تفسير سفر الأمثال ٢٩ للقمص تادرس يعقوب

الأصحاح التاسع والعشرون
الصدِّيق المتهلل واهب الفرح

في آخر المجموعة الثانية للأمثال، هذه التي جمعها رجال حزقيا (أم 25-29) يحدثنا الحكيم عن الصدّيق المتهلل بالرب، الذي يسكب روح الفرح على أسرته وعلى كل من هم حوله، بل وبه يفرح الله نفسه وجميع السمائيين. يبدأ بأثر الصدِّيق على من هم حوله، خاصة الخاضعين له، فيقول: إذا ساد الصديقون فرح الشعب” [2]. فيبدأ باهتمام الصديقين بسكب هذا الروح على حياة مرؤوسيهم. هذا العمل يفرح قلب الله أبيهم السماوي. “من يحب الحكمة يُفرحّ أباه [3]، كما تفرح السماء كلها. هذا وتفرح نفسه وأعماقه الداخلية كأيقونة السماء “أما الصديق فيترنم ويفرح” [6].

يليق بالحكماء أن يكون لهم دورهم الإيجابي وسط المجتمع لبنيانه. لأنه إذا استلم الصدِّيقون السلطة يفرح الشعب [2]، ويسود الأمن والنظام الجماعة [4]. أما إذا اتسم الحاكم والقادة حوله بالكذب لا بالحق [12، 14]، فيصير الأمر خطيرًا. لذا يليق بهم أن يتمسكوا بروح الشريعة الإلهية.

  1. الصدِّيق ومفهوم السلطة 1-12.
  2. الحكم بالعدل 13-14.
  3. تأديب الابن وتهذيبه  15-27.

الصدِّيق ومفهوم السلطة

الكَثِيرُ التَوَبُّخِ المُقَسِّي عُنُقَهُ،

بَغْتَةً يُكَسَّرُ وَلاَ شِفَاءَ [ع 1].

سبق فمدح سليمان الحكيم التوبيخ الصادر من قلبٍ مملوء أبوة أو أخوة، صادق في محبته، وأمين في اهتمامه بمن يوبخه. لقد حسب هذا التوبيخ أفضل وأنفع من الكلمات المعسولة، ومن المديح بروح المداهنة. أما إذا صدر التوبيخ عن عنقٍ قاسٍ، أو نفس متعجرفة، فإنه لا يقدم دواء، بل يسبب جراحاتٍ لا شفاء لها وكسورًا لا تُجبر.

من جانب آخر فإن التوبيخ، حتى إن صدر عن قلبٍ محبٍ، بل ومن الله نفسه، فإن قسَّى الإنسان قلبه يصير هذا التوبيخ لدينونته وليس لشفائه. هذا ما حدث مع كثيرين، مثل فرعون في أيام موسى النبي، وأخآب وإيزابل في أيام إيليا، وكثير من ملوك إسرائيل بعد الانقسام.

V      اُحكم يا أسقف بسلطان كمثل الله. لكن من تاب اقبله إليك، فإن الله إله الرحمة.

اُزجر من يخطئ وعلم ببشاشة من لا يريد أن يعود إليك.

الدسقوليَّة – باب ٣

V      يجب أن تكون هناك معايير حقيقيَّة لكلماتنا وتعاليمنا حتى لا تأخذ مظهر اللين الزائد أو الخشونة المغالى فيها.

V      في هذه الوظيفة لا يليق بالراعي أن يكون قاسيًا وعنيفًا، ولا يكون متساهلاً جدًا، لئلاَّ يكون في الحالة الأولى كمن له سلطان جائر، وفي الحالة الثانية كمن يهين بلا سبب وظيفته التي نالها.

القدِّيس أمبروسيوس

إِذَا سَادَ الصدِّيقونَ فَرِحَ الشَعْبُ،

وَإِذَا تَسَلَّطَ الشِرِّيرُ يَئِنُّ الشَعْبُ [ع 2].

كثيرًا ما يلجأ الصدِّيقون إلى الحزم وعدم التسيب مع المستهترين المتهاونين، بينما قد لا يبالي الأشرار بما يفعله المرؤوسون. لكن القائد البار مع ما يتسم به من حزمٍ يسكب روح الفرح على الجماعة، أما القائد الشرير فيسبب أنينًا ومرارة لمرؤوسيه.

V      في ميلاد القدّيسين يعِمْ الفرح بين الجميع، إذ هو بركة للكل.

V      يوجد فرح خاص في بداية الحملْ بالقدّيسين وعند ميلادهم، فالقدّيس لا يُفرِّح عائلته فحسب، وإنما يكون سببًا في خلاص الكثيرين. إن هذه العبارة (لو 1: 14) تعلِّمنا أن نتهلَّل بميلاد القدّيسين.

القدّيس أمبروسيوس

V      سأقدِّم لك برهانًا على ما أقول في حالة ملك.

فشاول بن قيس، لم يكن يطمع في المُلك، إنَّما كان يسأل عن أُتُنَه، فذهب إلى صموئيل النبي يسأله عن الأُتن، فإذا بالنبي يحدِّثه عن دعوة الله له ليقيمه ملكًا، ومع هذا لم يسرع شاول بالقبول، بل تراجع إلى الوراء. لكن إذ استخدم سلطانه كملكٍ استخدامًا شرِّيرًا – هذا الذي أُعطي له من قبل الله – هل كان تراجعه هذا كفيلاً لأن يقيه من غضب الله الذي وهبه هذا المُلك؟! هل كان في قدرته أن يقول لصموئيل عندما انتهره، هل أنا تسرَّعت واندفعت في قبول السلطان؟ إنَّني كنت أود أن أحيا كأحد العامة في حياة مملوءة سلامًا وبلا اضطراب. لكن أنت الذي أرغمتني على القبول. فلو تركتني في حالي البسيط (الأقل) لما كنت قد سقطت في كل هذه العثرات، بل كنت قد بقيت مجهولاً بين الشعب، وبالتالي ما كنت قد أُرسلت إلى هذه المعركة، ولما عهد الله إليَّ بالحرب ضد عماليق… وهكذا ما كنت قد أخطأت.

لكن أمثال هذه الأعذار واهية، إنَّها ليست مجرَّد واهية بل وخطيرة، إذ بالحقيقة تشعل غضب الله.

فمن يظن في نفسه أنه غير مسئول عن الخطأ، لأنَّه قد نال عملاً لم ينله العامة، يكون كمن يحتج بحب الله كسبب لأخطائه الشخصيَّة.

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

V      ليعرف الإنسان قدر نفسه حتى لا يتجرأ أحد فيأخذ لنفسه منصب الرعاية، بينما لا تزال الرذيلة تسيطر عليه، وتتسبب في إدانته. فإن الذي أفسدته الآثام لا يجب أن يشفع من أجل آثام الآخرين[948].

الأب غريغوريوس (الكبير)

مَنْ يُحِبُّ الحِكْمَةَ يُفَرِّحُ أَبَاه،

وَرَفِيقُ الزَوَانِي يُبَدِّدُ مَالاً [ع 3].

يدعونا سفر الأمثال إلى الدخول في علاقة حب مع الحكمة: “أحببها فتصونك” (أم 4: 6)، وهنا يقول: “من يحب الحكمة يُفرح أباه” (أم 29: 3). وجاء في سفر الحكمة: “صرت محبًا لجمالها” (حك 8: 2). إنه يدخل كما في علاقة عُرس روحي!

من يدخل في صداقة مع الزواني يبدد ما له، ويفسد حياته. لذا ينصحنا الرسول: “أما الشهوات الشبابية فاهرب منها” (2 تي 2: 23). كما يقول: “أم لستم تعلمون أن من التصق بزانية هو جسد واحد… ومن التصق بالرب فهو روح واحد” (1 كو 6: 16-17). فمن يلتصق بزانية يفقد كل شيءٍ، أما من يلتصق بالرب فينعم بالوحدة معه، ويفرح به الآب السماوي كما يفرح به والداه.

V      إن كان أحد يطيع سليمان، ويأخذ الحكمة الحقيقية كرفيقة له، وشريكة حياته، هذه التي يقول عنها: “أحببها فتصونك” “اِرفعها فتُعلِّيك” (راجع أم 4: 6، 8)، فإنه يُعد نفسه لهذا الحب، محافظًا على ثوب العرس طاهرًا، فرحًا بهذا العرس، حتى لا يُطرد إذ يرتدي ما هو لائق بالمتزوج. واضح أن الشوق إلى هذا النوع من العُرس مشترك بالنسبة للرجال والنساء على حدٍ سواء. إذ يقول الرسول: “ليس ذكر ولا أنثى” (غل 3: 28)، والمسيح هو كل شيء لكل الكائنات البشرية. هدف المحب الحقيقي للحكمة الالتصاق بالله، الحكمة الحقيقية، العريس غير الفاسد، فيكون له محبة الحكمة الحقيقية، أي الله[949].

القديس غريغوريوس النيسي

V      في رأيي صورة النفس التي تشتاق إلى حفظ التقليد المبارك دون فقدان نقطة واحدة تجري أحيانًا هكذا: “عندما يحب إنسان الحكمة يُفرح قلب أبيه”. الآبار التي تستخدم على الدوام تمدنا بمياه أنقى، أما الآبار التي لا يسحب منها أحد فتصير نتنة. الاستخدام يجعل الحديد أكثر بريقًا، وعدم الاستخدام يجعله ينتج صدأ. بوجه عام، الاستخدام (العمل) يجعل النفوس والأجسام صحية[950].

 القديس إكليمنضس السكندري

المَلِكُ بالعَدْلِ يُثَبِّتُ الأَرْضَ،

والقَابِلُ الهَدَايَا يُدَمِّرُهَا [ع 4].

َ تفسد الرشوة أساسات القوانين وتدمر الأرض، فيلزم أن نبغضها كعدوٍ لنا (أم 15 27). إنها تفسد العدالة (أم 17: 23). بالرشوة يمكن للشخص البلوغ إلى العظماء (أم 18: 16)، ويستعطفهم (أم 19: 6)، لكنها تسبب خصومات، وتفقد الإنسان سلامه (أم 21: 14).

جاء ملك الملوك البار وحده ليحول أرضنا إلى سماءٍ، ويعطي للقادة أن يتمتعوا بالشركة معه، فيثبتوا الحق والعدل والبرّ. أما من يطلب الهدايا كرشوة، ويلتصق قلبه بالماديات فيفسد الحكم.

V      لم يستطع أحد أن يعرف الحكمة، لأنه “ليس أحد يعرف الابن إلا الآب، ولا أحد يعرف الآب إلا الابن، ومن أراد الابن أن يُعلن له” (مت 11: 27). لذلك أعلن عنه ليوحنا، حيث كانت الحكمة مع الرسول، فنطق لا بما هو حسب فكره الخاص، وإنما ما سكبته الحكمة فيه: “في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله” (يو 1:1). بالحقيقة لم يستطع الموت أن يُمسك بها، إذ قالت الحكمة: “يا موت، أين غلبتك؟ يا موت، أين شوكتك؟” (راجع 1 كو 15: 55)[951].

القديس أمبروسيوس

الرَجُلُ الذِي يُطْرِي صَاحِبَهُ،

يَبْسُطُ شَبَكَةً لِرِجْلَيْهِ [ع 5].

مع حاجة الكل إلى كلمات التشجيع، لكن إن تحول المديح إلى إطراء كنوعٍ من المجاملة أو المداهنة أو التسلية، فإنه يكون أشبه بشبكةٍ منصوبةٍ يسقط فيها الشخص.

V      “فليؤدِّبني الصدِّيق برحمة ويوبخني. أمَّا زيت الخاطئ فلا يدهن رأسي” (مز ١٤٠: ٥).

دُهن الخاطئ هو عبارات الإطراء والتملُّق، هذه يبغضها النبي جدًا. فهو يحب أن يوبخه الصدِّيق ويؤدِّبه بالصرامة مع الرحمة، ولا يريد المديح مع المراءاة والمحاباة. لأن التملُّق والمداهنة لا يفيدان الإنسان شيئًا، بل يزيدانه جهلاً وإثمًا وثباتًا فيهما…

قال الله على لسان النبي: “يا شعبي إن الذين يطوِّبونكم يضلُّونكم” (إش ٣: ١٢)، أي إن الذين يمدحونكم ويتكلَّمون عنكم بالنوادر رياءً ونفاقًا، إنَّما يخدعونكم ويهلكونكم بالتمام. أمَّا الذين يوبخونكموينصحونكم فيحسنون إليكم إحسانًا عظيمًا.

V      (التراخي مع الخطاة) ليس فضيلة، بل هو ضعف. ولا هو محبَّة أو وداعة بل إهمال، لا بل هو قسوة على تلك النفوس التي يُغفل عنها، فتهلك دون أن تنبِّه على خرابها.

القدِّيس أغسطينوس

فِي مَعْصِيَةِ رَجُلٍ شِرِّيرٍ شَرَكٌ،

أَمَّا الصدِّيق فَيَتَرَنَّمُ وَيَفْرَحُ [ع 6].

يليق بنا أن نميز بين سقوط الشرير وسقوط الصدِّيق. الأول يسقط؛ ويستسلم للسقوط فيتحطم، أما الثاني فإنه وإن سقط يقوم. لهذا حتى بعد سقوطه نفسه ترنم وتسبح الله غافر الخطية ومنقذ النفوس من الفساد. لغة الشرير الإحباط واليأس، ولغة الصدِّيق الرجاء والفرح والتهلل بالرب.

V      [“أجابهم يسوع: الحق الحق أقول لكم إن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية” (يو 8: 34).]

إنه عبد، يا ليته لإنسانٍ، بل للخطية!

من لا يرتعب أمام مثل هذه الكلمات؟ الرب إلهنا يهبنا – أنتم وأنا – أن أتكلم بتعبيرات لائقة عن هذه الحرية، باحثًا عنها، وأن أتجنب تلك العبودية…

يا لها من عبودية بائسة! عندما يعاني البشر من سادة أشرار يطلبون على أي الأحوال تغيير السيِّد. ماذا يفعل عبد الخطية؟ لمن يقدم طلبه؟ إلى من يطلب الخلاص؟…

أين يهرب عبد الخطية؟ فإنه يحمل (سيِّدته، أي الخطية) أينما هرب. لا يهرب الضمير الشرير من ذاته، لا يوجد موضع يذهب إليه.

نعم لا يقدر أن ينسحب من نفسه، لأن الخطية التي يرتكبها هي في داخله. يرتكب الخطية لكي يحصل على شيءٍ من اللذة الجسدية. لكن تعبر اللذة وتبقى الخطية. ما يبتهج به يَعبر، وتبقى الشوكة خلفها. يا لها من عبودية شريرة!…

لنهرب جميعًا إلى المسيح، ونحتج ضد الخطية إلى الله بكونه مخلصنا.

لنطلب أن نُباع لكي ما يخلصنا بدمه. إذ يقول الرب: “مجانًا بُعتم، وستخلصون بدون مالٍ” (إش ٥٢: ٣). تخلصون بدون ثمن من جانبكم؛ هكذا يقول الرب، لأنه هو دفع الثمن، لا بمالٍ بل بدمه، وإلاَّ بقينا عبيدًا معوزين[952].

V      هذا العالم هو دون شك وادي الدموع الذي فيه يزرع الإنسان وهو باكٍٍ. إنه يسندك لتستمر في إيمانك. على أي الأحوال، إن شرحت ما يعنيه هذا السفر بالبذار التي نزرعها الآن.

إنها الأعمال الصالحة التي خلقها الله لكل واحدٍ منا أن نفعلها (أف ٢: ١٠). وقد خطط لنا أن نقيمها بقوة روحه في وسط أتعاب هذه الحياة المضطربة.

من يتعلم أن يمارس عمل الله في هذا العالم – وادي الدموع والأتعاب هذا – يصير متهللاً مثل المزارع المُجِدّْ الذي يزرع البذار حتى في موت الشتاء، فهل تقدر الرياح الباردة والجو القاسي أن يمنعه عن العمل؟ حتمًا لا! هكذا يليق بنا أن نتطلع إلى متاعب هذه الحياة. تُلقى الملاهي في طريقنا بواسطة الشرير، بقصد أن نحيد عن الأعمال الصالحة التي خُلقنا لكي نعملها. تطلعوا ماذا يقول المرتل: “من يخرج باكيًا…” بالحق يجد علة للبكاء، يجد كل واحدٍ منا ذلك. ومع هذا يلزمنا أن نسير، ممارسين أعمال الله الصالحة في طريقنا.

كم نكون بائسين إن كنا قد دُعينا للعمل بجدية لكي نبكي فقط دون التطلع إلى أية ثمرة لعملنا. يا لنا من بائسين إن كنا لا نجد أحدًا يمسح دموعنا.

لكننا نعرف أن الروح القدس يعمل لكي نستمر في الغرس وسط دموعنا. لأن الروح يعدنا خلال المرتل أننا نعود مندهشين بالفرح! نحمل ثمر تعبنا كتقدمة له[953].

القدِّيس أغسطينوس

الصدِّيق يَعْرِفُ دَعْوَى الفُقَرَاءِ،

أَمَّا الشِرِّيرُ فَلاَ يَفْهَمُ مَعْرِفَةً [ع 7].

إذ ينشغل الصدِّيق بإخوته يسمع صوت الفقير، ويتجاوب مع أناته، ويتعرف على شكواه. أما الشرير فيغلق قلبه على “الأنا ego”، ولا يطلب إلا ما يظنه لنفعه الشخصي؛ بهذا يفقد المعرفة الحقيقية.

V      الرحمة هي فضيلة عامة، والمبدأ الأساسي الذي يجب أن يُعمل به في كل مكان ويمارسه كل سن، فلا يستثني منه الفرِّيسي ولا الجندي ولا الفلاح… لا الغني ولا الفقير، إذ الجميع مدعوُّون أن يُعطوا من ليس لعهم، لأن الرحمة هي كمال الفضائل.

القدِّيس أمبروسيوس

النَاسُ المُسْتَهْزِئُونَ يَفْتِنُونَ المَدِينَة،َ

أَمَّا الحُكَمَاءُ فَيَصْرِفُونَ الغَضَبَ [ع 8].

الإنسان المستهزئ يحسب نجاحه في إثارة الخلافات بين الذين هم حوله، فيظهر كمن يود مصالحتهم وبث السلام بينهم، أو يعمل لمصلحتهم كما فعل ديمتريوس الصائغ صانع هياكل فضة لأرطاميس (أع 19: 23-41). أما الإنسان الحكيم فيجد سلامه في سلام إخوته، يصرف الغضب عن نفسه، كما يصرفه عن إخوته، ليعيش الكل في سلام الله الحقيقي.

V      عمل القديس نيلوس السينائي مقارنةً بين هذين المقدارين من الفضيلة في حالتيّ المباركين موسى النبي وأخيه هارون: حيث أنّ طقس تغطية الصدر والقلب بالصُدرة الكهنوتية الذي كان يُجريه هارون عند دخوله قدس الأقداس كان يمثل حالة الإنسان الذي رغم غضبه في قلبه، فهو يُقمع هذا الغضب بالصراع والصلاة. أما حالة الإنسان الذي ليس في قلبه أي غضب إطلاقًا، لأنه بلغ إلى الكمال بنصرته على الأوجاع والشياطين، فيقارنها القديس نيلوس بما قيل عن موسى النبي، وذلك بقوله: “قدّم موسى النبي الصدر كذبيحة، لأن النفس تسكن في القلب، والقلب في الصدر”.

ويقول سليمان الحكيم: “الحكماء يصرفون الغضب” (أم 29: 8)، ويقول الكتاب بخصوص هارون: “اصنع ثيابًا مقدسة لهارون أخيك للمجد والبهاء، وتُكلِّم جميع حكماء القلوب الذين ملأتُهم روح حكمةٍ أن يصنعوا ثياب هارون لتقديسه ليكْهن لي… صُدرة ورداء الخ. وتجعل في صُدرة القضاء الأوريم والتُميم… لتكون على قلب هارون عند دخوله أمام الرب” (خر 28: 2-4،30). وهذا يعلِّمنا نحن الرهبان أنه من اللائق بنا أن نغطِّي على غضب القلب بأفكارٍ طيبةٍ متواضعةٍ هادئةٍ، وأن لا نسمح للغضب أن يصعد إلى الحنجرة حيث يفضح اللسان نتانة هذا الغضب.

V      قال أنبا موسى: “الذي يحتمل كلمة ظلم أو تعيير من أجل المسيح بتواضع يكمِّل استشهاده، ومَنْ يتمسكن من أجل الله يعوله الله، ومَنْ يُظهر ضعفه أمام الله أو يصير أحمقَ من أجله يُحكِّمه الله”.

فردوس الآباء

V      عندما يُضرب سلام العقل بالغضب، فإنه يحزنه ويمزقه، كمن يسقط في ارتباكٍ، فلا يكون في انسجام مع نفسه، ويفقد قوة انسجامه الداخلي. لنأخذ إذن في اعتبارنا مدى خطورة خطية الغضب، التي بها نفقد اللطف، التشبه على صورة العلي. بالغضب تُطرد الحكمة، فنُترك في جهالة بالكامل ماذا نعمل وكيف نعمل[954].

القديس غريغوريوس (الكبير)

رَجُلٌ حَكِيمٌ إِنْ حَاكَمَ رَجُلاً أَحْمَقَ،

فَإِنْ غَضِبَ وَإِنْ ضَحِكَ فَلاَ رَاحَةَ [ع 9].

يصعب على أحمق أن يدرك أخطاءه ويعترف بها، إذ هو دومًا متصلف بآرائه، يظن أنه على حق في كل شيءٍ. فإن حاول إنسان حكيم أن يوجهه سواء بالحزم أو اللطف لن يقبل توجيهاته ونصائحه.

أَهْلُ الدِمَاءِ يُبْغِضُونَ الكَامِل،َ

أَمَّا المُسْتَقِيمُونَ فَيَسْأَلُونَ عَنْ نَفْسِهِ [ع 10].

الشخص العنيف وقاسي القلب وسافك الدم يبغض الإنسان المستقيم، لأن الأخير يدينه، إن لم يكن علانية فخلال سلوكه الذي يوخز ضمير الشرير. أول مَثَل في حياة البشرية لذلك قايين الذي قتل أخاه هابيل، لا لسبب سوى أنه قدم ذبيحة مقبولة لدى الله (تك 4: 5). أما الإنسان المحب للفضيلة فيستريح للإنسان المستقيم ويلتصق به.

V      المجالسة مع الذين غير حكماء تُفتت القلب، ومحادثة الفضلاء ينبوع عذب.

V      لا تنزل عند المسترخين، وإلا صيَّرت نفسك في الدرجة السفلى، بل لتكن مناجاتك مع محبي الخير، كي تكون سكناك معهم في الأعالي. لذلك ليكن مقامك بشجاعة في المواضع التي فيها المعرفة العليا. اذهب إلى بلدة النور، ولا تنزل عند الخطاة.

مار اسحق السرياني

الجَاهِلُ يُظْهِرُ كُلَّ غَيْظِهِ،

والحَكِيمُ يُسَكِّنُهُ أَخِيرًا [ع 11].

الإنسان الجاهل مستعد أن يبحث عن أي سبب ليثور ويغضب بغيظ على الآخرين، دون مبالاة لنتائج سخطه. أما الإنسان الحكيم فيتأنى، وإن ثار في داخله على تصرفٍ ما لا يتسرع حتى يهدأ، ويدرس الموقف في رويَّة دون انفعالٍ.

كان هامان جاهلاً وأحمق حيث وجد علة ليقتل شعبًا بأكمله بسبب تصوره أن أحد أفراد هذا الشعب لم يكرمه ويسجد له كإله. أما داود الملك فبحكمة كان يبحث عن علة ليهدئ نفسه ضد مقاوميه، فرفض الانتقام من شاول الملك، كما سمع لأبيجايل ومدحها لأنها منعت يده من سفك دم رجلها نابال.

V      يجدر بنا أن نقمع كل حركة من حركات الغضب ونلطفها تحت إرشاد التمييز (الحكمة)، حتى لا نتهور بالغيظ الأعمى، الأمر الذي قال عنه سليمان: “الجاهل يظهر كل غيظهِ، والحكيم يسكنهُ أخيرًا” (أم 29: 11). بمعنى أن الإنسان الجاهل يلتهب بانفعال الغضب لينتقم لنفسه، أما الحكيم فبسبب نضوج مشورته ولطفه يطفئ الغضب شيئًا فشيئًا ويتخلص منه.

 يقول الرسول أمرًا مشابهًا: “لا تنتقموا لأنفسكم أيُّها الأحباءُ، بل أعطوا مكانًا للغضب. لأنهُ مكتوب ليَ النقمة أنا أجازي يقول الربُّ” (رو 12: 19). بمعنى لا تسمحوا لقلوبكم أن تُحبس في مضايق عدم الصبر والجُبن، حتى متى ثارت أية عاصفة عنيفة للغضب لا تقدر أن تحتملها، لكن لتكن قلوبكم متسعة تتقبل موجات كلمات الغضب في تيارات الحب المتسعة التي “تحتمل كلَّ شيءٍ… وتصبر على كل شيءٍٍ” (1 كو 7:13). وهكذا تتسع أذهانكم بطول الأناة والصبر، ويكون فيه أعماق المشورة الأمينة التي تواجه دخان الغضب وتبيده.

 يمكن أن تفهم العبارة بالمعنى التالي: إننا نضع مكانًا للغضب، وذلك بقدر ما نخضع بذهنٍ متواضعٍ هادئ لانفعال الآخرين، وننحني لعدم صبر الثائرين، كما لو كنا نستحق كل صنوف الخطأ (كتأديبٍ لنا).

أما الذين يشوهون معنى الكمال الذي يتحدث عنه الرسول مفسرين وضع مكان الغضب بأنه الابتعاد عن الإنسان في وقت غضبه. يبدو لي أنهم بهذا لا يقطعون أسباب الغضب، بل يهيجون بواعث النزاع. لأنه ما لم نصلح غضب القريب في الحال بإصلاحٍ مملوء تواضعًا فإن الابتعاد يثير القريب أكثر…

 يتكلم سليمان عن أمرٍ كهذا قائلاً: “لا تسرع بروحك إلى الغضب، لأن الغضب يستقر في حضن الجهال” (جا 7: 9). و”لا تبرز عاجلاً إلى الخصام لئَلاَّ تفعل شيئًا في الآخر حين يخزيك قريبك” (أم 25: 8). وهو بهذا لا يلوم التسرع في النزاع بمعنى أنه يمدح النزاع المتأخر.

 بنفس الطريقة يجب أن نفهم القول: “غضب الجاهل يُعرَف في يومهِ. أما ساتر الهوان فهو ذكيّ” (أم 12: 16)، لأنه لا يعني أن الحكيم يُخزن انفجار الغضب خفية، إنما يلوم انفجار الغضب المتهور… يلزمه أن يخفي الانفجار بهذا السبب، وهو أنه بينما يتركه إلى حين يهدأ روح الغضب إلى الأبد. لأن هذه هي طبيعة الغضب، عندما يترك له مكان (أي لا نتسرع به) يضعف ويبيد، أما إذا عُرض الغضب في حالة الثورة، فإنه يحرق أكثر فأكثر.

يجب على القلوب أن تتسع وتنفتح حتى لا تنحصر في مضيقات الجُبن وتمتلئ بالغضب المتزايد، وتصير قادرة أن تتقبل وصايا الله بما يدعوه النبي “(اتساع القلب) أو الاتساع الفائق”. إذ يقول النبي: “في طريق وصاياك سعيت عندما وسعت قلبي” (مز 119: 32). لأن بطء الغضب هو حكمة، نتعلمها بواسطة أقوال الكتاب المقدس الواضحة. لأن “بطيء الغضب كثير الفهم، وقصير الروح معلِّي الحمق” (أم 14: 29). لذلك يقول الكتاب المقدس عن الشخص الذي طلب من الرب عطية الحكمة: “وأعطى الله سليمان حكمةً وفهمًا كثيرًا جدًّا، ورحبة قلب كالرمل الذي على شاطئِ البحر” (1 مل 4: 29)[955].

الأب يوسف

V      ليت غير الحليم يستمع إلى قول الكتاب المقدس: “البطيء الغضب خير من الجبار، ومالك روحه خير ممن يأخذ مدينة” (أم 16: 32). الانتصار على المدن أقل أهمية، لأن ما يتم إخضاعه هنا هو شيء خارجي، لكن الانتصار عن طريق الحِلم فهو فعل أعظم بكثير، لأن العقل هو الذي ينتصر ويسيطر بنفسه على نفسه، حين يجبر الحِلم العقل على التحكم داخليًا في ذاته.

ليدرك الغضوب ما يقوله الحق لمختاريه: “بصبركم اقتنوا أنفسكم” (لو 21: 19). إن طريقة الخَلْقْ هي في الحقيقة لشأن عجيب، حيث أن العقل يتحكم في النفس، وتسيطر النفس على الجسد. لكن النفس تفقد سيطرتها على الجسد إذا لم يسيطر العقل عليها. لذلك يبين لنا الرب أن الحِلم هو الحارس على أحوالنا، ويعلمنا أيضًا أنه بالحلم يمكن أن نمتلك أنفسنا. وهكذا ندرك فداحة خطيئة عدم الحُلم (أي الغضب) عندما نرى أننا به نفقد ماهيتنا (كينونتنا).

ليسمع الغاضبون ما يقوله سليمان: “الجاهل يُظهِر كلَّ غيظَه، والحكيمُ يُسَكِنُهُ أخيرًا.” (أم 29: 11) إنه بدافع الغضب تتعرى الروح كليةَ، وتنزع إلى الغضب بسرعة أكثر وهذا لعدم توافر الانضباط الداخلي الحكيم. أما الإنسان الحكيم فإنه يتحفظ ويترك الأمور المستقبلية تهتم بذاتها. وعندما يخطئ إليه أحد لا يندفع إلى الانتقام على التو، لأنه يرغب باحتماله أن لا يفقد الآخرين مع أنه يعرف حقيقةً أن كل الأشياء سيتم عقابها بقضاءٍ عادلٍ في يوم الدينونة الأخير.

ومن جهة أخرى ينبغي أن نعظ الحليم بأن لا يحزن قلبه مما يقاسي منه خارجيًا. فهذه التضحية العظيمة التي يقدمها هؤلاء دون أي عائق لا ينبغي أن تفسدها أية عدوى بخبثٍ داخلي. لأنه حتى لو لم يرَ الناس حزنهم فإن العين الإلهية الفاحصة تراه[956].

البابا غريغوريوس (الكبير)

الحَاكِمُ المُصْغِي إِلى كَلاَمِ كَذِبٍ،

كُلُّ خُدَّامِهِ أَشْرَارٌ [ع 12].

الحاكم أو القائد الشرير في أية جماعة يمثل بؤرة تضم أشرارًا يشاركونه شره، وبمشورتهم الشريرة يدفعونه بالأكثر إلى الشر. فعندما طلب يربعام وكل إسرائيل من رحبعام بن سليمان أن يخفف النير عنهم، استشار أحداثًا غير حكماء، وأجاب: “إن خنصري أغلظ من مُتُن أبي… أبي أدَّبكم بالسياط، وأما أنا فبالعقارب” (2 أي 10:10-11) فانقسمت المملكة، واعتزله عشرة أسباط.

V      المشير الأحمق حارس أعمى، والمشير الحكيم حصن للثقة.

القدِّيس مار اسحق السرياني

  1. الحكم بالعدل

الفَقِيرُ والظَالِمُ يَتَلاَقَيَان.

الرَبُّ يُنَوِّرُ أَعْيُنَ كِلَيْهِمَا [ع 13].

يعني بالظالم هنا المرابي المستغل للفقير، الذي يقرض الفقراء بالربا دون مراعاة لظروفهم وإمكانياتهم. وكان يليق به أن يدرك أن الذي وهب الفقير نور الحياة هو بنفسه الذي وهبه ذات النور. فالله هو مصدر حياة الاثنين، وهو الذي سيقضي بينهما.

V      لقد بدأتم تنتسبون إلى عائلة عظيمة، وبهذا النسب يصير الكل إخوة: السيِّد والعبد، القائد والجندي، الغني والفقير. للمسيحيِّين آباء أرضيُّون مختلفو الرتب والطبقات، فمنهم من هم نبلاء، ومنهم المُزدرى بهم، ومع هذا فجميعهم يدعون أبًا سماويًا واحدًا، جميعهم يقولون: “أبانا الذي في السماوات”، فهل فهموا أنهم إخوة؟! فلا يستنكف السيِّد من أن يعتبر العبد أخًا له، ناظرًا إلى ربنا يسوع أنه وهبه أن يكون أخًا له.

بالحب وحده يتميز أولاد الله عن أولاد إبليس.

V      بالحب وحده يتميز أولاد الله عن أولاد إبليس.

يمكن للإنسان أن يعتمد ويُولد مرة أخرى، لكن لينظر إلى قلبه ويرى إن كان يحب أخاه، عندئذ يقول بحق: “أنا ابن لله”. وإلاَّ فمع نواله سمة السرّ، يكون ليس بأفضل من هارب من الجيش ومتشرد.

القدِّيس أغسطينوس

المَلِكُ الحَاكِمُ بِالحَقِّ لِلْفُقَرَاءِ،

يُثَبَّتُ كُرْسِيُّهُ إِلَى الأَبَدِ [ع 14].

الذي يحكم بالعدل، ويهتم برعاية الفقراء والمحتاجين تسنده العناية الإلهية، فيثبت ملكه، وتحل البركة على أولاده وأحفاده.

V      لنزرع تلك البذور الصالحة بسخاء حتى نحصد في الوقت المناسب بسخاء. الآن هو وقت للزرع، حيث أسألكم ألا تتجاهلوا، حتى يمكننا في زمن الحصاد أن نجمع ثمار ما زرعناه هنا، ونستمتع بالحنو المترفق من قِبَلْ الرب[957].

V      إن دعوت صديقًا يبقى يشكرك حتى المساء، لكن الصداقة تبقى إلى حين وتنتهي سريعًا جدّا، فلا توازي ما تكلَّفته من مصاريف. أما إن دعوت فقيرًا أو مشوَّهًا، فإن الشكر لا يفسد، لأن الله يذكره لك أبديًا، لن ينساه، إذ يكون هو نفسه مدينًا لك[958].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

  1. تأديب الابن وتهذيبه

العَصَا والتَوْبِيخُ يُعْطِيَانِ حِكْمَةً،

والصَبِيُّ المُطْلَقُ إِلَى هَوَاهُ يُخْجِلُ أُمَّهُ [ع 15].

الوالدان اللذان لا يهتمان بتربية طفلهما يتلفان نفسه، ويحطمان شخصيته، ويصير خزيًا وعارًا لهما. فالتوبيخ والتأديب بحكمةٍ وحبٍ يسندان الطفل للتمتع بالحكمة.

لقد أهمل عالي الكاهن في تربية ابنيه، فهلكا وهلك هو معهما، وضاع تابوت العهد من الشعب، وانهزم الجيش.

V      التأديب (أو التوبيخ) هو دليل على الرعاية المُحبَّة، وهو يقود إلى الفهم.

يظهر المعلِّم هذا التوبيخ حين يقول في الكتاب: “كم مرَّة أردتُ أن أجمع أولادك، كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا” (مت 23: 37). ويقول الكتاب أيضًا: “زنوا وراء الأصنام والحجر، وقرَّبوا محرقاتهم للبعل”. إنه لدليل عظيم على حبِّه، فمع أنه يعرف خزي الذين رفضوه، وأنهم جروا بعيدًا عنه، مع ذلك يحثَّهم على التوبة. ويقول حزقيال: “أما أنت يا ابن آدم لا تخَـف أن تكلِّمهم، فربَّما يسمعون” (راجع حز 2: 6). ويقول لموسى: “اذهب وقل لفرعون أن يُطلق شعبي. ولكن أنا أعلم أنه لن يطلقهم.” هنا يظهر كلا الأمرين: أُلوهيَّته، التي تظهر من سابق علمه بالذي سوف يحدث، وحبُّه، بإتاحته الفرصة لهم أن يختاروا التوبة لأنفسهم. وباهتمامه بالشعب وبَّخهم بإشعياء قائلاً: “هذا الشعب أكرمني بشفتيه، وأما قلبه فمُبتعد عنِّي” (إش 29: 13). ويقول أيضًا: “باطلاً يعبدونني، وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس”. (مت 15: 9). هنا رعايته المُحبَّة تظهر خطاياهم والخلاص جنبًا إلى جنب[959].

القدِّيس إكليمنضس السكندري

إِذَا سَادَ الأَشْرَارُ كَثُرَتِ المَعَاصِي.

أَمَّا الصدِّيقونَ فَيَنْظُرُونَ سُقُوطَهُمْ [ع 16].

يظن الأشرار أنهم ناجحون، وقد نالوا سلطة، لكن سرعان ما يسود البرّ، ويرى الصدِّيقون الأشرار ساقطين.

V      كما أن القديس هو هيكل الله، هكذا الخاطئ يقيم من نفسه قبرًا[960].

القديس جيروم

V      يموت من هم ليسوا بقديسين في خطاياهم، أما القديسون فيتوبون عنها. يتحملون جراحاتهم، ويدركون أخطاءهم. ثم يسعون إلى الكاهن بحثًا عن العلاج، أو ينشدون التطهير بواسطة الأسقف[961].

العلامة أوريجينوس

V      بالرغم من أن خدام الله وأصدقاءه يتجنبون الخطايا التي للموت، ويمارسون أعمالاً صالحة كثيرة إلا أننا لا نعتقد أنهم بلا خطايا تافهة، فإن الله لا يكذب حيث قيل: “ليس طفل حياته يوم واحد على الأرض بلا خطية”. أضاف إلى هذا الطوباوي يوحنا الإنجيلي الذي بلا شك ليس بأقل من يعقوب في استحقاقه: “إن قلنا إننا بلا خطية، نضل أنفسنا والحق ليس فينا” (1 يو 1: 8). علاوة على هذا، نقرأ في موضع آخر: “الصدِّيق يسقط سبع مرات ويقوم” (أم 24: 16)[962].

 الأب قيصريوس أسقف آرل

أَدِّبِ ابْنَكَ فَيُرِيحَكَ،

وَيُعْطِيَ نَفْسَكَ لَذَّاتٍ [ع 17].

من يؤدب ابنه يجد راحة في الوقت المناسب، ويجني ثمار مفرحة ولذَّات مبهجة للنفس.

V      الأب لا يهذب ابنه لو لم يحبه، والمعلم الصالح لا يصلح من شأن تلميذه ما لم يرَ فيه علامات نوال الوعد. عندما يرفع الطبيب عنايته عن مريض، يكون هذا علامة يأسه من شفائه.

V      أيهما أفضل أن ندخل معركة (التأديب) إلى حين ونحمل أوتاد الحسكة (أسياخ من الخوازيق)، وتكون معنا أسلحة، ونرهق من حمل التروس الثقيلة، لكي نفرح بعد ذلك خلال الغلبة، أم نبقى عبيدًا إلى الأبد، لأننا لم نقدر أن نحتمل ساعة واحدة[963].

القديس چيروم

بِلاَ رُؤْيَا يَجْمَحُ الشَعْبُ،

أَمَّا حَافِظُ الشَرِيعَةِ فَطُوبَاهُ [ع 18].

يقصد بالرؤيا البصيرة الداخلية، والرؤية الصادقة، ومعرفة كلمة الرب. وكما قيل: “وكانت كلمة الرب عزيزة في تلك الأيام؛ لم تكن رؤيا كثيرة” (1 صم 3: 1). أما القائد الذي يتجاوب مع كلمة الرب ويحفظ الوصية، فتنفتح عيناه ويتمتع بحياة مطوّبة تنعكس على من يرشدهم ويرعاهم.

V      أسفار (الكتاب المقدس) محيط تجد فيه الدُرة الخفية.

فعلى المفسر أن يغطس في الماء ليستخرجها.

يغطس العقل في الأسفار، ويستخرج الدُرة، ويُريها للتجار.

ويغطس الذهن في التوراة، فيمسك الدرَّة الإلهية.

ويقدمها اللسان للسامعين، فيقول: علقوا بأذهانكم ابنة النور كزينة لكم.

القديس مار يعقوب السروجي

V      من المفيد جدًا قراءة الكتاب المقدس، فإنها تجعل النفس حكيمة، وتوجّه الروح نحو السماء، وتحرّك الإنسان نحو الشكر، وتهلك شهوة الأمور الأرضية، وتدع أذهاننا تتمعن باستمرار في العالم الآخر.[964]

القديس يوحنا الذهبي الفم

بِالكَلاَمِ لاَ يُؤَدَّبُ العَبْدُ،

لأَنَّهُ يَفْهَمُ وَلاَ يُعْنَي [ع 19].

جاءت الترجمة السبعينية “العبد العنيد“. فالإنسان العنيد المملوء خبثًا لا يمكن إصلاح أموره بالحديث الطيب اللين، لأنه يحتاج إلى شيءٍ من الحزم. لأنه وإن أدرك خطورة تصرفه إلا أنه لا يبالي، وذلك بسبب عناده.

يرى البعض أننا في مرات كثيرة نحتاج في عنادنا إلى حزم الله وتأديباته لنا، كما فعل مع يونان حين أصرّ على عدم الطاعة، فسمح الله بهياج البحر عليه، وبإلقائه في البحر، وفي نفس الوقت أعد له حوتًا وأنقذه.

V      بالقول: “بالكلام لا يؤدب العبد“، لا يأمر (سليمان) أن يترك (العبد) لنفسه، بل ينصح بالوسائل التي يلزم استخدامها للإصلاح. وإلا ما كان قد قال: “بالكلام لا يُؤدب”. إذ يقول في موضع آخر إنه ليس فقط العبد بل والابن غير المؤدَّب يلزم إصلاحه بالضرب، فيأتي بثمرٍ عظيمٍ. إذ يقول: تضربه أنت بعصا، فتُنقذ نفسه من الهاوية” (أم 23: 14)[965].

القديس أغسطينوس

أَرَأَيْتَ إِنْسَانًا عَجُولاً فِي كَلاَمِهِ؟

الرَجَاءُ بِالجَاهِلِ أَكْثَرُ مِنَ الرَجَاءِ بِهِ [ع 20].

الحكمة تستلزم البطء في الكلام، فلا نتكلم إلا بعد أن نستمع إلى الطرف الآخر، ونزن الأمور بالتروّي قبل أن ننطق بكلمة.

لقد تسرع يفتاح في نطقه بالنذر، فذبح ابنته الوحيدة (قض 11: 21). وتسرع هيرودس في وعده لابنة أخيه، فقتل القديس يوحنا المعمدان (مت 14: 8-11). وتسرع شاول الملك في حكمه، فكاد يقتل ابنه يوناثان لولا تدخل الشعب (1 صم 14). ينصحنا الرسول يعقوب: “ليكن كل إنسانٍ مسرعًا في الاستماع، مبطئًا في التكلم، مبطئًا في الغضب” (يع 1: 19).

V      مادام الإنسان يترك نفسه يتكلم مسترسلاً، تهرب منه رزانة الصمت، ويفقد حفظ نفسه في أمان. لهذا كُتب: “عمل العدل سكونًا” (إش 32: 17). هكذا يقول سليمان: “مدينة متهدمة بلا سور، الرجل الذي ليس له سلطان على روحه في الكلام” (أم 25: 28 Vulgate). كما يقول أيضًا: “كثرة الكلام لا تخلو من معصية” (أم 10: 19). ويحمل المرتل شهادة بذلك، قائلاً: “رجل كثير الكلام لا يثبت علي الأرض” (مز 140: 11)، بل وتُفقد قيمة العبارة الصادقة عندما تُقال دون تمييز…

العبارة الصادقة هي ضد الأشرار، إن كانت تهدف إلى نفع الصالحين… أما الأشرار فلا يقدرون أن يسمعوا الكلمات الصالحة بصبرٍ، متجاهلين إصلاح حياتهم، فيلصقون أنفسهم بكلمات للرد على الغير.

البابا غريغوريوس (الكبير)

V      احذر اللسان الثرثار والأذنين المتلهفتين لسماع الأخبار. لا تحط من شأن الآخرين، ولا تصغي إلى من يحط من شأن الغير.

V      السيِّدة العجوز المهذارة، والشيخ الذي يتحدث بخرافات، والسوفسطائي في كلماته، هؤلاء جميعًا يصادرون الكتب المقدسة، ويمزقونها إلى قطع، وقد يعلمون بها دون أن يتعلموها.

القدِّيس جيروم

مَنْ فنّق (دَلَّلَ) عَبْدَهُ مِنْ حَدَاثَتِهِ،

فَفِي آخِرَتِهِ يَصِيرُ مَنُونًا [ع 21].

من فنّق عبده من حداثته، أي دلَّله، ولم يلزمه بالالتزامات والشعور بالمسئولية والعمل، فإنه في النهاية يكون “منونًا” أي يلتزم السيد أن يكون كثير الامتنان لعبده. يترجمها البعض يكون ابنًا، أي يرث ممتلكاته كابن. فمع تقدير أبينا إبراهيم لشخصية وخدمات عازر الدمشقي، لم يحتمل أن يرثه بدلاً من وجود ابن له.

يمكن تفسير هذا المثل بكونه دعوة إلى عدم تدليل الجسد، بكونه خادمًا للنفس وعبدًا لها، وليس سيدًا لها يحركها بالشهوات والملذات الجسدية. هذا ما دعا الرسول بولس إلى القول: “أُقمع جسدي واستعبده” (1 كو 9: 2).

لقد دعانا السيد المسيح أن نُحسب أولاد الله، مع أننا عبيده، لهذا فإن محبة الله المجانية ونعمته الفائقة وأعماله العجيبة معنا تدعونا ألا نستكبر حتى إن فعلنا البرّ، بل نقول “إننا عبيد بطّالون” (لو 17: 10).

V      إذ تشكل إسرائيل منذ طفولته وأحيط ودُلِّل بالملذات والترف… “سمن وغلظ”، حتى سقط (الإسرائيليون) في النهاية في السبي بين الأمم. الإنسان الذي يُدلَّل في طفولته يُسلم للعبودية[966].

 القديس مار افرام السرياني

الرَجُلُ الغَضُوبُ يُهَيِّجُ الخِصَامَ،

والرَجُلُ السَخُوطُ كَثِيرُ المَعَاصِي [ع 22].

الإنسان الغضوب يسبب نزاعات وخصام، لذا يليق بنا أن نهرب من الغضب والسخط حتى لا نسقط في البغضة والكراهية. كما يليق بنا أن نتحاشى الغضوب، خاصة متى غضب، فلا نرد غضبه بغضبٍ. لقد غضب الابن الأكبر في مَثَل الأب الشفوق والابن المسرف، فأهان والده، وأساء إلى أخيه، وحرم نفسه من الدخول إلى بيت أبيه (لو 15).

V      من كان غضوبًا فهو خالٍ من طول الأناة والمحبة، يقلق سريعًا من الأقوال التافهة، ويثير الخصام لأمر يسير حقير، وحيثما لا يكون له مكان يطرح نفسه… فمن لا ينوح على مثل هذا؟ فهو مرذول عند الله والناس.

مار أفرآم السرياني

V      قال شيخ: الذي يخاصمه أخوه، ولا يحزن قلبه فقد تشبه بالملائكة. فإن خاصمه ثم رجع من ساعته وصالحه، فهذا هو عمل المجاهدين. أما الذي يُحزن إخوته ويحزن منهم، ويتمسك بالحقد في قلبه، فهذا مطيع للشيطان ومخالف الله، ولا يغفر الله له ذنوبه ما لم يغفر هو لإخوته.

بستان الرهبان

كِبْرِيَاءُ الإِنْسَانِ تَضَعُهُ،

والوَضِيعُ الرُوحِ يَنَالُ مَجْدًا [ع 23].

إذ ينتفخ المتكبر يسقط، وإذ يسلك المتواضع بروح الوداعة ينال كرامة من الله والناس. وكما قالت القديسة مريم: “أنزل الأعزاء عن الكراسي، ورفع المتضعين” (لو 1: 52).

V      واضح أن الفخر المبالغ فيه كان من سمات الرسل الكذبة[967].

V      التشامخ مع الخطيّة طامة كبرى… إن كان الذي يعمل صلاحًا يفقد تعبه إن انتفخ، فكم يكون إثم الذي يضيف إلى خطاياه خطيّة التشامخ؟ لأن مثل هذا لا يقدر أن يمارس التوبة[968].

القدّيس يوحنا الذهبي الفم

V      ما أن تتكبر حتى تفقد في الحال ما نلته[969].

القديس أغسطينوس

V      من يحب التواضع، يقتني بالتواضع مواهب كثيرة.

إذ تبحث عن الرحمة، تجدها في المتواضعين، لأن التواضع مسكن البرّ.

التعليم موجود عند المتواضعين، والمعرفة هي ينابيع شفاههم.

التواضع يلد الحكمة والفهم، والمتواضعون يقتنون الفطنة…

عذبة هي كلمة المتواضع، ووجهه مشرق، وهو يضحك ويفرح.

الحب جميل لدى المتواضعين، وهم يعرفون أن يتدبروا به.

يصوم المتواضعون عن كل الشرور، فتشع وجوههم بصلاح قلوبهم.

يتكلم المتواضع فيليق به الكلام، وتضحك شفتاه، فلا يُسمع صوت ضحكه…

يتواضع المتواضع، أما قلبه فيرتفع إلي الأعالي العلوية. حيث يكون كنزه هناك تكون أفكاره. عينا وجهه تنظران إلي الأرض، وعينا عقله إلي الأعالي العلوية[970].

القديس أفراهاط

مَنْ يُقَاسِمْ سَارِقًا يُبْغِضْ نَفْسَهُ.

يَسْمَعُ اللَعْنَ وَلاَ يُقِرُّ [ع 24].

من يقاسم السارق ما سرقه، فإن وإن لم يقم بعملية السرقة، لكنه يشاركه جريمته، ويسقط معه تحت الحكم. من الخطورة أن نشارك الآخرين خطاياهم، بطريقة أو أخرى، أو نتستر عليهم، دون دفعهم للتوبة والرجوع عن شرهم. وقد حكمت الشريعة ضد من يخفي المسروقات (لا 5: 1). ويقول يوحنا الرسول: “إن كان أحد يأتيكم ولا يجيء بهذا التعليم فلا تقبلوه في البيت، ولا تقولوا له سلام، لأن من يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة” (2 يو 10-11). كما يقول بولس الرسول: “لا تشترك في خطايا الآخرين” (1 تي 5: 22).

خَشْيَةُ الإِنْسَانِ تَضَعُ شَرَكًا،

والمُتَّكِلُ عَلَى الرَبِّ يُرْفَعُ [ع 25].

يليق بنا أن نخشى الله ولا نخاف البشر، وكما يطالبنا القديس أرسانيوس أن نكون عبيدًا لسيدٍ واحدٍ، فلا نستعبد أنفسنا لسادة كثيرين.

يقول الرسول بولس: “أفأستعطف الآن الناس أم الله، أم أطلب أن أُرضي الناس. فلو كنت بعد أرضي الناس لم أكن عبدًا للمسيح” (غل 1: 10). يقول السيد المسيح: “أقول لكم يا أحبائي، لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد وبعد ذلك ليس لهم ما يفعلون أكثر، بل أريكم ممن تخافون. خافوا من الذي بعدما يقتل له سلطان أن يلقي في جهنم” (لو 12: 4-5).

أما علة الخوف من الناس لا من الله، فهي قول السيد المسيح: “لأنهم أحبوا مجد الناس أكثر من مجد الله” (يو 12: 43). الخوف من الناس قد يدفع إلى إنكار السيد المسيح، كما فعل بطرس أمام الجارية. وقد يدفع إلى نوع من الكذب، كما فعل إبراهيم عندما أنكر أن سارة زوجته (تك 26: 7).

V      لماذا تخافون أيها المسيحيون؟

المسيح يتحدث: “أنا هو لا تخافوا”.

لماذا تنزعجون لهذه الأمور؟ لماذا تخافون؟

لقد سبق فأخبرتكم بهذه الأمور أنها ستحدث حتمًا… “أنا هو لا تخافوا. فرضوا أن يقبلوه في السفينة” (يو 6: 21).

إذ عرفوه وفرحوا تحرروا من مخاوفهم. “وللوقت صارت السفينة إلى الأرض التي كانوا ذاهبين إليها“. وُجدت نهاية عند الأرض، من المنطقة المائية إلى المنطقة الصلدة، من الاضطراب إلى الثبات، من الطريق إلى الهدف[971].

القديس أغسطينوس

V      إرادة الله لا أن يخلّصك من المخاوف، بل يحثّك على ازدرائها، فإن هذا أعظم من التخلُّص منها[972].

V      هذا ما يعنيه تقريبًا؟ إن كان الذي يعاقبني إنسانًا، فإن عقوباته لا تدين بالتمام من يسقط تحتها. أستطيع أن أحاكم أمامه، وأبرهن له أنه ظالم، ولكن لأنك أنت هو الله فهذا مستحيل.

 القديس يوحنا الذهبي الفم

كَثِيرُونَ يَطْلُبُونَ وَجْهَ المُتَسَلِّطِ،

أَمَّا حَقُّ الإِنْسَانِ فَمِنَ الرَبِّ [ع 26].

يليق بالمؤمن أن يعطي الكرامة لمن له الكرامة، فيخضع بروح الحب، ولكن ليس على حساب إيمانه، متذكرًا يوم الرب العظيم حيث يتمتع بحقوقه الأبدية. أما إن خاف البشر فيطلب وجه المتسلط، أي رضا رئيسه أو سيده أو الحاكم على حساب إيمانه وخلاص نفسه.

الرَجُلُ الظَالِمُ مَكْرَهَةُ الصدِّيقينَ،

والمُسْتَقِيمُ الطَرِيقِ مَكْرَهَةُ الشِرِّيرِ [ع 27].

لا يطيق الصدِّيق طريق الظلم، فيكره في الظالم عنفه وقسوته على إخوته. ولا يطيق الشرير استقامة قلب الصدِّيق وسلوكه، لأنه يشعر بأنه يدينه ويفضح فساده، حتى وإن لم يتعرض له.

V      يقول الرسول: “أية شركة بين النور والظلمة“؟ حيث يوجد تناقض فاصل، ولا يمكن المصالحة بين النور والظلمة. فالشخص الذي يشترك في الاثنين معًا لا يساهم في شيءٍ، لأجل تعارضهما، وتناقض الواحد للآخر في نفس الوقت في حياته المشتركة. إيمانه يمد الجانب المنير، لكن عاداته المظلمة تطفئ مصباح العقل[973].

القديس غريغوريوس أسقف نيصص


 

من وحي الأمثال 29

حوّل أعماقي إلى ينبوع فرح!

V      هب لقلبي أن يتسع بحبك،

يفرح بك، وينبع فرحًا للآخرين.

أحمل روح الصداقة الحكيمة المملوءة حبًا.

تصرفاتي لا تحمل اللين الزائد،

 ولا الجدية المُبالغ فيها.

V      روحك القدوس يقود حياتي،

 تفرح بي كابن لك.

أسلك بروح الاستقامة،

ويسود برّك حياتي.

لا تمتد يدي إلى الخطأ،

فلا أشتهي من أحدٍٍ هدية ما،

ولا ينطق فمي بكلمة تملقٍ.

V      أعترف لك بضعفاتي،

لكن وإن سقطت أقوم.

لا أستسلم في يأس،

بل أمتلئ رجاء بصليبك، يا غافر الخطايا.

V      أذناي تسمعان معك تنهدات إخوتي،

فتنسكب نفسي معهم،

وتصرخ إليك:

أنت رجاء من ليس له رجاء،

أنت قاضي المظلومين والمتألمين.

أنت أب الأيتام،

ومعين من ليس لهم من يسأل عنهم.

V      هب لي روح الحكمة، فأكون صانع سلام،

ليس للغضب أن يتسلل إلى قلبي.

إنما أفرح بسلام الآخرين، حتى المقاومين لي.

V      لأصادق أولادك المحبين لك،

فأتعلم منهم الكثير،

وأنال بركة صلواتهم عني.

لأحب حتى الأشرار،

وأبغض الشر وأمقته.

أطلب خلاص الأشرار،

لكي يتمتعوا بعذوبة العشرة معك.

V      لتمتد يدك للعمل فيّ.

فإنك كلي الحب حتى في تأديبك.

عصاك وعكازك يهبانني حكمتك.

ورعايتك الحازمة تحفظني في أحضانك.

لا يقدر العدو أن يجذبني من بين يديك.

V      يدك تحول قلبي من قبرٍ إلى هيكلٍ مقدسٍ.

أقام مني عدو الخير قبرًا كئيبًا.

روحك يحولني إلى سماءٍ مفرحةٍ.

V      هب لي بصيرة صادقة،

فأراك يا محب كل البشرية.

احفظ شريعتك فهي لذة قلبي.

هي قائدي في طريق غربتي.

V      كن حافظًا لفمي وحارسًا لشفتي.

فأسرع إلى الاستماع،

وأتروى في الكلام.

V      هب لي روح التواضع، فأنال رحمتك.

بالتواضع تنفتح لي كنوز معرفتك.

بالتواضع أتمتع بحكمتك.

بالتواضع يشرق وجهي بنورك،

ويملأ فرحك قلبي.

بالتواضع استعذب حبك وحب إخوتي.

بالتواضع يُصعد روحك القدوس قلبي،

لينعم بكنزه السماوي.

فاصل

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى