تفسير سفر يهوديت 7 للقمص تادرس يعقوب ملطي
محاصرة بيتَ فَلْوى
1. حملة على إسرائيل |
1 –5. |
||
2. مشورة قُوَّادِ بَني عيسو وموآب والسَّاحِلِ |
6 –15. |
||
3. احتلال عُيونَ ماءِ بَني إِسْرائيلَ وينابيعَهم |
16 –18. |
||
4. صَراَخ بَني إِسْرائيل إلى الرَّبِّ إلهِهم |
19 –22. |
||
5. يأس الشعب |
23 –29. |
||
6. عزيا يطالبهم بأن يعطوا الرب مهلة 5 أيام |
30 –32. |
1. حملة على إسرائيل
أشار بنو عمون وموآب على أليفانا ألا يحاربهم بالقتال فإن بني إسرائيل رجال جبال وتلال، لكن يقيم حراسة على الينابيع حتى تجف فيستسلموا بسبب العطش.
ارتجف الشعب وثاروا على عزيا لأنه لم يستسلم لأليفانا، وها هم يموتون عطشًا. بكى عزيا وطلب منهم أن ينتظروا رحمة الله، سائلًا أن لا يستسلموا لمدة خمسة أيام، فإن لم يقدم الله لهم معونة يفعلون ما يريدون.
وفي الغَدِ أَمَرَ أَليفانا جَميعَ قُوَّاتِه
وكُلَّ شَعبه الَّذي انضِمَّ إِليه لِمُناصَرَته
بِالرَّحيلِ والزًّحْفِ على بَيتَ فَلْوى،
وباحتِلالِ مُنحَدَراتِ النَّاحِيَةِ الجَبَلِيَّة،
وبِشَنِّ المَعركَةِ على بَني إِسْرائيل [1].
وفي ذلك إلىَومِ نَفسِه،
رَحَلَ مِنهُم كُلُّ رَجُلِ حَرْب.
وكانَ جَيشُ رِجالِ الحَرْبِ مِائةً وسبعينَ أَلفًا مِنَ المُشاة
واثَني عَشَرَ أَلفًا مِنَ الفُرْسان،
ماعَدا الأَمتِعةَ والرِّجالَ المُتَرَجِّلينَ المُنضمِّينَ إِلَيهم،
فكانوا جَمْعًا غَفيرًا جِدًّا [2].
خرج أليفانا للحملة ضد الأمم ومعه 120 ألف جنديًا و12 ألف فارسًا، ويبدو أن حوالي 50 ألفًا من المشاة انضمت إلى جيشه من جنود الأمم التي طلبت منه العفو. بينما كان عدد الجنود لبيت فلوي لا يتعدى الألف، إن اعتبرنا أن تعداد سكان بيت فلوي كله لا يتعدى عشرات الألوف. فليس من تكافؤ بين الجيشين. فقد أراد الله تأكيد أنه “لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي قال رب الجنود. من أنت أيها الجبل العظيم، أمام زربابل، تصير سهلًا” (زك 4: 7).
يقصد بالرجال المترجلين، الرجال الذين كانوا جنودًا لا للدخول في المعارك مع زملائهم، وإنما كانوا متفرغين لقيادة الحيوانات الحاملة المئونة للجيش.
فعَسكَروا في الوَادي المُجاوِرِ لِبَيتَ فَلْوى عِندَ عَينِ الماء،
وانتَشَروا في العُمْقِ مِن دوتانَ Dothaim إلى بَلْما Belmaim ،
وفي الطُّولِ مِن بَيتَ فَلْوى إلى قَليمونَ Cynamon الَّتي قُبالةَ يِزْرَعيل Esdraelon [3].
استعد المشاة والفرسان للحرب معًا ضد بني إسرائيل، وصعدوا على قمة التل الذي يطل على دوثان Dothan، من الموضوع الذي يُدعى بلما Belna إلى كيلمون Chelmon المقابلة ل Esdraelon (يحسب النص في Douay). أما النص اليوناني فأشار أنهم عسكروا في الوادي بالقرب من بيت فلوي بجوار الينبوع، وانتشروا في دوثان Dothan حتى بلبيم Balbaim، على امتداد من بيت فلوي إلى كايمون Caymon التي في مواجهة Esdraelon.
