تفسير سفر الأمثال ١٤ للقمص أنطونيوس فكري
تفسير الأمثال – الإصحاح الرابع عشر
آية (1): “حكمة المرأة تبني بيتها والحماقة تهدمه بيدها.”
المرأة الحكيمة بقدوتها الصالحة تبنى بيتها وتكون الحياة العائلية مستقرة في بيتها. والعكس.
آية (2): “السالك باستقامته يتقي الرب والمعوج طرقه يحتقره.”
السلوك العملي يُظهر حقيقة ما في القلب (1يو6:2 + 1صم2:12-5). فمن يسلك باستقامة هو إنسان يتقي الله في قلبه ويكرمه والعكس صحيح.
آية (3): “في فم الجاهل قضيب لكبريائه أما شفاه الحكماء فتحفظهم.”
كلام الجاهل مملوء كبرياء وأخطاء تدينه. وكلامه هذا يكون كقضيب يضرب الآخرين ويؤذيهم ولكنه في نفس الوقت هو قضيب تأديب لهذا الجاهل (مز8:64 + دا 8:7،11،25،26).
آية (4): “حيث لا بقر فالمعلف فارغ وكثرة الغلة بقوة الثور.”
إهمال الزراعة طريق للفقر، وهناك من يبيع بقره لأنه يسبب قذارة في المذاود وهو يريدها نظيفة. وهكذا من يهمل خدمته فلن يجد مخدومين، أو من يطرد من الخدمة كل خاطئ مشاغب دون أن يصبر على خدمته. أما الخادم القوي الذي كالثور تكون له غلة وثمار كثيرة، فالخدمة القوية التي تشبع النفوس تجمع الشعب حولها. المعلف فارغ= أي لا شعب ونلاحظ أن الندرة شبهت بنظافة الأسنان [عا6:4 (أي لا طعام)].
آية (5): “الشاهد الأمين لن يكذب والشاهد الزور يتفوه بالأكاذيب.”
علينا أن نشهد بكلمة الله فهي الحق. ويا حبذا لو كانت الشهادة عملية بطاعتنا للوصية.
آية (6): “المستهزئ يطلب الحكمة ولا يجدها والمعرفة هينة للفهيم.”
المستهزئ= هو يبحث عن الحقيقة ولا يجدها، فهو يسأل ليسخر لا ليتعلم، مثل من كانوا يسألون المسيح ليوقعوا به لا ليتعلموا “لمن نعطى الجزية لله أم لقيصر” + (لو8:23). وهكذا كان أغسطينوس أولاً يقرأ ليحكم هو على الكتاب المقدس لذلك لم يستفد شيئاً بل قال وجدته مثل كتب شيشرون الفيلسوف إن لم يكن أقل. وبعد هذا عرف أغسطينوس قيمة الكتاب المقدس فكان يقرأ وهو يبكي وقال “حينما تقرأ الكتاب المقدس وأنت فوقه أي لتحكم عليه لن تفهمه وإذا قرأته وأنت تحته أي بتواضع لكي تتعلم حينئذ ستفهمه” فتشامخ الساخر لن يترك له مجالاً لمخافة الرب. ولكن من يطلب الله بإخلاص يسهل عليه الفهم (مت11:13،15).
آية (7): “اذهب من قدام رجل جاهل إذ لا تشعر بشفتي معرفة.”
إذا اكتشفت أن أمامك رجل جاهل، فكلامه تافه فإهرب من صحبته لئلا يصيبك ضرر منه. فالمتمسك بحماقته وخطيته لا يجدي معه حوار (تي10:3،11).
آية (8): “حكمة الذكي فهم طريقه وغباوة الجهال غش.”
الحكيم يعرف طريقه ويعرف كيف يدبر أموره حسناً فله حكمة تقوده في طريقه. والمسيحي يعرف هدف رحلة حياته ويعرف خطواته التي تقوده للسماء. أما غباوة الجاهل فتضلله وبالتالي لن يعرف طريقه فيخرب وبينما هو يظن أنه يعرف الطريق يخدع نفسه= غباوة الجهال غش= فقلب الجاهل ضال كله وعلى شفتيه غش وخديعة فيحرمه الله من حكمته فيضل نفسه ويغش نفسه.
آية (9): “الجهال يستهزئون بالإثم وبين المستقيمين رضى.”
الجهال يستهزئون بالإثم= كلمة الإثم تعني أيضاً ذبيحة الإثم. فالجاهل يتمادى في خطيته مستهيناً بنتائجها ولا يطلب أن يقدم ذبيحة إثم غير مؤمن بقوتها على الغفران، بل هو يسخر ممن يقدمون ذبائح إثم “وهكذا كلمة الصليب عند الهالكين جهالة” (1كو18:1) ومثل هذا لو أخبرته عن مصير الخاطئ يهزأ بما تقول. والعكس فبين المستقيمين رضى= أي الله يقبلهم ويسكب عليهم من رضاه فيعيشون في سلام وحب مع الله ومع الناس.
آية (10): “القلب يعرف مرارة نفسه وبفرحه لا يشاركه غريب.”
القلب وحده يعلم حال الإنسان (1كو11:2) لذلك لا نحاول أن نهزأ بآلام وأحمال الآخرين فنحن لا نعرف مشاعرهم. وهكذا الأفراح الروحية لا يعرفها سوى من يختبرها.
آية (11): “بيت الأشرار يخرب وخيمة المستقيمين تزهر.”
لاحظ أن يعطي للأشرار بيت ويعطي للمستقيم خيمة. والخيمة هي إشارة لحياة الغربة التي يحياها الصديق. أما الشرير فهو بأوهامه في ثبات هذا العالم وسعيه الدائم لإرضاء شهواته وزيادة غناه كأنه سيحيا للأبد فهو يظن أنه سيبني بيتاً ولكنه يبنيه على الرمال “في هذه الليلة تؤخذ نفسك.. فهذه التي أعددتها لمن تكون”. ومع هذا فما تصوره الشرير بيتاً وهو أكثر ثباتاً من الخيمة سيخرب وأما خيمة ([§]) البار فتزهر ببركة الله.
آية (12): “توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت.”
هناك طريق واحد عاقبته الحياة وهو المسيح، أما الإنسان الجسداني فيري في كثرة المال وفي إرضاء شهواته أن هذا هو الطريق الصحيح ولكن نهايته الموت.
آية (13): “أيضاً في الضحك يكتئب القلب وعاقبة الفرح حزن.”
المقصود هنا أفراح العالم وملذاته.
آية (14): “المرتد في القلب يشبع من طرقه والرجل الصالح مما عنده.”
المرتد هو من كان يحيا مع الله ثم إرتد لمحبة العالم (ديماس). والمرتد في قلبه= ليس هو من يسقط عن ضعف ثم يتوب ولكن هو من أحب الخطية بقلبه وصار يشرب الإثم كالماء وصار إنساناً جسدانياً يشبع من شهواته، هو يجري وراءها ويظن أن فيها شبعه. أما الرجل الصالح يشبع مما عنده= الرجل الصالح له المسيح فهو عنده الشبع الروحي داخلياً وهو شبعان من فرحه الداخلي القلبي. الله يرضى عليه فهو يخاف أن يخالف وصاياه. ولسانه وأعماله يتفقان مع قلبه وهذا تكون له شهادة الروح القدس داخله أن طريقه صحيح.
آية (15): “الغبي يصدق كل كلمة والذكي ينتبه إلى خطواته.”
الغبي يصدق كل شئ حتى لو دعاه آخر لإنكار وجود الله أما الذكي عنده كلمة الله يحكم بها.
آية (17): “السريع الغضب يعمل بالحمق وذو المكايد يشنأ.”
السريع الغضب يتصرف بحماقة. ذو المكايد يُشنأ= أي يكرهه الناس ويمقتنونه.
آية (18): “الأغبياء يرثون الحماقة والأذكياء يتوجون بالمعرفة.”
للأسف كلنا ورثنا الحماقة من أبوينا الأولين (الخطية) وبالمسيح صرنا نتوج بالحكمة.
آية (19): “الأشرار ينحنون أمام الأخيار والآثمة لدى أبواب الصديق.”
الأشرار بعد أن قضوا جزء من حياتهم يتنعمون بملذات الجسد رافضين طريق الله، إذ بهم يفقدون كل شئ (الابن الضال كمثال). بل يسجدون للرجل الصالح الذي لن يفتقر أبداً (مز37 كله وبالذات آية 35). وقارن مع (رؤ9:3). ونلاحظ أن العذارى الجاهلات أتين للعذارى الحكيمات يطلبن زيتاً في نهاية أيامهن.
الآيات (20،21): “أيضاً من قريبه يبغض الفقير ومحبو الغني كثيرون. من يحتقر قريبه يخطئ ومن يرحم المساكين فطوبى له.”
طبيعة أهل العالم احترام الأغنياء واحتقار الفقراء وهذا خطأ (يع5:2).
آية (22): “أما يضل مخترعو الشر أما الرحمة والحق فيهديان مخترعي الخير.”
يخترع شر= من يدبر شر ضد الآخرين، يخطئ خطأ شنيع. من لا يخطئ فقط بل يخترع الشر فعدالة الله لن تتأخر عن أن تعاقب، أما من يخترع الخير ويوصي به ويصنعه للآخرين فالله يمنحه الرحمة والحق يهديانه.
آية (23): “في كل تعب منفعة وكلام الشفتين إنما هو إلى الفقر.”
في كل تعب منفعة= أي العمل المنتج نافع. بل من يعمل لن يجد الوقت للباطل. وكلام الشفتين=الافتخار الباطل الأحمق أو مجرد الكلام بدون عمل أو النميمة. وروحياً فمن يجاهد ولا يتكلم عن نفسه ينتفع ومن يتكلم كثيراً عن جهاده وعمله يضيع كل شئ.
آية (24): “تاج الحكماء غناهم تقدم الجهال حماقة.”
الحكماء دائماً أغنياء حتى لو كانوا فقراء في المال. أما الجاهل فلو كان غنياً في المال فحماقته تضيعه (نابال كمثال). والجاهل يستخدم ثروته استخداماً سيئاً يظهر حماقته. تاج الحكماء غناهم= أما لو كان الحكيم غنياً فهو يجيد استخدام ثروته وتصير ثروته أو غناه تاجاً له وتعطيه كرامة، وبماله يكرم الله ويكرم عبيد الله فيكون هذا لمدحه.
آية (25): “الشاهد الأمين منجي النفوس ومن يتفوه بالأكاذيب فغش.”
الشاهد الأمين= هو من يشهد للحق فيخلص الأبرياء من الاتهامات الظالمة. ومن يقول أكاذيب يغش الناس ويفسد أحكامهم فيدينوا الأبرياء ظلماً. ومن هنا نفهم لماذا قيل عن المسيح أنه الشاهد الأمين (رؤ14:3) فهو منجي ومخلص النفوس وعكس هذا فإبليس غشاش وكذاب وأبو الكذاب ولا يطلب سوى هلاك النفوس. وكل خادم أمين للمسيح يشهد له بأمانة في حياته يشهد للمسيح ويرفض الخطية.
الآيات (26،27): “في مخافة الرب ثقة شديدة ويكون لبنيه ملجأ. مخافة الرب ينبوع حياة للحيدان عن أشراك الموت.”
مخافة الرب هي الأساس المبني عليه هذا السفر، ومنها كل الحكمة. ومن يتعلم مخافة الرب يجد الله ملجأ له يثق فيه ويجد الله ينبوع حياة وفرح دائم، وحتى بنيه لن يعدموا الخير وسيكون الله ملجأ لهم. وتكون له رؤية يرى بها الأشراك المنصوبة له فيهرب.
آية (28): “في كثرة الشعب زينة الملك وفي عدم القوم هلاك الأمير.”
سليمان يرى أن الملك يفتخر ليس بحروبه التي فيها هلاك شعبه ولكن بزيادة شعبه وحياتهم في سلام في مملكة آمنة مستقرة يلجأ لها الآخرون ليحتموا بها. وهكذا مملكة المسيح.
آية (29): “بطيء الغضب كثير الفهم وقصير الروح معلي الحمق.”
قصير الروح= سريع الغضب والتهيج. معلى الحمق= أي تظهر وتتجلى وتعظم حماقته. فهو لا يقبل الكلام الواضح أنه حق وعدل بسبب هياجه. أما ابن الله المتضع الوديع الذي يتسامح مع أخطاء الآخرين فهو يعرف كيف يتعلم من المسيح فيصير حكيماً، وله المقدرة أن يتحكم في روحه ويضبط نفسه ويكشف عن فهم كثير للأمور.
آية (30): “حياة الجسد هدوء القلب ونخر العظام الحسد.”
نجد هنا أن الحسد يتعارض مع هدوء القلب. وهنا يظهر كيف أن حالة القلب الداخلية تؤثر على الحياة كلها وعلى صحة الجسد. فالقلب المملوء حباً وسلاماً يكون صاحبه في صحة جيدة، أما الذي يعيش على الحسد والغيظ فيستهلك صحة جسده= نخر العظام.
آية (31): “ظالم الفقير يعير خالقه ويمجده راحم المسكين.”
من يقسو على فقير كأنه يعير الله الذي خلقه هكذا (المسيح يسمى الفقراء إخوته).
آية (32): “الشرير يطرد بشره أما الصديق فواثق عند موته.”
الشرير بسبب شره يطرد من العالم إلى جهنم عند موته. والشرير لمحبته وتمسكه بالعالم يكون عند موته كمن يُطرد منه فهو لا يريد أن يتركه. ويكون شره هو العاصفة التي تحمله من هذا العالم. وأما الصديق فيشتهي إنتقاله “لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح” ويكون مثل إسطفانوس في سلام عند رجمه طالباً المغفرة لمن يرجمه. فواثق عند موته= تترجم له رجاء عند موته وهذا عمل الروح القدس داخل القلب.
آية (33): “في قلب الفهيم تستقر الحكمة وما في داخل الجهال يعرف.”
تصرفات كل من الحكيم والجاهل تكشف ما في باطنهما. ولكن الحكيم يخفي حكمته في داخله ولا يتكلم كثيراً. والجاهل بكلامه الكثير يكشف جهله= يُعرف.
آية (34): “البر يرفع شأن الأمة وعار الشعوب الخطية.”
كم من أمة هلكت بسبب خطاياها (بابل/ أشور/ إسرائيل/ سبي يهوذا.. ) وعلى العكس فتوبة نينوى أنقذتها. ولنقارن بين ازدهار مملكة يهوذا أيام داود وسليمان وانتكاسها أيام يهوياقيم وأحاز وصدقيا.
آية (35): “رضوان الملك على العبد الفطن وسخطه يكون على المخزي.”
نجد أن فرعون أعجب بحكمة يوسف فرفعه ونبوخذ نصر أعجب بحكمة دانيال فرفعه أما هامان فهلك بسبب حماقته. والله ملك الملوك سيكافئ من يسلك بحكمة (قداسة) ويجازي الجاهل الأحمق الذي يصر على خطيته.
تفسير أمثال 13 | تفسير سفر الأمثال | تفسير العهد القديم |
تفسير أمثال 15 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير سفر الأمثال | تفاسير العهد القديم |