تفسير سفر ناحوم ٢ للقمص أنطونيوس فكري

تفسير سفر ناحوم – الإصحاح الثاني

 

الآيات (1-10):

قد ارتفعت المقمعة على وجهك احرس الحصن راقب الطريق شدد الحقوين مكن القوة جدا. فان الرب يرد عظمة يعقوب كعظمة إسرائيل لان السالبين قد سلبوهم وأتلفوا قضبان كرومهم. ترس أبطاله محمر رجال الجيش قرمزيون المركبات بنار الفولاذ في يوم أعداده والسرو يهتز. تهيج المركبات في الأزقة تتراكض في الساحات منظرها كمصابيح تجري كالبروق. يذكر عظماءه يتعثرون في مشيهم يسرعون إلى سورها وقد أقيمت المترسة. أبواب الأنهار انفتحت والقصر قد ذاب. وهصب قد انكشفت اطلعت و جواريها تئن كصوت الحمام ضاربات على صدورهن. ونينوى كبركة ماء منذ كانت ولكنهم الآن هاربون قفوا قفوا ولا ملتفت. انهبوا فضة انهبوا ذهبا فلا نهاية للتحف للكثرة من كل متاع شهي. فراغ وخلاء وخراب وقلب ذائب وارتخاء ركب ووجع في كل حقو واوجه جميعهم تجمع حمرة.”

المقمعة = هي أداة للضرب لتقمع المنحرف. وهذا إنذار بالحرب مرسلاً لنينوى. والمقمعة هنا هي جيش بابل الذي سيجتاح المدينة ليقمعها ويحطمها. وقد دعيت بابل مطرقة كل الأرض (أر23:50). ثم بلهجة تهكم يقول لهم الله = أحرس الحصن.. مكن القوة جداً = أي مهما بذلت من جهد فإنك لن تقدر أن تهرب فالقصاص من اللهوفي (2) لقد أذل أشور يعقوب جداً وأخرجه من أرضه وقتل كثيرين وإستعبد الأحياءوها هو  الله يعاقب أشور. لأن الله ينوى أن يرد عظمة يعقوب كعظمة إسرائيل = هذه الآية لم تجد لها تطبيقاً في سقوط أشور أمام بابل، بل أن سرعان ما أسقطت بابل أورشليم بعد ذلك، وبعد إنتهاء سبي بابل سقط اليهود تحت حكم الفرس ثم اليونان وأخيراً الرومان. ولكن هذه الآية لا يمكن فهمها إلا عن الكنيسة، فالله أخضع الشيطان وذلك لأنه أعاد مجد الكنيسة (أبناء يعقوب بالإيمان) إلى مجد إسرائيل.(الفرق بين يعقوب وإسرائيل هو البركة التي أخذها يعقوب حينما جاهد مع الله وغلب فأخذ بركة ومجداً) وقد يشير اسم يعقوب لمملكة إسرائيل في سبيها سواء في أشور أو يهوذا في بابل ويشير اسم إسرائيل لعودتها محررة من السبي. ولذلك يشير اسم يعقوب لشعب الله وهو مازال في سبي إبليس ومستعبداً له. واسم إسرائيل يشير للكنيسة المحررة. ولذلك فبولس الرسول يطلق على الكنيسة إسرائيل الله (غل16:6). فإسرائيل هي الكنيسة التي حررها المسيح وصار في وسطها مجداً (زك5:2) والله الغيور كان يراقب ما فعله أعداؤه بشعبه = السالبين سلبوهم وأتلفوا قضبان كرومهم = لقد سلبنا بنوتنا لله. والكرمة هي شعب الله، والقضبان هم أفراد الشعب، وهؤلاء أتلفتهم الخطية، فذهب عنهم الفرح الحقيقي فالكرمة رمز للفرح. ولذلك فالله حفظ نقمته حتى جاء يوم الصليب المرموز له هنا بهجوم بابل وتصوير للمعركة بين اشور وبابل. (3)  ترس أبطاله محمر = أسلحة البابليين مغطاة بالدماء لذلك هي محمرة. رجال الجيش قرمزيون = ثيابهم حمراء غالباً من دم الأشوريون. المركبات بنار الفولاذ = المركبات تستعمل في الهجوم كقوة حربية. إذاً الهجوم قوى جداً كالفولاذ. والقوة كما بنار. وهذا في يوم إعداده. أي يوم يعد الله الخلاص لشعبه، وسيكون خلاصاً قوياً، بدم المسيح الذي لطخ ثيابه وحمرها (اش1:63). وهجومه سيكون بقوة جداً. والنار هنا هي نار لاهوته، فكيف يقاومها الشيطان، هو لن يثبت بل سيهتز. هو وإن كان كالسرو لكنه سيهتز أمام هذا الهجوم. وبالنسبة لأشور فعظماء أشور سيكونون كالسرو الذي يهتز أمام قصاص الله. وفي (4) تهيج المركبات في الأزقة = هذا تصوير لجيش بابل ومركباته أثناء هجومهم على شوارع نينوى بعد أن اقتحموها. منظرها كمصابيح = حينما تسلط عليها أشعة الشمس وتجري كالبرق بسرعة وعنف. لكن هذا يعني أيضاً شعب الله الذي حرره المسيح وامتلأ بالروح القدس ، فقاده الروح للهجوم على إبليس بضراوة. فالمركبات هي شعب الله الذي يقوده الله. هي الفرس الأبيض والراكب عليه هو المسيح الذي خرج غالباً ولكي يغلب (رؤ2:6) وحينما صاروا شعباً للمسيح صاروا كمصابيح منيرة. لأنهم حاملين في داخلهم النور الحقيقي. وهم يجرون كالبرق وراء مسيحهم نحو السماويات دائسين الأرضيات وفي (5) هنا صورة عظماء أشور وهم يحاولون الهرب ناحية الأسوار لكن الأسوار قد أنهدمت بفعل الهجوم وبفعل الطوفان (فيضان النهر وتكسير السدود) فأين المفر؟ من المؤكد أنهم سيتعثرون فهم في ظلام. وقد أقيمت المترسة = المترسة هي آلة الهجوم ضد المدن (راجع أف6 + 2كو4:10) لتعرف قوة هذه الأسلحة الروحية وفعاليتها. وفي (6) أبواب النهر إنفتحت = هذا بالفيضان، والفيضان غمر البيوت والقصور واصبح الكل في يأس. وهكذا إبليس. والقصر قد ذاب = قد يكون قصر ملك أشور أو هيكل إلههم نسروخ، أو هو كل تحصينات إبليس السابقة. وفي (7) هصب = إما أن تكون إحدى ملكات نينوى، أو اسم إلهة مشهورة، وصار هذا الاسم نعت أو اسم رمزي لنينوى. والأغلب أنها آلهة ولها معبد وفيه جواري وهناك رأى بأن هصب فعل بمعنىقد قضىإشارة إلى ما قصده الله بنينوى. قد انكشفت وأطلعت = أي أخرجت من مكانها. وظهر ضعفها بعد أن خدعت كثيرين بقوتها. هذا ما حدث مع أشور، وهذا ما حدث لإبليس فبعد أن إنكشف قضاء الله عليه لم يصبح ملكاً ولا قوياً بل هو تحت أقدامنا وطرد من السماء ولم يعد له قوة لذلك فكل جواريها تئن = الجواري هنا هم كل من ظل مخدوعاً عابداً وتابعاً للشيطان. والضرب على الصدور = علامة شدة الحزن والغيظ. وفي (8) نينوى كبركة ماء = بعد الفيضانات صارت نينوى كبركة الماء وتعثر فيها الكل. وقد يكون غرق فيها كثيرين. ولذلك يحاولون الهرب. ولا يلتفتوا لمن يقول لهم قفوا قفوا. وفي (9) فجيش بابل ينهب كل الذهب والفضة التي خزنها أشور. ومازال الشيطان يغوي الكثيرين بأن تكون لهم كنوزهم في هذا العالم ولكن لننظر بطل هذه الفكرة. وفي (10) صورة لخراب نينوى وصورة لخراب هذا العالم. والرعب في الأيام الأخيرة. وحمرة الوجوه تشير للخجل من كل ما اعتمدوا عليه تاركين عبادة الله.

 

الآيات (11-13):

أين مأوى الأسود ومرعى أشبال الأسود حيث يمشي الأسد واللبوة وشبل الأسد وليس من يخوف. الأسد المفترس لحاجة جرائه والخانق لأجل لبوأته حتى ملا مغاراته فرائس ومأواه مفترسات. ها أنا عليك يقول رب الجنود فاحرق مركباتك دخانا وأشبالك يأكلها السيف واقطع من الأرض فرائسك ولا يسمع أيضا صوت رسلك.”

كان الأشوريون يصورون آلهتهم كأسود مجنحة وآلهتهم عشتاروت بلبؤة علامة جبروتها. وهنا نجد في نبرة تهكم ضد أشور، نجد أعدائها ساخرين منها بعد خرابها. ويتساءلون ببهجة أين مأوى الأسود = أي نينوى التي خربت. فبعد خرابها أصبح ليس من يخوف. بعد أن كانوا يخافون منها. وإبليس خصمنا يجول كأسد زائر يلتمس من يبتلعه، لكن شعب الله يهاجمه بعد أن غلبه المسيح لحسابهم، ويهاجمونه بلا خوف. في (12) يصور أشور كأسد يفترس ويخنق فرائسه ليطعم جرائه ولبؤاته. وملأ مغاراته من الفرائس. طالما هاجم الشيطان البشر ليرضي نفسه بسقوطهم. وفي (13) انتقام الله منهم. وهم سيحرق مركباتهم ويجعلها كدخان = وطالما سمعنا في قصص القديسين عن احتراق الشياطين وتحولهم لدخان بإشارة الصليب التي يرسمها القديسون. ولا يسمع صوت رسلك = كان ربشاقي رسول الملك سنحاريب الذي أهان الله أمام أسوار أورشليم؟ وبعد خراب أشور لم يعد أحد يسمع تجاديف رسل ملوكها. وشعب الله الذي يعرف صوته الآن لن يعطي أذنه فيما بعد لرسل إبليس. وأقطع من الأرض فرائسك = قد تعني أنه بعد خراب أشور لن يكون لها فرائس. ولكن ليحذر كل من يستسلم لإبليس ويسقط كفريسة له من أن الله سيقطعه.

فاصل

فاصل

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى