تفسير سفر الحكمة ١٢ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح الثاني عشر

الآيات (1-2): “1 إن في كل شيء روحك الذي لا فساد فيه. 2 فبه توبخ الخطاة شيئا فشيئا وفيما يخطأون به تذكرهم وتنذرهم لكي يقلعوا عن الشر ويؤمنوا بك أيها الرب.”

هنا يصل الحكيم لنفس ما قاله السيد المسيح أن “الروح يبكت على خطية..” (يو8:16). وواضح هدف الحكيم أن الله يؤدب ويجرب ويبكت حتى يقود كل نفس للخلاص، هو خلص النفس لأنه يريدها، ولا يريد لها الهلاك. روحك الذي لا فساد فيه= بينما أن الضمير يتشكل ويتلون بحسب البيئة التي يحيا فيها الإنسان، وهو قد فسد بسبب سقوط الإنسان. والضمير هو صوت وصية الله المطبوعة على القلب ولكن هذا قد تغير بالسقوط، فأخذ الإنسان يبرر خطاياه. بل أن الروح القدس يقنع غير المؤمن ليؤمن (1كو3:12).

 

الآيات (3-5): “3 فانك أبغضت الذين كانوا قديما سكان أرضك المقدسة. 4 لأجل أعمالهم الممقوتة لديك من السحر وذبائح الفجور. 5 إذ كانوا يقتلون أولادهم بغير رحمة ويأكلون أحشاء الناس ويشربون دماءهم في شعائر عبادتك.”

الله يبغض الخطية جداً. ولاحظ إلى أي درجة وصلت خطايا الكنعانيين، لذلك أبغضهم الله. والكنعانيين كانوا سكان أرض الميعاد قبل أن يأتي إليها اليهود. هؤلاء مارسوا الزنا والشذوذ الجنسي حتى في عباداتهم وقتلوا أولادهم كذبائح لآلهتهم.

 

الآيات (6-7): “6 فآثرت أن تهلك بأيدي آبائنا أولئك الوالدين قتلة النفوس التي لا نصرة لها. 7 لكي تكون الأرض التي هي اكرم عندك من كل ارض عامرة بأبناء الله كما يليق بها.”

الله أمر شعبه بإبادة هؤلاء الكنعانيين الأشرار كعقاب لهم على خطاياهم وكدرس لشعبه أن من يفعل هذه الخطايا فعقوبته الموت هكذا. وهذا ما حدث لليهود بعد ذلك، فلقد عاقبهم الله بنفس العقوبات حينما فعلوا نفس هذه الخطايا. هنا الله إستخدم اليهود كأداة ليؤدب بها الكنعانيين مثلما إستخدم من قبل الطوفان والنار مع سدوم وعمورة. ثم إستخدم الله الشعوب المجاورة لتأديب اليهود إذ أخطأوا هم أيضاً. الله يبدأ بتبكيت من الروح القدس في القلب (أو الضمير) ولمن لا يستجيب تبدأ ضربات الله في تصاعد ضده حتى يتوب، وإن لم يتب فهو يهلك. الأرض التي هي أكرم عندك.. بأبناء الله= الأرض كانت في نظر الله كريمة إذ سكن فيها أحباءه إبراهيم وإسحق ويعقوب، وسيسكن فيها داود وسليمان وسيقام فيها الهيكل حيث تقدم العبادة لله. ثم سيأتي فيها المسيح.

 

الآيات (8-10): “8 على انك أشفقت على أولئك أيضاً لأنهم بشر فبعثت بالزنابير تتقدم عسكرك وتبيدهم شيئا بعد شيء. 9 لا لأنك عجزت عن إخضاع المنافقين للصديقين بالقتال أو تدميرهم بمرة بالوحوش الضارية أو بأمر جازم من عندك. 10 لكن بعقابهم شيئا فشيئا منحتهم مهلة للتوبة وان لم يخف عليك أن جيلهم شرير وان خبثهم غريزي وأفكارهم لا تتغير إلى الأبد.”

الزنابير= الله أرسلها كضربة بسيطة، فضربات الله تصاعدية. ولما لم يتوب شعب الكنعانيين من ضربة الزنابير، جاءت ضربة شعب اليهود لهم. ومن يقدم توبة بعد الضربة الأولى البسيطة لا تأتي عليه الضربة الأشد التالية. والزنابير كانت تلدغ هذا الشعب الشرير لدغات مؤلمة. لكن شعب الرب ضربهم ضربات إبادة قاتلة. فالله يعطي فرصة للتوبة. لأنهم بشر= فالله يعطي للإنسان فرص للتوبة إذ يعرف ضعفه كبشر.

الزنابير= قد يقصد بها جيوش شعوب مجاورة حاربتهم وضايقتهم قبل أن يأتي شعب الله ليبيدهم.

 

الآيات (11-14): “11 لأنها كانوا ذرية ملعونة منذ البدء ولم يكن عفوك عن خطاياهم خوفا من أحد. 12فانه من يقول ماذا صنعت أو يعترض قضاءك ومن يشكوك بهلاك الأمم التي خلقتها أو يقف بين يديك مخاصما عن أناس مجرمين. 13 إذ ليس اله إلا أنت المعتني بالجميع حتى تُرِي انك لا تقضي قضاء الظلم. 14 وليس لملك أو سلطان أن يطالبك بالذين أهلكتهم.”

الله كان يعلم خبثهم وأنهم سيرفضوا الإنذار والتأديب، لكنه بعدله يعطي كل واحد فرصته حتى يتم القول “لكي تتبرر في أقوالك وتغلب إذا حوكمت” (مز50).

 

الآيات (15-18): “15 وإذ أنت عادل تدبر الجميع بالعدل وتحسب القضاء على من لا يستوجب العقاب منافيا لقدرتك. 16 لأن قوتك هي مبدأ عدلك وبما انك رب الجميع فأنت تشفق على الجميع. 17 وإنما تبدي قوتك للذين لا يؤمنون انك على كمال القدرة وتعاقب العلماء على جسارتهم. 18 لكنك أيها السلطان القدير تحكم بالرفق وتدبرنا بإشفاق كثير لأن في يدك أن تعمل بقدرة متى شئت.”

لأن قوتك هي مبدأ عدلك= الإنسان لا يستطيع أن يحكم بالعدل بسبب ضعفه، فهو لأنه يخاف الأقوى منه يجامل هذا الشخص الأقوى ويحابي له، أما الله فمطلق القوة ولا يخشى أحداً. ولكنه مع كل قوته وقدرته فهو يشفق على الجميع طالباً توبتهم. أما المكتبرين= يسميهم هنا العلماء أي المتشامخين الذين لا يقبلون مشورة ولا نصحاً فهؤلاء يعاقبهم.

 

الآيات (19-27): “19 فعلمت شعبك بأعمالك هذه أن الصديق ينبغي أن يكون محبا للناس وجعلت لبنيك رجاء حسنا لأنك تمنحهم في خطاياهم مهلة للتوبة.20 لأنك أن كنت عاقبت أعداء بنيك المستوجبين للموت بمثل هذا التحرز والترفق وجعلت لهم زمانا ومكانا للإقلاع عن الشر. 21 فبأي اعتناء دبرت بنيك الذين واثقت آباءهم بالأقسام والعهود على مواعيدك الصالحة. 22فتؤدبنا نحن وتجلد أعداءنا جلدا كثيرا لكي نتذكر حلمك إذا حكمنا وننتظر رحمتك إذا حكم علينا. 23 لأجل ذلك فالمنافقون الذين عاشوا بالسفه عذبتهم بارجاسهم عينها. 24 فانهم في ضلالهم تجاوزوا طرق الضلال إذ اتخذوا ما يستحقره أعداؤهم من الحيوان آلهة مغترين كأطفال لا يفقهون. 25 لذلك بعثت عليهم عقاب أولاد لا عقل لهم للسخرية. 26 ولما لم يتعظوا بتأديب السخرية ذاقوا العقاب اللائق بالله. 27 وفيما تحملوه بغيظهم وقد رأوا أن ما اتخذوه إلها كانوا به يُعذَّبون عرفوا الإله الحق الذي كانوا يكفرون به ولذلك حلت بهم خاتمة العقاب.”

الله يحين يطيل أناته على الأشرار فهو يعطي درساً لشعبه في التسامح وطول الأناة مع أعدائهم. وإذا كان الله يطيل أناته على الغرباء فكم يطيل أناته على شعبه. واثقت آبائهم بالأقسام= دخلت في مواعيد وعهود ومواثيق مع أبائهم بل بأقسام ولاحظ تدرج عمل الله مع كل نفس:

  1. مواعيد ومواثيق وعطايا وبركات= مواعيدك الصالحة.
  2. تأديب بسيط= تؤدبنا .. لكي نتذكر حلمك.
  3. عقاب بسيط كأطفال (آية25).
  4. عقاب شديد (آية26).

والهدف أن يعرفك الكل كإله حق (آية27).

المنافقون= هم المصريون الذين يقولون أنهم يعبدون الله وهم يعبدون أوثان. هم في عباداتهم كانوا كأطفال لا يفقهون، عندما عبدوا الحشرات، فعاقبتهم عقاب أطفال إذ ضربتهم بالحشرات والضفادع ليفهموا. وإذ لم يفهموا جاءت الضربات الأشد ومات أبكارهم وغرق جيشهم.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى