الولاة الرومان على اليهودية زمن مجئ السيد المسيح

٦-٤١م

اليهودية تحت إدارة الولاة الرومان مباشرة ٦-٤١م

بنفي أرشيلاؤس سنة ٦م وبناء على الشكوى التي قُدمت مـن الوفـد اليهودي الذي كان عددهم خمسين، بالإضافة إلى الضغط الذي أبداه اليهـود المستوطنين في روما وقتئذ وكان يبلغ عددهم في تلك المدة ما يقرب من ثمانية آلاف، تحررت اليهودية من الحكم الملكي المحلي ودخلت تحت الحكم المباشـر لروما. ومع أنها كانت تتبع الإدارة المركزية في سوريا، إلاَّ أن ولاتها الرومـان كان لهم شيء كثير من الاستقلال في الحكم وتصريف الأمور . أمَّا في الأمـور العامة التي تخص شئون الامبراطورية وأوامر الإمبراطور العامة فكان الـوالي في سوريا هو المتصرف العام، وهذا يظهر في عملية الإحصاء العام الثاني الـضريبي الذي أمر به أغسطس قيصر، واضطلع بهذه المهمة في الشرق كيرينيـوس والي سوريا لثاني مرة، لأن المرة الأُولى قام بها أيام ولادة المسيح .
الاكتتاب الأول (لو ١:٢-٣ ) كان إحصاءً عاماً ٤ ق.م
الاكتتاب الثاني (أع ٣٧:٥) كان إحصاءً ضريبياً ٧م

ونجد أن الاكتتاب الثاني اضطلع به كيرينيوس والي سوريا مع أن اليهوديـة كانت تحت إدارة الوالي الروماني كوبونيوس ٦ – ٩م.

كذلك يذكر التاريخ أن كيرينيوس بعد أن جرَّد أرشيلاؤس مـن أموالـه وعقاراته، خلع يوعازا رئيس الكهنة وأقام حنَّان رئيساً للكهنـة، ولقبـه حنَّان بن شيث .

حكم كوبونيوس الوالي الروماني ٦-٩م:

كان أول والي روماني يحكم اليهودية مباشرة، وقد قام في بداية حكمه بمـساعدة كيرينيـوس في عمليـة الإحصاء العام لحصر الضريبة . وقد شعر اليهود بثقل هذا الإجراء وخـصوصاً جماعة الغيورين واعتبروها إذلالاً رسمياً لحرية اليهودي، وجعلتهم يحسون جميعاً أنهم تحت الجزية وبالتالي جعلتهم يحسون بمرارة العبودية. ولولا حكمة رئـيس الكهنة يوعازا لانتشرت الثورة في اليهودية التي قام بها إقلـيم شـرق الأُردن المتحمس بقيادة يهوذا الجليلي الذي من مدينة جمالا، والذي سبق وأن قاد ثورة سابقاً. وقد انضم إليه في هذه المرة صـادوق الفريسي المتعصب أيضاً وأزاغا عدداً وفيراً وراءهما، وسببا اضطراباً ورعباً كثيراً في البلاد.
+ «بعد هذا قام يهوذا الجليلي في أيام الاكتتاب (الثاني) وأزاغ وراءه شـعباً غفيراً، فذاك أيضاً هلك وجميع الذين انقادوا إليه تشتتوا.» (أع ٣٧:٥)

وقد انتهى كيرينيوس من الإحصاء الضريبي العام في سنة ٧م.

ويلاحظ أن قيادة يهوذا الجليلي لثورتين متحمستين بدون سبب معقـول وبدون ردع من المسئولين، بل وانضمام الفريسيين له في هذه المـرة الأخـيرة احتجاجاً على الإحصاء العام، وهو عمل مشروع، مهَّد هذا كله لروح ا لتذمر بين الشعب، الأمر الذي مهَّد لقيام الثورة الكبرى التي قام بها اليهـود ضـد الرومان سنة ٧٠ م، والتي راح ضحيتها ألوف اليهود، حيث دُمرت أُورشليم وأُحرق الهيكل وسُبي الشعب وفقد تاريخه.

متابعة الولاة الرومانيين للحكم :

وبعد رجوع كوبونيوس إلى روما خلفه في حكم اليهودية ماركوس أمبيبولس واسـتمر في الحكـم مـن سـنة ٩-١٢ ١٩، ومن بعده أيضاً تولَّى أنيوس روفوس من سنة ١٢-١٥م، وهذان لم يكن لهما ذكر في تاريخ اليهود .
وفي مدة تولِّي هذا القائد مات أغسطس قيصر ١٤م بعد أن حكم العـالَم سبعة وخمسين سنة وستة أشهر ويومين (٤٤ ق.م-١٤م)، أمَّا حياته فكانت٧٧ سنة وتولَّى من بعده ابن زوجته جوليا واسمه طيباريوس قيـصر (ثالـث إمبراطور على روما )، وهو الذي أرسل القائد فاليريوس جراتس سـنة ١٥-٢٦م ليحكم اليهودية . ويذكر يوسيفوس هذا القائد أن يده كانت ثقيلـة على اليهود وكان جائراً مستبداً في معاملته لليهود. وقد ظهر ذلك في تعرضـه لوظيفة رئيس الكهنة، فقد خلع حنَّان وعيَّن بدلاً منه اسماعيل بن فابي، ولكن بعد مدة يسيرة خلعه هو الآخر وعيَّن بدلاً منه أليعازر، وكان أليعازر بن حنّان رئيس الكهنة السابق، ولم يتركه فيها سنة واحدة حتى خلعه وعيَّن بدلاً منـه سمعان بن كاميثوس، وبعد سنة واحدة عزلة أيضاً وعيَّن بدلاً منه يوسف قيافا، كل ذلك في أقل من إحدى عشرة سنة (١٥- ٢٦م) ، غادر بعدها اليهودية إلى روما، وتعيَّن بيلاطس البنطي (بونتيوس بيلاطس) بدلاً منه.

اليهودية تحت حكم بيلاطس البنطي (٢٦- ٣٦م:

(وُجِدت أثناء حفريات عُملت في سنة ١٩٦١م بمدينـة قيـصرية لوحـة حجرية تحمل اسم “بونتيوس بيلاطس” مع اسم “طيبـاريوس قيـصر” ).
وبيلاطس هو خامس حاكم روماني على اليهودية، عيَّنه طيباريوس قيصر سنة ٢٦م، وهذا يوافق بدء خدمة السيد المسيح تماماً. وطبعاً ليس هذا مصادفة.

وتولَّى بيلاطس البنطي الحكم في اليهودية من سنة ٢٦-٣٦م وبناءً علـى تعديل في حكم مجلس الشيوخ الروماني الصادر في سنة ٢١م الذي بمقتـضاه يصرَّح لحكام الأقاليم أن يصحبوا زوجاتهم معهم، أخذ بيلاطس زوجتـه وأقامت في أُورشليم (مت ١٩:٢٧). وقد بدأ بيلاطس حكمه بتحدي اليهود بأن نقل مركز قيادة الجيش من قيصرية إلى أُورشليم، وأحضر تمثـال قيـصر وشعار الامبراطورية النسر الذهبي ذا المنكبين العريضين ونصبهما ليلاً في مداخل أُورشليم، مما أثار حفيظة اليهود وجعلهم يتوجهون إليه في مقـر قيادتـه في قيصرية وينازعونه علناً في هذا الأمر، وقد هددهم ب يلاطس بالموت . ولكن أمام إصرارهم وشجاعتهم ستة أيام وهم وقـوف لـدى الـبلاط الرومـاني في قيصرية مقدَّمين حياتهم للموت بدون خوف أو تردد، جعل بـيلاطس يرفـع التماثيل والشعارات من أُورشليم وينصبها في قيصرية مرة أخرى.

وقد ذكر هذه الحادثة يوسابيوس القيصري نقلاً عن فيلو اليهودي. ولمَّا حاول بيلاطس مد مجرى ماء جديد إلى مدينة أُورشليم من على بعد ٢٥ ميلاً لتحسين أحوال المدينة، تصدى له اليهود لأنه أراد أن يستخدم أموال الهيكل في ذلك، وكان موسم من مواسم الأعياد الكبرى حيث كان يتجمـع اليهـود ويقدمون ذبائحهم، وقد تزعم المقاومة جماعة من الجليليين لأنهم كانوا أكثـر اليهود تعصباً وأشدهم استعداداً للثورة، مما جعل بيلاطس يأمر جنـوده بـأن يعمل فيهم السيوف فذبح منهم خلقاً عظيماً واختلطت دماؤهم بذبائحهم كما يصف الإنجيل (لو  ١:١٣-٤) وكما يصف يوسيفوس.