بلما Belmaim, Belbaim: مدينة تقع بالقرب من تل دوثان (دوثائين) على طريق للقوافل وبالقرب من السامرة. ربما هي المدينة المذكورة في 8: 3، وتدعى بلمون والتي كان يقع بالقرب منها الحقل الذي مات في منسى زوج يهوديت. وربما كانت هي أيضًا بيباي المذكورة في 15: 4 من بين البلاد التي أرسل إليها عزيا لمطاردة الأعداء.
يظن البعض أنها آبل بيت معكة المذكورة في 2صم20: 14، تقع في شمال فلسطين التي طارد إليها يوآب شبع بن بكري. ويرى آخرون أنها كانت مملكة صغيرة ذُكرت في سجلات تحتمس الثالث للمدن التي غزاها(85).
قليمون Cyamon، الاسم اليوناني للكلمة Okneam، وردت في 1 مل 4: 12؛ 1 أي 6: 68، تحت يقمعام، وهي كلمة عبرية معناها “يقيم الشعب”، وتحت اسم قرتان (يش21: 32). وقد أخذت هذا الاسم “قليمون” في العصر الهيليني، وتقع على مسافة 12 كم شمال غرب مجدو، أمام وادي يزرعيل، وبالقرب من سهل شارون في طرف مرج بن عامر على طريق عكا، ومكانها اليوم كفر كاما. وقد وردت قليمون في قائمة المدن التي استولى عليها تحتمس الثالث، حيث ترد في اللغة العبرية يقنعام، وتُسمى حاليًا تل قليمون أو التلاميذ يوكنيم بجانب عين كيمون.
أَمَّا بنو إِسْرائيل، فلَمَّا رَأَوا كَثرَتَهم
اِرتَعَدوا ارتِعادًا شَديدًا
وقالَ كُلُّ واحِدٍ لِقَريبِه:
“والآن سيَجتَزُّ هؤلاءَ وَجهَ الأَرضِ كُلِّها،
فلا الجِبالُ العالِية ولا الوِديان ولا التلال تَقِفُ أَمامَ قُوَّتِهم” [4].
ثُمَّ أَخَذَ كُلُّ واحِدٍ عُدَّتَه الحَربِيَّة،
وأَشعَلوا النِّيرانَ على أَبْراجِهم،
وظَلُّوا يَحرِسونَ طَوالَ تلكَ اللَّيلة [5].
إشعالهم النار فوق الأبراج يعني يقظتهم وسهرهم ومراقبتهم للموقف.
2. مشورة قُوَّادِ بَني عيسو وموآب والسَّاحِلِ
وفي إلىَوم الثَّاني أَخرَجَ أَليفانا جَميعِ فُرسانِه في وَجهِ بَني إِسرائيلَ
الَّذينَ كانوا في بَيت فَلْوِى [6].
وفَحَصَ المُنحدَرَاتِ المُؤَدِّيةَ إلى مَدينتِهم،
وتفَقَّدَ كُلَّ عَينِ ماء واحتَلَّها،
وجَعَلَ فيها مَواقِعَ مُقاتِلين،
ورَجَعَ هو إلى جَيشِه [7].
جاء في الفولجاتا:
[الآن إذ سار هولوفرنيس وجد ينبوعًا كان يمدهم بالماء، يجري خلال قناة خارج المدينة في الجانب الجنوبي، فأمر باغلاق القناة. إلا أنه كان يوجد ينابيع ليست بعيدة عن الأسوار، كانوا يسحبون منها الماء خفية، ويشربون منها القليل، لا تكفي لإروائهم تمامًا (7: 6-7).]
فدَنا إِلَيه جَميعُ رُؤَساءِ بَني عيسو
وجَميعُ قُوَّادِ شَعبِ موآب وقُوَّادُ السَّاحِلِ وقالوا [8].
يبرز هنا رؤساء أدوم وموآب وقواد الساحل ليظهروا حقدهم على بني إسرائيل. كانوا أعداءً تقليديين لليهود استمرت لقرونٍ طويلة، يقول عنهم يوسيفوس: “إنهم يكرهوننا جدًا”
بقدر ما كان لبيت فلوي من امتيازات بسبب الجبال التي تحيط بها وتحميها، فإن نقطة الضعف هناك قلة المياه وصعوبة الحصول عليها داخل المدينة.
كثير من المدن سقطت بعد حصارها متى حُرمت من مصادر المياه، خاصة إن كانت لا تتمتع بسقوط أمطارٍ عليها. على سبيل المثال: سقطت السامرة سنة 722 ق.م. عندما حاصرها الأشوريين، وكانت تعتمد على الينابيع وماء الأنهار. ظن الآراميون قديمًا أن إله اليهود إله الجبال، وأن آلهة المياه أقوى من آلهة الجبال.
“لِيَسمَعْ سَيِّدُنا كَلِمةً،
لِئَلاَّ نَقَعَ خَسائِرُ في جَيشِكَ [9].
فإِنَّ شَعبَ بَني إِسْرائيلَ هذا لا يتَّكِلُ على رِماحِه،
بل على عُلُوِّ الجبالِ الَّتي يُقيمُ فيها.
ولَيسَ مِنَ السَّهْلِ الصُّعودُ إلى رُؤُوسِ جِبالِه [10].
والآن، يا سيِّد، فلا تُقاتِلْهم كما يُقاتَلُ في مَعرَكةٍ مُنَظَّمة،
فلا يَسقُطَ مِن جَيشِكَ ولا رَجُلٌ واحِد [11].
أِبْقِ في مُعَسكَرِكَ مُحافِظًا على جَميعِ رِجالِ جَيشِكَ،
ولْيَستَولِ رِجالُكَ على عَينِ الماء الخارِجِ مِن سَفْحِ الجَبَل [12].
هنا تدخل القادة المحليون من آدوم وموآب لينصحوا أليفاز أنه ليس من حاجة للمخاطرة بجندي واحد من جيشه بالسلوك الطبيعي في المعركة بينما يستطيع أن يخضع مقاوميه بقطع مئونة المياه عنهم.
يفهم من النص أن العين الرئيسية هي التي شُق لها مجرى إلى داخل المدينة، بينما لم تكن كمية الماء التي تدرها الينابيع الصغيرة بكافية لتوصلها إلى داخل المدينة. وكان الماء في المجرى يجري ليجتمع في جب بئر عميق يقوم السكان برفعه عن طريق الشادوف أو السواقي. وكانو يخزنون الماء في أحواضٍ معدة لذلك.
فمِن هُناكَ يَستَقي جَميعُ سُكَّانِ بَيتَ فَلْوى.
والعَطَشُ يُهلِكُهم فيُسلِمون مَدينَتَهم.
ونَحنُ وجَيشُنا نَصعَدُ إلى رُؤُوسِ الجِبالِ القَريبة
ونُعَسكِرُ فيها كما في مَوقِعٍ أَماميّ،
لِئَلاَّ يَخرُجَ أَيُّ رَجُلٍ مِنَ المَدينة [13].
طلب قادة الجيوش الخاضعة لأليفانا أن يصعدوا هم إلى رؤوس الجبال القريبة ويعسكروا ليقتنصوا كل من يخرج من المدينة لطلب الماء. وقد كانت عادة الملوك القدماء استخدام جنود الحلفاء أو الخاضعين لهم من أممٍ أخرى ضد العدو، خاصة إن وجدت عداوة بينهم. وذلك كما استخدم بيلاطس بنطس فرقًا من الجنود السامريين في إخماد ثورات اليهود. من هنا فقد استعان أليفانا بجنود العمونيين وهم كثيرون (7: 17-18) لحراسة عيون الماء، واشترك معهم الأدوميون، واحتلوا المنطقة جميعها فيما يشبه الحصار الكامل.
فيَذوبونَ جوعًا هُم ونِساؤُهم وأَولادُهم،
وقَيلَ أَن يُدرِكَهُمُ السَّيفُ يُصرَعونَ في شَوارعِ مدينَتِهم [14].
فتُكافِئُهم شَرَّ مُكافأَةٍ على تمردهم،
وعلى عَدَمِ الذَّهابِ لِمُلاقاةِ وَجهِكَ في سَلام” [15].
3. احتلال عُيونَ ماءِ بَني إِسْرائيلَ وينابيعَهم
فحَسُنَ كلامُهم عِندَ أَليفانا
وعِندَ جَميعِ ضُبَّاطِه،
وأَمَرَ بِالعَمَلِ بحَسَبِ قَولهم [16].
إدراك القائد أنه يصعب اقتحام المدينة بسبب العوامل الجغرافية. فعوض المغامرة باقتحام المدينة التجأ إلى محاصرتها وقطع موارد الماء عنها، وذلك لتحقيق الأهداف التالية:
أولًا: تعرض الشعب للجوع والعطش مما يدفعهم إلى الضغط على قادتهم بتسليم المدينة.
ثانيًا: خلال الحصار وحرمان الشعب من الماء يسقطون في التذمر، فيفقدوا العون الإلهي.
ثالثًا: يجد الشعب ضرورة استهلاك نصيب الله من العشور والبكور بسبب المجاعة فيحل عليهم غضب الله.
وقد حدث فعلًا أن نفذ الماء عن المدينة، وحلت المجاعة، وبعد خمسة أسابيع تذمر الشعب على القادة، قائلين بأنه كان أفضل لهم أن يستسلموا للعدو ويعيشوا عبيدًا عن أن يموتوا جوعًا.
فتَحَرَّكَ جَيشٌ مِن بَني عَمُّوَن
ومَعَهم خَمْسَةُ آلافٍ مِن بَني أَشُّور،
وعَسكَروا في الوَادي،
واحتَلُّوا عُيونَ ماءِ بَني إِسْرائيلَ وينابيعَهم [17].
يرى البعض أن خمسة آلاف جندي هو عدد كبير بالنسبة لمهمة بسيطة مثل هذه، لكن هذا العدد ليس بكثيرٍ بالنسبة لتعداد الآشوريين مع حلفائهم. وقد ورد في الترجمة اللاتينية أن أليفانا وضع على كل عين فرقة من مائة جندي.
إذ حُسن في عيني أليفاز ورجاله مشورة قادة أدوم وموآب، أصدر أمره بالتنفيذ. فتحرك من جيش العمونيين ومعهم 5000 جنديًا من الآشوريين، وعسكروا في الوادي، ووضعوا أياديهم على مصدر المياه وينابيع الإسرائيليين، ثم صعد الأدوميون والعمونيون وعسكروا على المرتفعات التي في مقابل دوثان، وأرسلوا بعض رجالهم نحو الجنوب والشرق تجاه أغريبا Egrebeh بجوار Chusi بالقرب من وادي مخمور Wadi Mochmur. أما بقية الآشوريون فبقوا في السهل، وغطوا وجه الأرض.
وصَعِدَ بَنو عِيسو وبَنو عَمُّون،
وعَسكَروا في النَّاحيةِ الجَبَلِيَّة قُبالةَ دوتائين
وأَرسَلوا أُناسًا مِنهُم نَحوَ الجَنوبِ والشَّرقِ
قُبالةَ أَغرَبيلَ Ekrebel الَّتي بِالقُربِ مِن خُوس Chusi عِندَ وادي مُخْمور Mochmur.
وعَسكَرَت بَقِيَّةُ قُوَّاتِ الأَشّوريينَ في السَّهْل،
فغَطَّت وَجهَ الأَرضِ كلَّه،
وعَسكَرَت خِياَمُهم وأَمتِعَتُهم في كُتلَةٍ ضَخْمة،
فقد كانوا جَمعًا غفيرًا جِدًّا [18].
أغربيل Ekrebel, Egrebel , Aqrabeh: موقع في جنوب شرقي دوثان بجوار خوس يصل بينهما جدول مخمور وقد رفض أهلها وهم عمونيون وموآبيون أن يمدوا بني إسرائيل بالخبز والماء عند عبورهما من هناك، وتحالفت فيما بعد مع أشور ضد إسرائيل، وربما كانت هي Akrabeh الواقعة على بعد 40 كم شمال أورشليم.
خوس Chusi أو Chous: تقع غرب اغربيل، وبالقرب من شكيم، جنوب نابلس الحديثة. يرى بعض الدارسين أنها قرية Quezh الحالية، تبعد حوالي ستة أميال من نابلس Nablus(86).
مخمور Mochmur: يرى البعض أنه وادٍ يقع جنوب شرقي دوثان، وربما هو وادي مخفولية Makhfrlyeh جنوب نابلس، تدعى باللاتينية Machur. يرىAvi-yanoh وأهارون Aharon أنه وادي كانا Wadi Qana(87)، يبعد حوالي 15 ميلًا من أغربيل.
4. صَراَخ بَني إِسْرائيل إلى الرَّبِّ إلهِهم
وخارَت عَزيمَةُ بَني إِسْرائيل،
فصَرَخوا إلى الرَّبِّ إلهِهم،
لأنَّ جَميعَ أَعْدائِهم طَوَّقوهم،
ولم يكُن هُناكَ سَبيلٌ إلى الإفْلاتِ مِن وَسْطِهم [19].
يمكننا أن ندرك مدى تأثير الحصار على مدينة تُحرم من الطعام والشراب مما حدث أثناء حصار أورشليم عام 70م، فقد روى يوسيفوس أن إحدى النساء ذبحت طفلها وأكلته. فلا نعجب من قول الكاتب “خارت عزيمة بني إسرائيل“، فقد لاح الموت لسكان بني فلوي، وبدأ اليأس يتطرق إلى قلوبهم، خاصةً وهم يرون أطفالهم كادوا أن يموتوا بسبب العطش. لقد خارت عزيمتهم بسبب الضعف البشري.
وظَلَّ حَولَهم كُلُّ مُعَسكَرِ أَشُّور،
مِنِ مُشاةٍ ومَركَباتٍ وفُرْسان،
مُدَّةَ أَربَعةٍ وثَلاثين يَومًا.
فنَفِدَت لدى جَميعِ سُكَّانِ بَيتَ فَلْوى آنِيَةُ الماءَ جَميعُها [20].
وجَفَّتِ الآبار ولم يكُنْ عِندَهم مِنَ الماءِ ما يُرْويهِم يَومًا واحِدًا،
لأنَّ ماءَ الشّرْبِ كانَ يُقَنَّنُ علَيهم [21].
لا تزال توجد جباب على قمة جبل تابور حتى الآن.
وكانَ أَطفالُهم خائِرِي القِوى،
وكانَ النِّساءُ والشُّبَّانُ مَنْهوكينَ مِنَ العَطَش،
وكانوا يَسقُطونَ في شَوارِعِ المَدينة وفي مَمَرَّاتِ الأَبْواب،
فلم تَعُدْ فيهِم أَيَّةُ قوة [22].
5. يأس الشعب
فاجتَمَعَ كُلُّ الشَّعبِ، مِن شُبَّان ونِساءٍ وأَولاد،
على عُزَيَّا وعلى رُؤَساءَ المَدينة،
وصَرَخوا بِصَوتٍ عَظيمٍ، فقالوا أَمامَ جَميعِ الشُّيوخ [23].
“لِيَحكُمِ اللهُ بَينَكم وبَينَنا،
فقد أَلْحَقْتُم بِنا ضَرَرًا جَسيمًا،
إِذ لِم تُكَلِّموا بَني أَشُّورَ كَلامَ سَلام [24].
طلبوا تسليم المدينة لأليفانا، إذ كانوا يعلمون أن العمل كعبيدٍ للآشوريين أفضل بكثيرٍ من مصيرهم إن اقتحم أليفانا المدينة واستولى عليها. فقد كان من عادة الغزاة التنكيل بسكان المدن المقاومة متى هزموها والانتقام منهم. فلا يكتفون بقتلهم إنما يذيقونهم العذاب. على سبيل المثال عندما غزا لاسكندر الأكبر صور وغزة صلب منهم آلافًا على طول الطريق هناك، كما قام بتعذيب قائد غزة الفارسي عذابًا مروعًا.
صار عزيا في موقف شبيه بما حدث مع موسى النبي حين تذمر الشعب عليه بسبب العطش (عد 20: 2-13).
والآن، فإِنَّه لَيسَ لَنا مِن معين،
بل باعَنا اللهُ إلى أَيديهِم لِنُصرَعَ أَمامَهم في عَطَشٍ وهَلاكٍ عَظيمَين [25].
ورد هذا التعبير في إستير 4:7، وهو يفهم بالمعنى الوارد في إشعياء 50: 1؛ 52: 3، حيث يؤكد الله أن إسرائيل لم يُبع بمالٍ، بل بالحري جاء تعبير “بيع” هنا مجازًا ليعبر عن دخولهم في العبودية أو سقوطهم في الأسر. وكما جاء في سفر اللاويين: “وإذا افتقر أخوك عندك وبيع لك فلا تستعبده استعباد عبدٍ” (لا 25: 39). ويقول الرسول بولس: “وأما أنا فجسدي، مبيع تحت الخطية” (رو7: 14).
والآن فادْعوهم،
وأَسلِموا المَدينةَ كُلَّها لِلنَّهْبِ إلى شَعبِ أَليفانا وكُلِّ جَيشِه [26].
فخَيرٌ لَنا أَن نَكونَ غنيمَتَهم،
لأَنَّنا نَصيرُ عَبيدًا وتَحْيا نُفوسُنا،
ولا نَرى بِأَعيُننا أَطْفالَنا يَموتون،
ونِساءَنا وأَولادَنا يَلفِظونَ أَرْواحَهم [27].
نَستَحلِفُكم بِالسَّماءِ والأَرضِ وبإِلهِنا ورَبِّ آبائِنا،
الَّذي يُعاقِبُنا بِسَبَبِ خطايانا وخطايا آبائِنا،
أَن تَعمَلوا بِهذا الكَلامِ في هذا إلىَومِ نَفسِه” [28].
كانت العقيدة الراسخة لدى اليهود بين الضيقات التي تحل بهم، سواء على مستوى الأشخاص أو الجماعة، علتها الخطية، خطية الشخص وخطايا آبائه. وكما جاء في (سفر الخروج 20: 5 ومراثي 5: 7) أن الله يفتقد ذنوب الآباء في الأبناء.
وارتَفَعَ في وَسْطِ الجَماعَةِ كُلِّها نَحيبٌ شَديدٌ كنَحيبِ رَجُلٍ واحِد،
وصَرَخوا إلى الرَّبِّ الإِلهِ بِصوتٍ عَظيم [29].
6. عزيا يطالبهم بأن يعطوا الرب مهلة خمسة أيام
فقالَ لَهم عُزَيَّا: “تَشَجَّعوا، يا إِخوَتي،
لِنَصمُدْ خَمسةَ أَيَّامٍ أَيضًا يُحَوِّلُ فيها الرَّبُّ إِلهُنا رَحمَتَه إِلَينا،
فإِنَّه لن يَترُكَنا حتَّى النَهاية [30].
أخطأ عزيا حيث حدد زمنًا معينًا (خمسة أيام) لعمل الله، وإلاَّ يستسلم للأعداء، وقد وبخته يهوديت على هذا القول، لأن فيه عدم إيمان وعدم تسليم حقيقي لله أن يعمل كيفما يشاء وفي الوقت اللائق. غير أننا لا نتجاهل الجانب الإيماني وثقة عزيا الحتمية، إذ يقول: “فإنه لن يتركنا حتى النهاية“
لماذا حدد الموعد بخمسة أيام؟
أ. ربما لم تكن في نية عزيا تسليم المدينة نهائيًا، وإنما قال هذا لتهدئة مشاعر الشعب المضطربة. وقد حدد الزمن ربما لأن المئونة والماء الذين بالمدينة لم يكونا يكفيان إلاَّ لمدة خمسة أيام.
ب. لعله تحدث معهم في يوم الاثنين، فأقنعهم بالانتظار حتى ينتهي يوم السبت بكونه يوم الراحة الذي تقدم فيه ذبائح وتقدمات وعبادة بصورة خاصة.
وإِن مَضَت تِلكَ الأَيَّامُ ولم تأتِنا الإِغاثة، عَمِلتُ بِقَولِكم” [31].
وفَرَّقَ الشَّعبَ كُلَّ واحِدٍ إلى مَركَزِه،
فانصَرَفوا إلى أَسْوارِ مَدينَتِهم وأَبراجِها،
وأَرسَلوا النِّساءَ والأَولادَ إلى بُيوتهم.
وكانوا بالمَدينةِ في انهِيارٍ شديد [32].