تفسير سفر الرؤيا أصحاح 8 للقس مكسيموس صموئيل

[3] الأبواق السبعة

1. الأبواق الأربعة: إنذارات طبيعية للبشرية ص8

2. البوق الخامس التهيئة لضد المسيح ص9

3 البوق السادس: ظهور ضد المسيح ص9

4. موقف الله منه أولاً : ظهور السفر المختوم ص10

ثانيا: إرسال النبيين 11 ص

الأصحاح الثامن :
الأبواق الأربعة

إنذارات طبيعية للبشرية

يتحدث هذا الأصحاح عن إنذارات الله للبشر بعدما تحدث عن شفاعة الحمل الكفارية من أجل البشرية وإرسال الروح القدس لتبكيتهم، ومن لا يتقبل محبة الله المعلنة على الصليب باللطف والرقة يجتذبه

بالتجارب والتأديبات.

1 سكوت في السماء الراحة الأبدية” 

2 شفاعة الحمل الكفارية

3. الأبواق الأربعة

البوق الأول: إلقاء برد و نار مخلوطين بدم.

البوق الثاني: إلقاء جبل عظيم متقد.

البوق الثالث: سقوط كوكب عظيم.

البوق الرابع: ظلمة ثلث الكواكب المنيرة.

1. سكوت في السماء “الراحة الأبدية” 1-2:

“ولما فتح الختم السابع حدث سكوت في السماء نحو نصف ساعة”.

يرى الأسقف فيكتورينوس أن فترة السكوت هذه تشير إلى بداية الراحة الأبدية … لكنه عاد فأخل بالصمت إذ لا يهتم بترتيب الحوادث زمنيًا.

ففي الختم السادس أعلن الله حوادث الدينونة وما سيكون عليه الأشرار من انزعاج، طالبين من الجبال والصخور أن تسقط عليهم وتخفيهم من وجه الجالس على العرش، دون أن يتحدث عن موقف أولاد الله الذي أعلن في الختم السابع لكن حدث سكوت في السماء” بفعل الدهشة التي انتابت الخليقة السمائية من المجد الذي ناله الإنسان

هكذا يتركنا سفر الرؤيا نحو نصف ساعة”، إلى زمن قليل ندهش معجبين مما أعده لنا إلى الأبد، لكنه عاد فنزل بنا لنتتبع السلسلة الثانية.

ورأيت السبعة الملائكة الذين يقفون أمام الله وقد أعطوا سبعة أبواق”.

والسبعة الملائكة هم السبعة رؤساء الملائكة الذين قال رافائيل إنه أحدهم.

يرى ابن العسال أن الأبواق هنا تشير إلى أوامر صادرة من قبل الله، والتبويق يشير إلى تنفيذها.

وتستخدم الأبواق في الآتي:

1 . إعطاء الشريعة (خر 19: 16 ، 19) ، وإنذارات الله المعلنة هي وصية من الله وإنذار للتوبة والرجوع لكي يحيوا ويرتبطوا بالرب ولا يهلكوا.

2. الدعوة للحرب (قض :3 27) ، وتبويق الملائكة هو إعلان عن حالة حرب روحية قائمة بين الله وإبليس!

3. في الاحتفال بالأعياد واليوبيل (لا 23: 24 ، 25: 9) وتنتهي الأبواق بمجيء السيد المسيح (1تس 4: 16) ، وكما يقول القديس أثناسيوس الرسولي إنه هو عيدنا الأبدي الذي لا ينقطع. 4. في المناداة بالملوك (2مل 9: 13)، وتنتهي الأبواق بمجيء “ملك الملوك” تصحبه الملائكة بأصوات أبواق سمائية تهتف بملكوت سماوي أبدى!

2- شفاعة الحمل الكفارية :

وجاء ملاك آخر ووقف عند المذبح، ومعه مبخرة من ذهب، وأعطى بخورًا كثيرًا، لكي يقدمه مع صلوات القديسين جميعهم على مذبح الذهب الذي أمام العرش. فصعد دخان البخور مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله”.

هذا الملاك الآخر غير السبعة يشير إلى الآتي:

1. الكنيسة التي لا تكف عن تقديم البخور سواء من أعضائها المنتصرين في الفردوس أو المجاهدين على الأرض، الكل يود رجوع الخطاة إليه.

2. يرى ابن العسال أنه ملاك حقيقي من طغمة الكاروبيم، إذ هم يهتمون بالذبائح التي نقدمها لله ( قض 6: 21، تك 22: 11)

وفي نهاية القداس يطلب الكاهن من ملاك الذبيحة الصاعد إلى العلو بهذه التسبحة (القداس الإلهي) أن يذكرنا أمام الله

والرأي الأرجح أنه هو “الرب يسوع” الذي رمز له في سفر الرؤيا بالملاك كما في (رؤ 10: 1؛ 18: 1) ودعي ملاك العهد في ملا 3 1-2 إنه الشفيع الكفاري الذي هو “حي في كل حين يشفع في كثيرين”. إنه أسقف نفوسنا ورئيس الكهنة الأعظم، يقف عند المذبح الذي هو صليبه حيث قدم ذاته ذبيحة عنا، ومعه مبخرة من ذهب، أي مبخرة روحية هي شفاعته الكفارية التي “تعطى بخورًا كثيرًا” ، مدافعا ومحاميًا عن أولاده. وفى محبته يتقبل صلوات القديسين” المنتقلين والمجاهدين ليقدمها فيه للآب كذبيحة طاهرة مرضية ومقبولة كوعده “إن ثبتم في وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم” (يو 15: 7).

” ثم أخذ الملاك المبخرة، وملأها من نار المذبح وألقاها إلى الأرض، فحدثت أصوات ورعود وبروق وزلزلة”.

إن كان المذبح هو الصليب، فإن نار المذبح هي الروح القدس الذي يبكت ويتوب ويهب شركة مع الثالوث باستحقاق دم المسيح المبذول عنا على الصليب

لقد أرسل الابن الروح القدس، إذ يقول “متى جاء المعزى الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق” يو 15: 26) “إن ذهبت أرسله إليكم. ومتى جاء ذلك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة. أما

على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي. وأما على برّ فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضًا. وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين” (يو 16: 7-11).

وهذا هو عمل الروح القدس

1. حدثت أصوات: إذ انطلقت ألسنة الرسل والمبشرين بالروح القدس تكرز بلا خوف.

2. ورعود: ويرعد الكارزون بالروح القدس كأسود يزأرون بسلطان إلهي. وكما يقول الكتاب المقدس عن فيلكس الوالي وهو يحاكم بولس الأسير ” وبينما كان يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة أن تكون ارتعب فيلكس” (أع 24: 25) ، ولم يستطع أن يحتمل كلماته قائلاً له أما الآن فاذهب، ومتى حصلت على وقت أستدعيك”.

3- وبروق: إذ لا يزال روح الرب يشرق بأعمال مجيدة وعجيبة أمام الناس، مزينًا كنيسته بمواهب إلهية لكي خلالها تبرق بنور عريسها على كل أحد.

4- وزلزلة: وهذه هي غاية الروح القدس أن يبكت القلب فيتزلزل ويتحطم كبرياؤه خالعًا عن نفسه كبرياءه ويتقبل الرب يسوع عريسًا له، وبقبوله الرب يقبل البشرية كلها كإخوة له.

3. الأبواق الأربعة:

“ثم أن السبعة الملائكة الذين معهم السبعة الأبواق تهيأوا لكي يبوقوا”. تنقلنا هذه الرؤية إلى مشهد قديم حين كان الكهنة السبعة يحملون أبواق الهتاف السبعة أمام التابوت ويدورون حول مدينة أريحا، ويضربون بالأبواق فينهدم السور (يش 6).

هكذا بعدما كشف لنا الرب عن اهتمام الحمل بالعالم كله، وإرساله الروح القدس للتبكيت عاد لينقلنا إلى عمل الله خلال التاريخ كله، إذ وهب للآباء والأنبياء والتلاميذ والرسل أن يحملوا كملائكة الله أبواق الإنذار المستمر للإنسان حتى يتفطن أنه بكلمة الله (التبويق) تنهدم قوى إبليس ويتحطم ويسكن الإنسان مع الله في السماويات.

وإننا نجد الله في إنذاره يستخدم كل ما أمكن من اللطف والحنو لكن بحزم لأجل خلاص الإنسان، لهذا لا يتسرع في الإنذار، بل يترك الملائكة يتهيأون للتبويق، معطيًا فرصة للذين يقبلون الرب المحب بلطفه، ومن لا يقبل يسمع الإنذارات التي تشتد حتى يلين القلب أمام الله.

اتجاهان في التفسير:

يوجد اتجاهان في تفسير الأبواق، وهما اتجاهان غير متضاربين بل متلازمان معا

1. يرى القديس إيريناؤس أن الإنذارات التالية تحل بالعالم بصورة حرفية قبل مجيء ضد المسيح وأثناء وجوده وذلك بقصد إرهاب المؤمنين لكي لا يقبلوه ولتأديب الذين قبلوه لكي يتوبوا.

2. الاتجاه الثاني، هو أن الأبواق الأربعة تشير إلى إنذارات الله للإنسان في أي عصر من العصور، خاصة في فترة ما قبل وأثناء ضد المسيح في لغة استعارية تصورية فمثلاً:

أ. البوق الأول “فبوق الملاك الأول فحدث برد و نار مخلوطان بدم، وألقيا إلى الأرض، فاحترق ثلث الأشجار، واحترق كل عشب أخضر”. يشير البرد إلى قوة التأديب (إش 28: 2 ،17) كما تعلن النار عن شدة غضب الله. هكذا يستخدم الله الضدان معًا إشارة إلى شدة الإنذار كالقول: “فارتجت الأرض وارتعشت أسس الجبال، ارتعدت وارتجت لأنه غضب … برد وجمر نار”.

يشير احتراق ثلث الأشجار وكل عشب أخضر إلى أنه بهذا التأديب يذل الله بعض المتعجرفين المتكبرين (تث 32: 22؛ ملا 4: 1 ؛ إش 2: 12-13) ويسحق زهو الحياة الزمنية. وبهذا، إذ يرى البعض كيف سقط جبابرة وكيف ضاق العالم بالمشاكل والمتاعب والآلام، يعودون إلى الله بقلب تائب منكسر.

ب. البوق الثاني: “ثم بوق الملاك الثاني، فكان جبلاً عظيمًا متقدًا بالنار، ألقى إلى البحر، ثلث البحر دمًا. ومات ثلث الخلائق التي في البحر، التي لها حياة، وأهلك ثلث السفن”.

فصار كما يذكرنا البوق الأول بالضربة الواردة في (خر 9: 23، 25)، هكذا يذكرنا البوق الثاني بما ورد في (حز 7: 20-21)

ولعله يشير بهذا إلى أن الله يسمح بالتأديب للنفوس المضطربة كالبحر التي لم تستقر في حضن الله ملك السلام بأن يسمح لهم بجبل عظيم متقد بالنار يلقى في وسطهم، ليصير ثلثهم مقتولين ومذبوحين. هذا الجبل المتقد يختلف من عصر إلى عصر، ومن إنسان إلى آخر. كأن يسمح الله بإقامة إنسان في مركز قيادي ديني أو أدبي أو زمني، يتسم هذا الإنسان بالعنف والشدة بلا رحمة لأجل تأديب شعب عنيف متمرد، وقد سجل لنارالتاريخ أمثلة بلا حصر من هذا القبيل.

وقد يحدث ذلك بصور مبسطة متكررة ويومية كأن يسمح الله لإنسان متعجرف أن يقيم عليه رئيسًا في عمله أو صديقًا أو أخا أو ابنا عاقا يتسم بالعنف. وبسبب هذا الرئيس في العمل أو الصديق أو الأخ أو الابن العاق يفقد الإنسان الأول الكثير من الأمور الزمنية أو الكرامات، فيتحطم كبرياؤه، وتنسحق نفسه أمام الله.

والجميل في حب الله أنه لا يسمح إلا بإهلاك الثلث لكي يترك للأكثرية فرصا للتوبة. أو يسمح في الحالات الفردية بأن يفقد الإنسان أمورًا زمنية لكي يربح أمورًا سماوية. لا يكف الله عن أن يستخدم كل وسيلة ووسيلة لا لإذلال الناس بل رغبة في توبتهم ورجوعهم إليه.

ج . البوق الثالث: “ثم بوق الملاك الثالث، فسقط من السماء كوكب عظيم متقد كمصباح ووقع على ثلث الأنهار وعلى ينابيع المياه واسم الكوكب يدعى الأفسنتين، فصارت ثلث المياه أفسنتينا، ومات كثيرون من الناس من المياه، لأنها صارت مرة”.

إذ يسقط هذا الكوكب العظيم المتقد كالمصباح من السماء، فإن في هذا إشارة إلى صنف ثالث من التأديب المر، كأن يسمح الله بانحراف شخصيات ذات مركز ديني وروحي عظيم فيسقطوا من سماء العبادة الروحية السماوية ببدع أو هرطقات على مياه الأنهار الحية فيسمموها ويمرروها وخلالها تموت نفوس كثيرة.

وقد سجل لنا التاريخ كواكب عظام سقطوا ومرّروا حياة أولاد الله، وأفسدوا التعاليم الروحية، وأهلكوا كثيرين، نذكر منهم أريوس ونسطور ومقدونيوس وبيلاجيوس وكثيرين غيرهم.

هذا النوع من الإنذار مؤلم للغاية، لكن الله يسمح به لكي يبحث المؤمنون في الكتاب المقدس ويفلحوا فيه ويشبعوا منه للرد على الهراطقة، وفي نفس الوقت خلال مرارة الهراطقة لا تتوقف الكنيسة عن رسالتها الكرازية، إذ بدونهم قد تستكين للراحه، وتدخل محبه العالم إلى أولادها، ويغطون في نوم عميق.

د. البوق الرابع : ثم بوّق الملاك الرابع، فضرب ثلث الشمس وثلث القمر وثلث النجوم، حتى يظلم ثلثهن، والنهار لا يضيء ثلثه” والليل كذلك” تحمل معنى شكل الضيق في أشد صوره للإنذار، لأننا كما نعلم أن الظلمة تشل حركة الإنسان، خاصة إن تزايد وقتها، وتفقده حيويته، وتحرمه من نمو النباتات، وهكذا يستخدم الله وسائل مختلفة حتى يشتهي الإنسان الموت ولا يجده، وذلك ليس بقصد تعذيب البشر، لكن لأجل رجوعهم إلى الحق، وبحثهم عن النور الحقيقي. ونحن نعلم اليوم عن تساقط بعض النجوم وعن حدوث انفجارات شمسية، هذا يتزايد بشدة في فترة ما قبل ضد المسيح للإنذار.

إنذار آخر:

“ثم نظرت وسمعت ملاكًا (نسرًا) طائرًا في وسط السماء، قائلاً بصوت عظيم ويل، ويل،

للساكنين على الأرض من أجل بقية أصوات أبواق الثلاثة الملائكة المزمعين أن يبقوا”.

يرى الأسقف فيكتورينوس أن النسر الطائر يرمز للروح القدس الذي يحمل الشهادة في النبيين بأن غضبًا وعذابات شديدة قد صارت على الأبواب، لهذا فإن أراد إنسان – حتى وإن كان في أواخر الدهور – أن يتوب فسيخلص.

نخلص من هذا أن الأبواق الأربعة السابقة هي إنذارات الله بكل الطرق للبشر قبل فترة ضد المسيح، وهذه مهما بدت صعبة وقاسية فهي هيئة وخفيفة أمام الويلات التي ستحل في فترة ضد المسيح الذي يأتي ليملك وينصب نفسه إلها.

زر الذهاب إلى الأعلى