تفسير سفر يهوديت 4 للقمص تادرس يعقوب ملطي

رعب اليهود على الهيكل

في الأصحاحات الثلاثة الأولى (1 – 2 – 3) مهّد الكاتب للمعركة أو المجابهة بين الآشوريين واليهود، ليوضح أن النصرة لم تكن بذراع بشري، ولا بإمكانيات عسكرية، وإنما خلال رعاية الله الفائقة ونعمته التي تعمل مع الذين يتقدسون له.

فمن جهة الإمكانيات البشرية العسكرية ليس من وجهٍ للمقارنة بين جيش الآشوريين وجيش اليهود، وأيضًا من جهة المعدات العسكرية من خيول مدربة على الحرب والمركبات، هذا بجانب ما انضم إليهم من البلاد التي سقطت في قبضتهم سواء خلال الحرب أو الاستسلام.

صوّر الكاتب حالة الرعب التي حلت بالبلاد، وسقوطها الواحدة تلو الأخرى، أو استسلامها.

انهيار المعابد والمذابح ودور العبادة الوثنية ليبقى نبوخذنصر الإله الوحيد على جميع الأرض كما كان يظن في نفسه وما أراد تحقيقه.

هنا يليق بنا أن نقف إلى لحظات لنرى هذا التحرك الجماعي للعمل على كل المستويات، والدافع الحقيقي لتحركهم.

أولًا: لم تكن تشغلهم الخسائر المادية أو البشرية، سواء من استيلاء أشور على ممتلكاتهم أو قتلهم لهم… لكن ما كان يشغلهم هو تدمير مدينة الله وتدنيس الهيكل المقدس، ونشر العبادة الوثنية المتركزة في عبادة الملك الآشوري.

ثانيًا: مع إدراكهم أنه ليس من وجه للمقارنة بين إمكانيتهم وإمكانيات أشور تحركوا ليبذلوا كل الجهد بالعمل العسكري في كل المواقع ما أمكن وبلا يأس

ثالثًا: امتزج العمل بالصراخ لله مع انسحاق وأصوام وتقديم ذبائح يومية.

رابعًا: قام كل واحدٍ بدورة، من رئيس الكهنة ومجلس الشيوخ بل والشعب حتى الأولاد الصغار مع النساء فالكل يساهمون في طلب مراحم الله.

 

1. ارتعاب بني إسرائيل خشية هدم أورشليم، وتدمير هيكل الرب

 

1 –3.

2. هيأوا أنفسهم ومدنهم وقراهم للحرب

 

4 –8.

وحي إشعياء النبي عن إلياقيم    

3. صراخ كل الشعب لله

 

9 –13.

4. صراخ يواكيم رئيس الكهنة لله

 

14 –15.

من وحي يهوديت 4    

1. ارتعاب بني إسرائيل خشية هدم أورشليم، وتدمير هيكل الرب

وسَمِعَ بَنو إِسْرائيلَ المُقيمونَ في إلىَهودِيَّةِ بِكُلِّ ما صَنَعَه أَليفانا،

رَئيسُ قُوَّادِ نَبوخَذنَصَّر مَلِكِ أَشُّور،

بالأُمَمِ وبِالطَّريقةِ الَّتي نَهَبَ بِها جَميعَ مَعابِدِها،

وأَسلَمَها إلى الإفْناء [1].

حلول الجيش الآشوري شمال البهودية، وانتشار أخبار نصراته المستمرة مقاومة تذكر، واستسلام بعض المدن قبل الهجوم عليها، خلق نوعًا من الرعب في اليهودية. فبحسب التخطيط العسكري والحكمة البشرية بدأ العمل العسكري الأشوري ناجحًا تمامًا.

معابدها: هنا تشير إلى كل أماكن العبادة من أضرحة وهياكل ومذابح ومقدسات. وقد ورد ذكر هيكل أورشليم في سفر يهوديت تحت الأسماء:

1.naos أي هيكل Temple (4: 2)

  1. oikosأي بيت (4: 3)
  2. agiasmaأي مقدس sanctuary (5: 19)
  3. agionأي مقدس (4: 12؛ 9: 8).
  4. ta agiaأي الأشياء المقدسة، أو الهيكل بكل مقدساته (4: 1).

فخافوا خَوْفًا شَديدًا جدًّا مِن وَجِهه،

واضطربوا لأَمرِ أُورَشَليم وهَيكَلِ الرَّبِّ إِلهِهِم [2].

وصلت أنباء الحملة إلى سكان أورشليم وبقية اليهودية، فارتعبوا، وذلك عن ضعفٍ بشري. لقد نسوا أعمال الله معهم ومع آبائهم، وبدأوا يفكرون بحساباتٍ بشرية فانتابهم الذعر. نسوا وعود الله ومواعيده الفائقة!

خشي اليهود أن يفعل بهم أليفانا كما صنع ببقية الشعوب المحيطة بهم. أما ما كان يشغلهم بالأكثر فهو إصراره على تدمير المعابد والمذابح؛ فقد بات بالنسبة لهم دمار مدينة الله أورشليم وهيكل سليمان على الأبواب.

ذلك بِأَنَّهم صَعِدوا مِن جَلائِهم مُنذ عَهْدٍ قَريب،

واجتَمَعَ مُنذُ قَليل شَعبُ إلىَهودِيَّةِ كلُّه،

وطُهِّرَتِ الأَدواتُ والمَذبَحُ وَالبَيتُ بَعدَ تَدْنيسِها [3].

السبي القريب هنا هو بلا شك سبي منسىّ بن حزقيا وخليفته في مملكة يهوذا، ملك سنة 693 ق.م.، وهو ما يزال حديث السن (12 سنة)، وقد أضّل الشعب وعبد الأوثان (2مل21: 2-9)، حاول التحالف مع بابل ضد أشور. أسره الأشوريون، لكنهم عادوا فأطلقوه، وعاده إلى مُلكه، مات عام 639 ق.م.

وقد جرت أحداث هذا السفر خلال الفترة التي كان فيها منسى بعيدًا عن اليهودية. ومن الدلائل التاريخية على ذلك أن منسى دفع الجزية لكل من أسرحدون وأشوربانيبال. وفي مثل هذه الحالات كان رئيس الكهنة يتولى المسئولية الإدارية للبلد، وهو يرجع إلى أمراء البلاد عند الضرورة.

2. هيأوا أنفسهم ومدنهم وقراهم للحرب

فأرسَلوا رُسُلًا إلى جَميعِ سواحل السَّامِرة والقرى Kona،

وبَيتَ حُورون Bethoron وبَلْمائين Belmen وأَريحا وكُوبا Choba وعَزورا Esora ووادي شَليم Salem [4].

واضح أن قادة اليهود أمروا الشعب أن يربضوا في الممرات الضيقة التي للجبال في كل السامرة كما في اليهودية لمنع تسلل الجيش الآشوري البلوغ إلى أورشليم وتدنيس الهيكل والمذبح والأدوات المقدسة.

جميع سواحل السامرة: لم يقف الأمر عند مدينة السامرة، وإنما ضموا المدن المتاخمة لها، والتي كانت تُحسب تاريخيًا جزء من السامرة. كانت هذه المدن تبعد حوالي 42 ميلًا شمال أورشليم، وتحسب كخط دفاع لها. السامرة حاليًا تدعى سبسطية Sebastiyeh ، وهي تشرف على الطريق الشمالي جنوبي، يربط سهل يزرعيل Esdraelon في الشمال حيث كان هولوفرنيس مع أورشليم في الغرب حيث يوجد الهيكل.

قام سرجون الثاني بهدمها عام 721 ق.م، لكن سرعان ما تأهلت بالسكان وأعيد بناؤها، وصارت مركزًا لإدارة إقليمية بواسطة الآشوريين ثم البابليين والفرس. أما في عهد الإمبراطورية الهيلينية فصار لها تاريخ متأرجح. ومنذ عام 107 ق.م. صارت السامرة في يد اليهود. افتتحها يوحنا هركانيوس Hyrcanus الذي أزال جزء من أسوارها.

كونا: جاءت في بعض الترجمات بمعنى “قرى”، وهي مجموعة مداخل وقرى بين السامرة وأورشليم.

بيت حورون (يش 21: 22؛ 1 أي 7: 24؛ 2 أي 58) كان يوجد مدينتان: بيت حورون العليا (بش 5: 16) ارتفاعها 1750 قدمًا فوق سطح البحر، تبعد خمسة أميال شمال غرب جبعون، وهي على بعد ميلين فقط من بيت حورون السفلي (بش 16: 3) ارتفاعها 1000 قدم فوق سطح البحر.

المدينتان سيطرتا على وادي أيٌلون والطريق التجاري القديم الذي كان يُمر فيه. هذا الطريق سلكت فيه جيوش كثيرة في أزمنة الكتاب المقدس. وهنا طارد يشوع ملوك الأمويين الذين هاجموا مدينة جبعون. وقد توالى على هذه البقعة الفلسطينيون والمصريٌون والسوريون(76)، وهنا أيضًا نال يهوذا المكابي النصرة في معركتين هامتين، واحدة ضد سيرون Seron (1 مك 3: 16، 24)، والأخرى ضد نيكانور  Nicanor (1 مك 7: 39). مؤخرًا قام Bacchides بتحصين بيت حورون (1 مك 9: 50)(77).

بلمانين أو بلمان Belmen أو Belmain، وربما بلما المذكورة في 7: 3، وبلمون في 8: 3، تقع على بُعد 35 كم من سور. ويرى البعض أنها “آيل بيت معكة”، بالقرب من بحيرة طبرية، ويرى آخرون أنها خربة بلعمة على مقربة من دوثان. أفي يونا Avi-yanah وأهاروني Aharoni  يدعونها Belaen ويعرفونها بأنها Abel-maim تبعد حوالي 13 ميلًا جنوب مدينة السكيثيين (78)Scaythopolis.

أريحا Jericho: توجد مدينتان باسم أريحا, أريحا العهد القديم (حاليًا تل السلطان tell es-sultan )، تقع في نهاية جنوبي وادي الأردن. وأريحا العهد الجديد (حاليًا تل أبو العليق Tulul Abu el-Alauiq) تبعد ميلًا واحدًا جنوب أريحا العهد القديم، على الجانب الغربي لساحل االأردن، وحوالي 16 ميلًا من أورشليم.

كوبا Choba: إحدى القرى الواقعة إلى الشمال من فلسطين. وكانت ضمن الحصون. ذُكرت مرة أخرى في 15: 4-5 ضمن البلاد التي أرسل إليها رئيس الكهنة لتتعقب الغزاة الأشوريين بعد مقتل أليفانا. يرى البعض أنها هي المخوبي El-Mebhubbi بين Tubass وبيسان Besan ، وآخرون أنها هوبة Hoba شمال دمشق (تك 14:15)، والتي تُدعى حاليًا تل الصليحي ell-el-Salihiye ويرى avi-Yonah وأهارون أنها المرماله Marmaleh El- تبعد 30 ميلًا تقريبًا من بيت شأن وثلاثة أميال غرب نهر الأردن.

عزورا Esora أو Aesora، ربما كانت حاصور Hazor، وهو اسم عبري معناه “حظيرة”. وهي مدينة كنعانية في شمال فلسطين. نظم يابين ملك حاصور تحالفًا ضد يشوع، لكنه هُزم وأُحرقت المدينة. وهزم باراق ودبوٌَرة ملكًا آخر لحاصور. جدد الملك سليمان بناءها وحصنها، مع مجدو وجازر Jazer. دمرها الآشوريون في القرن الثامن ق.م. تذكر حاصور في نصوص مصرية وبابلية وفي رسائل تل العمارنة، وبالإضافة إلى ما ورد في العهد القديم (يش 11؛ قض 4؛ 1 مل 9: 15، 2 مل 15: 29).

وادي شليم Salem وربما كان Saleim، وهو وادي يقع على مسافة حوالي 10 كم شمال شرقي أورشليم، بالقرب من وادي عرفة.

واحتَلُّوا جَميعَ رُؤُوسِ الجِبالِ العالية،

وسَوَّروا القُرى التي فيها،

وتَزَوَّدوا استِعْدادًا لِلقِتال،

لأَنَّ حُقولَهم حُصِدَت مُنذُ عَهْدٍ قَريب [5].

أصدر رئيس الكهنة ألياقيم تعليماته إلى جميع أمراء وسكان المناطق الجبلية في اليهودية لكي يضبطوا مداخل الجبال. ومن المعروف أن اليهودية عبارة عن سلاسل من الجبال، وبعض مداخلها لا يسع إلاَّ لمرور جندي أو اثنين، مما يجعل اصطيادهم سهلًا من قبل الجنود المحليين. وقد استعان نبوخذنصر بالأدوميين عند حصاره أورشليم للتعرف على مداخل البلاد. وقد قام الأدوميون بهذا الدور جيدًا وشمتوا في كسرة اليهود (مز136).

وكانَ يُواقيمُ Joacim رئيس الكَهَنَةِ في أُورَشليم في تِلكَ الأَيَّام،

فكَتَبَ إلى سُكَّانِ بَيتَ فَلْوى Bethulia وبَيتَ مُسْتَئيمَ Betomestham،

اللّتَين حيالَ يزْرَعيل ُEsdraelon

وقُبالةَ السَّهلِ القَريبِ مِن دوتائين Dothaim [6].

يواقيم أو ألياقين أو يهوياكين، أسماء تعني “الله يقيم” أو “من يثبته الله”.

خوّل رئيس الكهنة صلاحيات كبيرة في كثير من الفترات. ومع أن مجمع السنهدرين قد تأسس بعد ذلك بكثير، إلاَّ أنه كانت هناك مجالس من المشيرين يشتركون مع رئيس الكهنة في إدارة بعض الشئون الدينية وأحيانًا المدنية.

في ذلك الحين كان منسى مأسورًا من الأشوريين بسبب تحالفه مع البابليين ضدهم. وقد عاد فيما بعد، بعد توبته حيث حاول القيام بإصلاحات دينية، بعد أن أضل الشعب وجرهم إلى الوثنية في بداية حكمه.

يرى دميان ماكي أن ألياقيم (كما جاء في نص Douay) قام بإثارة الشعب عوض الملك، وذلك كما فعل الملك حزقيا عندما حاول سنحاريب غزو أورشليم (2 أي 32: 2-8). وأنه هو ألياقيم بن حلقيا الذي على البيت (2 مل 18:18؛ إش 36: 3). وقد ورد اسمه في السجلات الأشورية اليميتي Akhi عوض Elikim، وأنه كان حاكم أشدود أو لخيش. لذا يرى البعض أنه كان رئيس كهنة سابق وقد عُين رئيسًا على لخيش، لكنه في ذاك الوقت كان في أورشليم التي لم تكن مسكنه الدائم. وكان يتولى الحكم على حصن لاخيش الحصين سلسلة من رؤساء الكهنة السابقين كما على غيرها من المواقع كما يظهر من (1 مل 4: 2)  في أيام الملك سليمان.

يقول دميان ماكي أنه على ضوء ما ورد في يهوديت أن إلياقيم كان كبير موظفي القصر Major-domo أو كبير التشريفات في البلاط الملكي، وكان يقوم إدارة أمور القصر، فإن كلمة “بيت” (2 مل 18:18) يُعنى بها “القصر الملكي”، وإن كانت تُستخدم أيضًا بالنسبة للهيكل كبيت الرب.

بيت فلوي Bethulia: وهو الموقع الذي كان في الصدارة تجاه قوات الآشوريين، وهي مدينة صغيرة تقع على حافة منحرف صخري عالي، يقع أسفله وادي سحيق يجري فيه مجرى مائي. وقد ورد الاسم في العبرية Bethliya ومعناه “المكان المرتفع”. يقع بيت فلوي في وادي يزرعيل بالقرب من التلاميذ دوثان (دوثائين). رأى أحد العلماء أن الموقع كان تلًا بركانيًا يُعرف باسم هتين، على بعد 7 كم غرب بحر الجليل. ويرى البعض أن الموقع حاليًا هو “سنور” أو “البريد” أو “سيج سبيل” أو “مصيلح”، يبعد 12 كم من جينين الحالية. ويرى البعض أن الموقع هو قمة جييل المسماة “الإسىّ”. وأما الشراح الذين مالوا إلى التفسير الرمزي فرأوا أن بيت فلوي هو اسم مستعار لشكيم أو “بيت الله”. سُميت أيضًا “مدينة جبل أفرايم(79)

بيت مستثيم Betomestham، ربما جاء من الاسم Beth Masthama أو Betomesthaim ومعناه بيت الحفوقة أو بيت الشيطان. لا يُذكر هذا الموضع إلاَّ في هذا السفر، يقع مقابل سهل يزرعيل بجوار تل دوثان، ومن هنا له أهمية خاصة في الاستعداد لمواجهة جيش الأشوريين.

 

وحي إشعياء النبي عن إلياقيم

إذ قدم إشعياء النبي وحيًا عن شبنا الذي على البيت (إش 22: 15) تنبأ عن إلياقيم بن حلقيا أنه يحتل مركز شبنا (إش 22: 20-25)، يرى دميان ماكي أن هذا قد تحقق أثناء الحملة الثالثة لسنحاريب، حيث كان إلياقيم numero uno، أي يحتل المركز الأول، وشبنا Shebna المركز التالي.

ما ورد في إش 22: 15 عن شبنا الذي احتل ألياقيم مركزه أنه كان كبير العاملين في القصر Major-domo، غير أنه جاء النص في الفولجاتا كرئيس كهنة، وقد طُلب من إشعياء أن يذهب ويدخل إلى شبنا جليس الملك والذي على البيت، ويعلن له عن سقوطه. هذا ولم يوصف إلياقيم كصاحب سلطان فحسب، وإنما كرئيس كهنة بكونه “أبًا لسكان أور ولبيت يهوذا” (إش 22: 21). كما قيل عنه: “ويعلقون عليه كل مجد بيت أبيه، الفروع والقضبان، كل آنية صغيرة من آنية الطسوس إلى آنية القناني جميعًا” (إش 22: 24). هنا يتحدث عن أوانٍ كهنوتية (1 أي 28: 17).

 

يواقيم ويوئيل 2

يربط البعض بين ما ورد هنا عن محاولة أليفانا غزو أور وبين ما ورد في يوئيل 2، حيث طالب الله: “قدسوا صومًا، نادوا باعتكاف” (يؤ 2: 15).

طَالِبًا إِلَيهم أَن يَضبِطوا مَسالِكَ الجَبل،

لأَنَّ بِها يَتِمُّ الوُصولُ إلى إلىَهودِيَّة،

ولأَنَّه مِنَ السهْلِ صدُّ المُتَقَدِّمين،

إِذ إِنَّ ضيقَ المَمَرِّ يَفرِضُ التَّقَدُّمَ أثنَينِ على الأكثر [7].

هذا الوصف لضيق الممر يجيب على التساؤلات بخصوص ممر Michmash الذي يحمي صخور Bazez وSeneh التي سمحت ليوناثان وحامل سلاحه وحدهما أن يتسلقا معًا (1صم14: 1-13).

ففَعَلَ بنو إِسْرائيلَ كَما رَسَمَ لَهم يُواكيمُ، رئيس الكَهَنَة،

ومَجلِسُ شُيوخِ شَعْبِ إِسرائيلَ كلِّه الَّذي كانَ يَعقُدُ جَلَسَاتِه في أُورَشليم [8].

3. صراخ كل الشعب لله

وصرَخَ جَميعُ رِجالِ إِسْرائيلَ إلى الرَّبِّ صُراخًا حارًّا جِدًّا.

وذلَلوا أَنفُسَهم تَذليلًا شَديدًا [9].

لم ينهج اليهود منهج الأمم الأخرى بالاستسلام والخنوع مهما تكن التكلفة، وإنما لجأوا إلى الله، إله الآلهة ورب الأرباب. لقد حسبوا أنفسهم ليسوا طرفًا في المعركة، إنما هي معركة بين ليس نفسه ونبوخذ نصر الذي يقيم نفسه إلهًا، أو بين الله وإبليس.

ارتبط صراخهم لله (صلواتهم) بتذللهم، وأيضًا بالصوم إلى أيامٍ كثيرةٍ [13]. وقد اعتاد اليهود أن يلجأوا إلى الصوم الجماعي في فترات الضيق (قض 20: 26؛ 1 مل 21: 9؛ إر 36: 9؛ يونان 3: 5؛ 2 أي 20: 3؛ إس 4: 1-3، 15؛ 1 مك 3: 44-48).

هُم ونساؤُهم وأَولادُهم وقُطْعانُهم

وجَميعُ النُّزلاءِ مِن أُجَراءَ وعَبيد [10].

وجَميع رجالِ إِسْرائيلَ والنِّساءُ والأَولادُ المُقيمونَ في أُوَرَشليم

سَجَدوا أَمامَ الهَيكَل،

وعَفَّروا رؤوسَهم بِالرَّماد،

وبَسَطوا مُسوحَهم أَمامَ الرَّبّ، [11].

وغَطَّوا مَذبَحَ الرَّبِّ بِمِسْح،

وصَرَخوا صُراخًا حارًّا إلى إِلهِ إِسْرائيلَ بِصوتٍ واحِد،

أَلاَّ يُسلِمَ أَطْفالَهم إلى النَّهْب،ِ

ونِساءَهم إلى السَّبْي،ِ

 ومُدُنَ ميراثِهم إلى الدَّمار،

والمكانَ المُقَدَّسَ إلى التَّدْنيس،

وإلى شَماتِ الأمَمِ المُهين [12].

جاءت الوصية (لا21: 1-12) تحدد مظاهر حزن الكهنة، وتمنعها تمامًا من رئيس الكهنة، مهما كانت الأسباب. هذا لكي تمنع طقسًا وثنيًا، حيث كان كهنة الأوثان يلبسون المسوح في فصل الجفاف من كل عام اعتقادًا بموت معبودهم أثناء الجفاف. ولعل الله أراد أن يلبس الكهنة ثياب المجد لكي يقدموا للشعب جوًا روحيًا مفرحًا يملأ نفوسهم رجاءً في السماويات. أما هنا فالكارثة ليست شخصية أو عائلية تمس الكاهن أو أسرته، إنما تمس كيان الشعب كله.

المسوح Sackcloth وتسمى في العبرية ساك، هو لباس خشن ذو لون قاتم، أسود أو بني كما جاء في (إش5: 3؛ رؤ6: 12)ط ذلك لأنه كان يُصنع من وبر الإبل. تُستخدم المسوح تعبيرًا عن الحزن ومرارة النفس. كان يرتبط استخدامها بالجلوس في الرماد مثلما فعل يعقوب عندما فقد ابنه يوسف (تك37: 34). وعندما فعلت رصفة عندما صلب الجبعونيين ابنيها (2صم2: 10). وكانت المسوح تُستخدم في استدرار العطف، كما فعل الجعبونيون مع يشوع (يش9: 14)، وبنهدد ملك آرام ليحظى بعفو ملك إسرائيل (1مل20: 31: 43).

تُستخدم المسوح كعلامة للتوبة والانسحاق أمام الله لاسترداد مراحمه كما فعل شعب نينوى (يونان3)، وأيوب البار (أي16: 15) ومدينتا صور وصيدا (مت11: 21؛ لو10: 13).

اُستخدمت المسوح كسلوكٍ نسكي شخصي كما فعل الأنبياء والقديس يوحنا المعمدان (رؤ11: 3).

استخدم اليهود المسوح عندما أهانهم السلوقيون ودنس أنطيونس أبيفانيوس المذبح (1مك3: 17).

هذه هي المرة الوحيدة التي يُذكر فيها تغطية مذبح الرب بمسح، ربما يُقصد بها أن المشكلة تتعلق أيضًا بالمذبح، فإذا كان المذبح هو نقطة تلاقي الشعب مع الله، فإن الانسحاق والتذلل هنا يبلغ أقصاه، متجاوزًا بذلك مجرد الزهد الشخصي في المخادع، كما أن اليهود هنا يطرحون أطفالهم عند المذبح ليستدروا بهم عطف الله ومراحمه، ويعرضون عليه ما بلغ إليهم من خطر!

فسَمِعَ الرَّبُّ إلى َصلواتَهم ونَظَرَ إلى شِدَّتِهِم.

وكانَ الشَّعبُ يَصومُ أَيَّامًا كثيرةً في كُلِّ إلىَهوديَّةِ وأُورَشليم

أمامَ المَكانِ المُقَدَّس، مَكانِ الرَّبِّ القَدير [13].

4. صراخ يواكيم رئيس الكهنة لله

وكانَ يُواكيم، رئيس الكَهَنة، وجَميعُ القائِمينَ أمامَ الرَّبّ،

وأَوساطُهم مشْدودة بِالمُسوح،

يُقرِّبونَ المُحرَقَةَ الدَّائِمة ونُذورَ الشَّعبِ وتَبَرُّعاتِه [14].

في انسحاق تقدم رئيس الكهنة وجميع القائمين أمام الرب في الهيكل، والشعب كله، يطلبون مراحم الله.

كان تحرك رئيس الكهنة على المستويين: العمل حيث رأينا كيف طلب من كل القيادات الدفاع عن الوطن بكل وسيلة، وأيضًا الصلاة الدائمة بروح اللجاجة مع انسحاق ونسكٍ.

كان تقديم ذبيحة حمل مرتين في اليوم أكثر كل الذبائح اليهودية والتقدمات أهمية (خر 29: 38-42؛ عد 28: 6).

وكان الرَّمادُ على عَمائِمِهم الليتورجية،

وكانوا يَصرُخونَ إلى الرَّبِّ بِكُلِّ قوَّتِهم

أَن يَفتَقِدَ بَيتَ إِسْرائيلَ بِأَجمَعِه [15].

كانت عمائم الكهنة أو العصائب التي على رؤوسهم كتانية كما ورد في خر 44: 18.

كان اليهود واثقين أن أليفانا لن يقدر أن يمسهم بأذية ما لم يسلمهم الله له، أو يسمح لهم بذلك، مفاتيح المشكلة في يد الله نفسه، وليس في إمكانيات أليفانا أو جيشه. ففي مواقف كثيرة يسمح الله لهم بالمذلة ليس من أجل برّ أعدائهم وإنما بسبب شرّ اليهود أو عصيانهم أو جحودهم، وأحيانًا لأجل تزكيتهم ونموهم كما فعل في أيام يهوديت.

من وحي يهوديت 4

ليتحرك الكل بالحب نحوك!

 

*    ارتعب شعبك ليس خوفًا من الموت،

 ولا من الأسر والمذلة،

وإنما خشية دمار مدينتك وبيتك المقدس،

وتسلل الوثنية إلى مقدساتك!

 

*    هب لي أن أطلب القداسة لهيكلك في داخلي،

فبدونها لا أستطيع أن أعاينك.

لتحطم يا أيها القدوس كل القوات الشريرة،

فلا تتسلل النجاسة إلى قلبي أو أحاسيسي!

 

*    يستعرض عدو الخير جبروته ليرعبني.

يود أن يحطم حياتي تمامًا.

لكن، كيف أرتعب منه،

والذين معنا أكثر وأعظم من الذين علينا؟

هل للظلمة أن تبدد النور؟

هل لإبليس أن يقف أمامك؟

لتتجلى في داخلي يا ملك الملوك،

فيهرب العدو من أمام وجهك،

ويسقط كالبرق من السماء!

فلا يكون له موضع في ملكوتك داخلي!

أقم مني سماءُ،

فلا يجسر العدو أن يقترب إلىٌ.

 

*    من الأعماق صرخت إليك يا رب،

فأنت وحدك تسمع صرخات القلب،

أنت وحدك ترى مذلتي فتسندني،

تقبل أصوامي ومطانياتي!

تقبل مذلة قلبي وانسحاقه ذبيحة مقبولة لديك!

 

*    لأصرخ مع كل الكهنة والشعب.

لأعمل مع كل رجال وامرأةٍ، وشيخٍ وطفلٍ،

مع كل شابٍ وشابةٍ!

فأنت تنصت للعاملين معًا بروح الحب والوحدة!

بك أتحرك، وفي رجاء أترقب خلاصك!

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى