تفسير سفر الحكمة ١٠ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح العاشر

الآيات (1-2): “1 هي التي حفظت أول من جبل أبا للعالم لما خلق وحده. 2 وأنقذته من زلته واتته قوة ليتسلط على الجميع.”

أول من جبل أباً للعالم= هو آدم، الذب بسبب خطيته حُكِمَ عليه بالموت، ولكن حكمة الله أي الإبن اللوغوس حفظه من الموت، فظل ما يقرب من 1000سنة حياً ثم مات= أنقذته من زلته= مع أنه كان يستحق الموت فوراً حافظت عليه حكمة الله لمدة حوالي 1000سنة. بل آتته قوة ليتسلط= كان ممكناً للحيوانات أن تقضي عليه إذ فقد سلطانه عليها، لكن الله أعطاه الحكمة حتى يستطيع أن يحيا وسطها. راجع قول بولس الرسول عن المسيح أنه “حامل كل الأشياء بكلمة قدرته” (عب3:1) فهو الذي حفظ الكون حتى اليوم وحفظ حياة البشر. لما خلق وحده= مع أنه وحده لكن الله أعطاه الحكمة والقوة والسلطان حتى لا تؤذيه الحيوانات. وأعطته حكمة ليفهم أسرار الحيوان والنبات ويعطي لكلٍ إسماً. بل حينما مات جاءت الحكمة متجسده (المسيح) ليفديه فيحيا.

 

الآيات (3-4): “3 ولما ارتد عنها الظالم في غضبه هلك في حنقه الذي كان به قاتل أخيه.4 ولما غمر الطوفان الأرض بسببه عادت الحكمة فخلصتها بهدايتها للصديق في آلة خشب حقيرة.”

ولما ارتد عنها الظالم= الظالم هو قايين، حين ترك الحكمة وخضع لشيطان الحسد والغضب والكراهية هَلَكَ= هلك أبدياً بإنفصاله عن الله وهلك كل نسله بالطوفان بسبب غضب الله، إذ حينما إنفصل قايين عن الله إزداد الشر في نسله، وكان شرهم سبباً في هلاك العالم بالطوفان. ولكن الحكمة حفظت نوحاً وأولاده بأن أرشدته لصنع الفلك= آلة خشب حقيرة وهذه إشارة للصليب الذي تم به الخلاص. وقوله آلة خشب حقيرة= قد تكون نبوة عن موت الصليب الذي هو لعنة وموت عار.

 

الآيات (5-7): “5 وهي التي عند اتفاق لفيف الأمم على الشر لقيت الصديق وصانته لله بغير وصمة وحفظت أحشاءه صماء عن ولده. 6 وهي التي أنقذت الصديق من المنافقين الهالكين فهرب من النار الهابطة على المدن الخمس. 7 والى الأمم يشهد بشرهم قفر يسطع منه الدخان ونبات يثمر ثمرا لا ينضج وعمود من ملح قائم تذكارا لنفس لم تؤمن.”

إتفاق لفيف الأمم= هذه عن إتفاق الناس ليبنوا برجاً يصل رأسه للسماء في بابل لقيت الصديق= هو إبراهيم. صانته لله بغير وصمة= الحكمة حفظته بغير خطية. حفظت أحشاءه صماء عن ولده= في ترجمة أخرى “حفظته أقوى من حنانه لولده”= الحكمة أعطته أن يطيع أمر الله والذي هو ضد مشاعره الطبيعية نحو إبنه الوحيد ويقدمه ذبيحة. صماء= قوية متماسكة. هنا في هذه الآيات تضاد بين من فقدوا الحكمة إذ أرادوا أن يتحدوا الله بأن يبنوا برجاً عالياً حتى لا يؤذيهم أي طوفان آخر فتبلبلت ألسنتهم وبين إبراهيم الذي بالحكمة أطاع الله فصار أباً للمؤمنين. وهي التي أنقذت الصديق وصانته من المنافقين= هذه عن لوط فهرب من النار في سدوم وعمورةوإلى الآن يشهد بشرهم قفر= من شدة تركيز الملح في هذه الأرض صارت غير صالحة للزرع= نبات يثمر ثمراً لا ينضج. المدن الخمس= سدوم/ عمورة/ أدما/ صبوييم/ بالغ (صوغر) والأخيرة تركها الله ليسكنها لوط. وقال فيلو السكندري أن هذه المدن الخمس دمرت تماماً وتراكم الملح على أغلبها، ويوجد هناك أعمدة من الملح يطلق على أحدها امرأة لوط.

 

الآيات (8-9): “8 والذين أهملوا الحكمة لم ينحصر ظلمهم لأنفسهم بجهلهم الصلاح ولكنهم خلفوا للناس ذكر حماقتهم بحيث لم يستطيعوا كتمان ما زلوا فيه. 9وأما الذين خدموا الحكمة فأنقذتهم من كل نصب.”

هنا ملخص للأمر كله. إن من عاش بالحكمة التي أعطاها الله للبشر أي ببساطة عاش خائفاً الله أنقذتهم الحكمة من كل نصب أي كل شر وإحتيال وعداوة الآخرين والعكس فمن لم يطيع الحكمة وسار وراء شهواته الخاطئة ظلم نفسه بل ترك ذكراً رديئاً فضح سيرتهم الرديئة. وهذا عمل الشياطين أن ينصبوا فخاخاً للناس فيتركوا الحكمة.

 

الآيات (10-12): “10 وهي التي قادت الصديق الهارب من غضب أخيه في سبل مستقيمة وارته ملكوت الله واتته علم القديسين وأنجحته في أتعابه وأكثرت ثمرات أعماله. 11 وعند طماعة المستطيلين عليه انتصبت لمعونته وأغنته. 12ووقته من أعدائه وحمته من الكامنين له وأظفرته في القتال الشديد لكي يعلم أن التقوى اقدر من كل شيء.”

هذه عن يعقوب= الصديق الهارب من غضب أخيه= قادته الحكمة فيصل إلى بيت خاله وأرته ملكوت الله وأتته علم القديسين= هذه عن سلم يعقوب وفيه رأى يعقوب صورة للفداء وإنفتاح السماء على الأرض. وأنجحته في أتعابه= بارك الله في عمله وأعطاه زوجات وأولاد وعند طماعة المستطيلين عليه= عندما طمع فيه لابان خاله وغير أجرته وأراد أن يتبعه ليؤذيه. الحكمة إنتصبت لمعونته ووقته من أعدائه وأظفرته في القتال= فإرتعب منه لابان إذ علم بأن الله يحميه. ثم حمته الحكمة من غضب عيسو عليه ولم يستطع الإنتقام منه. وربما يشير القتال الشديد لصراعه مع ملاك حتى الفجر.

 

الآيات (13-14): “13 وهي التي لم تخذل الصديق المبيع بل صانته من الخطيئة ونزلت معه في الجب.  14 وفي القيود لم تفارقه حتى ناولته صوالجة الملك وسلطانا على الذين قسروه وكذبت الذين عابوه واتته مجداً أبديا.”

هذه عن يوسف= لم تخذل الصديق المبيع. صانته من الخطية= مع إمرأة فوطيفار ونزلت معه في الجب= لتنقذه فلا يموت في الجب. وهكذا في السجن= في القيود لم تفارقه حتى ناولته صوالجة= جمع صولجان، أي صار له الملك بعد تجارب شديدة. هذا عمل الحكمة التي أعدته للملك عن طريق تجارب شديدة، وأعطته سلطاناً على الذين قسروه= كل من إضطهدوه وأزلوه صار له سلطاناً عليهم. كذبت الذين عابوه= إذ ظهرت حكمته ظهرت معها براءته من التهم الظالمة ضده. بل صار مجداً أبدياً. هذه عظمة الحكمة التي تعطي البركة على الأرض وفي السماء لمن يتبعها.

 

الآيات (15-21): “15 وهي التي أنقذت شعبا مقدسا وذرية لا وصمة فيها من أمة مضايقيهم. 16 وحلت نفس عبد للرب وقاومت ملوكا مرهوبين بعجائب وآيات. 17 وجزت القديسين ثواب أتعابهم وقادتهم في طريق عجيب وكانت لهم ظلا في النهار وضياء نجوم في الليل.  18 وعبرت بهم البحر الأحمر وإجازتهم المياه الغزيرة. 19 أما أعداؤهم فأغرقتهم ثم قذفتهم من عمق الغمار على الشاطئ فسلب الصديقون المنافقين. 20 ورنموا لاسمك القدوس أيها الرب وحمدوا بقلب واحد يدك الناصرة. 21 لأن الحكمة فتحت أفواه البكم وجعلت السنة الأطفال تفصح.”

هنا نرى الحكمة تنقذ وتحفظ شعباً (اليهود) بأكمله من يد فرعون وعبر صحراء سيناء لتصل بهم لأرض الميعاد. حلت نفس عبد للرب= هو موسى الذي إختاره الله مخلصاً لشعبه وهذه النفس قاومت ملوكاً مرهوبين (فرعون أقوى ملوك العالم وقتها) بعجائب وآيات= عجائب وضربات عشر. بل كانت لهم الحكمة ظلاً في النهار وضياء نجوم في الليل= سحابة تقودهم نهاراً وعمود نار ليلاً يقودهم كالنجوم. فسلب الصديقون المنافقين= اليهود سلبوا المصريين في مقابل أتعابهم ولها سبحوا الله. ولقد كان لشعب إسرائيل خطاياه لكن يا لمحبة الله الذي يقول عنهم هنا شعباً مقدساً وذرية لا وصمة فيها= هذه مثل بيت الشعر الذي يقول “عين المحب عن كل عيب كليلة” ومثل هذا قيل عن أيوب “ليس مثله في الأرض. رجل كامل ومستقيم” (أي8:1) فالله يحب شعبه، إبنه البكر بالرغم من نقائصهم ولكنه يؤدبهم كما عمل مع أيوب ومع شعبه إسرائيل.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى