تفسير سفر الأمثال ٢٧ للقمص تادرس يعقوب
الأصحاح السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ
الأمانة في الصداقة الحقيقية والعمل
يسند المديح الضعفاء ويشجعهم، حتى لا يسقطوا في اليأس ويفشلوا، إلا أنه إذا صدرت كلمات المديح بقصد المداهنة تضر مقدمها كما تضر المستمع إليها (أم 26: 28). فالمداهنة ليست حبًا صادقًا ومخلصًا، بل هي شبكة لاصطياد النفوس.
تقدم الأمانة الصداقة الحقيقية المملوءة حبًا، فأحيانًا تسبب جراحات للصديق، لكنها تقدم الحب الممتزج بالحق (أف 4: 15)، وهي أفضل من قبلات العدو (أم 27: 6؛ 2 صم 20: 9-10؛ مت 26: 48-50) التي تقوم على الخداع والحسد.
هنا يسألنا سليمان الحكيم عن إخلاصنا لأصدقائنا، يجب علينا مراعاة عائلاتنا وجيراننا وأصدقائنا القدامى، كما يدعونا للأمانة في العمل، وتشجيع أصدقائنا عليه، مادام نجاحهم يشغلنا.
يعالج الحكيم هنا الأمور التالية:
- الحكمة واللحظة الحاضرة 1.
- الحكمة والتواضع 2.
- التعامل مع الحكيم والجاهل 3-6.
- الحكمة والشبع 7-9.
- حفظ الصداقة القديمة 10.
- الحكمة ينبوع فرح 11.
- الحكمة والهروب من الشر 12.
- الحكمة والتدبير اللائق 13-14.
- سلام الأسرة 15-16.
- الجشع والأمانة في العمل 17-27.
- الحكمة واللحظة الحاضرة
لاَ تَفْتَخِرْ بِالْغَدِ،
لأَنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مَاذَا يَلِدُهُ يَوْمٌ [1].
قد عبر الماضي ولن يعود، والمستقبل لا ندري إن كان يحل بنا في هذا العالم أو نعبر نحن قبل حلوله، أما اللحظة التي نعيشها فهي ملكنا. خلال الحاضر ننتفع بالماضي بأموره الصالحة كما بأخطائنا، وخلاله نعمل لحساب المستقبل سواء وُجدنا في هذا العالم أو العالم الآخر. بهذا نفتخر باليوم الحاضر ونقدسه للرب، ونعيش مع كل لحظة من لحظات حياتنا متهللين.
بالتعود على التأجيل للغد غالبًا ما لا يأتي هذا الغد الذي نعمل فيه، لأنه مع كل غد نؤجل للغد الذي يليه. يقول البعض: “التأجيل للغد لص يسرق من الإنسان حياته”.
يدعونا الكتاب المقدس إلى عدم التأجيل، خاصة بالنسبة لخلاص نفوسنا: “هوذا الآن وقت مقبول، هوذا الآن يوم خلاص” (2 كو 6: 2). “إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم” (عب 3: 7-8). لقد ارتعب فيلكس الوالي حين سمع بولس يتكلم عن البرّ والتعفف والدينونة العتيدة أن تكون، وعوض أن يأخذ قراره بالتوبة، قال: “أما الآن فاذهب، ومتى حصلت على وقت أستدعيك” (أع 24: 25)، ولم يحصل فيلكس على وقت ليستدعيه حتى مات.
من يسلك في طريق التأجيل للغد لن يبلغ إلى مسكن يستقر فيه.
V ليتنا لا نؤجل للغد، فإننا لا نعلم ماذا يلده اليوم التالي. ولا نقل: “سنغلب هذه العادة شيئًا فشيئًا”، إذ هذا الشيء لن يأتي إلى نهاية. لهذا لكي نبطل هذا العذر لنقل: “إن لم نُصلح ممارسة القَسَم اليوم، لن نؤجل إلى ما بعد ذلك، حيث ربوات الأمور تضغط علينا. إذ بالضرورة سنموت، وسنُعاقب، وسنفقد كل ما لدينا. لا نعطي للشيطان الانتفاع بتسكعنا، ولا بممارسة التأخير”، فإن كان الرب يعرف نفسك ملتهبة، فهو نفسه أيضًا يمد يد المساعدة ليغير حياتك[873].
V هوذا الأيام تُدفن كالموتى. أمس دفناه البارحة، وها إننا ننصح اليوم بأنه سيفيد أيضًا. أبكِ إذًا على الأمس الذي لم يعد يُوجد، وأرفع صوتك على اليوم لأنه سينتقل أيضًا. هوذا الأيام تخطفك، والحياة تهرب.
عندما يقبرك المساء يبعثك الصباح.
إنها تميتك يوميًا لتعلم أنك ستموت.
V هربت منك حياة الأمس، وها هي حياة اليوم سريعة الزوال. إن كنت يقظًا أو نائمًا فالليل لا يقف عن مسيرته، والنهار لا يهدأ من تكميل مسيرة دربه.
حياتك هذه تُنهب، فانهب أنت منها الفائدة.
لا تعتمد على الصباح لكونه منيرًا، إن لم يكن فكرك مستنيرًا بالله لكي يشرق.
لا تفكر بأن المساء للراحة، مادامت نفسك معذبة بآلام الشرور.
V كما طردت التوبة بحجج مختلفة إلى الآن، أيقظ إرادتك لتطرد الخطية يومًا بعد يومٍ، إلى أن يلتقي بك النصر كالثروة بالمسكين.
V أرضِ الله كما أرضيت العالم. اغتنِ بالفقر، كما افتقرت بالغنى. فتش عن التجرد كما فتشت عن المقتنيات. أخرج عقلك من العالم، ووجهه إلى الله، كما أخرجت نفسك من عند الله وراء العالم.
V إلى اليوم لم تكن ملكًا لنفسك، بل عبدًا للعالم. كن ملكًا لنفسك، واخدمها.
V لو سرقك لص لولولت، بينما تُسرق حياتك من حياة الله ولا تتألم عليها[874]. (الرسالة الثالثة والأربعون)
القديس مار يعقوب السروجي
V لنرجع إليه أيها الأعزاء المحبوبون، ولا نؤجل إصلاحنا إلى نهاية حياتنا. لنصغِ إلى النبي القائل: “لا تؤجل اهتداءك إلى الرب، لا تحوله من يومٍ إلى يومٍ” (سي 5: 7). فإنك “لا تعلم ماذا يلده يوم”. لماذا تؤجل يا إنسان من يومٍ إلى يومٍ، بينما قد يكون اليوم هو آخر يوم لك؟[875]
الأب قيصريوس أسقف آرل
- الحكمة والتواضع
لِيَمْدَحْكَ الْغَرِيبُ لاَ فَمُكَ،
الأَجْنَبِيُّ لاَ شَفَتَاكَ [2].
إذا ضُرب إنسان بحب المديح يفقد روح التواضع، وتتخلى عنه نعمة الله. قد يكون المادحون لك جادون في مديحهم، لكن لا يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان (1 كو 2: 11). يعرف الإنسان حقيقة ضعفاته وعثراته وسقطاته، فإن كان الله بمحبته يستر عليه، فلا أقل من أن يرفض في داخله مديح الناس.
كثيرون يمدحوننا اليوم ويذموننا غدًا، فمن يُسر بمديح الناس اليوم، يفقد سلامه في الغد.
V إن كنت أبدو لك متغطرسًا، فلأني أشهد لنفسي. فإن كل الإنسانٍ عندما يود أن يشهد لنفسه يبدو متعجرفًا ومتكبرًا، لذلك مكتوب: “ليمدحك فم قريبك، لا فمك“[876].
V لا يكلل أحد نفسه، فإن هذا الإنسان الذي يكيل المديح لنفسه يُسخر منه بحقٍ، إذ مكتوب: “ليمدحك قريبك، لا فمك، الأجنبي لا شفتاك أنت“. لكن بالرغم من أن المرائيين يمكنهم أن يظلوا دون اكتشاف، ويأخذوا كرامات من الناس، إلا أنه يقول: “لكن الله يعرف قلوبكم”. فالديان لا يُمكن أن يُخدع، فهو يرى أعماق ذهننا، ويعرف من هو المجاهد الحقيقي، ومن الذي يسرق بالاحتيال الكرامة التي يستحقها غيره بحق[877].
V نفوسنا هي عروس مقدسة للعريس الذي لا يموت، والعرس هو الأسرار الإلهية… فأصغِ إلى ذاتك، حافظًا حجالك بلا دنس، وكن مشتاقًا أن تقبل العريس السماوي، المسيح الملك، لكي في يوم مجيئه يصنع فيك منزلاً مع أبيه، فيكون لك مديح عظيم قدام الملائكة ورؤساء الملائكة القديسين، وتدخل إلى الفردوس بفرحٍ عظيمٍ[878].
القديس مار أفرام السرياني
- التعامل مع الحكيم والجاهل
اَلْحَجَرُ ثَقِيلٌ، وَالرَّمْلُ ثَقِيلٌ،
وَغَضَبُ الْجَاهِلِ أَثْقَلُ مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا [3].
الإنسان الجاهل أو الأحمق ليس فيه مخافة الرب، ولا يسلك بروح التقوى، إن غضب يفقد وعيه، ويتصرف بعنفٍ شديدٍ بلا تمييز، فيكون غضبه أثقل من الحجر والرمل، لهذا يليق بالحكيم عدم محاورته أو مواجهته أثناء غضبه، بل يلتزم بالصمت والهروب من وجهه. حينما غضب شاول باطلاً على داود، فقد الملك وعيه، ودعا ابنه يوناثان المحب لداود “ابن المتعوجة” (1 صم 20: 30)، ولم يطق أن يدعو داود باسمه، بل دعاه “ابن يسى”، و”ابن الموت” (1 صم 20: 31)، وعزم على قتله بكل وسيلة.
اَلْغَضَبُ قَسَاوَةٌ، وَالسَّخَطُ جُرَافٌ،
وَمَنْ يَقِفُ قُدَّامَ الْحَسَدِ؟ [4].
يحذرنا الحكيم من تسلل الحسد إلى قلوبنا، فإن كان الغضب أثقل من الحجر والرمل، لكنه أشبه بعاصفة قصيرة المدى، والسخط أيضًا بسيلٍ جراف، أي لا يقدر أن يقف أمامه شيء، أما الحسد فيقيم في القلب ويملك عليه، حتى وإن اختفت مظاهرة الخارجية.
V لا يعتبر الحسود الكوارث التي تحل به محنة، بل المحنة عنده هو الخير الذي يحل على غيره، وبالعكس النجاح ليس هو أن يكون سعيدًا، بل أن تحل المحن بغيره. يحزن الحاسد لرؤية الأعمال الطيبة للناس، ويسر بالكوارث التي تحل بهم. ويُقال أن الجوارح التي تلتهم الجثث الميتة تقضي عليها الرائحة الطيبة (العطر)، فإن طبيعتها تتفق مع ما هو شرير وفاسد. وأي شخص يقع تحت سيطرة هذا المرض (الحسد) تقضي عليه سعادة أقربائه وجيرانه، ولكنه إذا رأى تجربة شريرة يطير إليها ويضع منقاره المعوج فيها ويخرج الكوارث المخفية[879].
V الحسد يصعب شفاؤه، لأنه بالبحث عن أسبابه، يصير إلى حال أردأ. يبحث في الأسباب الخارجية لا الحقيقة الداخلية، وتزداد شدته بتقديم الخدمات والهدايا للحاسد، لأنه كما يقول سليمان نفسه: “إنه يقف قدام الحاسد” (أم 4:27). على قدر ما ينجح الآخر (المحسود) في الخضوع والتواضع أو في فضيلة الصبر أو الكرم، تزداد وخزات حسد الآخر، إذ لا يود إلا هلاك المحسود وموته[880].
الأب بيامون
V اللجاجة والحسد يتولدان من المجد الباطل، لأن الإنسان إذا طلب مجد الناس فهو يحقد على الذي يعمل وينجح ويُمجَّد ويحسده، والتواضع هو دواء ذلك.
القديس أنبا بيمين
V مَنْ وجد الحسد فقد وجد معه الشيطان الذي أوجده منذ القدم.
القديس مار إسحق السرياني
اَلتَّوْبِيخُ الظَّاهِرُ
خَيْرٌ مِنَ الْحُبِّ الْمُسْتَتِرِ [5].
إن وجُدت محبة صادقة يليق بالمؤمن أن يهتم بخلاص محبويبه، فيكون صريحًا معهم. ينتقدهم، لكن بروح الحب دون تجريح لمشاعرهم. يكشف لهم عن أخطائهم، دون أن يشَّهر بهم.
V إنه واضح بالتأكيد أن الخطية المخفية تساهم في موت الشخص المريض، لأن شوكة الموت هي الخطية (1 كو 15: 56) كقول الكتاب، وأيضًا: “التوبيخ الظاهر خير من الحب المستتر“. ليته لا يخفي أحد خطية مجاملة لآخر، لئلا يحل قتل الأخ عوض المحبة الأخوية[881].
القديس باسيليوس الكبير
V التوبيخ صالح، وغالبًا ما يكون أفضل من الصداقة الصامتة. حتى أن ظن الصديق نفسه قد أصابه أذي، وبخه، وإن جرحت مرارة الإصلاح ذهنه وبخه ولا تخف. لأن الصداقة يلزم أن تكون مخلصة وثابتة في الحب[882].
V نحن الذين طُردنا من سعادة الفردوس الأصيلة بسبب شهوتنا للملذات في جسارة يلزم رجوعنا خلال احتمالنا المتاعب بتواضعٍ؛ نحن الهاربون خلال عملنا الشرير؛ هناك عملنا ما يضاد العدالة، هنا نتألم من أجل العدالة[883].
V يليق بنا أن نفرح عندما نُحسب أهلاً للتأديب الإلهي[884].
العلامة ترتليان
V إن كان الله يؤدب الذين يحبهم، وهو يؤدب لكي يُصلح، فإنه يليق بالإخوة، خاصة الكهنة، ألا يبغضوا بل يحبوا من يؤدبهم، لكي يصلحوهم، فإن الله سبق فأنبأ بإرميا مشيرًا إلى وقتنا الحاضر، قائلاً: “وأعطيكم رعاة حسب قلبي، فيرعونكم ويقوتونكم بالتأديب” (راجع إر 3: 15)[885].
الشهيد كبريانوس
أَمِينَةٌ هِيَ جُرُوحُ الْمُحِبِّ،
وَغَاشَّةٌ هِيَ قُبْلاَتُ الْعَدُوِّ [6].
الجراحات الصادرة عن قلب محبٍ وحكيم، يعرف بماذا يوبخ ومتى وإلى أي حد، فإن هذه الجراحات أمينة ونافعة. أما الذي يود أن يكسب من هم حوله، فيلاطفهم، ويشترك معهم في المناسبات دون أن يهتم بخلاصهم، فتصرفاته تُحسب قُبلات غاشة ليس فيها أمانة ولا حب صادق.
في محبة كاملة اختلف الرسول بولس مع صديقه القديس بطرس، وقاومه من أجل الحق الإنجيلي، كما اختلف القديس برنابا… لكنه لم يحمل كراهية لأحدٍ، بل كان الرسول بولس دستوره الحب الخالص.
V ليس كل من يعفو هو صديق، ولا كل من يضرب عدو. فإنه “أمينة هي جروح المحب، وغاشة هي قبلات العدو“. بطرس جُرح، ويهوذا قبَّل. لكن القبلة دانت يهوذا، إذ حملت سم الخيانة، والجرح الذي سببه بطرس شُفي، إذ غسل خطأه بالدموع[886].
V عندما كنت تنتهرني لكي لا أقول الحق، أما كنت أقول لك: “إنني أحبك أكثر من أولئك الذين يتملقونك. إنني في انتهاري لك أهتم بك أكثر من كل الذين يقدمون لك الاحترام؟”، ألم أكن أقول لك أيضًا: “إنجراحات الأحباء أمينة عن قبلات الأعداء الغاشة” (أم ٢٧: ٦). لو أنك أذعنت لجراحاتي ما كان يمكن لقبلاتهم أن تؤدي بك إلى الهلاك، لأن جراحاتي تعمل على شفائك، أما قبلاتهم فتدفع بك إلى مرض يُستعصي شفاؤه[887].
V من هو هذا الصديق الذي جراحاته أفضل من قبلات العدو؟ الإجابة واضحة لأي شخص يعرف سرّ الخلاص. فإن الصديق الحقيقي الثابت لا يكف عن أن يحبنا حتى ونحن بعد أعداء، أما العدو (إبليس) فخائن وعنيف. إنه يخضعنا للموت مع أننا لم نؤذه[888].
- الحكمة والشبع
اَلنَّفْسُ الشَّبْعَانَةُ تَدُوسُ الْعَسَل،َ
وَلِلنَّفْسِ الْجَائِعَةِ كُلُّ مُرٍّ حُلْوٌ [7].
الجوع الشديد يفتح شهية الإنسان للطعام، ويعطيه استمتاعًا وتذوقًا له، لا يجده متى كان شبعانًا.
انغماس الناس في أنواع مختلفة من الأطعمة أفقدتهم تذوقهم للطعام، لذلك يحاول الكثيرون الإبداع في أنواع الأطعمة، لكي يجتذبوا الإنسان المعاصر للطعام، حتى وإن كانت غير مفيدة لهم صحيًا[889].
متى شعرنا بالجوع إلى كلمة الله كطعامٍ للنفس، نأكله ونجتره ونتأمل فيه بلذةٍ. لعل سليمان الحكيم يود أن يبرز حقيقة عملية أن الغني مع ما لديه من ثروة ضخمة وأطعمة فاخرة، ليس في سعادة الفقير وهو يأكل طعامًا بسيطًا، إذ يجد فيه لذة. فالغني كثيرًا ما يجد مرارة أو عدم سعادة فيما هو حلو، بينما يجد الفقير حلاوة فيما يبدو مرًا!
V لأنه وإن كان كثيرًا ما يتكرر سرد الأمور المقدسة، لكن الذهن الذي يشعر بعطشٍ إلى المعرفة الحقيقية، فإن شبعه لا يخلق قط نوعًا من الاشمئزاز، بل في كل يوم يتقبل الكلمة كشيءٍٍ جديدٍٍ يحتاج إليه. على أي الأحوال غالبًا ما ينصت إليها بشغفٍ شديدٍ، ويتحدث بها. والتكرار بالنسبة له يثبته في المعرفة التي له من قبل دون ضجر.
هذه هي العلامة التي بها يُعرف الذهن أنه بارد ومتعجرف، أنه يتقبل أدوية كلمات الخلاص بازدراء واستهتار، بالرغم من أنها مُقدمة بغيرة ولجاجة زائدة، وذلك لأن “النفس الشبعانة تدوس العسل، وللنفس الجائعة كل مرٍّ حلو” (أم 7:27).
هكذا إن أُخذت هذه الأمور بعناية، وخُزنت في داخل النفس، وختمت بخاتم السكون، تصير مثل الخمر حلوة المذاق، تُبهج قلب الإنسان، وتُعتَق بتخزينها كثيرًا في الفكر مع الصبر الثابت، فتخرج من آنية القلب رائحة لذيذة، ويصير ينبوعًا دائمًا يفيض أعماق الخبرة بغزارة، وتكون كمجارى مروية. تسكب الفضيلة تيارات غزيرة كما من بئر قلبك العميق[890].
الأب نسطور
V لا تغريكن مباهج الأغنياء بحسب المقاييس الدنيوية كأنها شيء نافع. إنهم يبتهجون بفن الطبخ لأجل مسرتهم، فلتتخطّين أنتن على أطعمتهم المفرطة بالصوم والاعتدال في الأكل، لأنّ الكتاب يقول: “النفس الشبعانة تدوس العسل” (أم 27: 7).
V لا تنخدع بمباهج غِنى العالم، كأنه يحوي شيئًا نافعًا لأجل اللذّة الباطلة. إنّ الدنيويين يقدِّرون فنّ الطبخ، أمّا أنت فتتجاوز اتساعهم في الطعام بالصوم والطعام الرخيص. إنه مكتوبٌ: “النفس الشبعانة تدوس العسل” (أم 27: 7). لا تشبع من الخبز فلن تشتهي الخمر.
القديسة الأم سنكليتيكي
مِثْلُ الْعُصْفُورِ التَّائِهِ مِنْ عُشِّهِ،
هَكَذَا الرَّجُلُ التَّائِهُ مِنْ مَكَانِهِ [8].
يتسم الإنسان النقي بروح الاكتفاء وحياة الشكر، فيشعر بنوعٍ من الرضا والاستقرار بالرغم من كفاحه وجهاده وتقدمه المستمر ونموه في كل شيء. أما غير المؤمن فلا يشبع حتى وإن أُعطيت له كل الأرض، ولن يستريح، ولا يشعر باستقرار، فهو دائم التذمر. إنه كعصفور يهجر عشه، فيتعرض للمخاطر.
يقول الرسول: “ولكنه لكل واحدٍ يُعطي إظهار الروح للمنفعة” (1 كو 12 :7). “وأما الآن فقد وضع الله الأعضاء كل واحدٍ منها في الجسد كما أراد” (1 كو 12: 18). لهذا يليق بالمؤمن أن يتعرف على الموهبة التي أُعطيت له من قبل الله، ويضرمها بفرحٍ وأمانةٍ، دون أن يفتخر على من ليس لديه ذات الموهبة، ولا يحسد من يظن أن لديه موهبة أسمى وأعظم مما لديه.
ما هو العش الذي يفارقه العصفور فيصير في حالة تيه إلا حضن الله المفتوح لنا خلال الصليب، يحملنا إليه روحه القدوس، وفيه نستقر بروح التهليل؟ لقد ترك ديماس هذا العش، إذ قال عنه الرسول بولس، “لأن ديماس قد تركني، إذ أحب العالم الحاضر” (2 تي 4: 10).
الإنسان المقدس للرب يعيش في هذا العالم كما في السماء، بل وبسببه يحل السلام على من هم حوله.
V سعيدةٌ هي مدينة الإسكندرية التي أنتم شفعاؤها! وما كانت مدن سدوم ستهلك وتتحول إلى رمادٍ لو كان يعيش فيها عشرة أبرار، والمدن الأخرى أيضًا ما كانت ستنقلب لو احتفظت بمثل قداستكم فيها. والكتاب المقدس يروي كيف أنّ أصدقاء الجزيل التقوى أيوب الذين كانوا مغضوبًا عليهم (من الله) قد خلصوا بفضله: “عبدي أيوب يصلِّي من أجلكم لأنِّي أرفع وجهه، لئلاّ أصنع معكم حسب حماقتكم” (أي 42: 8).
V يا للفضائل التي تزيِّن حياتكم العزيزة جدًا عند الله! أيَّ إكليل بهيٍّ تُنشئه هذه الفضائل! كم هي عظيمةٌ عندكم المثابرة على الأعمال الصالحة! إنّ السلام الذي يملك عليكم لهو بفضل بُعدكم عن الرذائل والتواضع الذي هو العلامة التي تدلّ على تملُّك المسيح عليكم هذا الذي فقده الشيطان منذ البدء.
لقد تحتَّم علىَّ كواجبٍ ملزمٍ أن أكتب إليكم وأقول لكم ذلك حيث إنه مكتوبٌ: “ذِكر الصدِّيق للبركة” (أم10: 7)، وأنّ مدح الأبرار يفرِّح الشعب (اُنظر أم29: 2). فعندما يتذكركم البعض فمن الطبيعي أن يميل إلى الثناء عليكم.
القديس أنبا سيرابيون أسقف تميّ
V أبغض بطنك وحاجات هذا العالم والرغبات الرديئة والكرامات وكأنك لم توجد بعد في هذا العالم وأنت تقتني السلام.
القدِّيس أنبا أنطونيوس الكبير
V ليفض فيكم السلام الآتي من الرب فوق كل قياس، ذلك السلام السماوي الذي رفع النور فوق العالم. هذا الذي أعلنه الأنبياء والذي تكلم عنه الأبرار، والذي بشّرت به الملائكة بالأخبار السارة. إنه هو السلام الذي تلقّته السيدة العذراء مريم وولدَتْ مخلِّص العالم، هذا الذي حلَّ على الأموات، الذي شقّ الصخور، وفتح القبور، وأعاد الحياة للموتى، وحرَّر الأسرى وفكَّ المقيَّدين والمستعبَدين، ومزّق صكّ دينونة آدم، ونقش في النفوس شريعةً سماويةً، وقرن اللاهوت بالناسوت محرِّرًا الخليقة، وقتل الخطية، رافعًا اللعنة من على الأرض، محطِّمًا حاجز العداوة، باعثًا من التراب جسد آدم ذاك الذي كان قد أدانه ثم أدخله إلى فردوس الموعد، وجعله يسلك في حياةٍ جديدةٍ، وهو الذي لا يعرف أكثر من الموت. ولكي نصير له إخوة جعلنا أيضًا نولد من أبيه[891].
اَلدُّهْنُ وَالْبَخُورُ يُفَرِّحَانِ الْقَلْبَ،
وَحَلاَوَةُ الصَّدِيقِ مِنْ مَشُورَةِ النَّفْسِ [9].
كما تجلب الروائح الذكية والبخور فرحًا لقلب الإنسان هكذا تحمل مشورة الصديق المخلص عذوبة خاصة. وكما أن العطور تنعش حواس الجسم، وتبعث فيه نوعًا من الحيوية والنشاط، هكذا مشورة الصديق المخلص تسند الإنسان، وتزيد الصداقة بينهما. لقد وجد داود النبي في يوناثان بن شاول الصديق الحلو (2 صم 1: 26).
هذا المثل يدعونا إلى الارتباط بالأصدقاء المخلصين، خاصة الأصدقاء القدامى على مستوى العائلة. ليست عطية ثمينة مثل تقديم الحكمة للصديق المستقيم القلب.
V قد لا يمتلك شخص ما خبزًا ليقدم به صدقة للمحتاجين، لكن ما هو أعظم أن يكون له لسان قادر أن يُعطي. فإن إنعاش العقل الذي يحيا إلى الأبد بطعام الكلمة أهم من إنعاش معدة الجسم الذي سيموت بطعام أرضي[892].
قيصريوس أسقف آرل
V ابحثوا عن قوة القائد في حكمته أكثر من حجم فرق جيشه…
إن كان لدى مدينة الكثير من الرجال المقتدرين، لكن ينقصهم الحكمة، فهؤلاء يعجزون عن مساندتها (جا 7: 19).
التفسير الروحي (للعبارة) هو أن العالم يُدعى مدينة، أي العالم المحيط بنا.
لا يستطيع أحد أن يحيا دون أذية، إن كان لم تُعطَ له حكمة إلهية.
إن كانت الحكمة لا تُعين، لا يقدر المسلطون (المقتدرون) أن يفعلوا شيئًا، سواء تقصدون الملائكة أو القديسين.
إن لم تسند الحكمة لن تخلص المدينة.
يمكن للشخص أن يرى نفس soul كل كائن بشري مدينة. فإن كان أحد له ألف من الأفكار الأرضية لتعين مدينة، فإنها لا تستطيع أن تسنده ما لم تنزل الحكمة، وتصدر أمرًا وتسنده[893].
- حفظ الصداقة القديمة
لاَ تَتْرُكْ صَدِيقَكَ وَصَدِيقَ أَبِيكَ،
وَلاَ تَدْخُلْ بَيْتَ أَخِيكَ فِي يَوْمِ بَلِيَّتِكَ.
الْجَارُ الْقَرِيبُ خَيْرٌ مِنَ الأَخِ الْبَعِيدِ [10].
متى حلت ضيقة بإنسانٍ، فإنه من الأفضل له أن يلجأ إلى جاره المخلص إليه، وصديقه وصديق العائلة، عن أن يعتمد على القرابة وحدها، فيلجأ إلى أخيه البعيد. هنا دعوته للالتصاق بالجار كصديقٍ حقيقيٍ شخصيٍ وعلى مستوي الأسرة.
V يقول سليمان: “الجار القريب خير من الأخ البعيد“. لهذا فإن الشخص بصفة عامة يتكل على الإرادة الصالحة لصديقٍ أفضل من رباطات القرابة مع أخيه. فالإرادة الصالحة تنتصر أكثر بمراحل من الضمانات التي تُعطي خلال الطبيعة[894].
- الحكمة ينبوع فرح
يَا ابْنِي كُنْ حَكِيماً وَفَرِّحْ قَلْبِي
فَأُجِيبَ مَنْ يُعَيِّرُنِي كَلِمَةً [11].
يشعر سليمان الحكيم بأبوته نحو من يتحدث معه أو يعلمه. ليس ما يفرح قلب الأب مثل أن يكون ابنه، حسب الروح حكيمًا، فيفتخر به. أما إذا رفض الابن الحكمة وسلك بغباء، فيشعر الأب أنه كمن في عارٍ وخزيٍ.
V حكمة الشخص تجعل وجهه مضيئًا، لكن ليس وجه الجسم، ليس عضوًا في الجسد، وإنما وجه الشخص الداخلي… يضيء وجه الإنسان الداخلي بالحكمة. لكن الحكمة والنور واللوغوس والحق وغير ذلك من المفاهيم متماثلة، إذ تنطبق على المسيح[895].
V فلنتمثل بهذا الإنسان (أيوب). الذي أخزى معانديه بصمته! فأظهر حقا قوة روحه، لأن الإهانات لم تؤثر فيها. وأظهر علانية نقاء ضميره، لأنه لم يذعن للاتهامات، بل هزأ بها، وكأنها توبيخ لا يوجه ضدنا.
أما نحن فنريد أن نتبرر… وإذ تستبد بنا رغبة الانتقام، نجاهر بذلك. إذ يقول الكتاب المقدس: “دع عنك الإهانة.” (أم 11:27 LXX )، واخلع رداءك عنك، لأن إنسانًا مؤذيًا يمر (قابل أم 13:27 LXX ). لهذا فلنصمت إلى أن يمر ولا يٌثار، فيحرق ثوبنا. لأنه مكتوب: “لا تشعل فحم خاطئ، لئلا تحترق بنيرانه المتقدة.” (سيراخ 10:8).
لهذا السبب يسكت الصديق، حتى إن أساء إليه عبد.
حتى إن أهانه فقير يصمت البار، حتى إن وبخه خاطئ يضحك البار، حتى إن لعنه ضعيف، فإن البار يبارك…
سكت داود حينما سبه شمعى بن جيرا (قابل 2 صم 5:16-14). وضحك أيوب (قابل أي 6:19 LXX). وبارك بولس، إذ يقول: “نشتم فنبارك” (1 كو 12:4)…
وما قاله المسيح بالكلام، حققه بالفعل والمثل أيضًا. فحينما كان على الصليب، قال عن مضطهديه الذين كانوا يسيئون إليه: “يا أبتاه اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ما يصنعون” (لو 34:24). وصلى لأجل المسيئين إليه، بالرغم من أنه يستطيع هو نفسه أن يغفر لهم سيئاتهم![896]
- الحكمة والهروب من الشر
الذَّكِيُّ يُبْصِرُ الشَّرَّ فَيَتَوَارَى.
الأَغْبِيَاءُ يَعْبُرُون،َ فَيُعَاقَبُونَ [12].
جاء هذا المثل مطابقًا ما ورد في أمثال 22: 3. إذ يرى الإنسان الحكيم عاصفة الشر قادمة، يحرص إلا يُفسد وقت طاقاته في مواجهتها، إنما بحكمةٍ يتوارى حتى تعبر. أما الحمقى، فيظنون أنهم قادرون على مواجهتها، فيفسدون وقتهم، ويحطمون طاقاتهم بلا نفع.
- الحكمة والتدبير اللائق
خُذْ ثَوْبَهُ لأَنَّهُ ضَمِنَ غَرِيبًا،
وَلأَجْلِ الأَجَانِبِ ارْتَهِنَ مِنْهُ [13].
جاء مطابقًا للمثل الوارد في أمثال 20: 16، حيث يحثنا الحكيم على عدم التهور، فنضمن غريبًا لا نعرفه ولا نعرف إمكانياته، لئلا نضطر حتى إلى رهن ثوبنا.
مَنْ يُبَارِكُ قَرِيبَهُ بِصَوْتٍ عَالٍ فِي الصَّبَاحِ بَاكِراً
يُحْسَبُ لَهُ لَعْناً [14].
من لا يراعي راحة قريبة، فيمدحه بصوتٍ عالٍ في الصباح المبكر، فيحرمه من راحته، يُحسب مديحه هذا لعنة. ويكشف تصرفه هذا عن عدم إخلاصه أو عدم إدراكه لاحتياجات قريبه.
من يبالغ في مديح صديقه، ففي الحقيقة يخدعه، ولا يحمل روح الإخلاص والأمانة من نحوه.
حينما كان أبشالوم يمدح كل صاحب دعوى قادم إلى داود الملك، قائلاً له: “أنظر أمورك صالحة ومستقيمة، ولكن ليس من يسمع لك من قبل الملك” (2 صم 15: 3)، وكان يرفض أن يسجد له أحد، بل يمد يده ويمسكه يقّبله، استرق أبشالوم قلوب رجال إسرائيل. في هذا كله كان أبشالوم مخادعًا.
- سلام الأسرة
اَلْوَكْفُ الْمُتَتَابِعُ فِي يَوْمٍ مُمْطِرٍ،
وَالْمَرْأَةُ الْمُخَاصِمَةُ سِيَّان ِ[15].
إذ تتساقط الأمطار على أسقف البيوت بلا توقف، وتتسرب المياه من الأسقف إلى الحجرات، يصير صوت المطر مزعجًا للغاية، ولا يهدأ، هكذا المرأة المخاصمة الثرثارة، لا تستريح ولا تترك أهل البيت في راحة نهارًا أو ليلاً.
V إذا كانت الأخشاب التي تدعم السقف رفيعة وضعيفة، وكان صاحب المنزل مهمِلاً ولا يراعي المبنى، فإن السقف سوف لا يمنع المطر من التسرب إلى داخل المنزل. ويؤدي إلى اِنحناء أخشاب السقف التي لا تتحمل وزن مياه المطر الساقطة عليه، ثم تنكسر أعمدة الخشب الضعيفة التي لا تتحمل الوزن الإضافي، وتنفذ المياه المتجمعة على السقف المنحني إلى داخل المنزل. هكذا فإن المطر، يُخرج الرجل من منزله عندما يزداد تدفقه، كما جاء في سفر الأمثال (أم 27: 15). لذلك تشجعنا الرموز الموجودة في المثل (جا 10: 18) أن نكون حازمين ضد هجمات الانفعالات حتى لا ننحني تحت ثقلها، فتدخل المياه إلى قلوبنا وتفسد كل الكنوز المخزونة هناك[897].
مَنْ يُخَبِّئُهَا يُخَبِّئُ الرِّيحَ،
وَيَمِينُهُ تَقْبِضُ عَلَى زَيْتٍ! [16].
إذ تحاول الأسرة أن تخفي هذه الحقيقة، أن الخصام يسيطر عليها، دون معالجته، تكون كمن تحاول أن تخفي الريح في يدها، وتمنع هبوبه، أو تقبض على زيت ويمسك به.
V هل تلاحظ نفسًا مدربة على الفضيلة؟ إنها تقبل بمسرة اتهامات الأبرار لها، بينما ترفض ثرثرة الأشرار[898].
يقدم لنا القديس غريغوريوس النيسي[899] تفسيرًا لهذه الريح، فيرى العروس الملكة، أي النفس البشرية المقدسة، تأمر ريح الشمال التي تشير إلى الأهواء الشريرة الصادرة عن قوى الظلمة أن تستيقظ وتبتعد عنها، بينما تطلب من ريح الجنوب أن تهب عليها.
- الجشع والأمانة في العمل
الْحَدِيدُ بِالْحَدِيدِ يُحَدَّدُ،
وَالإِنْسَانُ يُحَدِّدُ وَجْهَ صَاحِبِهِ [17].
الحديد باحتكاكه بالحديد يُصقل، وذلك كاحتكاك السكين التي من الحديد بمبردٍ حديدي، فتصير السكين حادة. هكذا يليق بالإنسان بالاحتكاك الودي مع أخيه، وتبادل الأفكار معه يسنده ويشجعه. أما من يعتزل الناس، ولا يتشاور مع آخر، فيبقى ضيق الفكر، قليل الحيلة، متقوقع حول ذاته، جشع. هذا الاحتكاك أو ما ندعوه بالشركة الجماعية يفيدنا في كل جوانب حياتنا، سواء العملية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الروحية. الإنسان الروحي ينتفع من أخيه روحيًا، ويفيده.
V كنا قبلاً لا نستضيف أحدًا في مأوانا من جنس آخر وله عادات غير عاداتنا، لكن الآن بعد مجيء المسيح نعيش معًا في شركة معهم[900].
القديس يوستين
V يلزم كل واحد أن يستخدم بالكمال كل ما لديه لأجل الصالح العام. فإن كان لديك حكمة أو قوة أو غنى أو أي شئ آخر، فلا يكون ذلك لدمار العبيد زملائك ولا لدمارك أنت[901].
من أين يأتي التباين الكبير في أحوال الحياة؟ من طمع الأغنياء وغطرستهم[902].
V كما أن النهر الكبير يتدفق في الآلاف من القنوات خلال أرض خصبة، هكذا دع ثروتك تجري خلال قنوات عديدة إلى بيوت الفقراء. الآبار التي يُسحب منها تفيض ما هو أفضل؛ أما التي تترك بلا استخدام فإنها تعطب. هكذا المال إن اُحتفظ به يصير بلا قيمة، أما إن تحرك وتناقلته الأيادي، فهو يساعد المجتمع ويزداد[903].
القديس باسيليوس الكبير
مَنْ يَحْمِي تِينَةً يَأْكُلُ ثَمَرَتَهَا،
وَحَافِظُ سَيِّدِهِ يُكْرَمُ [18].
من يحرس شجرة التين، ويهتم بها، من حقه أن يأكل من ثمرها. ومن يحفظ كلمة سيده، ويحرص على وصيته، ويعمل في كرمة، حتمًا سينال مكافأة على أمانته مع سيده كل سهر أو اجتهاد له مكافأته حتى بالنسبة للخادم في تعامله مع سيده.
يقول السيد المسيح: “إن كان أحد يخدمني فليتبعني، وحيث أكون أنا هناك يكون خادمي” (يو 12: 26). ويقول الرسول بولس: “يجب أن الحَّراث الذي يتعب يشترك أولاً في الإثمار” (2 تي 2: 6).
V يخبر بولس سامعيه ألا يتراخوا لمجرد أن الله يبحث عنهم ويرسلهم كسفراء. على العكس لذات السبب يلزمنا أن نسره وأن نحصد بركاتنا الروحية[904]
القديس يوحنا الذهبي الفم
كَمَا فِي الْمَاءِ الْوَجْهُ لِلْوَجْهِ،
كَذَلِكَ قَلْبُ الإِنْسَانِ لِلإِنْسَانِ [19].
يعتبر وجه المياه النقية أقدم مرآة بدائية، يتطلع الإنسان إلى الماء، فيرى الصورة مطابقة تمامًا لوجهه. هكذا إذ فسد قلب الإنسان، وضربت الخطية كل قلوب البشر، فإن من يريد أن يتعرف على قلب أخيه يتأمله فيدرك حقيقة الضعف البشري، ويعلم أن قلب الإنسان “أخدع من كل شيء، وهو نجيس” (إر 17: 9). والكل محتاج إلى مخلص.
V بالمثل السابق أشار الخروف الضال إلى العائلة التي على الأرض، إذ نعرف أننا ملك الله إله الكل الذي يخلق الموجودات من العدم، وكما كتب: “هو خلقنا وليس نحن” (مز 100: 3)، وأيضًا: “هو إلهنا ونحن شعب مرعاه وغنم يده” (مز 95: 7). وبهذا المثل الثاني الذي فيه يقارن المفقود بدرهم، وأنه واحد من عشرة، أي من رقم كامل… واضح أننا نحمل الشبه الملوكي والصورة الملوكيَّة التي لإله الكل، لأن الدرهم كما أظن مختوم عليه الشبه الملوكي. فإن كنا قد سقطنا وصرنا مفقودين، وجدنا المسيح وشكلّنا بالقداسة والبّر على صورته، الأمر الذي لا يشك فيه أحد إذ كتب الطوباوي بولس هكذا: “ونحن جميعًا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة، نتغير إلى تلك الصورة عينها، من مجدٍ إلى مجدٍ كما من الرب الروح” (2 كو 3: 18). وبعث إلى أهل غلاطيَّة هذه الكلمات: “يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضًا إلى أن يتصور المسيح فيكم” (غل 4: 19).
لقد تم البحث عما قد سقط، فأضاءت المرأة السراج، وكما قلت لقد وُجدنا نحن بواسطة حكمة الله الآب، الذي هو الابن، عندما أشرق بنوره الإلهي العقلي علينا، وأشرقت الشمس، وانفجر النهار وطلع كوكب الصبح (2 بط 1: 19) كقول الكتاب. فقد قال الله أيضًا في موضع آخر بواسطة أحد الأنبياء القدِّيسين عن المسيح مخلِّصنا نحن جميعًا: “يقترب برّي سريعًا، وتعلن رحمتي، ويتقد خلاصي كمصباح” (إش 62: 1 الترجمة السبعينيَّة). كما قال السيِّد عن نفسه: “أنا نور العالم” (يو 8: 12)، كما قال: “أنا قد جئت نوراُ إلى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة” (يو 12: 46). إذن بالنور قد خلص ما قد هلك، فصار فرح للقوات العلويَّة[905].
اَلْهَاوِيَةُ وَالْهَلاَكُ لاَ يَشْبَعَانِ،
وَكَذَا عَيْنَا الإِنْسَانِ لاَ تَشْبَعَانِ [20].
أغلب البشر يشتاقون أن يقوموا برحلات حول العالم، لأن عيونهم لن تشبع مما ينظرونه. والآن إذ صار العالم صغيرًا في عيني الإنسان يود أن ينطلق إلى الكواكب.
عينا الإنسان لا تشبعان إلا بالعريس السماوي غير المحدود. هو وحده يملأ فراغ القلب ويشبع العينين.
يشَّبه عيني الإنسان بالهاوية والهلاك اللذين لا يشبعان بدخول الناس إليهما، فموضع الأموات يبقى يتلقف القادمين من البشر الذين ظنوا أن العالم قادر أن يُشبعهم ويهبهم السعادة، لكن يلقى بهم العالم في الهاوية والهلاك.
V هذا هو جوهر المسيحيَّة: الإعلان عن شخص ربّنا يسوع – الحب الباذل – وقبوله فردوسًا للنفس، لهذا نادى قائلاً: “إن عطش أحد فليأتِ إليّ ويشرب”، “من يرد فليأت ومن يعطش فليأخذ ماء حياة مجانًا”.
وهكذا إذ تحتاج النفس إلى معرفة الطريق، تسلك وسط تيّارات العالم الجارفة وشهوات الجسد المضلِّلة، ترى حبيبها يقدّم نفسه سلّمًا تصعد به إلى السماء موطنها النهائي، فيناجيها: “أنا هو الطريق والحق” (يو 14: 6).
وإذ تحتاج إلى قوت يسندها، به تنمو وتحيا، ترى في حبيبها كل الشبع ومصدر حياتها، يتوق أن تقبل أن تأكله وتحيا به، إذ يؤكِّد لها: “أنا هو خبز الحياة؛ من يُقبل إليّ فلا يجوع؛ ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدًا” (يو 6: 35).
وإذ شعر بمباهج العالم وملذّاته وهمومه وأثقاله، وشهوات الجسد وانفعالاته، وحرب الشيطان وخداعاته، يعلن لها: “أنا هو القيامة والحياة؛ من آمن بي ولو مات فسيحيا” (يو 11: 25).
وإذ تشعر بالعوز إلى قائد يسندها ويرعاها، يكشف لها: “أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف” (يو 20: 11).
وإذ تحس بفراغ في داخلها، تود صديقًا باذلاً غير مغرض، رقيقًا، طويل الأناة، وعريسًا يصغي إلى أسرارها، تناجيه ويناجيها، يقدّم لها نفسه صديقًا للخطاة والعشّارين، وعريسًا لمن يؤمنون به.
هذا هو الفردوس الذي لا ينضب، ويفيض بغير حدود، يعطي شبعًا قدر ما نقبل، يترجّى الكل أن يقبلوه مستعطّفًا: “أنا واقف على الباب أقرع؛ إن فتح لي أحد أدخل وأتعشّى معه”، وإن لم يفتح لي، ألح مرّة ومرّات لعلّ قلبه يلين ويفتح لي، لأنّي أحبّه!
جاء متجسّدًا، حتى يعيد إلى النفس سعادتها ويملأ جوانبها، وينزع القلق منها.
يا نفسي المسكينة، ماذا تطلبين؟!
إن أردت الحكمة، تجدين يسوع مصدر الحكمة وينبوعها، بل هو الحكمة ذاته!
وإن طلبت القوّة والقدرة، فهو القدير!
إن بحثتِ عن اللذّة والسرور، فهو ينبوع الفرح الحقيقي!
إن اشتقتِ إلى السكر، فمحبّته تسكر النفس!
إن جُعتِ إلى الخبز، فهو خبز الحياة!
وإن شغفتِ بالغني، فهو خالق الكل!
وإن أردتِ الراحة، تجدين فيه وحده راحتك!… اقبليه فليس لك غيره من يشبعكِ.
اَلْبُوطَةُ لِلْفِضَّةِ وَالْكُورُ لِلذَّهَب،ِ
كَذَا الإِنْسَانُ لِفَمِ مَادِحِهِ [21].
ليس ما يكشف ما في الذهب والفضة من زغل مثل نار البوطة، وليس ما يفضح الإنسان ويمتحنه مثل نار مديح الناس له. فإنه يسهل على الإنسان أن يحتمل الإهانة دون أذى، أما احتمال مديح الناس له دون السقوط في الكبرياء والاعتداد بنفسه، فأمر صعب للغاية. جاء في بستان الرهبان: “من لا يحتمل كلمة الإهانة، كيف يقدر أن يحتمل كلمة المديح؟!”
الإنسان المختال لا يشبع من المديح، بل يطلب المزيد بلا توقف، والإنسان الضعيف يصدق كلمة المديح، والإنسان القوى يتجاهل كلمة المديح ويحسبها كأن لم تكن!
إِنْ دَقَقْتَ الأَحْمَقَ فِي هَاوُنٍ بَيْنَ السَّمِيذِ بِمِدَقٍّ
لاَ تَبْرَحُ عَنْهُ حَمَاقَتُهُ [22].
كما أن الحنطة لا يُنزع عنها ما يتعلق بها من قشور بطحنها في هاون، هكذا لا يُنزع الشر من الأحمق الذي يُصر على حماقته منذ طفولته (أم 22: 15) دون رغبة في التوبة.
V لا بد أن يعلموا مثلاً أن الأقوال المقدسة تتحقق فيهم عندما تصرخ: “إن دَقَقتَ الأحمقَ في هاونٍ بين السميذ بمدقٍ، لا تبرح عنه حماقته” (أم 27: 22). ويشكو النبي منهم قائلاً: “ضربتهم فلم يتوجعوا، أفنيتهم وأبوا قبول التأديب.” (إر 5: 3)، لذلك أيضًا قال الرب: “أثْكِل وأبيد شعبي. لم يرجعوا عن طرقهم” (إر 15: 7). يقول أيضًا: “والشعب لم يرجع إلى ضاربه” (إش 9: 13)، وأيضًا يشتكي النبي بصوت أولئك المتعظين بجراح الآلام: “داوينا بابل فلم تُشْفَ” (إر 51: 9)، قُدم الدواء لبابل ولكنها لم تشفَ. هذا لأن النفس عندما تسمع كلمات التبكيت وتحس بالآلام التي تسببها وهي في لجة ارتكاب الإثم، لا تبالي ولا ترجع إلي طريق الخلاص المستقيم. هكذا بَكَّتَ الرب شعبَ إسرائيل وهم في الأسر ولم يكونوا قد تحولوا عن طريق الإثم، قائلاً: “قد صار لي بيت إسرائيل زغلاً. كلهم نحاس وقصدير وحديد ورصاص في وسط كورٍ” (حز 22: 18). هذا يعنى بالحقيقة أن الله شاء أن ينقيهم في نار غضبه والآلام، ليصّيرهم ذهبًا أو فضة، ولكنهم “ابتعدوا عني، وصاروا نحاسًا وقصديرًا وحديدًا ورصاصًا، لكنهم حتى في وسط المحن، أقدموا ليس على الفضيلة، بل على فعل الرذيلة.
إن النحاس يدوي بصوت عال أكثر من أي معدن آخر عندما ندقه. لذلك عندما يتطهر الإنسان، يصدر أصوات، وكأنه صار نحاسًا في وسط كور.
وعندما يعالج القصدير بمهارة، يظهر زيفا وكأنه فضة. لذلك فالذين لم يتخلوا عن رذيلة حب التظاهر وهم في وسط الآلام، صاروا قصديرًا في الكور.
كذلك يستخدم الإنسان الحديد في الكور عندما يؤذي الإخوة جيرانه حتى وهم في وسط العذابات.
أما الرصاص فهو أثقل المعادن، لذلك فان الذين تثقلوا بحمل الخطايا ولم تستطع حتى الآلام أن تبعدهم عن الشهوات الأرضية، صاروا وكأنهم رصاص في الكور. لأجل ذلك كُتِبَ بحزقيال النبي: “بمشقات تَعِبَت، ولم تخرج منها كثرة زِنْجَارُها؛ في النار زنجارها” (حز 24: 12).
يُسَلِطْ الله علينا نار الدينونة حتى يطهرنا من زنجار (صدأ) الإثم والرذائل. إن الزنجار لم يخرج حتى بالنار، لأننا ونحن في وسط البلايا والآلام، لم ننفض عنا الرذائل. لذلك أيضًا يقول النبي: “باطلاً صاغ الصائغ، والأشرار لا يفرزون (فضة مرفوضة يُدْعَوْنَ. لأن الرب قد رفضهم)” (إر 6: 29-30).
ولندرك مع ذلك أن الذين لا تدفعهم البلايا للإصلاح، قد تهدئ العظات الرقيقة المحبة من روعهم. والذين لا تصلح الآلام في إصلاحهم، قد تثنيهم المداهنة عن فعل الشر. وكما هو معروف، أن الإنسان العليل قد لا تشفيه الجرعات العالية من العقاقير، بينما غالبًا ما تستعيده المياه الفاترة فقط إلى الحالة الطبيعية. كذلك بعض الجراحات التي لا تشفيها عمليات الاستئصال، يكفيها بعض التضميد بالزيت لتشفيها. وكذلك أيضًا الماس القوي لا يقطعه الصلب إطلاقًا ولكن دماء الماعز[906] قد تلينه[907].
البابا غريغوريوس (الكبير)
مَعْرِفَةً اعْرِفْ حَالَ غَنَمِك،َ
وَاجْعَلْ قَلْبَكَ إِلَى قُطْعَانِكَ [23].
من يعتمد على ثروته وغناه فلا يبالي بقطيع غنمه، فالثروة تزول، والكرامة تنتهي حتى الملوك يتعرضون للسقوط، فيرجع إلى قطيعه ليجده قد تبدد. لهذا يليق بالإنسان مهما بلغت ثروته، ومهما نال من سلطان، أن يجتهد في رعاية قطيعه، فإن هذا صالح للقطيع كما له هو نفسه.
كثير من الأغنياء والأشراف كانوا كسالى ومتراخين، يعتمدون على أموالهم ومراكزهم، ويتركون تدبير شئونهم في أيدي آخرين دون مبالاة من جانبهم.
V ليس من اللائق أن توجه ببساطة لجميع الذين آمنوا بالمسيح تعاليم عن كل النقاط، إذ مكتوب: “معرفة اعرف حال غنمك“. لأن الطريق مختلف للغاية من شخصٍ إلى آخر، هذا يبدأ في ممرات الحق ليصير تلميذًا، وذاك ثبت في ذهنه وقادر أن يفهم العلو والعمق والطول والعرض. مع الأول استخدم التعليم البسيط الذي ليس فيه صعوبة للفهم، ولا يحتاج إلى تفكير عميق. أشرْ عليه أن يهرب من أخطاء تعدد الآلهة، وحثه أن يميز جمال المخلوقات والخالق والمبدع للخليقة[908].
لأَنَّ الْغِنَى لَيْسَ بِدَائِمٍ،
وَلاَ التَّاجُ لِدَوْرٍ فَدَوْرٍ [24].
إذ يطلب الحكيم حتى من الأغنياء والعظماء أن يعملوا ويجتهدوا، فيهتمون بقطعان غنمهم وتدبير شئونهم حسنًا، يؤكد لهم ألاً يتكلوا على أموالهم وثروتهم وسلطانهم، حتى تاج الملك. هذه جميعها عرضه للضياع، فرأسمال الإنسان جهاده واهتمامه، ولا ثروته ومركزه.
تحدث العلامة ترتليان في شيء من التفضيل ليرد على الاتهام الموجه ضد المسيحيين أنهم خاملون غير منتجين[909]. كما يؤكد أن المسيحيين يشاركون الوثنيين في ممارسة كل الأعمال، ولا يحتقرون مهنة ما إلا إذا كانت مفسدة للحياة الروحية.
V لأننا نتذكر أنه يجب علينا أن نكون شاكرين للرب إلهنا وخالقنا. إننا لا نرذل أية ثمرة لأعماله؛ إننا نستخدمها باعتدال وليس بتطرفٍ خاطئ. لهذا فإننا لا نفشل في التردد على الساحات والأسواق والحمامات والمتاجر والمصانع والفنادق وفي كل أعمالكم، وأن تكون لنا كل العلاقات الأخرى حتى نعبر عن حياتنا معكم في هذا العالم. معكم نبحر في البحر، ونلتحق بالخدمة العسكرية، ونعمل في الأرض ونتاجر، ونبيع علانية ما تستخدمونه من منتجات تجارتنا ومصنوعاتنا[910].
العلامة ترتليان
يقول العلامة أوريجينوس إنه ليس من أحد خامل في بيت الحكيم[911].
فَنِيَ الْحَشِيشُ، وَظَهَرَ الْعُشْبُ،
وَاجْتَمَعَ نَبَاتُ الْجِبَالِ [25].
يدعو الحكيم الرعاة أن يقدموا طعامًا لقطعانهم، فقد فني الحشيش، أي قُطع من الأرض لتقديمه طعامًا، وظهر العشب، وجُمع نبات الجبال حتى تجد القطعان المراعي المشبعة لها.
كأنه يقول للرعاة إنه يوجد وقت يُقدم فيه الطعام للحيوانات في الحظيرة، ووقت نطلقها فيها كي ترعى في المراعي الخضراء. فلا يترك الإنسان حيواناته بلا اهتمام.
هذا بالنسبة لرعاية الأغنام فكم بالأكثر يليق بنا أن نهتم برعاية النفوس، إذ يلزمنا خدمتها فنقدم لها كلمة الله كما في أفواهها، وننطلق بها على الجبال العالية لتختبر الحياة السماوية.
لقد نزل الراعي الصالح إلى أرضنا كما إلى حظيرتنا، ويحملنا على منكبيه ليرفعنا إلى سماواته.
V ليس أحب إليّ أكثر منكم،
لا، ولا حتى النور! إني أود أن أقدم بكل سرور عيني ربوات المرات وأكثر، إن أمكن، من أجل رجوع نفوسكم!
عزيز عليّ جدًا خلاصكم، أكثر من النور نفسه…
لأنه ماذا تفيدني أشعة الشمس إن أظلم الحزن عينيّ بسببكم؟…
أي رجاء يكون لي إن كنتم لا تتقدمون؟
وعلى العكس أي يأس يقدر أن يحل بي مادمتم نامين؟ فإنني إذ أسمع عنكم أخبارًا مفرحة أبدو كمن صار له أجنحة… تمموا فرحي…
إني أحبكم، حتى أذوب فيكم، وتكونون ليّ كل شيء، أبي وأمي وإخوتي وأولادي[912].
القديس يوحنا الذهبي الفم
الْحُمْلاَنُ لِلِبَاسِكَ،
وَثَمَنُ حَقْلٍ أَعتِِدَةٌ [26].
إذ يهتم الشخص برعاية غنمه وممارسة حبه لها، ينال أيضًا مكافأة، إذ يقول: “الحملان للباسك”، أي يستخدم صوف الغنم لصنع الثياب التي يلبسها. كما يتبقى من الصوف ما يبيعه يقدم منه لمالك الحقل كأجرة.
وَكِفَايَةٌ مِنْ لَبَنِ الْمَعْزِ لِطَعَامِك،َ
لِقُوتِ بَيْتِكَ وَمَعِيشَةِ فَتَيَاتِكَ [27].
الإنسان الأمين في عمله، حتى وإن كان رعاية غنم، فإنه يجد له ولكل أهل بيته اللباس اللازم، والطعام، وكل المعيشة بفيضٍ.
++++
من وحي أمثال 27
هب لي الأمانة يا أيها الأمين!
V هب لي الأمانة في وقتي،
فأحسب اليوم هو كنزي،
واللحظة الحاضرة هي رأسمالي.
لا أحزن على الماضي الذي عبر.
ولا أتكل على المستقبل الذي ليس في يدي.
V لأكن أمينًا في أعماقي.
سترت علىّ بحبك،
فلا أستغل محبتك، وأطلب مديحًا ليس من حقي.
بدد كل كبرياء يصدر عن أعماقي.
V غضب الجهال ثقيل ومَّحطم،
لكنك تدعوني لتحمل أثقال نفسي.
ليس من ينقذني ويسندني سواك!
V لأكن أمينًا مع أصدقائي.
أسمع نقدهم باتساع قلب مع شوق للبنيان.
وإن انتقدت فبروح الحب البنَّاء.
أمينة هي جراحات المحب.
وغاشة هي قبلات العدو.
V لأقتنيك يا أيها الأمين،
فتشبع أعماقي بك،
وأدوس عسل هذا العالم وكل مشتهياته.
لأجوع إليك لا إلى العالم،
فأجد عذوبة في شركة آلامك،
ومرارة في الملذات التافهة.
V لتضمني مع أحبائي فيك،
فتفيح فينا رائحة طيبك الذكية،
وتتقبل حبنا لبعضنا بخورًا مُفرحًا،
وتهبنا عذوبة سماوية ومشورة سماوية.
V هب لي الحكمة في كل تصرف،
فيفرح قلبك بعملك فيّ.
أسلك كما يليق مع قريبي،
وأتمتع بسلامك في بيتي.
وانتفع بالشركة مع إخوتي
V أنت هو شبعي،
فيك أجد راحتي وسلامي.
فيك أجد كل مجدٍ اشتهيه.
بك أعمل بأمانة،
وأبقى عاملاً حتى ألتقي بك!
تفسير أمثال 26 | تفسير سفر الأمثال | تفسير العهد القديم |
تفسير أمثال 28 |
القمص تادرس يعقوب ملطي | |||
تفاسير سفر الأمثال | تفاسير العهد القديم |