تفسير يشوع بن سيراخ ١ للقس أنطونيوس فكري


 

الإصحاح الأول

آية (1): “1 كل حكمة فهي من الرب ولا تزال معه إلى الأبد.”

الحكمة الحقيقية هي من الرب، يعطيها لمن يريد ولكنها لا تفارقه. فالحكمة هي الإبن الكلمة (يو1:1) والروح القدس هو روح الحكمة (إش2:11). ومن يسكن فيه الروح يكون له الحكمة (2تي7:1).

 

آية (2): “2من يحصي رمل البحار وقطار المطر وأيام الدهر ومن يمسح سمك السماء ورحب الأرض والغمر.”

الله بحكمته خلق كل ما نراه “به كان كل شئ” (يو3:1) قطار المطر= قطرات الأمطار.

 

آية (3): “3 ومن يستقصي الحكمة التي هي سابقة كل شيء.”

الحكمة أزلية، لأن الله أزلي. وطالما الله موجود فالحكمة فيه لا تفارقه. “في البدء كان الكلمة” (يو1:1) ومن يستطيع أن يصل لبداياتها ومتى بدأت؟

 

آية (4): “4 قبل كل شيء حيزت الحكمة ومنذ الأزل فهم الفطنة.”

فالحكمة بها كان كل شئ. الفطنة= هي السلوك العملي للحكمة. هنا حكمة الله تولد من الله لتخلق العالم.

 

الآيات (5-10): “5 ينبوع الحكمة كلمة الله في العلى ومسالكها الوصايا الأزلية. 6 لمن انكشف اصل الحكمة ومن علم دهاءها. 7 لمن تجلت معرفة الحكمة ومن أدرك كثرة خبرتها. 8 واحد هو حكيم عظيم المهابة جالس على عرشه. 9 الرب هو حازها ورآها وأحصاها. 10وأفاضها على جميع مصنوعاته فهي مع كل ذي جسد على حسب عطيته وقد منحها لمحبيه.”

  1. هنا نرى أن ينبوع الحكمة هو كلمة الله= الكلمة مولود من الآب أزلياً. وبالنسبة للبشر فالذي يريد أن يحيا حكيماً فليسلك بحسب الوصايا. الله وحده يحوز الحكمة، وهو يعطيها لمحبيه. وعلى جميع مصنوعاته= فهو بحكمة خلق وصنع كل شئ. ورآها= والسيد المسيح يقول “لا يقدر الإبن أن يعمل من نفسه شيئاً إلاّ ما ينظر الآب يعمل” (يو19:5) + “لأن الآب يحب الإبن ويُريه جميع ما يعمله” (يو20:5). الحب هنا إشارة للوحدة والرؤيا تشير للتطابق. فكل ما للآب هو للإبن وكل ما للإبن هو للآب (يو15:16) إذاً الحكمة هي خاصة بالله وحده، هو يحوزها ويحتويها ويعطيها لمن يحبه. والحصول عليها سهل.. بتنفيذ وصايا الله. فالحكمة متطابقة مع الشريعة.

 

الآيات (11-20): “11 مخافة الرب مجد وفخر وسرور وإكليل ابتهاج. 12 مخافة الرب تلذ للقلب وتعطي السرور والفرح وطول الأيام. 13 المتقي للرب يطيب نفسا في أواخره وينال حظوة يوم موته. 14 محبة الرب هي الحكمة المجيدة. 15والذين تتراءى لهم يحبونها عند رؤيتهم لها وتأملهم لعظائمها. 16 راس الحكمة مخافة الله أنها تولدت في الرحم مع المؤمنين وجعلت عشها بين الناس مدى الدهر وستسلم نفسها إلى ذريتهم. 17 مخافة الرب هي عبادته عن معرفة. 18 العبادة تحفظ القلب وتبرره وتمنح السرور والفرح. 19 المتقي للرب يطيب نفسا وينال حظوة في يوم وفاته. 20 كمال الحكمة مخافة الرب أنها تسكر بثمارها.”

من يخاف الرب يطيع وصاياه. ومن يفعل يحيا في فرح. فالله لا يريد أن يتحكم في البشر ويذلهم عن طريق الوصايا، بل أعطانا الوصايا لكي نحيا في فرح. لذلك حينما أراد الله أن يقول لشعب إسرائيل أنه أعطاهم شيئاً حسناً وعمل معهم أعمال حسنة، لم يقل ضربت المصريين لكم أو شققت البحر لكم.. بل قال أعطيتكم الوصايا التي بها يحيون في فرح (حز11:20). ومخافة الرب مجد وفخرفالمجد هو أن يسكن الله في وسطنا (زك5:2). ومن يحفظ الوصايا يأتي الآب والإبن ويصنعوا عنده منزلاً، فيكون له مجد (يو23:14). وإذا أطاع إنسان وصايا الله يمتلئ من الروح القدس ومن يمتلئ من الروح يمتلئ فرح وسلام (غل22:5) بل يستمر في حالة الفرح حتى موته. أما العالم إن أعطى شئ يعطي لذة لا تدوم سوى لحظات يعقبها غم وكآبة. ولاحظ أن رأس الحكمة مخافة الله= البداية لكي تكون حكيماً أن تخاف الله خالق هذا الكون والذي له الحق أن تطيع وصاياه. وكمال الحكمة مخافة الرب= هنا إستبدل لفظ الله بلفظ الرب. فالرب هو الله الذي له علاقة حب خاصة مع شعبه. فكمال الحكمة أن أكتشف علاقة الحب هذه الخاصة. إذاً أخاف أن أغضب الله عن حب= تُسِكرُ بثمارها= الخمر إشارة للفرح الناشئ عن الحب. لذلك محبة الرب هي الحكمة المجيدة= فمن الحكمة أن تحيا في فرح كل أيام حياتك وحتى موتك. ولهذا السبب طلب الرب منا أن “حب الرب إلهك من كل قلبك..” (تث5:6) والروح القدس يسكب محبة الله في قلوبنا (رو5:5). ومخافة الله تولد في كل نفس منذ الصغر، وعلى الأباء أن يربوا أولادهم عليها، وتنتقل من جيل إلى جيل. مخافة الرب تلذ للقلب= ليس خوف الذل، بل خوف الحب وهذا يعطي لذة للقلب، فمن يخاف الله ويحفظ وصاياه ثقة في الله، يملأه الروح القدس لذة وفرح. طول الأيام= إشارة لكل بركات الله.

 

الآيات (21-30): “21 تملا كل بيتها رغائب ومخازنها غلالا. 22 إكليل الحكمة مخافة الرب أنها تنشئ السلام والشفاء والعافية. 23 وقد رأت الحكمة وأحصتها وكلتاهما عطية من الله. 24الحكمة تسكب المعرفة وعلم الفطنة وتعلي مجد الذين يملكونها. 25 اصل الحكمة مخافة الرب وفروعها طول الأيام. 26 في ذخائر الحكمة العقل والعبادة عن معرفة أما عند الخطاة فالحكمة رجس. 27مخافة الرب تنفي الخطيئة. 28 غضب الأثيم لا يمكن أن يبرر لان وقر غضبه يسقطه. 29 الطويل الأناة يصبر إلى حين ثم يعاوده السرور. 30العاقل يكتم كلامه إلى حين وشفاه المؤمنين تثني على عقله.”

هنا نرى البركات التي ينالها الذي يخاف الله/ رغائب/ المخازن تمتلئ غلال/ سلام/ شفاء/ عافية. ومن يخاف الله يرى الحكمة ويدركها. “طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله” (مت8:5) وكلتاهما الحكمة ومخافة الله. والحكمة تسكب المعرفة= فسليمان كان يعرف كل شئ. وعلم الفطنة= هي التصرف العملي في كل موقف. وبهذا يكون من يملك الحكمة في مجد. ويشبه الحكمة بشجرة لها أصل وفروع فهي تمتد لكل شئ في حياة الإنسان وطوال عمر الإنسان. في ذخائر الحكمة= من يحوز الحكمة سيكتشف أن لها كنوز هي العقل والعبادة عن معرفة. أما الخطاة فهم يكرهون الحكمة كأنها رجس. وهنا مقارنة بين الحكيم الذي يستطيع أن يسيطر على نفسه وبهذا يستعيد سروره بسرعة، (فالسمة العامة للحكيم أنه مسرور) وبين الجاهل الذي بسبب غضبه الشديد لا يستطيع أن يبرر تصرفاته. بل أن الحكيم لا يتكلم كثيراً ويكتم كلامه إلى حين والكل من الفاهمين= المؤمنين، يفرحون به= شفاه المؤمنين تثنى على عقله. إكليل الحكمة مخافة الرب= الإكليل هو علامة الملك، وعلامة الحكمة هي مخافة الرب. ومن يخاف الله له إكليل. ترجمة أخرى لآية (23) رآها الرب وأحصاها. وهذه الترجمة تقول رأت الحكمة= فالحكمة هنا في نظر الكاتب شخص، هي الرب الذي يقدر كل شئ ويزنه بميزان، وتعطى لمن يستحق.

 

الآيات (31-40): “31 في ذخائر الحكمة أمثال المعرفة. 32 أما عند الخاطئ فعبادة الله رجس. 33 يا بني إن رغبت في الحكمة فاحفظ الوصايا فيهبها لك الرب. 34فان الحكمة والتأديب هما مخافة الرب والذي يرضيه. 35 هو الإيمان والوداعة فيغمر صاحبهما بالكنوز. 36 لا تعاص مخافة الرب ولا تتقدم إليه بقلب وقلب. 37 لا تكن مرائيا في وجوه الناس وكن محترسا لشفتيك. 38 لا تترفع لئلا تسقط فتجلب على نفسك الهوان. 39 ويكشف الرب خفاياك ويصرعك في المجمع. 40 لأنك لم تتوجه إلى مخافة الرب لكن قلبك مملوء مكراً.”

من يريد الحكمة فليحفظ الوصايا فيهب الرب له الحكمة. لا تتقدم إليه بقلب وقلب= أي تقدم إلى الله بقلب بسيط أي له هدف واحد. لا تكن مرائياً= أي تظهر بمظهر أمام الناس يرضيهم، بل إجتهد أن ترضي الله في قلبك وفي تصرفاتك. والحكمة لا تسكن عند المتكبر، إذاً لا تترفع لئلا تسقط (إش15:57) فتفتضح لأنك لم تتوجه إلى مخافة الرب= لم يكن الرب هدفك بل الناس= لكن قلبك مملوء مكراً. من ذخائر الحكمة أمثال المعرفة= من له حكمة يكون له من كنوزها أنه يراقب الأحداث ويستخرج منها معرفة بطرق الله، فيدرك ماذا سوف يحدث. لكن الخاطئ لا يستطيع أن يقدم عبادة لله، هو بعيد بقلبه عن الله، وغير مدرك للأمور. الحكمة والتأديب هما مخافة الرب= من يخاف الرب سيكون له حكمة ولكن سيكون له تأديب، وهذا من محبة الله له “فمن يحبه الرب يؤدبه” (عب6:12) وكيف نستفيد من التأديب= الذي يرضيه الإيمان والوداعة= “فبدون إيمان لا يمكن إرضاؤه” (عب6:11) وما هو الإيمان المطلوب؟ أن الله صانع خيرات (رو28:8). والوداعة عكس التذمر. فبالشكر يزداد الإيمان (كو7:2).

 

زر الذهاب إلى الأعلى