تفسير سفر الأمثال ٣٠ للقمص أنطونيوس فكري

تفسير الأمثال – الإصحاح الثلاثون

 

آية (1): “كلام أجور ابن متقية مسا وحي هذا الرجل إلى ايثيئيل إلى ايثيئيل واكال.”

تفهم الآية بطريقتين حسب رأي المفسرين الذين انقسموا لفريقين في تفسيرها:

1-  أن أجور هو اسم علم لشخص مجهول ملهم بالروح القدس. كتب ما كتبه بوحي من الروح ولكن لا نعلم شيئاً عنه أو عن أسرته، إلا أنه من قبيلة مسّا. وله صديقين اسمهما إيثيئيل (معناه الله معي) وأكّال (معناه القادر). وربما كانا تلميذين لأجور.

2-  المدرسة الأخرى تفهم الآية على أنها كلها مكتوبة بطريقة رمزية وحتى يظهر معنى الآية لنرى معاني كل كلمة فيها أجور= الجامعة. متقية= التقي. والجامعة هو سليمان والتقي بالقطع هو أبوه داود. مسا= تعني الوحي الإلهي أو الشخص الذي يوحى إليه. إيثيئيل= الله معي وهي نفسها عمانوئيل الله معنا. وأكال= القادر. وأصحاب هذه المدرسة يقولون أن هذه الأسماء ليست أسماء أعلام بل هي ألفاظ لها معاني كما رأينا. وبهذا يكون المقصود بالآية “كلام الجامعة بن داود الموحي له من الله وحي هذا الرجل إلى عمانوئيل. إلى عمانوئيل الذي هو الله معنا وهو القدير” وهم يقولون أن تكرار اسم إيثيئيل يشير لأهمية الموضوع وأنه عن شخص المسيح، والمسيح هو القدير (إش6:9) وهو الله معنا (إش14:7). ويتضح أن أصحاب هذا الرأي يرون أن سليمان هو كاتب هذا الإصحاح ولكنه كتب إفتتاحية هذا الإصحاح بهذا الأسلوب لأنه إصحاح نبوي يحدثنا عن المسيح الذي سيتجسد ليخلص البشر، المسيح الذي هو أقنوم الحكمة ابن الله الذي سيتجسد. وإذا كان السفر كله عن اقتناء الحكمة فنصل لنهاية السفر الآن وإذا بالحكمة تتجسد لأن البشر عجزوا عن اقتنائها.

 

الآيات (2،3): “أني أبلد من كل إنسان وليس لي فهم إنسان. ولم أتعلم الحكمة ولم اعرف معرفة القدوس.”

سليمان الحكيم يعبر هنا عن نفسه بأسلوب كله تواضع، فمع كل حكمته وهو الذي يوحي إليه، حينما وقف أمام الله شعر بأنه لا يملك أي حكمة، خاصة حينما يتكلم عن هذا الموضوع الذي سيتناوله. ولكننا نجد الله يوحي له ويستخدمه، فالله لا يكشف أسراره سوى للمتضعين. وموضوع وحي أجور أو سليمان هنا هو عن المسيح حكمة الله وعمله الفدائي، وقبل أن يتكلم عن تجسد أقنوم الحكمة اللانهائية يعلن جهله وأنه لا يعرف شيئاً. ونحن حتى نكون في المسيح علينا أن ننكر ذواتنا تماماً ونشعر بأننا في احتياج “إن عطش أحد فليقبل إلىّ (يو37:7). المهم أن نشعر بالاحتياج وهو يعطي.

 

آية (4): “من صعد إلى السماوات ونزل من جمع الريح في حفنتيه من صر المياه في ثوب من ثبت جميع أطراف الأرض ما اسمه وما اسم ابنه أن عرفت.”

