تفسير سفر يهوديت 13 للأنبا مكاريوس اسقف المنيا
يهوديت تقتل أليفانا بنفس سيفه هزيمة الشيطان في عقر داره
ولَمَّا كانَ المَساء، أَسرَعَ ضُبَّاطُه في الاِنصِراف. وأَغلَقَ بوغا الخَيمَةَ مِنَ الخارِج، وصَرَفَ الحاضِرينَ مِن وَجهِ سَيِّدِه فذَهَبوا إِلي مضاجِعِهم، لِأَنَّهم كانوا جَميعًا مُثقَلينَ مِنَ الإِفراطِ في الشُّرْب.2 وتُرِكَت يَهوديتُ وَحدَها في الخَيمة، وكانَ أَليفانا مُستَلْقِيًا على سَريرِه لِأَنَّه كانَ سابِحًا في الخَمْر.3 فكانت يَهوديتُ قد أَمَرَت وصيفَتَها أَن تَقِفَ خارِجَ المُخدَع وتُراقِبَ خُروجَها، كما تَفعَلُ كُلَّ يَوم، قائلةً إِنَّها ستَخرُجُ لِلصَّلاة، وكانَت قد قالَت لِبوغا أَيضًا هذا الكلام.
استمرت تلك المأدبة التي أقامها أليفانا لكبار ضباطه حتى ساعة متأخرة من الليل، تقترب من موعد الخروج اليومى ليهوديت مع جاريتها للصلاة عند عيون الماء أسفل بيت فلوى، وأما أليفانا الذي إرتمى في سريره مثل القتيل بسبب إفراطه في شرب الخمر، فقد تهالك هناك وكإنه يستعد للموت.!
لقد هيأ الله ليهوديت كل الظروف حتى تنتقم لشعبها من ذلك الجبار، وقد إهتمت يهوديت بأن تسد كل ثغرة وتحتاط لكل طارىء وتقضى على أي احتمال لاكتشاف أمرها فتفشل خطتها، وها هي تضع اللمسات الأخيرة للخطة فتؤكد على بوغا بأنها ستخرج للصلاة كعادتها في الأيام الثلاثة الماضية.
4 إِنصَرَفوا جَميعًا مِن وَجهِه، ولم يُترَكْ أَحَدٌ في المُخدَعِ مِن صَغيرِهم إِلي كَبيرِهم. فوَقَفَت يَهوديت عِندَ سَريرِه وقالَت في نَفسِها: ((يا رَب، يا إِلهَ كُلَ قُوَّة اُنظُرْ في هذِه السَّاعةِ إلى أَعْمالِ يَدَيَّ لِرَفَعِ شأنَ أُورَشليم 5 فقَد حانَت ساعةُ العِنايَةِ بِميراثِكَ وتَحقيقِ ماعَزَمتُ علَيه لِسَحقِ الأَعداءَ الَّذينَ قاموا علَينا.
لاشك في أن تلك اللحظات، كانت الأشد حرجًا بالنسبة ليهوديت، في سياق الخطة جميعها، إنها ذات اللحظات التي اختبرها إهود عندما أقدم على قتل عجلون ملك موآب (قض 3: 20 – 22) ومن بعده ياعيل امرأة جابر القينى عندما أقدمت على قتل سيسرا (قض 4: 17 – 22) غير أن الأمر يختلف عند يهوديت بالنسبة لإهود، بسبب أن الأخير كان رجلًا بل ورجل حرب، وهو أشد بأسًا وشجاعة من المرأة، وهي تختلف كذلك في ظروفها هذه عن (باعيل) فإن باعيل اقدمت على قتل شخص هارب موجود بمفرده في خيمتها، في حين أن يهوديت موجودة هنا في معسكر الأعداء يحيط بها الخطر من كل جهة. وبالتالي فهي تحتاج إلى معونة خاصة.
اُنظُرْ في هذِه السَّاعةِ إلى أَعْمالِ يَدَيَّ: و(ثبت عمل يدي) وهي عبارة عبرية، يراد بها طلب المعونة والحصول على تأييد الرب للعمل من أجل البركة ونجاح العمل (و لتكن نعمة الرب إلهنا علينا ثبت علينا وعمل أيدينا ثبته مز 90: 17) وهكذا تصلى يهوديت إلى الله مصدر كل قوة وملهم كل شجاعة لكي يؤيدها، فهذه هي اللحظة الحاسمة، وكما شدد الله يد داود النبي وثبتها فوق أعدائه هو قادر أيضًا أن يثبت يد هذه الأرملة التي بادرت بتقديم نفسها عن الرجال والنساء معًا (الذي تثبت يدي معه، أيضًا ذراعي تشدده مز 89: 21).
إرفع شأن أورشليم: هذا هو الشعار والطلبة التي جعلها ملوك وأنبياء إسرائيل، شعارًا وهدفًا لهم في حروبهم، إذ اعتبروها حروبًا مقدسة ليست من أجل الأطماع الشخصية وإنما من أجل الذود عن النساء والأطفال والأرض والممتلكات.. إرفع شأن شعبك.. ارفع اسم يعقوب.. بارك ميراثك..
(بإسم الرب إلهنا نرفع رايتنا مز 20: 5).
6 فدَنَت مِن عارِضَةِ السَّريرِ الَّتي عِندَ رَأسِ أَليفانا ونَزَعَت مِنها خَنجَرَه،7 وآقتَرَبَت مِنَ السرير وأَخَذَت بِشَعرِ رأسِه وقالَت: ((قَوِّني، يا رَبّ، يا إِلهَ إِسْرائيلَ، في هذا إلىَوم)).8 ثُمَّ ضَرَبَت مَرَّتينِ عُنقَه بِكُلِّ قُوَّتِها فقَطَعَت رأسَه9 ودَحرَجَت جُثَّتَه عنِ السَّرير ونَزَعَتِ النَاموسِيَّةَ عنِ الأَعمِدة. وخَرَجَت بَعدَ هُنَيهةٍ وناوَلَت وصيفَتَها رأسَ أَليفانا، 10 فوَضَعَته في جُعبَتِها. وخَرَجَتا كِلْتاهما على عادَتِهما لِلصَّلاة، وآجتازَتا المُعَسكَر ودارَتا في الوَهدَة وصَعِدَتا جَبَلَ بَبتَ فَلْوى ووَصَلَتا إلى أَبْوابِها.
هنا يصل المشهد إلى الذروة..
كانت عادة الملوك والقواد أن يحتفظوا بسلاح شخصي، يعلق في أحد أعمدة السرير، ربما كنوع من الزينة
(الديكور) وربما تحسبًا لأي طارىء قد يهدد حياته، لا سيما من قبل رجال البلاط، كما كان كل منهم يحمل سلاحه أثناء الطريق، وقد اعتاد أكثرهم على تعيين شخص لحمل السلاح وهو المسمى اصطلاحًا (حامل سلاحه) راجع (1 صم 31: 4 – 6). ومن النص نفهم أن سلاح أليفانا لم يكن مجرد خنجر ولكنه أشبه ما يكون بسيف صغير.
عندما وصلت يهوديت إلى اللحظة التاريخية، استمدت قوتها من الله، لتجتازها، وقد أخذت الرأس في ناموسية السرير، حتى تؤكد أنه قتل في عقر داره وأما أخذ الرأس نفسها فهي لإثبات مقتل صاحبها راجع (1 صم 17: 51) في مقتل جليات بيد داود.
و يجدر بنا القول هنا، أن هناك نوعان من القتل، أشير إليهما في الكتاب المقدس، أولهما MURDER وهو جريمة لأنه يتم على خلفية جنائية، أما الثاني فهو KILLING وهو القتل المشروع في الحروب والدفاع عن النفس عمومًا مع مراعاة بعض التحفظات لعدم الخلط بين النوعين من القتل، فيهوديت عندما قتلت أليفانا لم تقتل شخصًا بذاته وإنما رمز للعدو الذي يهددها ويهدد شعبها، تقتل وتهزم شيطانًا يتربص بالأبرياء، وبالتالي فالخلفية الحربية هامة في حالات القتل هذه، ومن هنا فإن القتل الذي يقوم به الجنود على الجبهة لا يحسب خطية ماداموا في حالة حرب، يستثنى من ذلك من يطلب الاستسلام ومن يقع أسيرًا.
يقول القديس كليمندس السكندري:
(يهوديت المطوبة لما حوصرت مدينتها إلتمست المواعيد القديمة (وعود الله بحمايتهم، لتذهب إلى معسكر الأعداء معرضة نفسها للخطر، ذهبت من أجل الحب الذي تحمله لبلدها وشعبها المحاصر فوضع الله أليفانا في يد امرأة) 1.
و كتب القديس أمبروسيوس يمتدح عمل يهوديت البطولى قائلًا:
(عندما تحملت يهوديت الكثير من المخاطر في سبيل عفتها وطهارتها ربحت فوائد عظيمة وكثيرة، لقد أظهرت أنها تستحق التقدير والإعجاب، تقربت من أليفانا الذي كان مخوفًا من الناس وكان يحيط به جماعة من الجنود الأقوياء من الأشوريين، في البداية أثرت عليه بحسن شكلها وجمال وجهها وبعد ذلك أسرته بكلامها المعسول، وكان أول انتصار لها أنها رجعت من خيمة الأعداء دون تلوث نقاوتها، وكان الانتصار الثاني على رجل، وحررت شعبها عن طريق خطة رسمتها، كان (الأشوريون) مرهوبين من قوتها وجسارتها ولذلك وكما أعجبنا ب (بيت أجوريانBYTH AGOREAN ) 2 يجب أن نعجب بيهوديت، فهي لم تخف حتى من خطر الموت حيث أنها كانت دائمًا متضعة وهنا شيء عظيم يجب أن تنتبه إليه السيدات الصالحات وكانت لا تخاف اعتداء أي وغد ولا حتى أسلحة الجيش بأكمله، وهي امرأة وقفت بين خطوط المقاتلين وكانت يدًا منتصره RIGHT AMIDST ولم تبالي بالموت، عندما ينظر إليها أحد وهي تسحق وتقهر الخطر، يظن أنها خرجت لتموت، وعندما ينظر أحد إلى إيمانها سيقول أنها خرجت لتحارب.
ثم يردف القديس أمبروسيوس ليواصل مديحه ليهوديت:
تبعت يهوديت نداء الطهارة والعفة وعندما تبعت ذلك النداء، ربحت فوائد عظيمة فكان هذا فعالًا ليمنع شعب الله من أن يسلموا أنفسهم لعبادة الأوثان وليمنعهم من خيانة شريعتهم وفقد بتولية العذارى، ووقار الأرامل وأن تمنع العقلية من أن تتحول إلى عقلية بربرية ومن إنهاء الحصار بالتسليم وكانت ترحب بمواجهة الخطر بالنيابة عن الجميع لكي تخلص الجميع من الخطر….
كم كانت عظيمة هي قوة الطهارة والعفة حتى أنها وهي امرأة يجب أن تطلب إعطاء الدور القيادي لقادة الشعب (خوفًا على نفسها) ولكن ما أعظم قوة الطهارة التي تجعلها تتكل على الله لكي يساعدها، فما أعظم فضيلتها عندما تطلب معونة الله) 1.
بعد ذلك وضعت رأس أليفانا في مذود الطعام، لتصير بعد قليل طعامًا للدود، وإذ كان ذلك الوقت يوافق الموعد الذي اعتادت يهوديت فيه الخروج للصلاة برفقة جاريتها، فإن الجنود الأشوريين لم يعيروا خروجهما اهتمامًا، ولم يعلموا أن في تلك الحقيبة يذخر لهم الهلاك، وامتدت رحلة الفتاتين قليلًا لتصل في هذه المرة إلى باب المدينة.
القسم الخامس
نصرة اليهود وإكرام يهوديت
من ص 13: 11 إلى ص 16: 25
11 فنادَت يَهوديتُ عن بُعدٍ حُرَّاسَ الأَبْواب: ((اِفَتحوا آفتَحوا الباب، فإِنَّ اللهَ إِلهَنا مَعنا ليُعْمِلَ قُوَّتَه في إِسْرائيلَ وقُدرَتَه على الأعْداءَ، كما فَعَلَ إلىَوم)). 12 فكانَ، لَمَّا سَمِعَ رِجالُ المَدينةِ صَوتَها، أَنَّهم أسرَعوا في النُّزولِ إِلي أَبوابِ مَدينَتِهم ودعَوا شُيوخَ المَدينة. 13 وبادَروا جَميعًا من صَغيرِهم إِلي كَبيرِهِم، لأَنَّ مَجيئَها كانَ يَبْدو لَهم امرًا غَيرَ مُتَوقَّع. وفَتَحوا الأَبْوابَ وآستَقبَلوهما وأَضرَموا نارًا لِلإِضاءَة وآجتَمَعوا حَولَهما.
لا يقدر القلم هنا على التعبير عن فرحة يهوديت بهذا الخلاص العجيب، فقد خلصت بطهارتها، وخلصت شعبها وها هوذا عربون النصر في جعبتها (رأس أليفانا) فنادت على الحراس وفي صوتها رنين النصرة وفرحة المنتصر.
و لا شك أن سكان بيت فلوى في تلك المدة قد اذعنوا لقادتهم بوجوب الصبر والاحتمال لا سيما وأن الأيام الخمسة مازال متبقيًا منهم يوم واحد متبقيًا منها يوم واحد، غير أنهم لم يكونوا ليتوقعوا عودة يهوديت بهذه النتيجة المذهلة، وفي أفضل الأحوال توقعوا أن تعود بلا جديد إذ ظنوا أنها قد حاولت التفاوض مع الأعداء. بل اعتبروها قد غامرت بنفسها في خطة غير محسوبة وغير مضمونة العواقب، لم ترد أن تطلعهم عليها، وربما ظنوا أن مكروهًا ما قد أصابها.
و ها قد جاءت بشرى يهوديت لهم، عشية اليوم المحدد لاستسلامهم للأشوريين، ويتزامن ذلك أيضًا مع الحالة المزرية التي وصلوا إليها من العطش واليأس من جراء عدم ظهور أية دلالة على قرب خلاصهم من تلك الورطة!
و لذلك فقد سرى نبأ عودتها ببشرى الخلاص، سرى النار في الهشيم، وذلك بين أفراد الشعب الساهرين اليائسين، بسبب العطش والخوف فأقبلوا جميعهم بما فيهم الأطفال والشيوخ حاملين مصابيحهم ومشاعلهم متلهفين إلى معرفة حقيقة ما جرى.
14 فقالَت لَهم بِأَعلى صَوتها: ((سَبِّحوا اللهَ سَبِّحوه، سَبِّحوا اللهَ فإِنَّه لم يُحوِّلْ رَحمَتَه عن بَيتِ إِسرْائيل، بل سَحَقَ أَعداءَنا بِيَدي في هذه اللَّيلَة)). 15 ثُمَّ أَخرَجَتِ الرأسَ مِنَ الجعْبَة وأَرَتْهم إِيَّاه وقالَت لَهم: ((هذا هو رأسُ أَليفانا رئيسُ قُوَّادِ جَيشِ أَشُّور، وهذه هي النَّاموسِيَّةُ الَّتي كانَ مُضطَجِعًا تَحتَها في سُكرِه. ضَرَبَه الرَّبُّ بِيَدِ آمرَأَة. 16 وحَيٌّ الربُّ الَّذي حَفِظَني في الطَّريقِ الَّذي سلَكتُه، لِأَنَّ وَجْهي قد أَغْوى ذلك الرَّجُلَ لِهَلاكِه، ولم يَرتَكِبْ خَطيئةً معي لِنَجاسَتي وعاري)). 17 فآستَولى على الشَّعبِ كُلِّه دَهَشٌ شَديد وجَثَوا فسَجَدوا ِللهِ وقالوا بِصَوتٍ واحِد: ((مُبارَكٌ أَنتَ، يا إِلهَنا، فإِنَّكَ أَفنَيتَ في هذا إلىَومِ أَعْداءَ شَعبِكَ.
لقد كان منظرًا مخوفًا رهيبًا، أن يروا الرأس الذي أمر بإذلالهم بالحصار والعطش وهدد سلامهم وأقلق هدوءهم، يرونه مضرجًا في دمائه بخيمة سريره، وقد سُفك دمه عوضًا عن دمائهم.
ضربة الرب بيد امرأة: هذا يجعل من عمل يهوديت نصرًا أسطوريًا، فالمرأة اليهودية والتي كان دورها محدودًا وهامشيًا، لم يكن من المألوف أن تظهر في المجتمعات وكانت تتحرك بحذر وتحفظ، ولكن ذلك لم يعن أنها سلبية، ففي وقت الشدة أظهرت شجاعة قد يفتقر إليها العديد من جنود الرجال.
و كان من العار على المرأة أن تقتل رجلًا، لا سيما إذا كان قائدًا عسكريًا، فإن المفارقة هنا كبيرة، فهنا قائد عسكري محنك بشهادة انتصاراته، وقدرته على قيادة ما يزيد عن المائة والخمسين ألفًا من الجنود والفرسان، وهنا في المقابل امرأة لا حول لها ولا قوة، وهو في معسكره وبين حراسه، بينما هي غريبة ووحيدة في وسطهم، كل ذلك يدل على أن نصرها لم يكن سوى هبة من الله الذي سحق الأعداء (عدد 14) والله يغلب بالكثير وبالقليل، وهكذا فقد ضرب الله أليفانا بيد امرأة.!!
و قد طمأنت يهوديت الشعب، بأن هذا النصر لم يكلفها أي تنازلات بداية بطهارتها وانتهاءًا بالخبزات التي تناولتها، فلم يمسها أليفانا بسوء، كما لم تتناول من طعام الوثنيين، ويرد في الترجمة اللاتينية (حي هو الرب الذي حفظني ملاكه في مسيرى وإقامتى وإيابى 13: 20).
و يرى بعض القديسين أن قوة يهوديت كانت في عفتها، وأن عفتها هي سلاحها، مثل القديس جيروم عن خدام الله الأرضيين 1، وفي موضع آخر يقول:
إننا نقرأ عن امرأة أصيبت بالهزال من جراء الصوم ولبس ملابس الحداد الكئيبة التي كان مظهرها الخارجي السىء، لا يشير كثيرًا إلى اللوعة التي أحستها لوفاة زوجها، لأن المزاح الذي كانت عليه كما لو كانت تتطلع إلى مجيء العريس، أنا أرى يديها قابضة على السيف وملطخة بالدم وقد تعرفت على رأس أليفانا التي كانت تحملها بعيدًا عن معسكر الأعداء، هنا امرأة تقهر الرجال، والعفة تقطع رأس الشهوة) 2
و قد هتف الشعب هتاف النصر، فقد أيقنوا أن قطع رأس القائد لهو مقدمة لنصرهم على جيوش الأعداء، فسبحوا الله.
18 وقالَ لَها عُزَيَّا: ((باركَكِ، يا بُنَيَّة، الإِلهُ العَلِيّ فَوقَ جَميع النِّساءِ اللَّواتي على الأَرض. وتَبارَكَ الرَّبُّ الإِلهُ الَّذي خَلَقَ السَّمَواتِ والأَرض والَّذي هَداكِ لِضَربِ رأسِ قائِدِ أَعْدائِنا. 19 فإِنَّ رَجاءَكِ لن يُفارِقَ قُلوبَ النَّاسِ الَّذينَ يَذكُرونَ قوَّةَ اللهِ لِلأَبَد 20 عسى اللهُ أَن يُرفَعَ شأنُكِ لِلأَبَد. وأَن تُفتَقَدي بِإِحساناتِه لِأَنَّكِ لم تُشفِقي على نَفسِكِ مِن أَجلِ مَذَلَّةِ نَسلِنا بل تَداركتِ هَلاكَنا بِسَيرِكِ المُستَقيمِ أمامَ إِلهِنا)). فأَجابَ الشَّعبُ كُلُّه: ((آمين. آمين((.
في هذه الفقرة من النص، ينظر إلى يهوديت كنموذج للكنيسة التي تقطع رأس الشيطان، وذلك بحسب القديس جيروم 1، وكما بارك الملاك السيدة العذراء عند البشارة، بارك عزيا يهوديت بنفس البركة، وكما وعد الملاك السيدة العذراء بأن كل الأجيال سوف تطوبها، طلب عزيا ليهوديت ألا يبرح مدحها أفواه الناس، إنها البركة التي نالتها ياعيل امرأة جابر القينى بعدما قتلت سيسرا (تبارك على الناس لي النساء ياعيل امرأة جابر القينى، على النساء في الخيام تبارك (قض 5: 24) ولأجيال كثيرة يذكر بني إسرائيل: يا عيل ويهوديت وإستير، حيث كان لكل منهن دورًا بارزًا في خلاص بني إسرائيل من هلاك يسعى إليهم.
لقد كانت فرحة الشعب لا تقدر، بالخلاص الثمين الذي حققه الله لهم بيد امرأة!، سجدوا لله سجدوا الفرح الممزوج بالشكر (حسب الترجمة اللاتينية) فها قد نظر الله إلى مذلتهم وإفتقدهم برحمته (فامن الشعب ولما سمعوا أن الرب افتقد بني إسرائيل وانه نظر مذلتهم خروا وسجدوا خر 4: 31).
و قد ظن البعض أن الآية (لِضَربِ رأسِ قائِدِ أَعْدائِنا) صحتها (ضرب قائد أعدائنا) باعتبار كلمة رأس وقائد في العبرية واحد، ولكن كلمة قائد في العبرية هي() بينما كلمة رأس هي ()، وتأتى في اليونانية: CUTTING OFF THE HEAD OF THE CHIEF OF ENEMIES
يقول القديس جيروم في حديثه لأحد الأرامل:
(أنت لديك أرامل مثلك جديرة بأن تكون نماذج لك، فيهوديت المشهورة في قصة العبرانيين، وحنة بنت فنوئيل المشهورة في الإنجيل، كلتاهما عاشتا ليلًا ونهارًا في المعبد وحفظتا كنز طهارتهما بالصلاة والصون واحدة كانت نموذج للكنيسة التي تقطع رأس الشيطان والأخرى إستقبلت على رأس ذراعيها مخلص العالم وأفضى إليها بالسر المقدس الذي جاء) 2.