وقد حدث أن قُتل في هذه المذبحة كثير من أتباع هيرودس أنتيباس رئـيس ربع الجليل مما جعل الحقد والضغينة والعداوة تزداد بين بيلاطس وهيرودس، والـتي أراد بيلاطس أن يتلافاها في المرة الأخرى التي تعرض لها عندما قدموا إليه المـسيح لمحاكمته وصلبه وعلم أنه من الجليل فأرسله إلى هيرودس لو( ٦:٢٣-١٢).


في هذه الأثناء ظهر المسيح، وقد وصفه يوسيفوس هكذا :
[كان رجلاً حكيماً، إن جاز أن ندعوه مجرد رجل، لأنه كان يـصنع المعجزات، وكان معلِّماً مقبولاً لدى الذين يسرون بالحق . وقد اجتذب إليه كثيراً من اليهود ومن الأمميين . وقد كان “مسيحاً” قد حكم عليه بيلاطس بالصلب بإيعاز من رؤسائنا، لكن الذين أحبوه لم ينسوه لأنـه ظهر لهم حيَّا في اليوم الثالث بحسب ما تنبأ الأنبياء القديسون عنه بهذه الأمور وبعشرة آلاف أمور عجيبة أخرى تخصه. وجماعـة المـسيحيين الذين تسمُّوا باسمه لا يزالون إلى هذا اليوم.]

أما بخصوص حادثة صلب بيلاطس للمسيح فيذكرها المـؤرخ تاسـيتوس الوثني باختصار( Tacitus, Annales, XV, 44).

وفي هذه الأثناء قامت مشاغبات وأعمال غير شريفة من بعـض اليهـود القاطنين في روما، مما اضطر طيباريوس قيصر إلى نفي أربعة آلاف يهودي من روما إلى جزيرة سردينيا وشرد الباقين خارج البلاد.

وقد انتهت أيام حكم بيلاطس البنطي في اليهودية ٣٦م على أثر شكوى تقدم بها السامريون إلى ميثلوس والي سوريا العام ضد بيلاطس، لأنه اسـتخدم ضدهم العنف وذبح الشعب الأعزل بينما كان متجمعاً في جبل جرزيم (المقدس بالنسبة للسامريين ) وهم يبحثون عن تابوت العهد والأواني التي يُقال أن عُزي رئيس الكهنة خبأها في هذا الجبل بأمر الرب ( ١أخ ٦:٦ ).

وقد غادر بيلاطس البنطي اليهودية إلى روما لمقابلة طيباريوس قيصر ليعطي تقريراً عن السبب في هذه الشكوى، وقد أقيل من منصبه وذلك بعد أن حكم اليهودية عشر سنوات. وبينما بـيلاطس في طريقـه إلى رومـا مـات طيباريوس قيصر سنة ٣٧م في شهر مارس.

وقد تعيَّن بدلاً منه لحكم اليهودية مارسيللوس سنة ٣٦م ولم يبق في الحكم إلاَّ مدة قصيرة، لأنه في السنة التالية عيَّن الإمبراطور كاليجولا حاكماً آخـر عوضاً عنه هو ماروللوس الذي صار والياً على اليهوديـة إلى أن تحـول الحكم فيها من ولاية رومانية إلى مملكة تابعة للحكم الروماني، وذلك بتـولِّي الملك أغريباس الأول عليها من سنة ٤١م إلى سنة ٤٤م ومن بعـده عـادت اليهودية مرة أخرى تحت حكم الولاة الرومان

فاصل

المراجع:

  1. تاريخ بني إسرائيل – الأب متى المسكين

فاصل

 بيلاطس البنطي عائلة هيرودس الكبير أغريباس الثاني
تاريخ العهد القديم

 

زر الذهاب إلى الأعلى