إن المعرفة البشرية في أعلى درجاتها لهي محدودة جداً. ونجد هنا سؤال لم يستطع أحد فهمه قبل تجسد المسيح وهو من صعد إلى السموات ونزل. والمسيح أجاب على هذا السؤال لنيقوديموس (يو13:3) بقوله “ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء.” وبولس أكمل الشرح في (أف9:4،10). ثم يستطرد أجور أو سليمان ويُصوِّر سلطان الله على ثلاثة عناصر الأرض [1] الهواء= جمع الريح. [2] الماء= صر المياه. [3] الأرض= ثبت الأرض. ومن يستطيع أن يضبط الريح غير المنظور ويتحكم فيه ومن الذي يستطيع أن يسيطر على البحر ومن الذي يثبت الأرض إلا الله (مز7:135 + أي8:26 + مز6:104 + مز5:104). ولاحظ أن المسيح كان له سلطان على البحر وعلى الريح. فإذاً الصفات المذكورة هنا هي للآب والابن، فكل ما هو للآب هو للإبن أيضاً. ما اسمه= هو لا يسأل عن اسم فعلاً فهو يدرك أنه الله ولكن هذا القول يدل على أن هذا الكائن غير مدرك في قوته وطبيعته وأزليته وأبديته، وجوده لا نهائي ومعرفته لا نهائية وقدرته لا نهائية ليس في إمكان بشر أن يصل إليها. وما اسم ابنه= هنا يتكلم عن المسيح ابن الله. ولا أحد بهذه المواصفات إلا الله مثلث الأقانيم القادر على كل شئ (أكال) وهو الذي نزل من السماء ليصير إيثيئيل أي الله معي. هو نزل ليأخذ جسد بشريتنا، وبجسد بشريتنا هذا صعد ثانية للسماء ليصالح السماء والأرض فهو خالق كلاهما. ونلاحظ أن إيليا وأخنوخ صعد للسماء لكنهما لم ينزلا فلا أحد نزل من السماء سوى المسيح. وبنفس المفهوم ردد موسى نفس المعنى عن نزول المسيح من السماء (تث11:30،12).

 

الآيات (5،6): “كل كلمة من الله نقية ترس هو للمحتمين به. لا تزد على كلماته لئلا يوبخك فتكذب.”

الحكيم كاتب هذا الإصحاح يتصور أن من سمعه سيسأله من هو هذا الشخص الذي سماه ابن الله. ويرد على التساؤل.. إذهب وفتش عنه في كلمة الله المكتوبة أي الكتاب المقدس. ولكنه يحذر لا تزد على كلماته أي لا تضيف من تصوراتك الخاصة إلى ما تقرأ، بل إفهم ما هو مكتوب ونلاحظ أن المسيح اسمه كلمة الله والكتاب المقدس اسمه كلمة الله وهذا لأننا حين نقرأ الكتاب نكتشف شخص المسيح كلمة الله. وحينما نكتشفه سنكتشفه كإله محب لنا يحمينا، بل هو ترس للمحتمين به. فتكذب= توجد أنت كاذباً.

 

الآيات (7-9): “اثنتين سألت منك فلا تمنعهما عني قبل أن أموت. ابعد عني الباطل والكذب لا تعطني فقراً ولا غنى أطعمني خبز فريضتي. لئلا اشبع واكفر وأقول من هو الرب أو لئلا افتقر واسرق واتخذ اسم الهي باطلاً.”

نجد هنا الحكيم الذي أوحى إليه يصلي صلاة رائعة، فبعد أن رأي ما رآه عن شخص المسيح، وبعدما رأي ما رآه عنه نجده يخشى أن يغضبه. وهو يصلي لله أن يبعد عنه كل ما من شأنه أن يجعله يخطئ= لا تدخلنا في تجربة= أبعد عني الباطل فهو يخشى أن يغضب الله الذي أحبه ورأي عمله. وإذ عرف أن الغني يجعل معظم الأغنياء يظنون أنهم لا يحتاجون الله فينفصلون عنه. ويعرف أن الفقر قد يدفع بعض الناس ليسرقوا ما يأكلونه وهذا يغضب الله. فهو يطلب من الله أن يحفظه من كليهما. ويطلب من الله أن يعطيه الكفاف= خبزنا كفافنا= أطعمني خبز فريضتي.الحكيم إذ رأى عمل الله وابن الله وأحبه وجد العالم أنه باطل فطلب من الله أن يحميه من الباطل= (في8:3). هكذا قال المسيح “من يحبني يحفظ وصاياي. لئلا أشبع وأكفر.. هذه متفقة مع (تث15:32). عموماً فالله يعطي لكل إنسان أفضل شيء، وأفضل شيء ليس هو الغنى والصحة.. بل أفضل شيء هو ما يساعدني على دخول السماء. الله الذي خلقني وصنعني يعرف ما أحتاج إليه بالضبط لكي أخلص.

 

آية (10): “لا تشك عبداً إلى سيده لئلا يلعنك فتأثم.”

تطبيق هذا المثل نجده في (رو4:14،13). ومن المؤكد فإن ظروف العبد سيئة أصلاً، فإن يشكوه أحد لسيده، فإن هذا سيجلب المزيد من الضربات على العبد من سيده الغاضب. بينما العبد محتاج لمن يرحمه. بل إذا ثبتت بطلان التهمة والشكوى فإن العبد سيحتقر من شكاه ويلعنه، عموماً علينا أن لا ندين أحداً فكل إنسان عبد لسيد هو الله.

ولكن ما هي مناسبة هذه الآية هنا والإصحاح كله يتكلم عن عمل المسيح الفدائي؟

الحكيم سيورد بعد هذا صورة للبشرية الساقطة ويكرر الصور في مجموعات مكونة من أربعة صور مختلفة ونجد تكرار رقم (4) الذي يدل على العمومية. والسبب أن العالم كله قد أخطأ “الكل زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله”.

ثم يورد الحكيم بعد هذا صورة لعمل المسيح الفدائي وأيضاً من 4 صور لأن المسيح مات من أجل كل العالم.

ومن هو الذي يشكونا كعبيد لله؟ ليس غيره وهو إبليس المسَّمى الشاكي. هكذا ذهب إبليس ليشكو أيوب، فبعد أن يغوي عبيد الله أن يسقطوا فيسقطوا يذهب ويشتكي. وهنا إنذار لإبليس أن لا يشكو أولاد الله لله، لأن الله في محبته كان مزمعاً أن يرحمهم فهم في حاجة للرحمة، ويفديهم ويكفر عنهم ويحامي عنهم ويلعن إبليس (رو32:8-34).

 

الآيات (11-14): “جيل يلعن أباه ولا يبارك أمه. جيل طاهر في عيني نفسه وهو لم يغتسل من قذره. جيل ما ارفع عينيه وحواجبه مرتفعة. جيل أسنانه سيوف وأضراسه سكاكين لأكل المساكين عن الأرض والفقراء من بين الناس.”

أربعة أصناف من الخطاة…. الإنسان الساقط

1)  من لا يحترم ويكرم والديه:ومن لا يحترم أبوه المنظور قطعاً لن يحترم الله أبوه غير المنظور. يلعن أباه= أي يسبه ويشتمه. لا يبارك أمه= لا يحترمها بكلمات مهذبة.

2)     من يحيا في البر الذاتي: هو يظن أنه طاهر وهو خاطئ لم يغتسل من قذره.

3)     الكبرياء: يرفع عينيه وحواجبه علامة وقاحة واحتقار للآخرين.

4)     المتوحش الطماع: الذي في وحشيته يغتصب الفقير ويأكله بأسنان كسيوف.

الآيات (15،16): “للعلوقة بنتان هات هات ثلاثة لا تشبع أربعة لا تقول كفا. الهاوية والرحم العقيم وأرض لا تشبع ماء والنار لا تقول كفا.”

أربعة أشياء لا تشبع…. الشهوة صفة للإنسان الساقط

في الآيات السابقة وصف خطايا البشر الساقطين قبل نعمة الفداء وقبل عمل نعمة المسيح فيهم. وهنا يعطي مواصفات الإنسان ويصوره بعد سقوطه بأنه صار خاضع لشهوته والشهوة لا تشبع، هو عقيم لا يشبع من شهوات العالم، ولا يدري أن النار ستلتهم كل شئ والعالم سيزول وأنه ماضي إلى القبر.

العلوقة= هي دودة شرهة لا تشبع وتسمى ماصة الدماء. وهي ترمز للشهوة. وهكذا قلب الإنسان بعد سقوطه قد أصبح شرهاً للعالم، ولا يشبع مهما إمتلك منه. ولاحظ قول إبليس للمسيح “أعطيك كل هذا إن خررت وسجدت لي”. فإبليس يعلم ضعف البشر وأنهم صاروا مثل العلوقة يأكلون ولا يشبعون. وبنتا العلوقة تصرخان دائماً هات هات. والابنتان أسلوب مجازي لتصوير ماذا يشتهي الإنسان [1] المال [2] الجنس.

1-    المال والجشع في امتلاكه بل عبادته كسيد وعدم الإكتفاء بل طلب المزيد هات هات.

2-    الجنس والشهوات الشبابية. وهي أيضاً لا تشبع قائلة هات هات.

والعالم الخبيث الذي لا يسمى الأشياء باسمها للخداع أطلق على هاتين الشهوتين أسماء مهذبة فالجشع للمال أسماه طموح والشهوة الجنسية أسماها حب. والإنسان الطبيعي لا يكتفي مهما حصل منهما، حتى سليمان الحكيم أغني ملوك العالم فقد ثَقَّلَ على شعبه بالضرائب بصورة أرهقت الشعب وأدت بعد ذلك لإنقسام المملكة ليزيد أمواله. ولم يكتفي من امرأة ولا اثنتين ولا عشرة بل زاد عدد نسائه إلى ألف زوجة وجارية (السراري). وبعد هذا اكتشف سليمان بطلان كل هذا (الجامعة).

ثلاثة لا تشبع أربعة لا تقول كفا= هو أسلوب عبري في التعبير يريد به إظهار الكمال. ثم يظهر بعد ذلك أربعة أشياء شرهة لا تشبع وفي هذا تتشابه.

1-    الهاوية= أو القبر الذي لا يشبع من ملايين البشر الذين يلقونهم فيه وكل يوم يطلب المزيد.

2-    الرحم العقيم= هو يصرخ مثل راحيل إعطنى إبناً. والرحم العقيم مهما تزاوج لن يثمر أبناً.

3-    أرض لا تشبع ماء= هي الأرض البور التي تمتص الماء بسرعة ولا تشبع (أر13:2 + يو13:4)

4-  النار= هي ستحرق كل شئ وتظل تلتهم حتى يفرغ كل ما يمكن أن يصل إليها وعندئذ تكف مرغمة. ما أجمل هذه المواصفات لشهوة الإنسان فهي لا تشبع (أرض لا تشبع ماء) ولا تثمر (رحم عقيم) لا تثمر فرح حقيقي أو إرواء حقيقي أو راحة. ونهاية الشهواني أو كل ما لديه سيحترق بالنار. وهو ماضٍ إلى الهاوية. الشهوة لا تشبع.

 

آية (17): “العين المستهزئة بابيها والمحتقرة إطاعة أمها تقورها غربان الوادي وتأكلها فراخ النسر.”

هنا تطبيق أو تحذير أو إنذار بأن مصير الخطاة بشع. والحكيم اختار بالذات خطية عدم إحترام الوالدين لأن من لا يحترم الوالدين لن يحترم الله نفسه. وهناك حقيقة مشهورة فالغربان والنسور وغيرها من الجوارح تبدأ هجومها على فرائسها بقلع عيني الفريسة حتى تصبح عاجزة لا تستطيع الهرب. والمتمرد الساخر بوالديه سيصاب بضربات أعدائه وسيكون بلا حماية. ولاحظ أن العين استهزأت بوالديها لذلك ستكون أول ضربة للعين المستهزئة، وبعد أن يفقد المستهزئ بصره يصير عرضة لأعدائه وبلا حماية ولا يستطيع الهرب بل يتخبط في الظلام. وكل خاطئ معاند يفقد استنارته وينطبق عليه قول الكتاب “لهم عيون ولا يبصرون”

 

الآيات (18-20): “ثلاثة عجيبة فوقي وأربعة لا اعرفها. طريق نسر في السماوات وطريق حية على صخر وطريق سفينة في قلب البحر وطريق رجل بفتاة. كذلك طريق المرأة الزانية أكلت ومسحت فمها وقالت ما عملت إثماً.”

أربعة أشياء عجيبة.. الخطية تسعى بلا توقف وراء الإنسان الحكيم يرى أن موضع العجب في هذه الأشياء أنها لا تترك أثراً يدل عليها.

1-    النسر في الهواء:- لا يستطيع أحد تعقبه بعد أن يطير أو يضبطه فلا أثر يتركه.

2-    حية على صخر:- الحية لا تترك أثراً على الصخور يستدل به على مكانها.

3-    سفينة في البحر:- والسفينة لا تترك أثراً في الماء.

4-  فتاة تغوي رجل:- قطعاً فهناك رجل يغوي فتاة بريئة ويسقطها وهناك امرأة تغوي رجلاً بريئاً وتسقطه. ولكن المقصود هنا هو تعبير عن الخطية عموماً وكيف أنها تسعى وراء كل برئ لتغويه وتسقطه (زك5:5-11). والمرأة الزانية تذهب لتبحث عن ضحية جديدة لها مثل النسر الذي يبحث عن فريسة منطلقاً في الجو. وهي تبذل كل جهدها لتخدع ضحيتها وتتلون كالثعبان أمام الضحية لتغويه. وهي تسلك وسط أخطار كما تسلك سفينة وسط البحار بل هي تنتشر في كل العالم المشار له بالبحار. بل تندفع الضحية وقد تملكتها الشهوة غير عابئة بأي أخطار بعد أن فقدت حكمتها وراء هذه الشهوة. هنا سر الإثم وأعماق الشيطان ودهائه الذي يستغل قلب الإنسان المخادع فيغويه ليسقط. ولاحظ وقاحة الزانية بعد أن أسقطت الضحية البريئة أكلت ومسحت فمها وقالت ما عملت إثماً. فهي لم تشعر بأي إثم فيما عملته وهكذا إبليس ومن يستخدمهم. هنا نرى السعي العجيب الذي لا يعرف كلل ولا ملل لإبليس وراء كل نفس ولن تعرف أثاره ولن تراه، فهو قوة خفية عجيبة تسعى وراء كل برئ لتسقطه. والبحر هو إشارة للعالم عموماً. والخطية منتشرة فيه، في كل مكان.

 

الآيات (21-23): “تحت ثلاثة تضطرب الأرض وأربعة لا تستطيع احتمالها. تحت عبد إذا ملك وأحمق إذا شبع خبزاً. تحت شنيعة إذا تزوجت وأمة إذا ورثت سيدتها.”

أربعة أشياء لا تحتمل…. الإنسان الترابي الخاطئ يصير غير محتملاً لخطيته.

الحكيم يذكر هنا أربعة أشياء بسببها تضطرب الأرض ومنها الناس يئنون كأنهم تحت حمل ثقيل، هي أشياء لا يمكن احتمالها.

1-  عبد صار يملك:- راجع (3:28). العبد لا يملك قطعاً إلا بعد مؤامرة خيانة ضد الملك الحقيقي. ومثل هذا يصبح أقسى الأسياد، كالعاصفة الكاسحة، طاغية متعسف بلا مبادئ.

