تفسير سفر الأمثال ٢٤ للقمص أنطونيوس فكري
تفسير الأمثال – الإصحاح الرابع والعشرون
الآيات (1، 2): “لا تحسد أهل الشر ولا تشته أن تكون معهم. لأن قلبهم يلهج بالاغتصاب وشفاههم تتكلم بالمشقة.”
قارن مع (مز73). فآساف حين رأي نهاية الأشرار ذهب من قلبه كل حسد لهم. لذلك شعب الله لا يحسد الأشرار مهما كان نجاحهم وقتياً، إذ هو يعرف نهايتهم ودينونتهم وذلك بسبب قلبهم وما فيه من شر ويظهر هذا على شفاههم التي تتكلم بالمشقة= السوء. وليس فقط بسبب دينونتهم لا نحسدهم بل بسبب حياتهم الحالية. فلسانهم الرديء يدل على قلب رديء يضمر الشر للآخرين، ومثل هذا القلب لا يمكن أن يفرح بل يقود صاحبه للخراب.
الآيات (3-6): “بالحكمة يبنى البيت وبالفهم يثبت. وبالمعرفة تمتلئ المخادع من كل ثروة كريمة ونفيسة. الرجل الحكيم في عز وذو المعرفة متشدد القوة. لأنك بالتدابير تعمل حربك والخلاص بكثرة المشيرين.”
من له الحكمة والفهم يشبه من يبني بيته على الصخر ويزينه بالكنوز، فمن له حكمة لا يفتقر. والأحمق قد يبني بيته ويزينه ولكنه لا يقدر أن يحافظ عليه فهو لم يبنه على الصخر، بل أساسه فاسد (حب9:2،10) والله يملأ أولاده بكل جواهر الفضائل والنعمة ويصيروا ليس كبيت بل كقلعة محصنة ضد حيل إبليس ومحارباته فهو ليسوا ضعفاء. ونلاحظ أن هذه الآيات هي عكس الحال في الآيات (1،2). والحصول على الحكمة يكون بالتوبة والسلوك في وصايا الله. الرجل الحكيم في عز= أي قوي. ومتشدد بالقوة= يزداد قوة حتى على الشياطين. لأنك بالتدابير تعمل حربك= أي التدابير الحكيمة والمشورات الصالحة تواجه المشاكل التي يثيرها أعداؤك. وتعمل حربك ضد الشياطين بعد أن تأخذ مشورة من هم أكثر منك خبرة (أباء الكنيسة) (لو28:14-32). والحكيم يمتاز بعدم التسرع والمشورة مهمة فعدونا مخادع.
الآيات (7-9): “الحكم عالية عن الأحمق لا يفتح فمه في الباب. المتفكر في عمل الشر يدعى مفسداً. فكر الحماقة خطية ومكرهة الناس المستهزئ.”
الحِكَمْ= أي الحكمة عالية عن الأحمق أي لا يستطيع الوصول إليها بسبب:
1- إصراره على حماقته أي إصراره على عدم التوبة.
2- أو هو لا يستطيع الوصول إليها بسبب يأسه وإحساسه بالضعف والفشل. وهذا عكس “أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني” وبسبب حالة اليأس هذه نجد هذا الأحمق لا يجاهد لكي يحصل على الحكمة، بل يجلس مقتنعاً بما هو فيه بلا حكمة وبلا معرفة. لا يفتح فمه في الباب= [1] لا يستطيع أن يفتح فمه حين تحين محاكمته [2] غير صالح لأي مشورة أو عمل في بيت الله. هذا يشبه من لم يجدوا عليه ثياب العرس (مت11:22-13). المتفكر في عمل الشر يدعي مفسداً= الأفكار الشريرة مصدرها القلب فمن يفكر أفكاراً شريرة هو شخص مملوء فساد. والأفكار الشريرة حتى لو لم تنفذ فهي خطية. والمستهزئ هو من يسمح لحماقة قلبه أن تظهر على لسانه فهو يتهكم على الأشياء المقدسة. (خر2:5) فكر الحماقة= أي فكر الشر والخطية.
آية (10): “أن ارتخيت في يوم الضيق ضاقت قوتك.”
أن ارتخيت في يوم الضيق= أي إذا دخلك اليأس والضعف عندما تأتي الشدة فهذا يعني عدم الثقة والإيمان بالله. ضاقت قوتك= عديم الإيمان لا يحصل على شئ، أما المؤمن المتكل على الله تزيد ثقته ساعة التجربة وينال قوة ومعونة. وضاقت قوتك= تجد أن قوتك تصغر، والعكس فمن يثق بالله يختبر أن قوته تزداد وينال معونة في وقت الشدة.
الآيات (11،12): “أنقذ المنقادين إلى الموت والممدودين للقتل لا تمتنع. أن قلت هوذا لم نعرف هذا أفلا يفهم وازن القلوب وحافظ نفسك ألا يعلم فيرد على الإنسان مثل عمله.”
كان نظام المحاكمات في تلك الأيام، أن يتقدم منادٍ أمام المتهم وينادي أمام الناس بجريمته ويطالب من له معلومات لصالح المتهم فليتقدم للقاضي فيعيد التحقيق ثانية. وهنا طلب لكل إنسان أنه إذا كانت لديه معلومات لصالح متهم يمكن أن تنقذ حياته فعليه أن لا يتردد في إظهارها، ومن يمتنع يكون مثل قايين الذي قال “أحارسٌ أنا لأخي” ولنعلم أن الله هو الذي يعلم ما في القلوب، إن قلت هوذا لم نعرف هذا= قد يكون الإنسان الذي يعلم براءة المتهم واثقاً في براءته ولكنه لأغراض شخصية مثل محاولة إنقاذ المتهم الحقيقي لصداقته معه أو لكراهيته للمتهم البريء، يحاول أن يخفي معلوماته ويبرر نفسه أمام الناس أو أمام ضميره بقوله “هوذا لم نعرف هذا” أي أنا لست متأكداً تماماً أو أنا لا أعرف الشخص تماماً. وهذه الأعذار قد تقبل لدى الناس أما أمام الله فيجب أن نعلم أنه فاحص القلوب والكلى. وهذه الإنذارات موجهة لكل خادم يتهاون في أن يبلغ كلمة الخلاص لكل شخص خاطئ مقبل على الهلاك.
الآيات (13،14): “يا ابني كل عسلا لأنه طيب وقطر العسل حلو في حنكك. كذلك معرفة الحكمة لنفسك إذا وجدتها فلابد من ثواب ورجاؤك لا يخيب.”
كما أن العسل حلو المذاق ومفيد للجسم هكذا الحكمة لمحبيها تعطيهم جزاءً على الأرض (مادياً وروحياً) وجزاءً سماوياً. قطر العسل= هو العسل المأخوذ من المنحل مباشرة وهو أكثر حلاوة جداً من العسل الذي تم استخراجه وتعليبه وتعرضه للهواء. ومن ذاق طعم حلاوة عشرة الله والحصول على الحكمة الإلهية والتي هي كالعسل لن يصدق إغراءات الخطية أو أنها حلوة فلقد ذاق وعرف طعم الحلاوة الحقيقية.
الآيات (15،16): “لا تكمن أيها الشرير لمسكن الصديق لا تخرب ربعه. لأن الصديق يسقط سبع مرات ويقوم أما الأشرار فيعثرون بالشر.”
الشرير يفرح بالإثم وتسره نكبات الصديق ومع أن البار قد يعثر فإنه ينتصب لأن الله قادر أن يقيمه، وحتى إن أدبه فلوقت معين (أيوب كمثال) فإن أصابت البار كارثة لتأديبه فعلى الشرير أن لا يظن أن البار قد انتهى أمره فينتهز الفرصة ليغتصب مسكنه وربعه (ما حول داره وبالذات مكان تربية بهائمه) فالله يؤدبه إلى حين ثم يعيده أكثر إزدهاراً. والسقوط هنا سبع مرات أي عدد كامل. مهما سقط البار إن قدَّم توبة يقبلها الله. وقوله يقوم معناها أنه تاب توبة حقيقية. أما الأشرار فيسقطون بلا توبة (بطرس تاب ويهوذا سقط ويأس ولم يتب ولم يقم + مز18:34-22). والشرير في سقوطه يكون كالكلب يعود إلى قيئه. (2بط22:2). لا تكمن أيها الشرير= هذه تبدو أنها موجهة للأشرار ولكن الأشرار لا يسمعون ولا ينصتون لصوت الله ولا لكلمات الكتاب المقدس، لكنها مقدمة لتعزية شعب الله أن الله لن يتركهم، والعكس فإن الأشرار الذين فرحوا بسقوط الأبرار وبليتهم هم أنفسهم يعثرون.
الآيات (17،18): “لا تفرح بسقوط عدوك ولا يبتهج قلبك إذا عثر. لئلا يرى الرب ويسوء ذلك في عينيه فيرد عنه غضبه.”
المحبة لا تشمت في أحزان الآخرين حتى لو كانوا يستحقونها والله لا يحب من يشمت في بلية عدوه (عو12-16) فيرد عنه غضبه= هذه لا تفهم بأن الله سيغير قراره ولا يعود يغضب على الشخص الذي سبق وغضب عليه، بل هو يرد غضبه عنه لو تاب. ولكن المفهوم أن غضب الله على هذا الشخص سيمتد لمن شمت فيه وهذا ما حدث لأدوم إذ شمتوا في بلية إسرائيل، والله قد عفا عن إسرائيل حينما تابوا. فلنحذر أن نشمت ونفرح ببلية غيرنا وإلا ستقع علينا نفس العقوبة التي وقعت عليهم.
الآيات (19،20): “لا تغر من الأشرار ولا تحسد الآثمة. لأنه لا يكون ثواب للأشرار سراج الآثمة ينطفئ.”
لا يكون ثواب للأشرار= في الأبدية وعلى الأرض. سراج الأثمة ينطفئ= أي أن نجاحهم وقتي، وفي الأبدية سيكونون في ظلمة أبدية. ونسله لن يقوم فهو بلا بركة.
الآيات (21،22): “يا ابني اخش الرب والملك لا تخالط المتقلبين. لأن بليتهم تقوم بغتة ومن يعلم بلاءهما كليهما.”
الخضوع لله يستتبع الخضوع للملك الذي سلطانه من قبل الله (رو1:13،2) ولكل سلطان معين من قبل الله. لا تخالط المتقلبين= لا تشارك ولا تعاون من يقوم بالعصيان والدسائس ليقلبوا سلام وترتيب المجتمع، هؤلاء الذين يسرون بالثورات والدسائس ضد الحكومات القائمة. وهذا ينطبق داخل الكنيسة فهناك من يتصور الآن أنه يقف في وجه سلطان الكنيسة ويتحداها ويتحدى من أعطاهم الله السلطان. من يعلم بلاءهما كليهما= أي المتمرد وأتباعه وقد يكون المقصود كلا من يتمرد على الله وعلى الملك.
الآيات (23-26): “هذه أيضاً للحكماء محاباة الوجوه في الحكم ليست صالحة. من يقول للشرير أنت صديق تسبه العامة تلعنه الشعوب. أما الذين يؤدبون فينعمون وبركة خير تأتى عليهم. تقبل شفتا من يجاوب بكلام مستقيم.”
نرى هنا مساوئ المحاباة في القضاء. فمن يبرر الشرير يتجنبه الناس ويسخطوا عليه. أما الذين يؤدبون= أو يوبخون المجرم ويدينونه هؤلاء يكسبون احترام الناس وينالون بركة. الكل يقبل شفتي من ينطق بحكم مستقيم= القبلة تعني رمزياً الاحترام والعاطفة والخضوع لأوامره لثقته في عدله وحكمته (يوسف ودانيال تك40:41).
آية (27): “هيئ عملك في الخارج وأعده في حقلك بعد تبني بيتك.”
هو نفس مفهوم حساب النفقة فقبل أن تشرع في بناء بيت عليك أن تعد كل ما تحتاجه لئلا تبدأ ثم تتوقف (لو28:4-30) وهكذا كل من يريد الذهاب للحرب. ومن لا يحسب حساب النفقة ينقلب مشروعه إلى حماقة. وهذا ما فعله داود وسليمان، فلقد أعدوا كل المواد اللازمة لبناء الهيكل قبل البدء في البناء. هيئ عملك في الخارج= لا تعمل عملاً إلا بعد أن تضع خطة العمل. وتفهم الآية بأنه يجب أن نهتم بالضروريات قبل الكماليات.
الآيات (28،29): “لا تكن شاهداً على قريبك بلا سبب فهل تخادع بشفتيك. لا تقل كما فعل بي هكذا افعل به أرد على الإنسان مثل عمله.”
هذه ضد الشهادة المغرضة بقصد الانتقام. فالمسيحي لا ينتقم لنفسه (رو19:13) بل يستودع الأمر كله لله وهو يدافع عنه. ومن ينتقم لنفسه يخسر فرصة أن يتدخل الله ويتكفل هو بحل المشكلة والإنتقام له بطريقته الإلهية، أو أن يشهد الله ببره.
الآيات (30-34): “عبرت بحقل الكسلان وبكرم الرجل الناقص الفهم. فإذا هو قد علاه كله القريص وقد غطى العوسج وجهه وجدار حجارته انهدم. ثم نظرت ووجهت قلبي رأيت وقبلت تعليما. نوم قليل بعد نعاس قليل وطي اليدين قليلا للرقود. فيأتي فقرك كعداء وعوزك كغاز.”
هذه ضد الكسل. وهنا يرسم صورة كشاهد عيان لحقل الكسلان، وإذا به خَرِب ويملأه القريص= نوع من الشوك الذي يكثر في الأماكن المهجورة (أش13:34 + هو6:9). والعوسج هو شجر الشوك. وهو حقل بلا ثمار لم يهتم به أحد، وحتى السور قد تهدم دليل عدم الإكتراث. والسور المتهدم معناه أنه حتى لو وُجِدَتْ ثمار فالوحوش يدخلون ويأكلونها. والسارقون يفعلون هكذا. وهناك إنسان كسول حتى في السهر على حياته، فلا يسهر على الثمار التي يعطيها الروح القدس له. ونلاحظ أن قلوبنا هي التربة التي يثمر فيها عمل الروح القدس فتصبح كرماً للرب وأرضاً مثمرة يفرح بها الله ونفرح بها نحن لو سهرنا عليها، فإذا لم نسهر على أرضنا تنمو فيها عوضاً عن ثمار الروح أشواك الخطية والشهوات.
تفسير أمثال 23 | تفسير سفر الأمثال | تفسير العهد القديم |
تفسير أمثال 25 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير سفر الأمثال | تفاسير العهد القديم |