود الذين أتوا طالبين أن يمسكوه فهو لا يؤدب سوى أعداء شعبه، بل لم يوجه لهم كلمة عتاب واحدة على جبنهم وخضوعهم. لقد كان إستسلام شمشون لليهود مملوءاً وداعة وضعفاً أمام شعبه ولكنه مملوءاً قوة جبارة أمام أعداء شعبه، بل كان طلب شمشون من اليهود أن لا يقعوا به لأنه خاف أن يؤذى أحد منهم. ونلاحظ أن الفلسطينيين صعدوا عليه بجيش فهو وحده عبارة عن جيش. ونحن يجب أن لا نشابه اليهود هنا فى إستسلامهم للعبودية بأن نيأس من خطايانا بل نجاهد فى صلواتنا وأن نمتنع عن خطايانا ولا نستسلم للشر مواظبين على دراسة الكتاب المقدس الكلمة الحية. والرموز للمسيح: 21 اليهود لم يقتلوا شمشون بل سلموه للأمم ليقتلوه. واليهود سلموا المسيح للرومان ليصلبوه 22 قوة شمشون الخرافية التى لم تظهر أمام اليهود هى رمز لقوة المسيح الجبارة وأنه إستسلم بإرادته 23 شمشون إستسلم ليصنع مقتلة عظيمة لأعداء شعبه وهكذا المسيح إستسلم بإرادته ليصنع مقتلة لإبليس 24 اليهود أدانوا شمشون ولاموه على ما صنع بأعدائهم لخلاصهم واليهود أدانوا المسيح على كل الخير الذى صنعه لأجلهم.
آية (14): “ولما جاء إلى لحي صاح الفلسطينيون للقائه فحل عليه روح الرب فكان الحبلان اللذان على ذراعيه ككتان احرق بالنار فانحل الوثاق عن يديه.”
حتى وإن تركنا الجميع فالله قادر أن يحول كل شئ للخلاص ويعطى غلبة. 25 وقطع شمشون الحبال بنفسه يشير للمسيح الذى قام من نفسه ولم يحتاج مثل لعازر لمن يَحُلَّهُ من رباطاته. هنا صورة للمسيح الذى واجه العدو على الصليب وإذ هو القيامة لم يستطع الموت أن يُمسك به ولا الجحيم أن يعوقه. فحطم بنار لاهوته حبلى الموت والجحيم = فكان الحبلان.. ككتان أحرق بالنار فإنحل الوثاق عن يديه.
آية (15): “ووجد لحي حمار طريا فمد يده وأخذه وضرب به ألف رجل.”
لحى حمار طرياً = أى فك حمار وكان طرياً فلو كان جافاً لتحطم وإنكسر بسهولة واللحى يكون به 3 أو 4 أسنان كأنهم سكاكين ويمكن إستخدامه كسلاح بدائى 26 شمشون هنا وهو يمسك الحمار يقتل به الأعداء يشير للمسيح الذى يمسك الإنسان (الذى بالخطية نزل مستواه إلى مستوى الخليقة غير العاقلة) ليضرب به القوات الشريرة. ولاحظ أن الفك هو فك حمار ميت إشارة للإنسان الذى مات بالخطية. ضرب 1000 رجل رمز لإبليس الذى يُرمز له بألف رجل شرير.
آية (16): “فقال شمشون بلحي حمار كومة كومتين بلحي حمار قتلت ألف رجل.”
بلحى حمار كومة كومين = يمكن قراءتها كومتهم أكواماً. ومعناها أنه بفك الحمار كوَّم الفلسطينيين كومة وكومتين و3 كومات… وهكذا فهو حوّلهم لقتلى مكومين. فهى تسبحة نصرة. وفى العبرية يظهر أن ما قاله شمشون كان بصورة شعر فكلمة حمار هى نفسها كلمة كومة وبالعبرية قال شمشون (حمور حمور حموريم) وبهذا تعنى الجملة أيضاً أن الفلسطينيين سقطوا كالحمير.
آية (17): “ولما فرغ من الكلام رمى تلحي من يده ودعا ذلك المكان رمت لحي.”
إذ صارت المنطقة أكواماً من القتلى الذين قتلوا بلحى الحمار سميت المنطقة رمت لحى = أى مرتفعات الفك.
آية (18): “ثم عطش جدا فدعا الرب وقال انك قد جعلت بيد عبدك هذا الخلاص العظيم والآن أموت من العطش واسقط بيد الغلف.”
عطش جداً = والمسيح على الصليب قال 27 أنا عطشان. وكان هذا بسماح من الله حتى لا ينتفخ بقوته ويظن أنه بقوته صنع هذا الإنتصار بل كان هذا كتأديب لهُ فهو فى نشيده لم ينسب انتصاره لله بل لنفسه. والأن وهو يكاد يموت من العطش.. أين قوته.. الأن ذكر الرب. حعلت بيد عبدك هذا الخلاص العظيم = وهذه فائدة التجارب. الأن هو ينسب العمل لله.
آية (19): “فشق الله الكفة التي في لحي فخرج منها ماء فشرب ورجعت روحه فانتعش لذلك دعا اسمه عين هقوري التي في لحي إلى هذا اليوم.”
شق الله الكفة التى فى لحى = هذه لها تفسيران
- الأن صار إسم المنطقة لحى نسبة إلى الحادثة فقد أسماها “رمت لحى” وتكون كلمة لحى هنا إختصار لإسم “رمت لحى” والله أخرج لهُ الماء من نتوء فى صخرة. والنتوء إسمه الكفة. وإذا فهمنا أن الصخرة تشير إلى المسيح 28 فالماء الخارج منها إشارة للروح القدس الذى أرسلهُ المسيح للكنيسة.
- أو أن الله أخرج لهُ الماء من الكفة أى منبت السن من فك الحمار وهذا يشير لأن من يؤمن بالمسيح تجرى من بطنه أنهار ماء حى 29 إشارة للروح القدس (يو 7 : 38) والمعنيان متكاملان لعمل المسيح مع الكنيسة. عين هتورى = أى عين الداعى وهذا الإسم الجديد تذكار لدعاء شمشون إلى الله وإستجابة الله لهُ.
آية (20): “وقضى لإسرائيل في أيام الفلسطينيين عشرين سنة.”
قضى 20 سنة = قضاها فى بطولات ولكن شمشون ظهر كقاضى محلى فى جنوب يهوذا.
سفر القضاة : 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15 – 16 – 17 – 18 – 19 – 20 –21
تفسير سفر القضاة: مقدمة – 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15 – 16 – 17 – 18 – 19 – 20 –21