2-    أحمق إذا شبع خبزاً:- أي اغتني وتوفر له الكثير، فإذ هو يتقلب في الوفرة يحتقر المعوزين ومثل هذا يطلب احتراماً مبالغ فيه.

3-  الشنيعة إذا تزوجت:- هذه بدلاً من أن تشكر الله الذي وفر لها بيتاً لتحيا، وتسعد زوجها ولأنها لها مزاج حقود محب للإنتقام فهي لا تحتمل مسئوليات الحياة وتزيد مشاكساتها فتقوض سلام البيت وهناء عائلتها. شنيعة= طباعها بغيضة مشاكسة.

4-  آمة إذا ورثت سيدتها:- تترجمها السبعينية “أمة إذا أخذت مكان سيدتها” فهي آمة أخذت تستميل عواطف سيدها حتى تزوجها فإذا حدث وصارت سيدة المنزل، تقصى الزوجة الأصلية وأولادها. وقد يكون المعنى أنها خادمة وصارت سيدة بالوراثة.

الأربعة الأشياء يشيروا لمن كان حقيراً وارتفع وكيف يصبح غير محتملاً. وهكذا فالإنسان الترابي الأصل وقد رفعه الله وأعطاه سلطاناً على الخليقة، وسقط وصار غير مُحتمَلاً. بل الإنسان الخاطئ لا يحتمل الإنسان الخاطئ فكيف يحتملنا الله (هو2:1-5 + هو1:3-5) وبعد أن رفعنا المسيح بعد أن كنا عبيداً مرفوضين وأعطانا أن نملك ونشبع وإتخذنا عروساً له، بل أعطانا ميراثاً فلنحذر أن نتكبر حتى لا نسقط ونكون أشنع. فابن الله حين يسقط يصير أشنع من الغريب إذا سقط. ابن الله كملح إذا فسد يداس من الناس.

 

الآيات (24-28): “أربعة هي الأصغر في الأرض ولكنها حكيمة جداً. النمل طائفة غير قوية ولكنه يعد طعامه في الصيف. الوبار طائفة ضعيفة ولكنها تضع بيوتها في الصخر. الجراد ليس له ملك ولكنه يخرج كله فرقاً فرقاً. العنكبوت تمسك بيديها وهي في قصور الملوك.”

أربعة أشياء صغيرة… نصيحة لكل مؤمن حتى لا يصير بغيضاً

هذه الآيات عكس السابقة. فقد رأينا الحقير الذي صار عظيماً وتصرف تصرفات رديئة وهنا يعطينا الحكيم مثال بأربعة أشياء صغيرة جداً ولكنها حكيمة جداً لنتعلم منها.

1)  النمل: حكمة النمل هي الاجتهاد والاستعداد للمستقبل، فهو يسعى في الصيف ليخزن طعام الشتاء. وكثير من الناس يعملون بجد في شبابهم ليوفروا كمية من المال تنفعهم في شيخوختهم. ونصيحة الحكيم هي أن نفعل ذلك روحياً ونعمل ونجد لأبديتنا. والنملة لا تضيع أيام الصيف عبثاً. وعلينا أن لا نضيع أيام شبابنا عبثاً، لأن هذا السن هو سن الجهاد والإمتلاء الروحي. وما يستدعى احترام الإنسان ليس حجمه أو غناه بل عمله وكفاحه وجهاده، ولاحظ أن الله يوفر للنملة طعامها ولكن عليها أن تجتهد.

2)  الوبار: هو حيوان صغير يشبه الأرنب حجماً وشكلاً ولوناً وبسبب رجليه المستديرتين اللينتين لا يستطيع أن يحفر ولذلك هو يلجأ لشقوق الصخر يحتمي بها (مز18:104). وناموسياً فالوبار من الحيوانات النجسة (لا5:11) لأنه يجتر لكنه لا يشق ظلفاً. فهو يرى نفسه ضعيفاً فيختبئ في شقوق الصخر. وإذا فهمنا أن الوبار النجس يشير للإنسان الخاطئ والصخر يشير للمسيح (1كو4:10) فكيون درس الوبار أن نلجأ ونحتمي ونثبت في المسيح فنستريح (مت28:11).

3)  الجراد: يخرج فرقاً فرقاً بلا قائد منظور، لا يزاحم أحد الآخر، هم كالجنود المنظمين. ويسمى الجراد جيش الله (يؤ25:2). وهكذا على شعب الله أن يعيشوا في محبة خاضعين لأوامر رأس الجسد غير المنظور أي المسيح، يحيا بلا إنقسامات ولا خصام (1كو10:1،3:3).

4)  العنكبوت: يصنع ستائر دقيقة. وهو يستخدم قدميه الأماميتين كما لو كانت يدين يمسك بها طعامه (غالباً الذباب) ويقبض عليه ويلتهمه. ولها تحت كل إصبع من أقدامها كيس كالإسفنج يحتوي على سائل لزج، بإفرازه يستطيع العنكبوت أن يمسك بيديه في الأسطح الناعمة الملساء. ودرس العنكبوت هو أن نمسك في قصر الملك بأيدينا. ومن الملاحظ أن الحكيم يتكلم عن العنكبوت في قصر الملك النظيف وهذا شئ غير مناسب ولا يحدث. وهكذا نحن الخطاة لا نستحق أن نوجد في بيت الله قصر الملك، بيت المسيح أي كنيسته.. ولكن المسيح من محبته أوجدنا في قصره فلنمسك ونتمسك بإيمان في المسيح وفي بيته.. ونقول مع عروس النشيد “أمسكته ولم أرخه” (نش4:3). نمسك فيه بإيمان فليس لنا سواه. ونلاحظ قيمة الجهاد فالعنكبوت بنى بيته بجهاده.

ونلاحظ أن الله يحمي هذه المخلوقات الضعيفة التي يطاردها الإنسان ليقتلها، وهكذا سيحمي الله الإنسان الذي يشعر في نفسه أنه ضعيف ويحتاج حماية الله. وعلى كل مؤمن أن يتعلم الدروس من هذه الحشرات الجهاد (النمل) والاحتماء بالمسيح (الوبار) وأن نحيا في محبة خاضعين للمسيح (الجراد) وأن نتمسك بإيمان وثقة في المسيح وكنيسته (العنكبوت).

 

الآيات (29-31): “ثلاثة هي حسنة التخطي وأربعة مشيها مستحسن. الأسد جبار الوحوش ولا يرجع من قدام أحد. ضامر الشاكلة والتيس والملك الذي لا يقاوم.”

أربعة مشيها حسن…. طريق الإنسان الخاطئ للسماء

انتهت الآيات السابقة بوجود العنكبوت في قصر الملك والوبر في الصخور، وهذا يشير للإنسان الضعيف النجس الذي أعطاه الله أن يحتمي به بل يكون له نصيباً ومكاناً في عرشه إن غلب (رؤ11:3) وقارن مع (أف6:2) أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات. ولكن كيف حصل الإنسان على هذا؟ هناك طريق واحد وحيد هو فداء المسيح وعمله الكفاري على الصليب ثم قيامته منتصراً على الموت وهذا ما تشرحه هذه الآيات ببساطة عجيبة.

حسنة التخطي.. مشيها مستحسن= أي طريقة سيرها حسنة فيها قوة وتصميم وعدم تراجع

1)  الأسد: هو الملك. ملك الغابة، مشيته فيها عظمة وأبهة وتأدة وثبات جرئ لا يتراجع إشارة للمسيح الملك “الأسد الخارج من سبط يهوذا” (رؤ5:5)

2)  ضامر الشاكلة: وردت الكلمة في العبرية “متمنطق الحقوين” وهو اسم كناية عن حيوان غير معروف. وقال البعض أنه الكلب السلوقي أي كلب الصيد الذي يسعى وراء فريسته برشاقة حتى يأتي بها. وقال البعض الزراف، إلا أن كل هذه تخمينات. ولكن الكلمة والتسمية تنطبق على كل مخلوق يتصف بالرشاقة والخفة. ومتمنطق الحقوين هو يستعد لعمل ما، لا يهدأ حتى يصل إلى غرضه، وهذا ما فعله المسيح (عب1:12،2). وكون المسيح يمنطق حقويه أي يستعد لعمل التجسد والفداء. هذه قال عنها إشعياء النبي “قد شمرَّ الرب عن ذراع قدسه” وفي هذا إشارة للتجد (إش10:52). وعلى كل مؤمن أن يكون هكذا مجاهداً ساعياً (في13:3،14 + عب1:12،2) وهكذا أكل الشعب ذبيحة خروف الفصح.

3)  التيس: كان يقدم ذبيحة كفارة (لا16). والتيس من صفاته أنه يتقدم القطيع في عظمة ويقود القطيع. بل من صفاته أنه يتسلق الأماكن العالية رافضاً الوديان المنخفضة (مز18:104). وبهذا يكون التيس إشارة للمسيح السماوي الذي قدم نفسه ذبيحة. وعلى كل مؤمن من قطيع المسيح أن يقدم نفسه ذبيحة حية ويحيا بفكر سماوي (كو1:3-3)

4)  الملك: الذي لا يقاوم وتترجم وجيشه معه. هو المسيح خارجاً في قوته بلا مقاومة. هو غالب وشعبه معه “خرج غالباً ولكي يغلب” هو المسيح القائم من الأموات ليقيمنا. نرى في هذه الآيات المسيح الملك الذي يتجسد ويقدم نفسه ذبيحة ويقوم ليخلص البشر.

 

الآيات (32،33): “أن حمقت بالترفع وأن تآمرت فضع يدك على فمك. لأن عصر اللبن يخرج جبناً وعصر الأنف يخرج دماً وعصر الغضب يخرج خصاماً.”

بعد ما عمله المسيح بفدائه علينا أن نستمر في جهادنا محاربين إبليس كأسود متنطقي الحقوين مستعدين دائماً مقدمين أنفسنا كذبائح حية، أعضاء في جيش الملك الذي لا يقاوم. وهنا دعوة حتى لا نتكبر أو نثير خصومات. إن حمقت بالترفع وإن تآمرت= وإذا حدث وسقطنا في الكبرياء فترفعت واغتررت بنفسك أو إن شرعت في تدبير مكيدة ضد من أثارك إنتقاماً منه. فضع يدك على فمك= هو إقرار صامت بلوم النفس. فإذا واجهنا أحد بأننا مخطئين فبدلاً من المكابرة وإثارة المشاكل فلنقر ونعترف بخطئنا. حتى لا نخاصم أحد. ووضع اليد على الفم كانت بحسب الشريعة واجب على الأبرص، أن يضع يده على فمه ويقول نجس نجس. هنا دعوة لنا بأن نقف أمام الله معترفين بخطيتنا مثل المرأة الخاطئة. عصر اللبن بخرج جبناً= هو أخرج أحسن ما فيه حين يضرب بشدة ونحن نخسر أحسن ما فينا حين نتهيج ونثور. وعصر الأنف يخرج دماً= وبنفس المعنى فإن الصدام والغضب سيخرج أحسن ما فينا بل تدخل النزاعات والتي تصل للدم وبعدها خصام لا حل له، وعبد الرب لا يجب أن يخاصم. فلا يخسر هدوءه وسلامه وصحته أحسن ما فيه وبالأولى لا نخاصم الله ونغضبه. هي دعوة للإعتراف بأننا خطاة وأن نحيا بوداعة ومحبة.

فاصل

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى