تفسير المزمور ٢٠ للقس أنطونيوس فكري

المزمور العشرون (التاسع عشر في الأجبية)

نظم داود هذا المزمور عند حربه مع بني عمون وأرام الذين جاءوا بعدد عظيم من الخيل والمركبات لمحاربته (2صم6:10،8 + 1أي7:19). ولقد نصر الله داود، ودائماً ينصر الله عبيده الأمناء فهذا حدث مع حزقيا عند حصار أشور لأورشليم. فمن يتكل على الله لا يكون لفرسان الأعداء وقوتهم أي قدرة على إلحاق الأذى به.

  • ويرى عدد من آباء اليهود أن هذا المزمور خاص بالمسيا. وهكذا رأى عدد من أباء الكنيسة (أثناسيوس وأغسطينوس) أنه نبوة عن آلام المسيح وانتصاره وانتصار الكنيسة فيه.
  • بل كل مؤمن يرتل هذا المزمور على أنه الملك الذي سينصره الله “جعلنا ملوكاً وكهنة” (رؤ6:1) فمن يختار المسيح يختار الطريق الضيق، طريق الشدة ولكن الله ينصره ويستجيب له.

 

آية (1): “ليستجيب لك الرب في يوم الضيق. ليرفعك اسم إله يعقوب.”

الله استجاب لداود في يوم شدته، وهكذا يستجيب لكل من يصرخ إليه. ولنفهم أن حياتنا على الأرض هي حرب متصلة، أعدائنا محيطين بنا (الشياطين) ولكن الله معنا. ويوم الضيق بالنسبة لنا هو حياتنا في هذا العالم، في كل تجربة وكل شدة. ويوم الضيق بالنسبة للمسيح كان يوم الصليب. ونحن في حياتنا الآن نشترك مع المسيح في صليبه. وذكره ليعقوب[**] فهو أبو الشعب كله والذي صارع مع الله. وبذلك نذكر أهمية الجهاد مع الله.

 

آية (2): “ليرسل لك عوناً من قدسه ومن صهيون ليعضدك.”

من قُدسهِ= تابوت العهد أو الخيمة في العهد القديم. والآن فالمسيح جالس عن يمين الآب ليعين كنيسته، بل هو ساكن فينا ونحن هيكله يستجيب كل من يدعوه. وهو ساكن في كنيسته صهيون= وهنا نرى أهمية صلاة الكنيسة عن الفرد، الكنيسة صلاتها فعالة (أع5:12).

 

آية (3): “ليذكر كل تقدماتك ويستسمن محرقاتك. سلاه.”

يذكر جميع ذبائحك= المرتل يقصد بالمعني المباشر، الذبائح التي كانت تقدم قبل المعركة لينصرهم الله. فالمصالحة مع الله غير ممكنة بدون دم. وذبيحتنا المقبولة التي يذكرها الله دائماً فنصير مقبولين هي ذبيحة المسيح. ويستسمن محرقاتك= فالله قبل ذبيحة المسيح. وعلى كل منا أن يقدم ذبائح ليقبلها الله (العبادة والتسبيح والنفس المنسحقة،..)

 

آية (4): “ليعطِك حسب قلبك ويتمم كل رأيك.”

ليعطِك حسب قلبك= شهوة قلب المسيح كانت خلاص البشر. وكانت إرادة قلب داود أن ينتصر وأعطاه الله سؤل قلبه، فإن كان طلب كل منا بقلبه الخلاص لنلناه. وكل من يسلك حسب إرادة الله يعطيه الله طلبة قلبه. ويستسمن محرقاته= كل ما يقدمه يبارك الله فيه ويقبله. فإن صلَّى يبارك الله في صلاته ويعلمه كيف تكون صلاته مقبولة ثم يقبل ما سيقدمه وتكون صلاته محرقة ذات رائحة لذيذة. ويعطيه الله قلباً نقياً يطلب طلبات نقية ثم يستجيب الله ويعطيه حسب قلبه النقي.

أما ذوو القلب الشرير سيعطيهم الله أيضاً حسب قلوبهم، ولما اشتهى بنو إسرائيل أن يكون لهم ملكاً يفتخرون به أمام الأمم أعطاهم الله شاول أطول وأعرض من في الشعب. وفي نهاية الأيام سيسمح الله بظهور ضد المسيح فهذا سيكون بحسب قلب البشر.

 

آية (5): “نترنم بخلاصك وباسم إلهنا نرفع رايتنا ليكمل الرب كل سؤلك.”

هنا اعتراف بخلاص الله لأنه خلَّص مسيحه داود وأقام المسيح ليقيمنا ويستجيب دائماً لطلباتنا. فمن يسير وراء المسيح دائماً يسبحه إذ يرى أعمال خلاصه، حقاً الطريق ضيق لكنه مفرح لذلك فعبيد الله يسبحونه على كل الفرح الذي يعطيه لهم. ومن يثبت نظره على الله لن ينشغل بعطاياه بل ينشغل به هو فيسبحه ويعترف بعمله العجيب. باسم إلهنا نرفع رأيتنا (ننمو سبعينية). الرايات هي رايات النصرة بالمسيح الغالب. ولأن القيامة يتبعها نمو مستمر، فالمسيحي في طريق خلاصه يمارس التوبة وينمو كل يوم إلى قامة ملء المسيح: نمو في محبة الله ومحبة الآخرين والقداسة والصلاة.. كل هذا باسم الله.

 

آية (6): “الآن عرفت أن الرب مخلص مسيحه يستجيبه من سماء قدسه بجبروت خلاص يمينه.”

خلاص المسيح كان بقيامته وخلاصنا هو بقيامته وتوبتنا المستمرة لنثبت فيه.

 

الآيات (7-9): “هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل. أما نحن فاسم الرب إلهنا نذكر. هم جثوا وسقطوا أما نحن فقمنا وانتصبنا.”

سلاح الأعداء قوي ولكن الله هو سلاحنا به نغلب ولا نسقط أبداً. وهنا نرى خلاص الكنيسة كلها ونصرتها في مسيحها المنتصر.

 

وهذا المزمور نصيه في الساعة الثالثة فالمسيح كان في ضيقته قد تخلى عنه الجميع ولكنه انتصر.


 

المزمور الثالث والعشرون (الثاني والعشرون في الأجبية)

كثير من مزامير داود مملوءة بالشكوى، أما هذا المزمور الرائع فمملوء بالتعزيات وبكلمات الفرح عن الله الراعي الذي يقوده فلا يخاف. وهذا المزمور من أروع تأملات داود عن رعاية الله. والمسيح هو الراعي الصالح (يو10) هو يبذل نفسه عن الخراف وفي المزمور السابق مباشرة (مز22) رأينا كيف يبذل المسيح نفسه عن كنيسته، وهنا نرى الراعي يُدخل قطيعه إلى مراعٍ خضراء باستحقاقات صليبه، هو تسبحة ثقة في الله وداود كان راعي غنم وغالباً قال هذا المزمور وهو يتأمل في علاقته بقطيعه وفي نفس الموقت يتأمل في عناية الله به في كل مراحل حياته، فوجد أن الله هو الراعي الحقيقي له.

 

الآيات (1،2): “الرب راعي فلا يعوزني شئ. في مراعٍ خضر يربضني. إلى مياه الراحة يوردني.”

هنا نرى الرب الراعي. ونلاحظ أن الراعي يلتصق اليوم كله برعيته ويعيش معها، يقوتها ويغذيها ويقودها ويحميها. فحينما نسمع أن الله ربنا وملكنا نشعر بقوته ومجده. لكن حينما نسمع أنه راعينا نشعر بحلاوته ورقته وعنايته. وإذا كان الرب راعىّ فلن أعتاز شئ، بل هو يرعى حتى شعور رؤوسنا، يسد احتياجاتنا الروحية والمادية ويحمي القطيع من الذئاب (الأعداء الروحيين والجسديين). والله دبر لكنيسته رعاة يخدمون شعبه ويتشبهون بالراعي الأعظم ولكنه هو وحده الراعي الكامل الصلاح. الذي يعرف خرافه بأسمائها. ومهما كانت شدة الضيقة التي أجتازها لن يعوزني شئ. في مراعٍ خضر يربضني= هذه المراعي هي كلمة الله (الكتاب المقدس). وهي الكنيسة نتعلم فيها ونسكن فيها ونأخذ من خيراتها. ونلاحظ أن أرميا وحزقيال ويوحنا الرائي أكلوا كلمة الله فهي مشبعة، والأكل معناه أن نهضم الكلمة ونختبرها. والتعاليم التي نحصل عليها في الكنيسة هي طعام نقي، أما ما هو خارج الكنيسة فطعام غير نقي والكنيسة نجد فيها أشهى مائدة (جسد الرب ودمه). إلى مياه الراحة يوردني= الراعي هو الذي يقود القطيع ليشرب ويرتوي من ينابيع الروح القدس. وهذا ما كنا نحصل عليه إلا بعد أن قدَّم الراعي نفسه عنا على الصليب (مز22) (يو37:7،38). هذا الماء يروي الشجرة المغروسة على مجاري المياه. والروح القدس هو معطي النعمة لكل مؤمن خلال الأسرار بدءاً بماء المعمودية.

 

الآيات (3،4): “يرد نفسي يهديني إلى سبل البر من أجل اسمه أيضاً إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معي. عصاك وعكازك هما يعزيانني.”

هنا نجد المسيح هو الطريق والقائد في هذا الطريق. ليرد النفوس التائهة إلى الكنيسة (بيت الآب)، كما عاد الابن الضال لبيت أبيه، وحينما نبتعد يدفعنا الروح القدس لنعود. وهذه العطايا ليست من أجل استحقاقنا لكن من أجل اسمه والرب رسم لنا طريقاً ضيقاً، لكنه هو الذي يقودنا. بل يستخدم الله بعض التجارب والآلام ليردنا للطريق أن لم نسمع لصوت التعزيات. وما هي سبل البر إلا بر المسيح فهو يقودني إلى ذاته بكونه الطريق الأمِنْ الذي يحملنا بروحه القدوس إلى حضن الآب. بل من يثبت في المسيح الطريق لا يخاف الموت فهو ذاقه لأجلنا من قبل ويعرف طريق الخروج منه بالقيامة. ولن نخاف مادام معنا لأنه سيأخذنا معه إلى طريق القيامة، بل لن نخاف من أي ألم فهو قد إجتاز أصعب آلام وهي آلام الصليب وخرج منها منتصراً. إذا سرت في وادي ظل الموت= وادي ظل الموت هو هذه الحياة بحروبها وضيقاتها، وآخر عدو لنا وأصعب ضيقة هي الموت، ولكنه يسميه هنا ظل الموت، فلم يَعُدْ للموت سلطان علينا لم يَعُدْ الموت موت أبدى، بل هو انتقال “من آمن بي ولو مات فسيحيا”. عصاك وعكازك هما يعزيانني= الراعي يستخدم العصا في طرد الحيوانات المفترسة بعيداً عن قطيعه، والعكاز ليستند عليه وبه يضرب الخروف الجامح الذي يحاول الهروب وهذا يشير لتأديب الأبوة الحانية الحازمة. وهذا ما يعزينا أنه لا يتركنا نبتعد فنتوه. فعصاته هذه تحمينا من الذئاب الخارجية والذئاب الداخلية (ميولنا المنحرفة وراء شهوات الجسد).

 

الآيات (5،6): “ترتب قدامي مائدة تجاه مضايقي. مسحت بالدهن رأسي. كأسي ريا. إنما خير ورحمة يتبعانني كل أيام حياتي وأسكن في بيت الرب إلى مدى الأيام.”

هنا نجد المسيح الصديق المضيف، الذي أعد وليمة بذبيحة نفسه ليشبعني ويهبني فرحاً. لقد وجد راعينا أن عدونا قائم ضدنا فأعد هو بنفسه المائدة لنجلس ونأكل دون أن نخاف العدو الذي يطرق أبوابنا. وكما أعد الله المن لشعبه طعاماً في رحلة غربتهم أعد لنا مائدة التناول في رحلة غربتنا. فالأعداء حاولوا إعاقة رحلتنا إلى السماء مسكننا الإلهي، فأعطانا راعينا جسده نثبت فيه حتى نصل إلى مسكننا. ونلاحظ أن الله أعطى المن لشعبه بعد الخروج، والمسيح أعطانا جسده بعد أن حررنا بصليبه من عبودية إبليس مسحت بالدهن رأسي= إشارة لسر الميرون وبه نصير مسكنا للروح؟ ومن ثماره الفرح الذي ملأ كأسي فإرتويت من محبة الرب (الخمر رمز للفرح). فقديماً كانوا في الحزن يلبسون المسوح ويجلسون في الرماد. وفي الفرح يدهنون بالزيت. وكان مسح الضيف بالزيت علامة تكريم وكأن المسيح يستضيفنا على مائدة ويدهنا بزيت ليفرحنا ويخزي أعدائنا لمحبته لنا. ونلاحظ أن الراعي يحمل معه زيتاً لترطيب جراحات قطيعه. وأما الكأس للرعية فهي كتلة حجرية منحوتة ومجوفة يملأها الراعي بالمياه العذبة كل اليوم ليشرب القطيع والراعي يملأها دائماً حتى تفيض، فيبرد الماء المنسكب جدرانها= كأس ريا= أي مروية وفي هذا إشارة للبركات والتعزيات الدائمة. وهذه التعزيات والبركات نأخذها من داخل الكنيسة= مسكني في بيت الرب مدى الأيام. ونجد في مثل ناثان النبي لداود أن الحمل هنا سكن في بيت الراعي (2صم1:13-3). وقوله مدى الأيام يشير لسكنانا هنا وفي الأبدية في بيت الرب.

 

ونصلي هذا المزمور في الساعة الثالثة، التي نذكر فيها صدور الحكم على مخلصنا الراعي الصالح في وادي الموت، ويعطينا الروح القدس بمسحته في مثل هذه الساعة.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى