تفسير سفر نحميا – المقدمة للقمص تادرس يعقوب

نحميا هو القائد للدفعة الثالثة والأخيرة للعائدين من السبي إلى أورشليم (حوالي عام 445 أو 444 ق.م.، جاء بعد حوالي قرن من عودة أول فوج لليهود)، والمهتم بسور مدينة الله المهدمة وأبوابها المحروقة بالنار، يدعونا إلى حقيقة هامة تمس حياة كل مؤمن. لقد أدرك نحميا أن رسالته الحقيقية أعظم من أن يكون ساقيًا لأعظم ملك في ذلك الحين، ومشيره الخاص، صاحب الدالة العظيمة. أدرك خلال قلبه النقي الناري أن له رسالة أعظم من قبل الله، وهي أن يتمم عملًا فوق كل قدراته ومواهبه وإمكانياته. دُعي لإعادة بناء سور أورشليم، وإعادة بناء المجتمع نفسه. إنه مدعو لتحقيق أمورٍ تبدو مستحيلة تمامًا!

يقدم لنا سفر نحميا حقيقة اللهإله المستحيلات“، العامل في كل عصور في الهزيع الأخير حينما تقف كل الأذرع البشرية في عجزٍ تامٍ.

ليس من إنسان لا يُهاجم من حين إلى آخر بحالة من الإحباط. نحميا يكشف لنا عن إلهنا أنه رجاء من ليس له رجاء، يستبدل باليأس روح الرجاء والفرح والنصرة بالرب.

عندما ندخل في دوامة الشعور بالعجز التام، ونحسب أن الظروف المحيطة بنا مستحيلة تمامًا. يقدم لنا الله هذه الرسالة: “عند الناس غير مستطاع، ولكن ليس عند الله، لأن كل شيءٍ مستطاع عند الله” (مر 10: 27). إنه يعمل من أجل كل البشرية، خاصة من أجل كنيسته، ويهتم بكل شخصٍ كأنه ليس في العالم آخر غيره!

إله كل تعزية

جاء اسم “نحميا” يكشف عن جوهر السفر كله. فكلمة “نحميا” تعني “يهوه هو النياحة أو الراحة أو التعزية”. يدور السفر كله حول دور الله في حياة الكنيسة كما في حياة المؤمن. فمن يود التعزية الصادقة يلجأ إلى الله واهب التعزية، ويثق في وعوده، فتفيض التعزيات الإلهية فيه، وتتفجر لتغمر الآخرين أيضًا بها. وكما يقول الرسول بولس: “مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح أبو الرأفة، وإله كل تعزية، الذي يعزينا في كل ضيقتنا، حتى نستطيع أن نعزي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزى نحن بها من الله، لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا، كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضًا” (2 كو 1: 3-5).

 

مقدمة في سفر نحميا

“اذكرني يا إلهي من أجل هذا، ولا تَمحُ حسناتي التي عملتها نحو بيت إلهي، ونحو شعائره” (14:13).

الخلفية التاريخية

بعد موت سليمان انقسمت مملكة إسرائيل إلى:

  1. المملكة الشمالية (إسرائيل) 10 أسباط سباهم الأشوريون عام 722 ق.م. قبض شلمنأسر الخامس على هوشع ملك إسرائيل وسبى إسرائيل في حلح وخابور ونهر جوزان وفي مدن مادي (2 مل 17: 6، 18). كما افتخر سرجون الثاني Sargon II بأنه حمل 27290 شخصًا من إسرائيل، وأحل محلهم أشخاصًا من شعوب أخرى من منطقة ما بين النهرين أو الموسبتاميا Mospetamia (المصيصة) وسوريا.
  2. المملكة الجنوبية (يهوذا) تضم سبطي يهوذا وبنيامين، سباهم البابليون عام 586 ق.م. قيل عن نبوخذنصر: “وسبى كل أورشليم وكل الرؤساء وجميع جبابرة البأس عشرة آلاف مسبي وجميع الصناع والأقيان. لم يبقَ أحد إلا مساكين شعب الأرض” (2 مل 24: 14) “سباهم ملك بابل إلى بابل” (2 مل 24: 15).

في عام 539 ق.م. هزم الفارسيون بابل، وشجع ملك فارس اليهود على العودة، فعاد حوالي 50000 شخصًا ليبدأوا بناء الهيكل، فوضعوا الأساسات ولم يكملوا العمل. بعد 16 سنة أرسل الله نبيين هما حجي وزكريا لحث الشعب على العمل، الذين بنوا لهم قصورًا وبيوتًا وأهملوا بناء بيت الرب.

في عام 458 عادت مجموعة أخرى من اليهود تحت قيادة عزرا الذي بذل كل الجهد لإصلاح الشعب روحيًا لكنه وجد مقاومة.

حوالي عام 445 ق.م. أرسل الله نحميا، ودعاه لبناء سور أورشليم المهدم. بدون السور لا يمكن أن تُحسب أورشليم مدينة. البعض يضع عزرا بعد نحميا، لكن الواضح غير ذلك.

أتم نحميا العمل في 52 يومًا بالرغم من مقاومة الأعداء وتخاذل الشعب. قام ببناء الهيكل بالرغم من مقاومة بني موآب، وبني عمون والأشوريين والعرب، كما استعانوا بعد ذلك بالسامريين.

قاوم نحميا هذه الجيوش بالإيمان بالله، وتحصَّنت أورشليم بعد 142 عامًا من خرابها عام 586 ق.م.

كاتب السفر

حسب التقليد اليهودي الأسفار الأربعة: أخبار الأيام الأول والثاني وعزرا ونحميا في النص العبري سفر واحد،، كتبه عزرا الكاتب.

للسفرين الأخيرين طابع مشترك ونظرة مشتركة، لهذا يرى كثير من الدارسين أن واضع هذا السفر هو الكاتب عزرا، بوحي من الروح القدس. وقد اعتمد على مستندات وأخبار الملوك والممالك المعاصرة له، هذا بجانب اقتباسه مذكرات نحميا الشخصية، حيث يكتب بصيغة المتكلم المفرد.

الفترة ما بين نهاية عزرا وبداية نحميا ربما تناسب الأحداث الواردة في عزرا (4: 7-23) والتي تنتهي بخراب السور المقام مع بعض المباني الأخرى.

يرى البعض أن جزءًا كبيرًا من السفر كُتب بلغة المتكلم دلالة على أن نحميا هو الكاتب. والأرجح أن نحميا كتب السفر بمعاونة عزرا.

من هو نحميا؟

كان علمانيًا -إن صح هذا التعبير- وليس كعزرا الذي كان كاهنًا وكاتبًا، لكن دوره لا يقل عن دور عزرا. وُلد في السبي، وصار ساقيًا (تراشتا) للملك أرتحشستا. احتل هذا المركز العظيم ربما خلال تأثير أستير التي كانت على قيد حياة، وهي زوجة أب الملك.

كان ساقي الملك، يذوق الخمر قبل الملك حتى يطمئن أنه غير مسموم. وكان هذا المركز مرموق في العصر الفارسي، لأن الملك يأتمنه على حياته. غالبًا ما كان ساقي الملك خصيًا، ربما هذا يفسر عدم الإشارة إلى عائلة نحميا.

لم يكن قلب نحميا متكبرًا رغم مركزه المرموق، لكنه كان رجل صلاة يشعر بالدعوة لخدمة شعبه الذي انحل روحيًا. كان مستعدًا أن يترك ترف القصر ليذهب إلى شعبه يسندهم في بناء سور المدينة، كما في إصلاح الشعب نفسه.

إذ سمع بحال أورشليم جلس مع نفسه وناح وصام وصلى لله، فأعطاه نعمة في عيني الملك الذي قدم له رسائل توصية، وأطلقه لبناء سور أورشليم. وقد ذهب كحاكمٍ ملكيٍ معين من قبل إمبراطور فارس.

بينما اهتم عزرا بالإصلاح الديني للشعب، اهتم نحميا بالإصلاح السياسي والجغرافي، لكن بلا فصل عن الجانب الروحي والأخلاقي.

ترك نحميا فارس في السنة العشرين من الملك أرتحشستا (1:2)، وعاد إليها في السنة الثالثة والعشرين من ملكه (6:13)، وتركها ثانية ليذهب مرة أخرى إلى أورشليم بعد عدة أيام (6:13).

بنى السور بالرغم من مقاومة الأعداء له؛ كان عزرا قد سبقه إلي أورشليم بحوالي 13 عامًا. اهتم نحميا أيضًا بالبناء الداخلي للشعب ثم عاد إلى شوشن العاصمة، ولم يبقَ فيه طويلًا، إذ رجع إلى أورشليم كحاكمٍ عامٍ!

إذ رجع للمرة الثانية إلى أورشليم وجد في الفترة التي ترك فيها أورشليم حدثت تجاوزات خطيرة. حقًا لقد استطاع أن يعيد بناء سور أورشليم في الفترة السابقة خلال 52 يومًا، وقضى 12 عامًا للإصلاح الروحي والاجتماعي (5: 14)، مع هذا ما أن تركهم إلى حين حتى اختلت المعايير الروحية. بناء السور يحتاج إلى أيامٍ معدودةٍ لا تتجاوز الشهرين، أما بناء سور النفس البشرية فيحتاج إلى سنوات!

بقي نحميا حاكمًا على يهوذا على الأقل 12 سنة (5: 14) يخبرنا المؤرخ اليهودي يوسيفوس أنه عاش إلى سن الشيخوخة كحاكم ليهوذا.

نحميا القائد

صار نحميا قائدًا مدنيًا معينًا من قبل الملك الفارسي، وكان يمثل القيادة الروحية الحقيقية.

*        لم يشغله مركزه، بل ما شغله هو آلام إخوته. ترك نحميا الحياة السهلة المترفة الآمنة داخل القصر ليمارس حياة التعب والآلام، لذا صار مصلحًا حقيقيًا.

*        يقدم لنا نحميا صورة حيَّة للإنسان الذي يمزج حياته العملية بالروحية، فيظهر كرجل صلاة يتكل على الله الذي ينجح الطريق، لكن ليس في رخاوة. إذ كان يؤمن بالصلاة، لم يوجد عيب في شخصيته، بل كان شجاعًا في الرب. يقدم لنا مفهومًا حيًّا للتكريس: تكريس القلب واليدين. القائد الحي هو رجل صلاة وعمل، يقود من هم حوله ليحملوا ذات الروح. لم يُولد نحميا قائدًا، ولم يكن من نسل ملكي مثل زربابل، ولا كهنوتي مثل عزرا، ولا إداري مثل دانيال رئيس الوزراء، إنما حبه الشديد لشعبه وغيرته على المقدسات جعلت منه قائدًا. تعلم القيادة خلال الرُكب المنحنية، والصمت، والدموع، والصراخ لله لا الناس. مارس الصلاة تحت كل الظروف (في 6:4).

فعندما سمع الأخبار السيئة (4:1-11)، التجأ إلى الصلاة يطلب مشورة للعمل.

وعندما وقف أمام الملك أرتحشستا (4:2)، آمن أن الصلاة تفتح الطريق أمامه.

وعندما وجد مقاومة (4:4، 9)، وثق أن الصلاة تهبه حكمة ونصرة.

وعندما وُجهت ضده اتهامات باطلة (8:6، 9)، عرف أن الصلاة ترفعنا فوقالأحداث.

وعندما أكمل العمل (14:13)، أدرك أن الصلاة تهب فهمًا.

*        كان رجل عمل: تحرك إلى موقع العمل سرًا (11:2-15). يقوم بتشجيع الطاقات للعمل: “هلم فنبني سور أورشليم، ولا نكون بعد عارًا” (17:2). كما قام بتنظيم طاقات العمل ليعرف كل واحدٍ دوره (1:3-32). لقد أدرك عظمة عمله وتحديه للمقاومة (3:6)، إنه عمل الرب (14:4). قام بالعمل مع الحراسة في يقظةٍ (16:4).

*        يؤمن بالعمل الخارجي (السور) مع الداخلي.

*        جاهد مع الله بالعبادة الحقيقية، ومع الملك بالأمانة في العمل مع الشجاعة في تواضعٍ، ومع الشعب ببث روح الرجاء بلا مهادنة، وضد الأعداء بعدم الارتباك بمناقشتهم. لم تثنهِ المقاومة الخارجية ولا الداخلية، بل دفعته للعمل بقوةٍ أعظم، لإيمانه أنه يعمل لحساب الرب لا الناس.

*        كقائدٍ حي بث روح القيادة في حياة كل الشعب، فكان يؤمن أن لكل إنسانٍ دوره وعمله الذي يعتز به.

سماته

يعتبر البعض سفر نحميا، سفر البناء أو إحياء الحجارة، لكنه في الحقيقة هو سفر الصلاة، وسفر القيادة. يظهر سرّ نجاح نحميا أنه رجل صلاة، ليس لأنه عرف ما يصلي لأجله فحسب، وإنما عرف أن يكون له أيضًا اهتمام شخصي، وهبه الله أن يحمل بالحب أثقال الشعب في قلبه، ليلقي بها عند قدمي الله.

ما كان يشغل قلب نحميا بالأكثر ليس بناء سور حجري وإقامة أبواب ومتاريس، بل بناء شعب الله وإحياءهم من حالة الموت التي حطمتهم تمامًا! ما شغل قلبه أقام منه قائدًا ناضجًا في الرب، ورجل صلاة يدخل بصلاته إلى العرش الإلهي، ويغتصب بالإيمان إمكانيات فائقة لا تعرف أنه يوجد شيء مستحيل أمامها. عرف نحميا كيف يتكلم مع الله أكثر من حديثه مع الناس.

جدول تاريخي

586 ق.م.

 

السبي إلى بابل وتدمير أورشليم والهيكل.

537

 

في عهد كورش عودة الدفعة الأولى من السبي تحت قيادة زربابل، مع محاولات بناء الهيكل.

530-522

 

قمبيز ملك على فارس.

522-486

 

داريوس الأول “هستابس” ملك على فارس.

520-516

 

إعادة بناء الهيكل في عهد داريوس الأول.

468-465

 

أحشويرش الأول ملك على فارس.

465-424

 

أرتحشستا الأول (لونجمانوس) ملك على فارس.

458

 

عودة الدفعة الثانية تحت قيادة عزرا.

445 أو 444

 

عودة الدفعة الثالثة والأخيرة تحت قيادة نحميا، وبناء السور.

433

 

عودة نحميا إلى بابل.

432

 

عودة نحميا إلى أورشليم.

430

 

بدء خدمة ملاخي.

شخصية نحميا

سفر نحميا -ربما أكثر من غيره من أسفار العهد القديم- يبرز شخصية كاتبه النابضة بالحياة [1]. يكشف هذا السفر عن شخصية نحميا من جوانب كثيرة، منها الآتي:

1. وحدة الحياة

يؤمن نحميا بوحدة الحياة، فليس من فصل بين العمل والحياة الروحية أو الاجتماعية. فالمؤمن له حياة واحدة متعددة الجوانب، تتفاعل معًا ليصير إنسانًا ناجحًا في كل شيء. هذه الحياة تتناغم معًا مع ضرورة التخصص، فلكل إنسانٍ دوره الفعّال حسب إمكانياته ومواهبه دون تجاهله أو استخفافه لدور الآخرين. فالكل يعمل معًا بروح واحدة بهدفٍ واحدٍ (5: 10-11).

بالنسبة لنحميا بناء سور أورشليميعتبر قمة خدمته؛ هذا التكريس في ذهنه لا يعني استعراضًا لأعمالٍ البطولية، لكنه ختم لعمل الله في حياته وحياة الشعب، يمس كيانهم كله. ما نمارسه هو عمل الرب، يشهد بذلك حتى الأعداء (16:6).

مع انشغاله ببناء سور أورشليم، دعا صديقه القديم عزرا والعامل معه ليحتل مركز القيادة في ممارسة طقوس التكريس بفكرٍ روحيٍ (27:12-47). صورة حيَّة للعمل المشترك وتكريم الآخرين!

يربط السفر بين بناء سور المدينة وإعادة بناء الهيكل والاهتمام بالعبادة، خاصة قراءة الشريعة والتمتع بالأعياد، وحياة الشعب الروحية والمدنية. فلا نفع لبناء السور ما لم تكون المدينة مقدسة، ولا قيمة للمدينة وسورها بدون شعب الله المقدس.

هذا التقديس يتحقق بالتوبة الصادقة بروح الرجاء (نح 4:1-11؛ 5:9-37)، والاهتمام بالطاعة للشريعة كأساس للحياة.

2. الأمانة

مع كثرة المسئوليات وسرعة العمل وعدم الانشغال بالمناقشات الغبية مع المقاومين، إلا أن السمة الواضحة في حياة نحميا هي الأمانة في حياته من كل جوانبها، وأينما وُجد (12: 8؛ 6: 2). وقد انعكست هذه السمة على الكثير من العاملين معه في كل المجالات.

كان أمينًا في علاقته مع الله، يشعر دومًا بالحضرة الإلهية، حتى في لحظات حديثة مع الملك الوثني، وأثناء عمله في أورشليم، وأثناء مقاومة الأعداء له. عينا قلبه تبصران الله بالإيمان ولا تنحرفان عنه.

وكان أمينًا في عمله مع الملك الوثني، فسحب قلب الملك بأمانته، وصار موضع ثقته يأتمنه على حياته، كما في انطلاقه للعمل في أورشليم.

كان أمينًا في علاقته بكل فئات شعبه، سواء على مستوى القادة أو الكهنة أو الأغنياء والفقراء.

كان أمينًا من جهة وطنيته، يعمل لحساب وطنه دون أن يتلوث قلبه بأية ضغينة أو مقاومة خفية لدولة فارس.

3. رجل عمل

إذ سمع نحميا عن حال أورشليم وشعبه، لم يشغل نفسه بتحليل المشاكل، والتحدث عنها مع كثيرين. لكنه عرض الأمر على الله وتحرك لمعالجة الموقف. لسنا بهذا ننكر أهمية الحوار، لكن يصير الحوار بلا نفع إن فقد الاتكاء على صدر الله، أو فقد التحرك العملي الجاد لمعالجة الأمور.

حزن نحميا وبكى، لكنه لم يُبتلع في الحزن المفرط بروح اليأس، إنما شرع في العمل تسنده يد الله القوية. قام للعمل حسب الوزنة المعطاة له، كما حرَّك الكثيرين للعمل، كل حسب مواهبه ووزناته وقدراته. دفع الجميع للعمل خلال الشعور بالمسئولية الجماعية.

4. تحدي عدو الخير وعدم الارتباك بمقاومته له

مقاومة إبليس للمؤمنين العاملين وحيله ضدهم لم تتغير منذ البداية. فالشيطان عدو دائم المقاومة، يثير أتباعه بكل وسيلة لمنع العمل الإلهي وتعطيله (17:2-20). لقد صدرت أوامر الملك لمساعدة نحميا، لكن المقاومين حملوا مقاومة عوض المساعدة.

*   الهزء بالعاملين واحتقارهم (19:2)، والسخرية والاستخفاف بالعمل الإلهي لكي يسقط نحميا والعاملون معه في صغر النفس أو اليأس (1:4-6).

*   يحسبون الخير إساءة بالغة إليهم (10:2).

*   اتهامات باطلة (19:2).

*   غضب وغيظ كثير من جهة العاملين لحساب مملكة الله (1:4).

*   التآمر سرًا لمحاربة العاملين والإضرار بهم (8:4).

*   طلبوا الدخول في حوار معه لإبطال العمل، فلم ينخدع (2:6-3).

*   العدو يخيف ويرعب لكي يحطم نفسية العاملين (19:6).

5. إيمانه بالعمل الجماعي

اهتم نحميا بتشغيل الشعب في إعادة بناء السور (17:2-18)، فالجميع يحتاجون إلى الشركة والعمل معًا مع الله، وإن كان أساس البناء واحد (1 كو 9:3، 11).

6. رجل النظام والترتيب

تسجيل الشعب للشركة في العمل يشير إلى الالتزام بالترتيب والنظام في البناء الروحي (1 كو 40:14؛ أف 21:2).

7. نحميا له سمات القائد الحي

*   يحمل أثقال الشعب ولا يحملهم أثقاله الشخصية (رو11:10).

*    رجل صلاة وتقوى وعمل. يثق في مواعيد الله ويعتمد عليها، فيحقق المستحيلات.

*   يتسم بوضوح الهدف وعدم الانحراف عنه. مستعد دومًا للعمل مهما كانت التكلفة.

*   رجل مثابرة، لا يتسلل إليه الإحباط، مستعد لتحدي كل مقاومة في الداخل والخارج. كان هادئًا أمام المقاومة.

*   قائد مخطط ومنظم يدفع الكل للعمل.

*   يدرك خطورة التراجع والمهادنة.

*   رجل وطني، يعطي ما لله لله، وما لقيصر لقيصر (مت 21:22).

*   قائد مملوء حنوًا على الطبقات المظلومة البائسة.

*   يقدر الوقت، لهذا بنى السور في 52 يومًا.

*   كان حازمًا ضد الشر.

نحميا رمز للسيد المسيح الخادم

يصور لنا السفر شخصية نحميا كخادم يعمل لحساب شعبه، وهو في هذا يحمل رمزًا لشخص السيد المسيح الخادم، خاصة كما صوره مرقس الرسول في إنجيله.

*   كلاهما صاما وصليا 4:1؛ مر35:1.

*   كلاهما دعيا آخرين للعمل الإلهي 17:218؛ 15:6؛ مر13:3-19.

*    كلاهما وجدا معارضة 4،5؛ مر12:1؛ 3:12،10.

*    مثالان للخدمة 9:5،14؛ مر7:9.

*   خادمان للشعب 19:5؛ مر45:10.

*    علما كلمة الله 1:8-3؛ مت17:5-45.

*   طهرا الهيكل 7:13-9؛ مر15:11-17.

*    وبخا المرائين 15:13-22؛ مت13:23-36.

أقسامه

أولًا: بناء السور

 

1-7.

1. الإعداد للبناء

 

1-2.

أ. نحميا أمام الله

 

(1).

ب. نحميا أمام الملك

 

(1:2-8).

ج. نحميا يفتقد أورشليم

 

(9:2-18).

د. نحميا يواجه المستهزئين

 

(19:2-20).

2. بناء السور   3-7.

يقدم لنا بناء السور صورة حيَّة للبناء الروحي السليم:

أ. اشترك الكل في العمل (3)، بدأ بالكاهن العظيم والكهنة ليكونوا قدوة للعمل الجماعي.

ب. هياج العدو عليه بالتحطيم النفسي والتآمر للحرب ضده (4). كل عمل حيّ بنّاء يثير الشيطان، فيحاربنا بطرق نفسية كما بطرق مادية. لنقل “إلهنا يحارب عنا” (20:4).

ج. البناء الداخلي (5)، لا يمكن أن يتحقق بناء السور دون البناء الداخلي، لذا اهتم نحميا بالفقراء، فطلب من الأغنياء رد رهائنهم.

د. إتمام السور بالرغم من المقاومة (6).

هـ. التدبير والحراسة بحكمة (7).

ثانيًا: بناء الشعب

 

8-13

1. قراءة الشريعة

 

8.

وقف عزرا الكاهن على منبر خشبي وقرأ الشريعة للشعب علانية وشرحها، بعد حوالي 100 سنة من عودة اليهود مع زربابل.

2. تجديد العهد

 

9-10.

أ. بقراءة كلمة الله تمّ البناء الروحي خلال التوبة الجماعية

 

(9).

ب. التعهد بتقدمات للرب

 

(10).

3. استقرار الشعب

 

11.

4. تدشين السور بفرحٍ

 

12.

5. إصلاحات بعد الرجوع الثاني

 

13.

ذهب نحميا إلى بابل وعاد فوجد تجاوزات كثيرة، قام بعلاجها بقلبٍ متسعٍ مملوءٍ رجاءً:

أ. فرز الغرباء

 

(1-3).

ب. ردّ حقوق الرب[التقدمات]

 

(4-14).

ج. حفظ السبت

 

(15-22).

د. من بركات الرب عليهم أنه بالسبي لم يعد يمارس اليهود العبادة الوثنية، لكنهم سقطوا في الزواج بالأجنبيات الوثنيات. قام بتأديبهم خاصة الكهنة واللاويين (23-31). لذا يحذرنا الرسول بولس: “لا تكونوا تحت نيرٍ مع غير المؤمنين” (2 كو 14:6).

“فاذكرني يا إلهي بالخير” (31:13)

دروس من سفر نحميا

*   أن يضعنا الله في صحبة غير المؤمنين يصير ذلك بركة لنا ولهم (1:1).

*   أعظم الأعمال لحساب مملكة الله تبدأ بشخصٍ واحدٍ أمينٍ (2:1-4).

*   القائد الحي ينسب خطايا الشعب وضعفاتهم إلى نفسه (3:1، 4؛ عب24:11-27).

*   الصلاة ملجأ لنا في بدء الطريق وفي منتصفه وحتى نهايته.

*   الاعتراف بالخطايا هو الطريق الأكيد للتمتع بمراحم الله (6:1-11).

*   أفضل الطرق للبلوغ إلى قلوب الناس هو الله (11:1).

*   متى خدمت الله، قاومك الشيطان (19:2، 20؛ 1:4-9).

سمات صلاة نحميا

ا. مملوءة غيرة، مصحوبة بالهدوء مع النفس والدموع والصوم، وتمتد نهارًا وليلًا (4:1).

ب. مملوءة رجاءً تتطلع إلى مراحم الله (5:1، 6).

ج. تحمل تواضعًا مع الاعتراف بالخطايا (6:1-8).

د. مصحوبة بالإيمان في تحقيق وعود الله للتائبين المطيعين له (9:1).

هـ. عملية بلا أنانية (10:1،11).

و. فعَّالة مصحوبة بالعمل (4:2،5).

ز. لحساب مجد الله (8:2).

سفر التذكرة

اتسمت صلوات نحميا النبي بتذكير الله بوعوده وبأبنائه.. وهو في هذا كطفلٍ بسيطٍ يرتمي على صدر أبيه، مطالبًا بما وعد به، فيفرح به أبوه السماوي. ففي أول صلاة له يقول لله: “أذكر الكلام الذي أمرت به موسى عبدك قائلًا..” (6:1).

النجاح هبة إلهية

آمن نحميا بأن النجاح هو عطية إلهية، إذ يصرخ إلى الله إلهه قائلًا: “أعطِ النجاح اليوم لعبدك” (11:1).

رحلتا الحرية

 

 

1. الخروج

2. العودة من السبي

الدفعات

دفعة واحدة

ثلاث دفعات

القادة

موسى وهرون ثم يشوع.                     

1. زربابل 537 ق.م.

2. عزرا 458 ق.م.

3. نحميا 445 ق.م.

أين كانت؟

في مصر بعد 430 عامًا.      

في بابل بعد 70 سنة.

المدة

استغرقت 40 عامًا.                  

قرن من الزمان.

عدد الشعب

حوالي مليون.                    

حوالي ستين ألفًا.

الغاية

التمتع بأرض الموعد              

إعادة بناء الهيكل والمدينة                                                    والسور. 

العقبات

البحر الأحمر، البرية، الأعداء، نهر الأردن

الخراب، الإمكانيات الضعيفة، الأعداء المحيطون، المخاوف الداخلية.

العثرات

الشكوى، التمرد المستمر، العصيان.

الخوف، الإحباط، اللامبالاة، الظلم الاجتماعي، الانحطاط الروحي.

الدروس

الله هو القائد الحقيقي. الكنيسة (خيمة الاجتماع) أيقونة السماء.

الحاجة إلى الكهنوت والذبائح (المسيح الكاهن والذبيح).

الله هو القائد.

كل شخص له دوره وعمله البنَّاء الروحي مع البناء المادي.

لا خلاص بدون التوبة.

صلوات نحميا

 

الشاهد

المناسبة

حول الصلاة

4:1-11        

بعد سماعه حال شعبه   

التوبة كطريق لعمل الله فينا.

4:2

أثناء حديثه مع الملك

الشعور بالحضرة الإلهية أينما وجدنا.

4:4-5

بعدما سخر به الأعداء

مقاومة الأعداء موجهة ضد الله.

9:4

تهديد العدو له

الله هو الحافظ للعاملين لحسابه والعامل بهم.

9:6

ردا على التهديدات          

يطلب أن يقوي الرب عزيمته.

9:13 (9:5)

وهو يفكر في أعمال أعدائه                   

يختفي راء الله الذي يبدد مشورات الأعداء.

5: 19؛ 13: 14، 22، 31

يتذكر خدمته لله         

يطلب من الله أن يذكره.

من وحي سفر نحميا

احملني إلى موضع الخدمة

 

*   لتحملني على الأذرع الأبدية،

 فأنت هو أبونا السماوي.

 ولتدخل بي إلى كرمك.

 تصير الأمور الصغيرة عظيمة للغاية.

 إذ أتمم عملك العظيم يا أبي السماوي!

*   لأجل اسمك العظيم،

 هب لي أن أعمل معك يا أيها العجيب في حبه!

 تحملني، فأحمل إخوتي،

 ونعمل جميعًا بروحك الناري!

 نعمل بروح الحب والوحدة،

 وتزول من قاموس حياتنا كلمة “مستحيل!”

*   أود أن أخدمك يا أيها القدوس.

 أعمل بك ومعك،

 أحث كل نفسٍ للعمل في كرمك!

 يقف أمامي العدو ليهدم كل عملٍ إلهيٍ.

 يرى في كل خير أعمله إساءة بالغة موجهة ضده.

 تارة يهددني ليخيفني،

 وأخرى يتملقني ليفسد وقتي بالحوار الباطل والمناقشات الغبية.

 تارة يلاطف، وأخرى يثور ويغضب.

 تارة يشهر سلاحه أمامي،

 وأخرى يتآمر سرًا ليخدع ويدمر!

 تارة يسخر بما أعمله لكي أسقط في اليأس،

 وأخرى يوجه ضدي اتهامات بلا حصر.

*   أدركت بالحق أنني لست طرفًا في العركة.

  فالعدو يهدف نحو مقاومتك أنت شخصيًا.

 أختفي فيك، فأنعم بنصرتك.

 تتهلل نفسي وتسبحك بلا انقطاع.

 تتحول المعركة إلى موكب سماوي لا يعرف إلا الفرح والتهليل!

*   الآن أخرج من المعركة مدركًا سرًّا عجيبًا.

 أنت هو العامل بنا وفينا ومعنا.

 لأبدأ عملي بالصلاة،

 ولأستمر فيه رافعًا قلبي إليك،

 ولتبقى نفسي مصلية حتى بعد نهايته!

 أنت هو البداية والنهاية!

*   أخيرًا لقد بنى نحميا سور أورشليم،

 وبنى بوصيتك شعب أورشليم.

 كرَّس السور وحوّل حياة الشعب إلى عيدٍ مفرحٍ.

 أورشليمي الداخلية بلا سورٍ.

من يبني هذا السور؟

 من يُقيم هذا المجد؟

 وعدتني: “أنا… أكون لها سور نارٍ من حولها،

 وأكون مجدًا في وسطها (زك 5:2).

[1]  Zondervan:  NIV Bible Commentry, Vol l , 1994, p. 683.

إذ ندرس سفر نحميا، حيث نلمس اهتمام الله نفسه بإعادة بناء سور أورشليم المنهدم، نلاحظ تكرار كلمات القائد العظيم: “اذكر لي يا إلهي للخير ما عملت لهذا الشعب” (نح 5: 19). كما نسمع كلماته: “هلم فنبني سور أورشليم، ولا نكون بعد عارًا” (نح 2: 17). ماذا يعني سور أورشليم بالنسبة لنا؟ وماذا يقول آباء الكنيسة عن السور؟

أورشليم العروس المحبوبة(إش 62: 5-6)

حينما يتحدث الرب عن أورشليم يقول: “كفرح العريس بالعروس يفرح بكِ إلهكِ. على أسواركِ يا أورشليم أقمت حراسًا، لا يسكتون كل النهار وكل الليل على الدوام” (إش 62: 5-6).

الحديث هنا عن أورشليم الجديدة أو الكنيسة عروس المسيح، أما الحراس الذين يقيمهم العريس السماوي، فكما يقول يوسابيوس القيصرى هم الملائكة والقوات السماوية المقدسة. ويرى القديس يوحنا الذهبي الفم أنهم قادة الكنيسة أو كهنتها. أما القديس كيرلس الكبير فيرى في هؤلاء الحراس لأسوار الكنيسة معلمي الأسرار الإلهية mystaggues الذين لا يتوقفون عن العمل لمجد الرب وعجائبه الفائقة [1].

بنو الغريب يبنون أسوارك(إش 60: 10)

إن كانت أورشليم تشير إلى الكنيسة الله في العهد الجديد، فمن هم بنو الغريب الذين ينبون أسوارها؟ لقد جاء السيد المسيح إلى خاصته اليهود، وخاصته لم تقبله، أما الأمم الغرباء، فقد صاروا شهودًا وكارزين بالحق الإنجيلي. وكما يقول الرسول بولس: “فلستم إذًا بعد غرباء ونزلاء، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله” (أف 2: 19).

يرى يوسابيوس أسقف قيصريةالذي كتب عن قسطنطين الكبير ممتدحًا إياه على خدمته للكنيسة، أن الغرباء هنا هم الأباطرة الرومان وقادة الجيش والأمراء الذين ساهموا في بناء أسوار الكنيسة.

ويرى القديس كيرلس الكبير أن أسوار الكنيسة هي الإيمان المستقيم، وقد قام الرسل ببناء الأسوار بالكرازة بهذا الإيمان دون أن يُنسبوا إلى دم جنس اليهود، بل صاروا كغرباء عنهم [2].

ويرى ثيؤدورت أن الغرباء هنا هم المعلمون الذين جاءوا من أمم غريبة عن إسرائيل وقاموا بحراسة الأسوار بصلواتهم وتعاليمهم [3].

صورت أسوارك على يدي(إش 49: 16 LXX)

جاءت الترجمة السبعينية: “أصور (أرسم) أسوارك على يدي. أنتِ أمامي دائمًا” (إش 49: 16 LXX).     

يرى القديس كيرلس الكبير [4] أن الأسوار  المنقوشة أو المرسومة على يدي الله هم الرسل القديسون والإنجيليون.

أما ثيؤدورت الذي يأخذ بالتفسير التاريخي، فيرى أن النبي يتحدث عن خراب أسوار صهيون على أيدي البابليين وأن الله ينبؤهم بإعادة بنائها، وأن هذا الأمر يشغله بنفسه كما لو كان المهندس المسئول عن أقامة أسوارها المُحكمة.

ويرى يوسابيوس القيصري أن الأمر يخص بناء صهيون الحقيقية في نفوس البشر وبنيان الكنيسة [5].

ويرى القديس أمبروسيوس أن هذه الأسوار هي التشبه بالله وحمل صورته بالفضائل فينا.

* لنهرب من هذه الشرور، ونرفع نفوسنا إلى صورة الله ومثاله. الهروب من الشرور هو التشبه بالله، وصورة الله تقتنى بالفضائل. هكذا مثل المصوّر يصورنا بألوان الفضائل. “انظري لقد صورت أسواركِ يا أورشليم” (إش 49: 16 LXX). ليتنا لا نزيلها بفرشة الإهمال، دعامات الأسوار المصّورة التي لنفوسنا. وهكذا: “لقد صورت الأسوار” وبهذا أستطيع أم أطرد العدو. للنفس أسوارها، بها تثبت، وعنها قيل: “أنا مدينة قوية، مدينة محاصرة”. بهذه الأسوار تُحرس المدينة، وبها تُحمى بالحصار. بالحق النفس هي سور، يمتد حول المحلة. لذلك تقول العروس في نشيد سليمان: “أنا سور، وثدياي كبرجين” (نش 8: 10). السور الذي يصوره (يرسمه) الرب صالح، إذ يقول: “أصور أسوارك على يدي، أنت أمامي دائمًا” (إش 49: 16 LXX) [6].

* يُقال في نشيد الأناشيد: “أنا سور، وثدياي كبرجين” (نش 8: 10). السور هو الكنيسة، والبرجان هما كهنتها، الذين لديهم كمال القوة لتعليم العلوم الطبيعية والأخلاقية [7].

القديس أمبروسيوس

إني أعطيهم في بيتي وفي أسواري مكانًا مكرمًا (إش 56: 5)

“إني أعطيهم في بيتي وفي أسواري نُصبًا (مكانًا مكرمًا)، واسما أفضل من البنين والبنات، أعطيهم أسمًا أبديًا لا ينقطع” (إش 56: 5).

 يرى القديس أغسطينوس أن هذا الاسم الأبدي الذي يعطيه لهم في بيته وأسواره إنما هو العبور بهم من ظلال الزمن القديم إلى أنوار الأبدية [8].

المسيح سور أورشليمنا

يقول [9] Venecundus  :[إن كنا نحول وجهنا إلى الحائط عندما نُضرب بالخوف من الموت، أي نوجه بصيرة قلوبنا نحو المخلص الذي يصّور هنا بالسور، فإننا نخلص. إذ هو يخلص المؤمنين الذين يسكنون فيه من هجمات كثيرة. يقول إشعياء: “لنا مدينة قوية. يجعل الخلاص أسوارًا ومترسه” (إش 26: 1). انظروا، فإن المخلص يدعى سورًا.]

هذا التفسير يتناغم مع قول الرب: “وأنا يقول الرب أكون سور نار من حولها” (زك 2: 5).

المياه تتحول إلى سور!

قيل: “فدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة، والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم” (خر 14: 22)، “وأما بنو إسرائيل فمشوا على اليابسة في وسط البحر والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم” (خر 14: 29)

أعلن هذا العمل حب الله للإنسان وعمله الخلاصي، إذ يقول العلامة أوريجينوس: [المياه تصير جبالًا! المياه الراجعة تصير سورًا…! ويظهر عمق البحر، وإذا هو رمال فقط! ليتك تدرك محبة الخالق، فإنك إن أطعت إرادته، وحفظت ناموسه يسخر الأشياء لتعمل ضد طبيعتها لأجل خدمتك [10].]

كثيرًا ما انشغل العلامة أوريجينوس بمنظر خروج الشعب تحت قيادة موسى النبي، وعبورهم بحر سوف. فما أن ضرب موسى البحر بعصاه حتى انشق أمام الشعب كمن يرحب به للعبور خلاله.

إنها صورة رائعة لكنيسة العهد الجديد وهي تتبع مسيحها، بل تلتصق به بكونها الجسد المتحد بالرأس ، وبعصاه أو صليبه يتحول العالم المضطرب بأمواج تجاربه العنيفة إلى طريق ممتع للعبور نحو الأبدية. تتحول المياه المهلكة إلى سورٍ عن اليمين وعن اليسار، ليسير المؤمن في طريق الاعتدال بلا انحراف يمينًا أو يسارًا. يسير في حصانة مسيحه، الذي يحول كل الأمور لبنيان نفسه.

* أمر موسى أن يضرب البحر بالعصا لينشق وينسحب، فيدخل شعب الله البحر (خر 14: 21-22؛ 26)، وتخدم طاعة العناصر الإرادة الإلهية. وعندما صارت المياه التي كانوا يخشونها سورًا على اليمين واليسار (خر 14: 29) لعبيد الله، لم تعد مهلكة بل حامية. لذلك تجمعت المياه في كومة ومنعت الأمواج التي تنحني عليهم. نال السائل جمودًا، وصار قاع البحر جافًا كالتراب. لاحظوا صلاح الله! إن أطعتم إرادته، واتبعتم ناموسه يُلزم العناصر نفسها أن تخدمكم حتى على خلاف طبيعتها! [11]

* يا لها من تجربة قاسية أن تعبر في وسط البحر! ترى الأمواج ترتفع عاليًا بصوت رهيب ودوامات المياه ثائره! إن اتبعت موسى، أي شريعة الله، تصير لك المياه أسوارًا على اليمين واليسار، وتجد طريقًا لأرض يابسة وسط البحر. علاوة على هذا، يمكن أن يحدث هذا في الرحلة السماوية، فنقول أن النفس توقف مخاطر المياه! عظيمة هي الأمواج التي توجد هناك! [12].

* من كان مصريًا وتبع فرعون يغرق في طوفان الرذائل. أما من يتبع المسيح ويسير كما سار هو، تصير المياه له سورًا عن اليمين واليسار. يسير في الطريق الوسطي على أرض يابسة، لا ينحرف يمينًا أو يسارًا حتى يعبر إلى الحرية، ويرنم تسبحة النصرة للرب، قائلًا: “اسبح الرب لأنه بالمجد تمجد” (خر 15: 1) [13].

العلامة أوريجينوس

جعلتك اليوم أسوار نحاس على كل الأرض

إن كان العدو قد صار كجيش قوي يقاومني، فأنت هو قوتي، تصير لي سور نار تحميني، وترسًا لي تصد كل سهام العدو، تشدد رجلي فأصير مسرعًا كالأيل وترفعني كما على المرتفعات العالية فلا يلحق بي أذى. تشدد يديّ للقتال ضد إبليس، وتوسع خطواتي فألحق بعدوي وأفنيه بالصليب. “لأني بك اقتحمت جيشًا، بإلهي تسورت أسوارًا” (2 صم 22: 30؛ مز 18: 29). يؤكد الرب: هأنذاك جعلتك اليوم مدينة حصينة، وعمود حديد، وأسوار نحاس على كل الأرض… فيحاربونك ولا يقدرون عليك، لأني أنا معك يقول الرب، لأنقذك…” (إر 1: 18-19).

سور التمييز

*   هذا هو التمييز الذي لا يُدعى فقط “نور الجسد”، بل و”الشمس”، إذ يقول الرسول: “لا تغرب الشمس على غيظكم” (أف 26:4). وُيدعى أيضًا “سلطانًا“، إذ لا يسمح لنا الكتاب المقدس أن نصنع شيئًا بدونه. “مدينة منهدمة بلا سور، الرجل الذي ليس له سلطان على روحه” (أم 28:25) [14].

الأب موسى

سور الوصايا

*   جنتنا مغلقة من كل جانب بسور الوصايا حتى لا يتسلل إليها لص أو وحش مفترس. إنها مغلقة بسياج الوصايا فلا يستطيع خنزير بري أن يقترب إليها[15].

القديس غريغوريوس النيسي

سور أورشليم العليا

يقول القديس يوحنا الحبيب: “والذي كان يتكلم معي، كان معه قصبة من ذهب، لكي يقيس المدينة وأبوابها وأسوارها… وقاس سورها مئة وأربعة وأربعين ذراع إنسان، أي الملاك“” (رؤ 21: 15، 17).

أبناء الملكوت معروفون ومقاسون من قبل الله ومحفوظون لديه. أما وحدة القياس فهي قصبة من ذهب أي سماوية، لأن الأمور الروحية والسماوية لا تقاس إلا بما هو روحي سماوي. يشير رقم 144 إلى الكنيسة الجامعة (كنيسة العهد القديم 12× كنيسة العهد الجديد 12) التي هي مسورة بسور واحد لتنعم بإله واحد. أما الذي قاس فهو ملاك لا إنسان أرضي، حتى لا نتخيل في السماء ماديات وأرضيات. إنها مسورة بالله ذاته حافظها، وهي من ذهب نقي شبه زجاج نقي، أي سمائية طاهرة.

أسوار الأعداء

قيل عن هذه الأسوار: “بالإيمان سقطت أسوار أريحا بعدما طيف حولها سبعة أيام” (عب 11: 30). “فيخربون أسوار صور، ويهدمون أبراجها، واسحي ترابها عنها، وأصيرها ضح الصخر (حز 26: 4). “على أسوار بابل ارفعوا الراية، شددوا الحراسة، أقيموا الحراس، اعدوا الكمين، لأن الرب قد قصد، وأيضًا فعل ما تكلم به على سكان بابل (إر 51: 12). كما قيل: “بإلهي أثب السور” (مز 18: 29LXX ).

*   مكتوب: “بإلهي أثب السور” (مز 18: 29LXX )، سور الشر الذي يفرق الإخوة ويثير الانقسامات بينهم، ويحيد بهم عن الحق [16].

*   لقد عرف (المرتل) أن قوة المؤمنين تكمن في تقديم الشكر لله، إذ بفرحهم يقفزون فوق أسوار الأعداء، وذلك مثل القديسين القائلين:”…بإلهي أثب السور” [17].

البابا أثناسيوس الرسولي

فاصل

فاصل

فهرس تفسير سفر نحميا 
القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير سفر نحميا 1
تفسير العهد القديم

 

 

 

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى