کالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين
«كالتفاح بين شجر الوعر»
شجرة التفاح أحلى وأشهى شجرة. وأمَّا شجر الوعر فهو أردأ نوع من الشجر، كالشوك والحسك…
«كذلك حبيبي بين البنين»
المفارقة صارخة بين الإله الحقيقي “حبيبي” وبين الآلهة الكاذبة.
في موضع آخر من النشيد تقـول العـروس: «حبيبي … مُعلَمٌ بين ربوة» نشه: (نش 5: 10). الربوة تعني عشرة آلاف، فالعروس تقصد أنك لو تصوّرت عشرة آلاف رجل واقفين، فإنك من أول نظرة ستلاحظ “الحبيب“ بينهم، لأنه متميز عنهم جميعًا. هذا هو معنى: «مُعلَمٌ بين ربوة»، وهي نفس المفارقة المقصودة من قولها: «كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين».
هذه المفارقة هي التي نردّدها كل يوم في التسبحة في الهوس الأول:
مَنْ يُشبهك في الآلهة يا رب مَنْ يُشبهك : ممجداً في قديسيك: متعجباً منك بالمجد صانعاً عجائب.
فلو نقارن حبيبنا بالآلهة الأخرى، لا نجد أيَّ وجه للمقارنة. نقول ذلك أيضًا في قطعة القيامة كل يوم أحد:
مَنْ في الآلهة: يشبهك يا رب ..
هذه المقارنة المتكررة جاءت في العهد القديم بين الإله الحقيقي وبين الآلهة الكاذبة، أي آلهة الأمم. وإن كنَّا الآن لسنا مُجرَّبين بعبادة الأوثان، لكن العالم مملوء بأوثان من نوع آخر: المال الذي قال عنه الرب: «لا تقدرون أن تخدموا الله والمال» (مت 6: (٢٤24) وسائر الشهوات مثل التي قال عنها القديس بولس: «الذين إلههم بطنهم ومجدهم في خزيهم» (في 3: 19)، أي شهوة الأكل وشهوة الجنس حينما تتسلط على الإنسان…
الراهب أكثر إنسان مقتنع بهذه المقارنة، أو بالأصح بهذه المفارقة، لأنه بسبب اقتناعه هذا ترك العالم بكل ما فيه من مجاذبات وجاء إلى الدير بحثا أو جريا وراء «الحبيب». غير أن الآلهة الكاذبة لا زالت تأتي وراءه داخل الدير لتجربه وتجعله ينسى إلهه من أجل إبرة صغيرة، كما نقرأ في البستان (انظرقول 1191). لذلك فما أحوجنا أن نردّد على الدوام «كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين».
الملائكة تُذهَل حينما ترانا نترك التفاح ونختار لأنفسنا شجر الوعر!! أو بمعنى آخر نترك ينبوع المياه الحية ونحفر لأنفسنا آبارًا مشققة لا تضبط ماءً! «تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم آبارًا آبارًا مشققة لا تضبط مـاءً» (إر 2: 13). المسيح هو ينبوع المياه الحية، وكل ملذات العالم وكل المسرات الكاذبة تُعتبر إذا قورنت به آبارًا مُشقَّقة لا تضبط ماءً، تُعتبر كشجر الوعر إذا قورن بالتفاح.
هذا هو معنى: «كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين».
«تحت ظله اشتهيت أن أجلس»
«ظل الله» كناية عن الحضرة الإلهية، والجلوس في ظل الله يُعبّر عن الوجود في المجال الإلهي في الوسط الإلهي، أو في الجسد الإلهى[1] الذي يملأ الكل في الكل. إننا سمعنا عن اختبار الوجود في حضرة الله. هذا هو بعينه المقصود من كل آيات العهد القديم التي تتكلَّم عن «ظل الله» ، وما أكثرها خصوصا في المزامير :
+«بظل جناحيك أعتصم إلى أن يعبر الإثم» (مز57: 1).
+ الساكن في عون العلي يستريح في ظلّ إله السماء» (مز 91: 1).
+ «ما أكرم رحمتك يا الله، فبنو البشر في ظل جناحيك يحتمون» (36: 7)
+ «يا الله إلهي إليك أُبكّر .. لأنك كنتَ عونًا لي، وبظل جناحيك أبتهج» (مز 63: 1، 7).
الوجود في الظل الإلهي هو الوجود في الحضرة الإلهية أو في المجال الإلهي. هذا هو ما أحس به الرسل في لحظة التجلّي، عندما دخلوا في السحابة (لو 9: 34). ويقابل ذلك في العهد القديم ما جاء عن موسى النبي إنه: «دخل في وسط السحابة» (خر24: 18) . بمعنى أنه دخل في الحضرة الإلهية. وبقي موسى هناك أربعين نهارًا وأربعين ليلةً.
هذا الوجود في الحضرة الإلهية، أو في “الظل الإلهي“ هو عربون السعادة الأبدية التي سننعم بها في الملكوت. فسفر الرؤيا يقول عن الذين أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسلوا ثيابهم وبيّضوها في دم الخروف أن «الجالس على العرش يحل فوقهم»+ (رؤ 7: 14، 15)، حيث كلمة «يحل» جاءت في اليونانية بمعنى “يُظلّل“ وبالقبطية التي نعرفها جميعًا لأننا نقولها كثيرًا في التسبحة: فالإسكيني هي المظلة أو الخيمة أو القبة التي تُظلل على المؤمنين حينما يكونون في الحضرة الإلهية، أي في «ظل الله».
وما يقوله القديس يوحنا في سفر الرؤيا أن «الجالس على العرش يحلُ (=يُظلّل) فوقهم»، كان الأنبياء منذ القديم قد أحسُّوا به من بعيد وتنبأوا عنه:
+ «ويكون مسكني فوقهم»(حز 37: 27)،
+ «ويرى الرب فوقهم» (زك 9: 14).
«تحت ظله اشتهيت أن أجلس»
هذا يعني أنني «اشتهيت» أن أوجد في الحضرة الإلهية، أو في المجال الإلهي، أو في الجسد الإلهي الذي يملأ السماء والأرض. هذه هي شهوتنا الوحيدة أن نوجد في المسيح، وأوجد فيه (في3: 9) ، أن نوجد في جسده الإلهي الذي هو الكنيسة «ملء الذي يملأ الكل في الكل» (أف 1: 23).
هذه الشهوة أحس بها أبرار العهد القديم كما في لغز :
+ «إلى اسمك وإلى ذكر شهوة النفس بنفسي اشتهيتك في الليل» (اش 26: 8)
+ «مساكنك محبوبة يا رب إله القوات تشتاق وتذوب نفسي للدخول إلى ديار الرب» (مز 84: 1، 2).
وما هي ديار الرب إلا «هیکل جسده» (یو 2: 21)، الذي صار «يملأ الكل في الكل» (أف 1: 23)هذا هو المُعبّر عنه كما في لغـز بـعبـارة «ظـلّ الله»: «تحت ظله اشتهيت أن أجلس». هذه هي شهوتنا الوحيدة أن نوجد في هذا الظل الإلهي، أن نسعد بالوجود في هذا المجال الإلهي.
«أن أجلس»
تعني أن أستريح وأستقرَّ في الحضرة الإلهية، كما اختارت مريم أن تجلس عند قدمي يسوع، فقال عنها الرب إنها اختارت النصيب الصالح. على هذا الأساس قامت الوصية الرهبانية الذهبية: «اجلس في قلايتك والقلاية تُعلّمك كل شيء»
«وثمرته حلوة لحلقي»
في موضع آخر من النشيد تقول العروس: «حلقه حلاوة وكله مشتهيات»،
هذا هو المسيح، «هذا حبيبي وهذا خليلي يا بنات أورشليم» (نش 5: 16).
«وثمرته حلوة لحلقي». عن هذه الحلاوة يقول ق بطرس: «إن كنتم قد ذقتم أن الرب صالح» (1بط 2: 3) حيث كلمة «صالح» جاءت χρηστὸς حيث خريستوس لا تعني فقط «صالح»، ولكنها تعني بالأكثر «حلو»، فهو ليس فقط صالحًا ولكنه أيضًا حلو وشهي فتكون الترجمة الأدق: «إن كنتم ذقتم ما أحلى الرب».
«وثمرته حلوة لحلقي»
ما هي ثمرته؟ إنها كلام الحياة الأبدية: «يا رب إلى من نذهب؟ كلام الحياة هي الأبدية عندك !» (يو 6: 68).
إننا نقول في المزمور الكبير في صلاة نصف الليل: «إن كلماتك حلوة في حلقي، أفضل من العسل والشهد في فمي» (القطعة 13: 7).
كل من اختبر ترديد آية حلوة يمتص منها طول النهار رحيق الحياة الأبدية، يكون قد اختبر صدق هذا القول.
«وجد كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح والبهجة قلبي (إر 45: 46). هذا هو معنى آيتنا: «وثمرته حلوة في حلقي» :
«الكنيسة التي هي جسده، ملء الذي يملأ الكل في الكل» (أف1: 23).