تفسير المزمور 130 للقمص أنطونيوس فكري
في هذه الساعة نذكر دفن الرب يسوع ونزوله إلى الجحيم ليخلص قديسيه من هناك. والنوم يسميه البعض الموت الصغير، فالمسيح قال عن لعازر حين مات “حبيبنا لعازر قد نام” ونحن في صلاة النوم نذكر أننا سننام أي سنموت يومًا ما، فنقدم توبة قبل أن تأتي تلك الساعة، وكما نرجو أن نقوم في الصباح التالي بعد نومنا، هكذا نرجو أن تكون لنا أبدية سعيدة مع الله في القيامة حين نقوم في اليوم الأخير.
وهذا المزمور هو من ضمن ترانيم المصاعد. وكنا قد توقفنا في المزمور السابق مباشرة عند الاضطهادات والآلام التي تعاني منها الكنيسة في هذا العالم، أو الآلام ومكائد إبليس ضد النفس طالما كنا متغربين عن السماء، وماذا تفعل النفس المتألمة؟
آية (1): “مِنَ الأَعْمَاقِ صَرَخْتُ إِلَيْكَ يَا رَبُّ.”
من الأعماق صرخت إليك يا رب= من عمق الأحزان أو عمق الآلام أو عمق الخطية (إذ تقدم النفس توبة ترجو معونة الله). ومن أعماق القلب وليس من الشفتين فقط. وبالنسبة للمسيح فالأعماق تشير للجحيم الذي ذهب إليه بعد موته على الصليب ليخلص من فيه. ولمن نصرخ ونلجأ إلا لله وحده. صرخت= ليس المعنى تعلية الصوت، إنما رفع القلب لله، والصلاة بإرادة عقلية وبكل الحواس. والمسيح صرخ والله استجاب له وخلص الكنيسة.
آية (2): “يَا رَبُّ، اسْمَعْ صَوْتِي. لِتَكُنْ أُذُنَاكَ مُصْغِيَتَيْنِ إِلَى صَوْتِ تَضَرُّعَاتِي.”
يجب أن يكون لنا إيمان بأن الله يستجيب إن طلبنا بإيمان. (عب16:4). ولكن المرنم هنا في إنسحاق كأنه يقول “يا رب أنا غير مستحق أن تسمع صوتي بسبب خطاياي ولكن إسمع وأنظر لضعفي وإسمع لصوتي”. والله يستجيب للمنسحق (مز51: 17).
آية (3): “إِنْ كُنْتَ تُرَاقِبُ الآثَامَ يَا رَبُّ، يَا سَيِّدُ، فَمَنْ يَقِفُ؟”
لو عاملنا الله بعدله كما نستحق لهلكنا، ونحن لا أمل لنا سوى مراحمه لذلك لا تكف الكنيسة عن ترديد صلاة “يا رب ارحم”.
آية (4): “لأَنَّ عِنْدَكَ الْمَغْفِرَةَ. لِكَيْ يُخَافَ مِنْكَ.”
لأن عندك المغفرة= المسيح الذي صار به غفران خطايانا جاء من عند الآب. لكي يخاف منك= ليس معنى مراحم الله وغفرانه أن نقول، قد ضمنا الخلاص فلنفعل كما نريد، بل لنتمم خلاصنا بخوف ورعدة، فالله في عدله سمح أن ابنه يصلب، فإن أهملنا خلاصًا هذا مقداره، ولم نقدم توبة ونمتنع عن خطايانا فكم تكون عقوبتنا (عب3:2).
آية (5): “انْتَظَرْتُكَ يَا رَبُّ. انْتَظَرَتْ نَفْسِي، وَبِكَلاَمِهِ رَجَوْتُ.”
علينا أن ننتظر الرب بثقة في وعوده فهو يحققها في الوقت الذي يراه مناسبًا. فهو في ألامه شعر بألامنا وهو قادر بل ويريد أن يعين المجربين (عب2: 18)، ونحن في آلام هذا العالم علينا أن نثق في الخلاص وفي وعود الرب لنا.
آية (6): “نَفْسِي تَنْتَظِرُ الرَّبَّ أَكْثَرَ مِنَ الْمُرَاقِبِينَ الصُّبْحَ. أَكْثَرَ مِنَ الْمُرَاقِبِينَ الصُّبْحَ.”
الحارس على الأسوار ينتظر الصبح بفارغ صبر ليذهب ليستريح، هكذا علينا أن ننتظر مجيء الرب شمس البر، فنستريح من آلام هذا العالم “هنا رجاء في القيامة” وفي السبعينية ترجمت الآية أكثر من المراقبين الصبح = “من محرس الصبح إلى الليل“. بمعنى أن الحراسات في الليل تنقسم إلى 4 نوبات من الساعة 6 إلى الساعة 9 والثانية من الساعة 9 إلى الساعة 12 والثالثة من الساعة 12 إلى الساعة الثالثة والرابعة وتسمى محرس الصبح تبدأ من الساعة 3 صباحًا حتى الساعة 6 صباحًا. ويكون المعنى أننا ننتظر الرب منذ الصباح وحتى المساء أي دائمًا نحن متكلين عليه، نظرنا عليه دائمًا متوقعين منه خلاصا.
آية (7): “لِيَرْجُ إِسْرَائِيلُ الرَّبَّ، لأَنَّ عِنْدَ الرَّبِّ الرَّحْمَةَ وَعِنْدَهُ فِدًى كَثِيرٌ،”
المرتل ينصح كل إنسان أن يترجى الرب فعنده فدى كثير= عنده خلاص لكل ألامنا.
آية (8): “وَهُوَ يَفْدِي إِسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ آثَامِهِ.”
نبوة واضحة عن عمل المسيح الكفاري الفدائي.