يو5: 8 قال له يسوع: قم إحمل سريرك وامشِ
“1وَبَعْدَ هذَا كَانَ عِيدٌ لِلْيَهُودِ، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 2وَفِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الضَّأْنِ بِرْكَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ «بَيْتُ حِسْدَا» لَهَا خَمْسَةُ أَرْوِقَةٍ. 3فِي هذِهِ كَانَ مُضْطَجِعًا جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنْ مَرْضَى وَعُمْيٍ وَعُرْجٍ وَعُسْمٍ، يَتَوَقَّعُونَ تَحْرِيكَ الْمَاءِ. 4لأَنَّ مَلاَكًا كَانَ يَنْزِلُ أَحْيَانًا فِي الْبِرْكَةِ وَيُحَرِّكُ الْمَاءَ. فَمَنْ نَزَلَ أَوَّلاً بَعْدَ تَحْرِيكِ الْمَاءِ كَانَ يَبْرَأُ مِنْ أَيِّ مَرَضٍ اعْتَرَاهُ. 5وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً. 6هذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعًا، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَانًا كَثِيرًا، فَقَالَ لَهُ: «أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟» 7أَجَابَهُ الْمَرِيضُ:«يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ، يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ». 8قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ». 9فَحَالاً بَرِئَ الإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى. وَكَانَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ سَبْتٌ.” (يو5: 1-9)
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“قال له يسوع:
قم إحمل سريرك وامشِ”. (8)
قدم له السيد الشفاء بطريقة لم تخطر على فكره، وهي ليس بإلقائه في البركة متى تحرك الماء، وإنما بكلمة تصدر من فمه الإلهي. أمر بسلطان فشُفي المريض.
اعتاد السيد أن يترك علامات بعد المعجزة لكي يتذكر شعبه أعمال محبته، فعندما أشبع الجموع أمر بجمع الكسر. وعندما حوَّل الماء خمرًا طلب من الخدام أن يقدموا للمتكئين. وعندما شفى البرص أمرهم أن يذهبوا إلى الكهنة ليشهدوا بشفائهم. هنا يطلب من المريض أن يحمل السرير الذي حمله أثناء مرضه.
طلب منه حمل السرير ليطمئن أن شفاؤه كامل، وأنه لم ينل القوة الجسدية تدريجيًا بل بكلمة الله وأمره فورًا. إنها صرخة المخلص علي الصليب وهو يتطلع إلي الكنيسة كلها عبر الأجيال منذ آدم إلي آخر، لكي تقوم وتتحرك وتدخل إلي حضن الآب، بيتها السماوي. يطالبها بحمل سريرها الذي هو شركة الصلب معه، لا كثقل علي ظهرها، بل كعرشٍ يحملها، ومجدٍ ينسكب عليها. رأي إشعياء النبي هذا المنظر المبدع بكونه قصة الفداء المفرحة فترنم قائلا: “قومي استنيري، لأنه قد جاء نورك، ومجد الرب أشرق عليك” (إش 60: 1) لم تعد البشرية المؤمنة مطروحة الجسد تحت سطوة الخطية المحطم، بل تمتعت بقوة الروح لتحمل مع عريسها المصلوب صليبه سرّ قوة للخلاص، وتمتع ببهاء المخلص عليها.
ارتبطت قصة شفاء هذا المفلوج بالمعمودية في ذهن الكنيسة الأولي، فوردت في بعض ليتورجيات المعمودية القديمة، كما صورت في بعض سراديب روما للكشف عن إمكانية المعمودية. تصور الرجل المفلوج العاجز عن السير، وقد قام حاملاً سريره علي ظهره في حركة مملوءة حيوية ونشاطًا. صورة رائعة عن عمل المعمودية التي تقيم المؤمن من مرضه المستعصي ليشهد للحياة الجديدة التي صارت له في المسيح يسوع القائم من الأموات!
v “يسوع” تعني “مخلص”، أما في اليونانية فتعني “الشافي”، إذ هو طبيب الأنفس والأجساد، شافي الأرواح، فتح عيني المولود أعمى، وقاد الأذهان إلى النور. يشفي العرج المنظورين، ويقود الخطاة في طريق التوبة، يقول للمفلوج: “لا تخطئ”، وأيضًا: “احمل سريرك وامشِ“، لأن الجسد كان مفلوجًا بسبب خطية النفس. خدم النفس أولاً حتى يمتد بالشفاء إلى الجسد.
لذلك إن كان أحدكم متألم في نفسه من خطاياه، فإنك تجده طبيبًا لك. وإن كان أحدكم قليل الإيمان فليقل له: “أعن عدم إيماني” (مر 24:9).
وإن اصاب أحدكم آلامًا جسدية، فلا يكن غير مؤمنٍ، بل يقترب فإن يسوع يعالج مثل هذه الأمراض، وليعلم أن يسوع هو المسيح.
v “احملوا بعضكم أثقال بعض، وهكذا تمموا ناموس المسيح” (غلا 6: 2). الآن ناموس المسيح هو المحبة، والمحبة لن تتحقق ما لم نحمل أثقال الغير. يقول: “وبطول أناة محتملين بعضكم بعضًا في المحبة، مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام” (أف 4: 2).
حين كنت ضعيفًا حملك قريبك، الآن أنت صحيح، احتمل أنت قريبك. هكذا تملأ يا إنسان ما كان ناقصًا بالنسبة لك. “إذن احمل سريرك“. وحين تحمله لا تقف في الوضع بل “امشِ“. بحبك لقريبك، وبحملك قريبك، تتمم مشيك. إلى أين تسير في طريقك إلى الرب الإله، الذي يلزمنا أن نحبه من كل القلب ومن كل النفس ومن كل الفكر. لتحمله، عندئذ إذ تسير تذهب إلى ذاك الذي ترغب أن تمكث معه. لذلك “احمل سريرك وأمشِ“.
تفسير الأب متى المسكين
8:5و9 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ». فَحَالاً بَرِئَ الإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى. وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَبْتٌ.
ألم يقل القديس يوحنا في بدء روايته: «فصعد يسوع إلى أورشليم»؟ إذن، فقد أتى الفادي إلى صهيون. هكذا رآه إشعياء من وراء الدهور: «ويأتي الفادي إلى صهيون وإلى التائبين عن المعصية في يعقوب يقول الرب..، قومي أستنيري لأنه قد جاء نورك، ومجد الرب أشرق عليك» (إش 20:59 و 1:60). فليست بركة بيت حسدا (بيت الرحمة) ذات الخمس أروقة لتترجى بعد، ولا المياه التي تحركها الملائكة، بل ينبوع الرحمة الدائمة والفائضة مجاناً بلا وسيط وبلا شروط! هي كلمة صدرت منه فأحيت العاجز، وشددت أوصال جسده المنحل، وحركت عضلاته الضامرة، دبت فيها قوة الله فأحيتها بأقوى مما كانت. وظهره الذي انحنى تحت عبء السنين الطوال قام واستقام، وحمل ثقل سريره كظهر شاب يستعرض قواه! لقد صار ماضيه الحزين كقصة وشهادة. وهذا حال كل من صدق وآمن بكلمة المسيح. لم يقل القديس يوحنا أن المُقعد آمن بالكلمة، ولا حتى عرف من هو الذي يكلمه!! لكنها «الكلمة» التي خرجت من فم المسيح «الكلمة».
فلينتبه القارىء إلى قوة «الكلمة» في حد ذاتها، إنها تنتهر الخطية فتلاشيها، وتنتهر المرض فتلغي سطوته. لقد قال المسيح: إن «الكلام الذي اكلمكم به هو روح وحياة» (يو63:6). فإن كانت كلمة المسيح هكذا بهذه القوة فكيف لا نُسكنها قلوبنا؟ وما الذي يقف دون أن تعمل عملها فينا؟ لقد أصابت المُقعد وهو منطرح على سريره، فلماذا لا تصيبنا ونحن منطرحون تحت صليبه؟ و«كلمة» المسيح تعمل عملها ولا تحتاج إلا لمن «يسمعها» ويكون محتاجاً إليها.
لقد استخدم المسيح هذا الإجراء الفريد من نوعه في شفاء المُقعد، الذي لم يكن يعي من هو الذي يكلمه، في إثبات صحة وصدق استعلانه لنفسه: «تأتي ساعة وهي الأن حين يسمع الأموات (بالخطية) صوت ابن الله والسامعون يحيون» (يو 25:5). فالمُقعد نموذج «لموتى الخطية» الذين يعيشون موتهم وهم يريدون الحياة، الذي حالما سمع صوت المسيح قام وحمل سريره ومشى.
فانظر أيها القارىء كيف يقدم القديس يوحنا عناصر قصة شفاء المُقعد بكل دقة وترتيب وحكمة مذهلة لتكون هي نفسها عناصر الحوار اللاهوتي العميق الذي أجراه المسيح مع اليهود بعد ذلك كونه «يعطي الحياة لمن يشاء» (قارن يو21:5)، وأن كل من يسمع مجرد صوته يحيا ولو كان من سكان القبور(قارن يو28:5).
وبالنهاية هي ليست مجرد قصة شفاء أو معجزة باهرة من معجزات المسيح، بل هي قصة عمل الفداء مصورة بعمقها.
ولو يلاحظ القارىء، يجد أن القديس يوحنا على غير العادة لا يذكر أنها آية, كذلك نجد الرب فى هذه القصة صاحب مبادرة إذ أعطى الشفاء كأمر: «قم», «احمل», «امشي». فخضع له المريض كمن يخضع لفعل دخل كيانه وجدد حاله دون أن يكون له أية استجابة واعية مُسبقة, وأنه شفي في الحال دون إجراءات ثانوية كالغسل في البركة أو خلافه. كذلك فلم يشترط عليه الرب أي شرط، وهذه هي طبيعة الفداء بكل جلاء، مجانية مطلقة، من طرف واحد وهو الله في شخص يسوع المسيح.
نحن كلنا هذا المُقعد، إذا أردنا أن نفهم الفداء ونعيه, وإذا تكرمنا أن نقبله طواعية! فنحن تقبلنا هذا الفداء ونحن بعد خطاة مطروحي الجسد تحت ذُلة جبروت الخطية ولا حراك لنا؛ وفعل الفداء سرى فينا ولم يعد لنا, إن كنا نفهم, إلا أن نحمل سريرنا ونذهب نبشر بالذي صنع معنا هذا الفضل الفائق. ولا نعود نخطى، بل نحدث بفضل الذي دعانا إلى الحياة في نوره العجيب.
تفسير القمص أنطونيوس فكري
الآيات (8 ،9): “قال له يسوع قم احمل سريرك وامش. فحالاً برئ الإنسان وحمل سريره ومشى وكان في ذلك اليوم سبت.”
هذا حال كل من يصدق المسيح، فكلمة منه تحيي العاجز وتنتهر الخطية فتلاشيها (يو63:6+ 25:5) فالمقعد نموذج لموتى الخطية ولكن لو لم ينفذ هذا المفلوج أمر المسيح ما كان قد شُفِىَ. وكان لو أعمل عقله لقال كيف أقوم. لكن هو نفد. والمسيح الفادي قدَّم شفاؤه للمقعد دون أن يطلب منه شيئاً. وهكذا فدانا دون ثمن؟ والله يعطي القوة وله سلطان عجيب قم/ إحمل/ إمش. بل إن نقطة الضعف تصبح مصدر قوة ونهضة بعد أن كانت يأساً. أوامر المسيح هي وعود في صورة أوامر وهكذا كل وصايا المسيح (1تس24:5). فكل وصية تحمل في داخلها قوة على التنفيذ. فحالاً= عجيب أن يقوم دون أن يسنده أحد وبدون علاج طبيعي بعد كل هذه المدة من الشلل. والمسيح أعطى المقعد حياة جديدة:
قم= ترمز إلى جدة الحياة التي أعطاها له.
إحمل= ترمز إلى قوة الحياة التي أعطاها له.
إمش= ترمز إلى السلوك في هذه الحياة الجديدة.
سريرك= في اصلها اللغوي هي فرشة الفقير وهي من الحصير. وسريره يمثل ذكرياته المؤلمة عن المرض. وحمل السرير إشارة لطرد الذكريات والخبرات المؤلمة فما عادت تعيق حركته ونموه. هو إشارة لوضع ذكرياتنا المؤلمة وراء ظهورنا لنتقدم.