تفسير سفر إرميا النبي 47 للقمص أنطونوس فكري

 

الآيات 1-7:- “كَلِمَةُ الرَّبِّ الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ عَنِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ قَبْلَ ضَرْبِ فِرْعَوْنَ غَزَّةَ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَا مِيَاهٌ تَصْعَدُ مِنَ الشِّمَالِ وَتَكُونُ سَيْلًا جَارِفًا، فَتُغَشِّي الأَرْضَ وَمِلأَهَا، الْمَدِينَةَ وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا، فَيَصْرُخُ النَّاسُ، وَيُوَلْوِلُ كُلُّ سُكَّانِ الأَرْضِ. مِنْ صَوْتِ قَرْعِ حَوَافِرِ أَقْوِيَائِهِ، مِنْ صَرِيرِ مَرْكَبَاتِهِ وَصَرِيفِ بَكَرَاتِهِ لاَ تَلْتَفِتُ الآبَاءُ إِلَى الْبَنِينَ، بِسَبَبِ ارْتِخَاءِ الأَيَادِي. بِسَبَبِ الْيَوْمِ الآتِي لِهَلاَكِ كُلِّ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، لِيَنْقَرِضَ مِنْ صُورَ وَصَيْدُونَ كُلُّ بَقِيَّةٍ تُعِينُ، لأَنَّ الرَّبَّ يُهْلِكُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، بَقِيَّةَ جَزِيرَةِ كَفْتُورَ. أَتَى الصُّلْعُ عَلَى غَزَّةَ. أُهْلِكَتْ أَشْقَلُونُ مَعَ بَقِيَّةِ وَطَائِهِمْ. حَتَّى مَتَى تَخْمِشِينَ نَفْسَكِ. آهِ، يَا سَيْفَ الرَّبِّ، حَتَّى مَتَى لاَ تَسْتَرِيحُ؟ انْضَمَّ إِلَى غِمْدِكَ! اهْدَأْ وَاسْكُنْ. كَيْفَ يَسْتَرِيحُ وَالرَّبُّ قَدْ أَوْصَاهُ عَلَى أَشْقَلُونَ، وَعَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ هُنَاكَ وَاعَدَهُ؟».”

الفلسطينيين أعداء تقليديين للشعب اليهودي وهم تواضعوا جدًا أيام داود ويبدو أنهم ظهروا كقوة مرة ثانية بعد ذلك. والتأريخ لهذه النبوة في آية (1) قبل أن يضرب فرعون غزة. وهيرودوتس المؤرخ الشهير يقول إن فرعون فتح غزة بعد موقعة مجدو التي قُتِلَ فيها الملك يوشيا أي سنة 608 ق.م. فهذه النبوة قيلت قبل أن يخرب فرعون فلسطين أي وهي في قوتها وحيث لم يتوقع أحد ذلك أخبر به إرمياء. وكان ضرب مصر لفلسطين مقدمة للخراب الشامل بواسطة نبوخذ نصر. وهذه عادة الله أن تكون هناك ضربة محدودة تسبق الضربة الكبيرة فتكون الأولى كإنذار للتوبة ، فإن لم تحدث التوبة تجيء الضربة الثانية الكبيرة. وبمقارنة الآيات (عا 7:9 + تث 23:2 + 1 صم 14:30 + حز 16:25) نجد أن جزيرة كفتور = جزيرة كريت (4) وأن الفلسطينيين خرجوا أصلًا من جزيرة كريت ثم تركوها وأتوا وسكنوا السواحل الجنوبية. وفي تك 14:10 نجد هناك قرابة بين كفتوريم وفلشتيم فهم من أولاد مصرايم ابن حام. أما كنعان الابن الأكبر لحام فقد سكن في الأرض الشمالية (فينيقية = صور وصيدون) وكان هناك تحالف بينها.

صور وصيدون (4) هي مدن فينيقية غنية وقوية وإعتادت أن تساعد الفلسطينيين، ولكن نجد هنا خراب الكل، المعين والمعان فكل من اعتمد على ذراع بشر يخرب.

وروحيًا فالفلسطينيين يرمزون لأهل العالم الموجودين في أرض البركة ولكنهم لم يعرفوا الله. وهم في عداوة مستمرة لشعب الله. فهم بالرغم من قربهم لأورشليم وللهيكل ولكن هم بلا إيمان، ويشبهون من هم لم يعرفوا المسيح بالرغم من كونهم بجانب هيكله. وهؤلاء يصبحون أعداء لشعب الله. وفي (2) ها مياه = تشير للشعوب الكثيرة العدد (رؤ 15:17) وتشير لمآسي قوية ورهيبة (مزمور 1:69) وهنا تعني كلاهما فجيش بابل مكون من شعوب كثيرة وسيأتي بدمار وويلات شديدة. وغالبًا تحققت هذه النبوة بعد خراب أورشليم. وفي (3) وصف لحالة الرعب من هذا الهجوم. وفي (5) غزة مازالت هي غزة وأشقلون هي عسقلان. أتى الصلع على غزة = قد تعني أن الفلسطينيين عادوا وإحتلوا غزة بعد ما كانت غزة لفترات طويلة من أملاك إسرائيل (يش 41:10 + قض 18:1 + 1 مل 24:4). والشعر يرمز لقوة الإتكال على الله (شمشون) ويرمز للمجد (شعر المرأة) فالصلع يرمز لإنعدام كليهما. إذًا المعنى أن الفلسطينيين سيكونون في ضعف حتى لو إمتلكوا. أو يكون المعنى أن البابليين الصلع أتوا وإحتلوا غزة، والبابليين بالرغم من قوتهم فهم بلا مجد فهم يرمزون للشياطين. أو تكون الآية رمزًا لشعب فقد مجده ويعتمد في قوته على أحد آخر غير الله. وإذا فهمنا أن الله قال يوما عن شعبه “أكون سور من نار حولها ومجدا في وسطها” (زك2: 5)، ومن هذا نفهم أن المجد هو في وجود الله وسط الشعب، فيكون هذا الشعب الذي إحتل غزة هو شعب لم يعد الله موجودا في وسطه. أي أن الله قطع علاقته معه. ويبدو أن عذابهم سيطول = حتى متى تخمشين نفسك = وهذه عادة وثنية، وفي الحزن يخمشون أنفسهم وكلمة وطائهم = واديهم . وفي (6) دعوة من إرمياء للسيف أن يكف وهو يتكلم كإنسان ولكن هو سيف الرب…. وقد أوصاه (7).

زر الذهاب إلى الأعلى