تفسير يشوع بن سيراخ ٢٢ للقس أنطونيوس فكري


 

الإصحاح الثاني والعشرون

الآيات (1-2): “1الكسلان أشبه بحجر قذر كل أحد يصفر لهوانه. 2 الكسلان أشبه بزبل الدمن كل من قبضه ينفض يده.”

 الكسلان سيفتقر ويضطر للإستدانة أو الشخاذة ويهين نفسه= كل أحد يصفر لهوانه. والله خلق الإنسان لكي يعمل (تك5:2،15). وبولس الرسول طالب الكنيسة بأن لا تعطي من لا يعمل شيئاً ليأكل، فهذا ضد الطبيعة (2تس10:3). وإذا كان الإنسان لا يعمل، ففي ماذا سيقضي وقته؟ بالتأكيد سيتفرغ للنجاسة وكل فكر بطال (كالمثل العامي اليد البطالة نجسة) وهذا معنى قول الحكيم هنا أنه أشبه بزبل الدمن= شئ قذر (1تي13:5).

 

الآيات (3-5): “3 الابن الفاقد الأدب عار لأبيه والبنت إنما تعقب الخسران. 4 البنت الفطينة ميراث لرجلها والبنت المخزية غم لوالدها. 5 الوقحة تخزي أباها ورجلها وكلاهما يهينانها.”

لأن الإبن الفاقد الأدب عار لأبيه، وهكذا البنت. إذاً على الوالدين الإهتمام بتربية أولادهما. ولنذكر ما حدث لعالي الكاهن إذ أهمل تربية أولاده.

 

آية (6): “6 الكلام في غير وقته كالغناء في النوح أما السياط والتأديب فهما في كل وقت حكمة.”

هذه عن أهمية التأديب حتى لو كان كالسياط، وهذا لابد أن يكون في كل وقت (2تي2:4). أمّا الكلام العادي فلتكن كل كلمة في وقتها.

 

الآيات (7-18): “7 الذي يعلم الأحمق يجبر إناء من خزف. 8 وينبه مستغرقا في نومه. 9من كلم الأحمق فإنما يكلم متناعسا فإذا انتهى قال ماذا. 10 إبك على الميت لأنه فقد النور وابك على الأحمق لأنه فقد العقل. 11 أقلل من البكاء على الميت فانه في راحة. 12 أما الأحمق فحياته أشقى من موته. 13 النوح على الميت سبعة أيام والنوح على الأحمق والمنافق جميع أيام حياته. 14 لا تكثر الكلام مع الجاهل ولا تخالط الغبي. 15 تحفظ منه لئلا يعنتك وينجسك برجسه. 16اعرض عنه فتجد راحة ولا يغمك سفهه. 17 أي شيء اثقل من الرصاص وماذا يسمى إلا أحمق. 18 الرمل والملح والحديد أخف حملا من الإنسان الجاهل.”

هذه عن الحمقى والحماقة. والحمقى في نظر الحكيم هم من يرفضون التأديب، والتأديب [1] بإتباع وصايا الرب (الشريعة) [2] إتباع وصايا الحكماء والأباء [3] قبول تأديب الرب بدون تذمر. وإذا أصَّرَ الأحمق على عدم التأدب يأتي وقت يستحيل فيه التأديب، حينئذ يكون الأحمق قد صار كإناء خزف مكسور يستحيل إصلاحه= الذي يعلم الأحمق يجبر إناء ومن خزف فالأحمق يشبهه الحكيم بالنائم، إذ لا يريد أن يسمع. بل هو متناعس، أي لا يريد أن يسمع. ويقول عنه أنه فقد العقل ويستحق البكاء. وألا يستحق الرثاء من يسمع أن نهاية طريق الخطية جهنم ويستمر فيها. النوح على الميت سبعة أيام= هذه كانت العادة (تك10:50) + (1صم13:31). ولكن النوح على الجاهل يكون كل أيام حياته فهو يجلب على نفسه التعاسة والشقاء، وعلى أهله يجلب العار. تحفظ من الجاهل والغبي لئلا يُعنِتَك= يتعبك ويسبب لك مشاكل. وينجسك برجسه= ستتعلم طرقه ومسالكه الخاطئة. فمثلاً لو وُجِدَ شاب يدخن وسط فصل دراسي، ففي وقت بسيط سنجد الفصل كله يدخن. هذا الأحمق يمثل عبء على من حوله، هو كثقل عليهم، كالرصاص، وهذا الثقيل يسمى أحمق. أن ترافق أحمق فكأنك تحمل حملاً ثقيلاً من كثرة المتاعب التي يسببها لك. وتتمنى أن تتخلص منه.

 

الآيات (19-23): “19عرق الخشب المربوطة في البناء لا تتفكك في الزلزلة كذلك القلب المعتمد على مشورة سديدة لا يخاف أصلاً. 20 القلب المستند على رأي عاقل كزينة من رمل على حائط مصقول. 21 كما أن الأوتاد الموضوعة في مكان عال لا تثبت أمام الريح. 22كذلك قلب الأحمق الخائف الأفكار لا يثبت أمام هول من الأهوال. 23 قلب الأحمق يخاف في أفكاره أما الذي يستمر على وصايا الله في كل حين فلا يخاف أبداً.”

الذي يستند على مشورة الحكماء يكون ثابتاً، لا يخاف ولا يضطرب، عكس الأحمق الذي يحيا في  مخاوف مستمرة. عرق الخشب المربوطة في البناء لا تتفكك في الزلزلة= كانوا يضعون أحزمة من الخشب في الحوائط لتحمي المباني المبنية من الطوب اللبن، لتحمي المبنى من التفكك، وأيضاً لحماية المبنى من التمدد والإنكماش الناتجان عن الحر والبرد، وتحمي البيت من الزلازل. بإختصار فالحكيم يكون ثابتاً مثل هذا المبنى المدعم بالأخشاب، لأنه مدعم بآراء حكماء. ويشبه هذا العاقل بزينة من رمل على حائط مصقول= غالباً هي تشكيلات من الرمال وتتماسك عن طريق مادة لاصقة فتعطي أشكالاً جميلة. وبدون المادة اللاصقة يسقط الرمل لأن الحائط مصقول. والمادة اللاصقة تجعله في حالة ثبات وهكذا مشورات الحكماء تجعل القلب ثابتاً. والأوتاد الموضوعة في مكان عالٍ= إشارة للأوتاد التي تثبت خيام في أماكن عالية تكثر فيها الرياح وتشتد فتقلع الخيام. هكذا الأحمق فهو ينخلع قلبه أمام الأهوال. ولاحظ في التشبيه هنا أنه يقارن بين الوتد والقلب. والوتد هو الذي يثبت الخيمة، والقلب الهادئ المطمئن الواثق في الله هو الذي يثبت الإنسان في الأهوال. والقلب الهادئ هو المملوء سلاماً ناشئاً عن خبرات حلوة مع الله. وهذا لا ينشأ في القلب إلاّ من العشرة مع الله وتنفيذ وصاياه تاركين الخطايا (آية23).

 

الآيات (24-33): “24 من نخس العين أسال الدموع ومن نخس القلب ابرز الحس. 25 من رمى الطيور بالحجر نفرها ومن عير صديقه قطع الصداقة. 26 أن جردت السيف على صديقك فلا تيأس فانه يرجع. 27 أن فتحت فمك على صديقك فلا تخف فانه يصالح إلا في التعيير والتكبر وإفشاء السر والجرح بالمكر فانه في هذه يفر كل صديق. 28 ابق أمينا للقريب في فقره لكي تشبع معه من خيراته. 29 اثبت معه في وقت ضيقه لكي تشترك في ميراثه. 30 قبل النار بخار الأتون والدخان وكذلك قبل الدماء التقريعات. 31 لا استحيي أن ادفع عن صديقي ولا أتوارى عن وجهه ثم أن أصابني منه شر. 32 فكل من يسمع بذلك يتحفظ منه. 33 من يجعل حارسا لفمي وخاتما وثيقا على شفتي لئلا اسقط بسببهما ويهلكني لساني.”

هنا يشرح الحكيم لنا كيف نحافظ على الصديق وكيف نخسره. فمن نخس (ضرب) العين أسال الدموع. ومن جرح مشاعر صديقه= نخس قلبه أبرز الحس= أي أهاج مشاعره. وتنقطع علاقتك بالصديق وينفر منك إذا عَيَّرته. ربما لو ضربته (جردت السيف عليه) أو فتحت فمك عليه لسامحك ويعود إليك= فإنه يصالح. ولكن ما يجعل الصديق يهرب ولا يعود التعيير (تفضحه بالنقائض التي عرفتها عنه) والتكبر= إذا تعاليت عليه. وإفشاء السر. والجرح بالمكر= حين يشعر الصديق بأنك عملت واحدة من هذه يفر منك. لا تترك صديقك في فقره وضيقه، حتى تستمتع معه بعد ذلك في فترة غناه وخيراته وفرحه، فهو سيظل ذاكراً لك أنك ساندته في ضيقته. والأسوأ في علاقات الناس أن يصل الإنسان لصراع دموي مع أحد، والسبب التقريعات فكما أن دخان الأتون هو علامة على أن النار ستشتعل، هكذا توقع صراع دموي إذا بدأت التقريعات بين شخصين أي الشتائم والإهانات. فإذا إمتنعنا عن الإهانات والشتائم لن نصل للصراع الدموي.

لا أستحي أن أدفع (أحامي) عن صديقي. ولا أتوارى عن وجهه في وقت شدته. وذلك حتى لا أخسره. ثم إن أصابني منه شر= إن أخطأ في حقي بعد أن ساندته= فكل من يسمع بذلك يتحفظ منه فكل من يسمع بأنني كنت أميناً معه، ومع هذا أصابني منه شر، سيتحفظون منه، ويلومونه. ولن يلقي أحد باللوم عليّ أنا.

وآية (33) هي صلاة أو طلبة ليحفظ الله شفتي فلا أنطق بحماقات تكون سبباً في هلاكي.

 

زر الذهاب إلى الأعلى