تفسير المزمور ٣٠ للقس أنطونيوس فكري

المزمور الثلاثون (التاسع والعشرون في الأجبية)

  • وهو مزمور شكر لداود، ويقول البابا أثناسيوس الرسولي أنه قاله لما عرف أن الرب قد غفر إثمه، وتجددت بالتوبة نفسه الكائنة في بيت الرب والتي هي ذاتها بيت الله وبعد أن كان نتيجة الخطية (امرأة أوريا) مستوجباً الموت والجب، شفاه الله بتوبته وقبله ثانية. وقد يكون عنوان المزمور “تدشين البيت” قد أضيف لاحقاً بعد أن انتهى سليمان من بناء الهيكل.
  • هذا المزمور مناسب جداً وضعه هنا بعد المزمور السابق، الذي يحدثنا عن عمل الروح القدس في تجديد الإنسان وبناء إنساناً جديداً كهيكل لله، يملك الله عليه فالإنسان عموماً كان بسبب خطيته هالكاً، وبعمل المسيح وتجديد الروح القدس صار له خلاص. فداود بسقوطه يرمز لسقوط الإنسان وفي توبته وقبول الله له ثانية يرمز لعدم هلاك الإنسان نهائياً بل هناك رجاء في شفاء الإنسان من مرض الموت.
  • وترنم الكنيسة هذا المزمور في صلاة الساعة الثالثة لتذكر الأعداء الذين كانوا محيطين بالمسيح وحكموا عليه بالموت والله لم يجعلهم يشمتوا فيه بل أقامه وأصعد نفسه من الهاوية، وأصعد معه نفوس البشر الذين فداهم وأقام منهم الروح القدس كنيسة مسبحة مرتلة تحيا في سلام، لقد شفاها الله. لقد فقدنا صورتنا الأولى، صورة الله، ولكن كان عمل المخلص أن يقيم منا مسكناً له دشنه الروح القدس.

 

الآيات (1،2): “أعظمك يا رب لأنك نشلتني ولم تشمت بي أعدائي. يا رب إلهي استغثت بك فشفيتني.”

هذه صلاة شكر من داود لله الذي قبل توبته. وصلاة شكر ترفعها الكنيسة والطبيعة البشرية التي خلصت من الموت ولم تعد الشياطين تشمت فيها. والشفاء هنا هو شفاء من وباء يصعب وقفه (2صم16:24).. إني أنا الرب شافيك (خر26:15) وكم من أمراض جسدية ونفسية بل الموت نفسه قد لحقت البشرية بسبب الخطية.

 

آية (3): “يا رب أصعدت من الهاوية نفسي أحييتني من بين الهابطين في الجب.”

نزل المسيح إلى الجحيم لينقذ من كان فيه ساكناً على الرجاء (أف6:2).

 

الآيات (4،5): “رنموا للرب يا أتقياءه واحمدوا ذكر قدسه. لأن للحظة غضبه حيوة في رضاه. عند المساء يبيت البكاء وفي الصباح ترنم.”

هنا يسأل المرتل كل من آمن بخلاص الله أن يسبح الله معه، ودعاهم داود قديسين أو أتقياء، فالله قدسهم، ومن تقدس يسبح الله فلا انفصال بين حياة القداسة وحياة التسبيح. ونرى هنا مراحم الله، فغضبه لا يمتد طويلاً= لأن للحظة غضبه= فالله يغضب ليؤدب لا لينتقم. أما السبعينية فترجمتها لأن سخطاً في غضبه وهما متكاملان. فالله في غضبه سخط على الإنسان فمات ولكن في رحمته لم يتركه طويلاً بل دبر فداءه سريعاً. وحياة في رضاه= أعطانا قيامة مع المسيح. فبموت المسيح عنا جلب علينا رضا الله ووهبنا حياة أبدية برضاه وليس باستحقاقنا.

وهذا المزمور هو تسبحة كل خاطئ تائب حتى الآن فبخطيتنا نستحق الهلاك في الجب وبتوبتنا يرضى الله علينا فننجو من الجب، ونسبح الله على قبوله لنا. والتسبيح هو عمل الروح القدس فينا الذي يدفعنا لنسبح كما عَلَّم داود المرتل لغة التسبيح. عند المساء يبيت البكاء وفي الصباح الترنم= ففي المساء دفن المسيح وبكي أحباءه وفي باكر الأحد قام فرنموا. وفي مساء هذا العالم يكون لنا ضيق وحزن وفي فجر الحياة الأبدية يحل السرور والترنم. فالعالم مساء والأبدية صباح لأن شمس البر ضياؤها. وفي مساء المسيحي (سقوطه في الخطية) بكاء وحزن وفي صباح توبته سرور وفرح.

 

الآيات (6،7): “وأنا قلت في طمأنينتي لا أتزعزع إلى الأبد. يا رب برضاك ثبت لجبلي عزاً حجبت وجهك فصرت مرتاعاً.”

هنا يحدثنا المرتل عن حالته قبل الخطية إذ ظن نفسه لن يتزعزع وكان مطمئناً لذلك، وإذ إتكل على ذاته أخطأ فحجب الله وجهه عنه، فصار محروماً من نعمة الله ورحمته. ولقد حدث مع داود هذا فعلاً إذ في كبرياء قلبه أراد إحصاء الشعب فسقط سقطة عظيمة. وهنا يعترف أن كل ما كان جميلاً وعظيماً فيه إنما هو برضاء الله وليس لبر فيه= يا رب برضاك ثبت لبهائي (لجبلي) عزاً والعكس حين صرف الله وجهه عنه تحوَّل الجمال والقوة إلى قلق واضطراب. وهذا ما حدث للبشرية إذ بسقوطها فقدت سلامها وقوتها وسلطانها.

 

آية (8): “إليك يا رب أصرخ وإلى السيد أتضرع.”

إذ شعر داود بحالة فقدان السلام والقلق لم يكن أمامه سوى أن يصرخ إلى الله.

 

آية (9): “ما الفائدة من دمي إذا نزلت إلى الحفرة. هل يحمدك التراب. هل يخبر بحقك.”

في صراحة الحب يصرخ لله، ما المنفعة في هلاكي وفي أن تفقد يا رب أحد محبيك. هنا نجد عتاب الحب، فهو يستجدي بدالة مراحم الله ويطلب تحقيق مواعيده الإلهية.

 

آية (10): “استمع يا رب وارحمني يا رب كن معيناً لي.”

جاءت في السبعينية بلغة (صيغة) الماضي. أي الله استجاب لتضرعاته.

 

آية (11): “حولت نوحي إلى رقص لي حللت مسحي ومنطقتني فرحاً.”

حول الله حزنه إلى فرح [1] حينما قبل توبته شخصياً [2] بفداء المسيح للبشرية كلها. لقد أبدل داود ثوب التوبة الذي يحيط بجسده مثل مسوح بثوب عرس يتمنطق به. صارت له ثياب عيد ليشترك في احتفال بهيج ورقص روحي. فتغيير الملابس يكشف عن تغيير داخلي في نفس المرتل حيث استجيبت صلاته (لذلك في كنيستنا القبطية نرتل هذا المزمور أثناء ارتداء ملابس الخدمة البيضاء قبل صلاة القداس) والمسيح ارتدى جسدنا الخاطئ ليكون قابلاً للموت عنا ليعطينا أن نرتدي بهائه، ألبسنا المسيح، فهو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له (تسبحة يوم الجمعة).

 

آية (12): “لكي تترنم لك روحي ولا تسكت. يا رب إلهي إلى الأبد أحمدك.”

التسبيح هو النتيجة الطبيعية لنعمة الله التي شملتنا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى