تفسير سفر القضاة ١ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الأول
سفر يشوع يعلن ميراثنا أرض الموعد بيشوع الحقيقى وسفر القضاة يكشف عن الإلتزام بدوام الجهاد مادمنا فى الجسد حتى نستولى على كنعان كلها، أى ننعم بكمال الوعد. ونجد فى هذا الإصحاح أخبار متنوعة ففى الآيات (2-21) نرى غزو جنوب كنعان بواسطة يهوذا وفى الآيات (22-26) نرى إستيلاء سبط يوسف على بيت إيل وفى الآيات (27-36) قائمة المدن التى لم تستطع الأسباط الوسطى والشمالية طرد الكنعانيين منها. وبذلك نرى أن الله يسجل من جاهد ومن تقاعس فى إصحاح واحد ليشجعنا أن نجاهد ضد إبليس. فأمكانية هزيمة إبليس موجودة بشرط أن نجاهد ولا نتهاون.
آية (1): “وكان بعد موت يشوع أن بني إسرائيل سألوا الرب قائلين من منا يصعد إلى الكنعانيين أولا لمحاربتهم.”
سألوا الرب = غالباً بالأوريم. وعلينا أن لا نبدأ أى عمل إلا بالصلاة. ومن منا يصعد.. أولاً = كنا نتوقع أن لا حرب بعد موت يشوع لكن الجهاد يجب أن يستمر بعد أن مات عنّا يسوع وقام وصعد. ومن يتغافل عن الجهاد يفقد ما حصل عليه من نعمة مات المسيح ليعطيها لهُ. ولاحظ قول بولس ” أقمع جسدى.. لئلا أصير مرفوضاً ” (1كو 9 : 27) وطرد الكنعانيين رمز لأعمال إبليس والله أعطانا إمكانية هذا بالحياة الجديدة المقامة فى المسيح بالمعمودية.
آية (2): “فقال الرب يهوذا يصعد هوذا قد دفعت الأرض ليده.”
قال الرب يهوذا = فيهوذا هو الأقوى والأكثر عدداً. والله لم يعطهم هذه القوة والكثرة ليناموا ويتكاسلوا بل ليحاربوا (مَثَلْ الوزنات). ويهوذا هم أكثر كرامة فلابد أن يكونوا اكثر التزاماً بالقيام بواجباتهم. وإذا عرفنا أن المسيح خرج من يهوذا نفهم أن هذا يشير أيضاً إلى أن الحرب الروحية تبدأ بالمسيح الخارج من سبط يهوذا (رؤ 2 : 6).
آية (3): “فقال يهوذا لشمعون أخيه اصعد معي في قرعتي لكي نحارب الكنعانيين فاصعد أنا أيضا معك في قرعتك فذهب شمعون معه.”
إصعدى معى.. فأصعد معك = هذا كرم من يهوذا لأن شمعون ضعيف ويجب أن القوى يساند الضعيف. ولكن بالمعنى الرمزى فالمسيح القوى (يهوذا) يطلب منى أنا الضعيف (شمعون) أى المستمع (من يستمع الدعوة ويستجيب) أن أحارب معهُ والمسيح خرج غالباً ولكى يغلب (المسيح وأنا = يهوذا مع شمعون).
الآيات (4-7): “فصعد يهوذا ودفع الرب الكنعانيين والفرزيين بيدهم فضربوا منهم في بازق عشرة آلاف رجل ووجدوا ادوني بازق في بازق فحاربوه وضربوا الكنعانيين والفرزيين. فهرب ادوني بازق فتبعوه وامسكوه وقطعوا أباهم يديه ورجليه. فقال ادوني بازق سبعون ملكا مقطوعة أباهم أيديهم وأرجلهم كانوا يلتقطون تحت مائدتي كما فعلت كذلك جازاني الله وأتوا به إلى أورشليم فمات هناك.”
أدونى = سيد، بازق = مبرق. وهما سمتان لإبليس الذى إستطاع خداع الإنسان وإمتلكه وصار سيداً لهُ بخداعاته المبرقة الكاذبة. إبليس جعل فى الخطية ما يبرق أمام الإنسان فيخدعه ويسقطه فيذل تحت إبليس ويملك إبليس عليه. لذلك أدونى بازق هو رمز إبليس الذى أذل البشرية التى خلقها الله كملوك (70 ملكاً = رقم قد يرمز لكل البشرية التى أذلها إبليس) وكان أدونى بازق قد هزم 70 ملكاً أى رئيس قبيلة طوال مدة حروبه وقطع أباهم يديهم وأرجلهم = وكانت هذه العادة عند الفرس وبعض شعوب المنطقة ليمنعوا أعدائهم من إستعمال السيف فكأنهم عطلوهم عن الحرب. وأذلوهم = يلتقطون تحت مائدتى ويهوذا حين غلبوا أدونى بازق فعلوا فيه نفس الشىء. فكثيراً يسمح الله بأن يصيبنا الشر الذى ألحقناه بأخوتنا فنعرف أذاه ونتوب عنه وهذا ما حدث مع داود + (عو 15) وروحياً فقطع أباهم اليد يشير إلى التوقف تماماً عن العمل لحساب مملكة الله وقطع أباهم الأرجل يشير إلى توقف الحركة فى الطريق الملوكى. هكذا أذل الشيطان البشرية وعطل حركتها السماوية وجعلها أسيرة قصر لذاته تأكل كالحيوانات من الفتات الساقط من مائدة إبليس، تسلك بلا كرامة. وجاء المسيح الخارج من سبط يهوذا ومن بعده سبط شمعون أى كل المؤمنين الذين إستجابوا وسمعوا دعوته وهزموا إبليس فالمسيح أعطانا السلطان أن ندوسه (لو 10 : 19،20) بعد أن هزمه (لو 10 : 18) ولاحظ أن أدونى بازق مات فى أورشليم = أورشليم = رؤية السلام. فلا يمكن أن يحل السلام فى القلب ما لم يمت أولاً أدونى بازق، أى حين يضع نهاية لعدو الخير تحيا النفس فى سلام.
آية (8): “وحارب بنو يهوذا أورشليم وأخذوها وضربوها بحد السيف وأشعلوا المدينة بالنار.”
غالباً إستولى يهوذا على أورشليم ولكن الحصن بقى فى يد اليبوسيين حتى أيام داود الذى إستولى عليه (2صم5 : 6،7). وغالباً إشعال الحريق كان فى جزء من المدينة فقد بقى بنى بنيامين ويهوذا ساكنين فيها مع اليبوسيين (راجع آية 21).
آية (9): “وبعد ذلك نزل بنو يهوذا لمحاربة الكنعانيين سكان الجبل والجنوب والسهل.”
بعد ذلك نزل = فأورشليم إرتفاعها 2593 قدماً. فمن سكن أورشليم لا يستطيع إلاّ أن يظل يحارب إبليس ويقاوم أعماله. سكان الجبل = أى بيت لحم وحبرون والجبل يشير للكبرياء. والجنوب = منطقة تعرف بالنجب تتسم الجفاف والقحط وتصل إلى القفر وتشير إلى خراب العالم بسبب خطيته. والسهل= منطقة منخفضة تمتد بين الساحل وسلسلة جبال يهوذا وهى منطقة خصبة. ولكن طالما هى فى يد الكنعانيين فهى تشير لثمار الخطية وفى كل من المناطق الثلاثة يحارب أولاد الله أعمال إبليس لا يخافوا من عنف الخطية وقوة إبليس (الجبال) ولا تجذبهم ثمارها (السهول).
الآيات (10-15): “وسار يهوذا على الكنعانيين الساكنين في حبرون وكان اسم حبرون قبلا قرية أربع وضربوا شيشاي واخيمان وتلماي. و سار من هناك على سكان دبير و اسم دبير قبلا قرية سفر. فقال كالب الذي يضرب قرية سفر و ياخذها اعطيه عكسة ابنتي امراة. فاخذها عثنيئيل بن قناز اخو كالب الاصغر منه فاعطاه عكسة ابنته امراة. و كان عند دخولها انها غرته بطلب حقل من ابيها فنزلت عن الحمار فقال لها كالب ما لك. فقالت له اعطني بركة لانك اعطيتني ارض الجنوب فاعطني ينابيع ماء فاعطاها كالب الينابيع العليا و الينابيع السفلى.”
قرية أربع = أربع الرجل الأعظم فى العناقيين (يش 14 : 15 + 15 : 13).
آية (16): وبنو القيني حمي موسى صعدوا من مدينة النخل مع بني يهوذا إلى برية يهوذا التي في جنوبي عراد وذهبوا وسكنوا مع الشعب.”
وبنو القينى = كلمة القينى تعنى حداد فهم حدادين متجولين. وهم أبناء إخوة زوجة موسى. وقد إلتصقوا بيهوذا. من مدينة النخل = أى أريحا ولكنه لم يقل أريحا لأنها كانت قد خربت. وانطلقوا إلى برية يهوذا = فهم مثل سائر البدو لا يحبون سكنى المدن بل يفضلون البرارى وسكنوا مع شعب هذا الموضع أى عماليق واستمروا حتى طلب منهم شاول الملك أن يعتزلوا ان يبيد العمالقة. والركابيين (أر 35 : 1) هم من القينيين.
آية (17): وذهب يهوذا مع شمعون أخيه وضربوا الكنعانيين سكان صفاه وحرموها ودعوا اسم المدينة حرمة.
وحرّموها = حطموها وضربوها تماماً بسبب ما قاسوه فيها من مرارة فى حرب العمالقة (عد 14 : 45).
آية (18): واخذ يهوذا غزة وتخومها واشقلون وتخومها وعقرون وتخومها.
ولكن سرعان إسترد الفلسطينيون مدنهم هذه من يهوذا.
الآيات (19-21): “وكان الرب مع يهوذا فملك الجبل ولكن لم يطرد سكان الوادي لان لهم مركبات حديد. و اعطوا لكالب حبرون كما تكلم موسى فطرد من هناك بني عناق الثلاثة. و بنو بنيامين لم يطردوا اليبوسيين سكان اورشليم فسكن اليبوسيون مع بني بنيامين في اورشليم الى هذا اليوم.”
المركبات الحديدية كانت عائقاً بسبب تكاسلهم وليس لأن الله لا يستطيع. ولقد إحتكر الفلسطينيون صناعة الحديد حتى لا ينتفع به اليهود (اصم 13 : 19-22). وكانت نصرة داود على الفلسطينيون بداية لأستخدام الحديد كسلعة عامة فى إسرائيل.
آية (22): “وصعد بيت يوسف أيضا إلى بيت إبل والرب معهم.”
بيت يوسف = فى البداية يصعد يهوذا (يسوع) ومعهُ شمعون (كل من إستجاب لصوت المسيح وخرج يجاهد). والأن نجد التقدم فى الحياة الروحية إفرايم (ثمر متكاثر) ومنسى (نسيان محبة العالم) فلا جهاد بدون ثمار. ويهوذا أقتنى أورشليم (رؤية السلام) وبيت يوسف اخذ بيت إيل أى بيت الله. أى مع نمونا الروحى نصير مسكناً لله. والرب معهم = لا نستطيع ان نقتحم بيت إيل أى بيت الله إلا بالله نفسه الذى يحملنا فيه إلى بيته ويكشف لنا أسراره ويمتعنا بحياته السماوية.
آية (23): واستكشف بيت يوسف عن بيت إبل وكان اسم المدينة قبلا لوز.
يُطلب من الجاسوس إظهار المكان الضعيف فى سور المدينة وروحياً فالكنيسة ترسل رسلاًَ وخداماً للكلمة يشهدون للحق لتفتح كل قلب لحساب مملكة الله.
الآيات (24،25): “فرأى المراقبون رجلا خارجا من المدينة فقالوا له أرنا مدخل المدينة فنعمل معك معروفا. فاراهم مدخل المدينة فضربوا المدينة بحد السيف و اما الرجل و كل عشيرته فاطلقوهم.”
الرجل الذى قادهم للمدينة ولم يدخل معهم يشير ويرمز للشعب اليهودى الذى أؤتمن على النبوات وأسرار كثيرة وأظهر الطريق للكنيسة لكنه لم يؤمن بالمسيح.
آية (26): “فانطلق الرجل إلى ارض الحثيين وبنى مدينة ودعا اسمها لوز وهو اسمها إلى هذا اليوم.”
نجد الرجل ذهب ليعيش وسط الحثيين والوثنيين واليهود شاركوا الوثنيين عدم إيمانهم ورفضهم للمسيح. ودعا إسمها لوز = كان من عادة أهل تلك الأيام أنه إن ترك أحد مكانه وهاجر ذهب ليؤسس مدينة بنفس إسم مدينته الأولى (وهى لوز هنا).
الآيات (27-36): “ولم يطرد منسى أهل بيت شان وقراها ولا أهل تعنك وقراها ولا سكان دور وقراها ولا سكان يبلعام وقراها ولا سكان مجدو وقراها فعزم الكنعانيون على السكن في تلك الأرض. وكان لما تشدد إسرائيل انه وضع الكنعانيين تحت الجزية ولم يطردهم طردا. وافرايم لم يطرد الكنعانيين الساكنين في جازر فسكن الكنعانيون في وسطه في جازر. زبولون لم يطرد سكان قطرون ولا سكان نهلول فسكن الكنعانيون في وسطه وكانوا تحت الجزية. ولم يطرد اشير سكان عكو ولا سكان صيدون واحلب واكزيب وحلبة وأفيق ورحوب. فسكن الاشيريون في وسط الكنعانيين سكان الأرض لأنهم لم يطردوهم. ونفتالي لم يطرد سكان بيت شمس ولا سكان بيت عناه بل سكن في وسط الكنعانيين سكان الأرض فكان سكان بيت شمس وبيت عناه تحت الجزية لهم. وحصر الاموريون بني دان في الجبل لأنهم لم يدعوهم ينزلون إلى الوادي.فعزم الاموريون على السكن في جبل حارس في ايلون وفي شعلبيم وقويت يد بيت يوسف فكانوا تحت الجزية. وكان تخم الاموريين من عقبة عقربيم من سالع فصاعدا.”
تُشير هذه الآيات للتهاون مع الوثنيين الكنعانيين. وتركهم من اجل الجزية يشير لمحبتهم للمال وهذا إنحراف فى القلب. ونلاحظ فى آية (34) مضايقة الأموريين لبنى دان ممّا ما تسبب فى هجرة الدانيين بعد ذلك إلى لشم أو لايش فى الشمال (ص18) عكو = عكا.
سفر القضاة : 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15 – 16 – 17 – 18 – 19 – 20 –21
تفسير سفر القضاة: مقدمة – 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15 – 16 – 17 – 18 – 19 – 20 –21