البابا مرقس الثاني

البطريرك رقم 49

 

أثناء جولات البابا يوأنس الرابع  الرعوية وجد بين الشباب شماسًا متبتلًا متبحرًا في العلوم الروحية اسمه مرقس، وقد حباه الله صوتًا عذبًا روحانيًا، ففرح به البابا وأحبه وعينه سكرتيرًا له. ثم بعد مدة استصحبه إلى دير الأنبا مقار وهناك ألبسه الإسكيم المقدس `cxhma، وما أن تمت هذه الشعائر المقدسة حتى تقدم ناسك شيخ وصافحه مهنئًا ثم قال: “إن هذا الشماس يستحق أن يجلس على كرسي أبيه العظيم مرقس الرسول”.

 

سيامته بطريركًا:

إذ تنيح أسقف بابلون طلب الشعب من البابا أن يرسم لهم الراهب مرقس سكرتيره أسقفًا لهم، ففرح البابا لهذا الطلب لِما كان يعلمه من استحقاق مرقس لكرامة الأسقفية. فلما سمع الراهب بنية البابا اختفى عن الأنظار وعبثًا حاول المؤمنون أن يعرفوا مكانه، فاضطر البابا في النهاية إلى رسامة راهب غيره، وظل مرقس مختفيًا حتى بعد رسامة أسقف بابلون مما جعل البابا يستمر غاضبًا عليه، ولكن ضميره أنَّبه على ذلك فبعث برسالة إلى راهب شيخ متوحد في ضاحية البرلس يعلمه بغضبه على تلميذه. رد عليه المتوحد برسالة قال فيها أن الله كشف له عن صونه ليجلس على كرسي مار مرقس في الوقت المناسب. فرح البابا بهذه الرسالة، ولما دنت وفاته وسأله الشعب عمن يجلس بعده أعلمهم أن ملاك الرب أعلمه أن مرقس تلميذه هو المختار من الرب. بعد نياحة البابا هرب مرقس إلى البرية إذ علم بنية الأساقفة، فبحثوا عنه حتى وجدوه وقيدوه وساقوه إلى الإسكندرية حيث رسموه سنة 790 م. (506ش).

 

صداقة مع الوالي:

بعد رسامته قام زيارة لبيب الدولة والي مصر، وما كاد الوالي يرى البابا حتى نشأت بين الاثنين مودة وثيقة، وسأل الوالي من البابا أن يطلب ما يشاء فيحققه له، فكان الطلب أن يسمح له ببناء الكنائس اللازمة لخدمة الشعب وترميم المتهدم منها، فأجابه الوالي إلى طلبه.

 

رسالة شركة إلى أخيه بطريرك إنطاكية:

كتب رسالة الشركة إلى أخيه بطريرك إنطاكية الذي رد عليه بمثلها معبرًا عن ابتهاجه وابتهاج شعبه بوحدة الإيمان الأرثوذكسي.

 

قرارات مجمع خلقيدونية:

وكان بين الأقباط عدد غير قليل قد وافق على قرارات مجمع خلقيدونية، فكان البابا يصلي من أجلهم ليل نهار بدموع حتى يرجعوا عن طريق ضلالهم، واستجاب الرد لصلواته ودموعه فحرك قلب رئيس هذه الجماعة ويدعى إبراهيم كما حرك قلب أبيه الروحي جُرجَه إلى التوبة الصادقة، فقبلهما البابا مع كل جماعتهما وناولهم من الأسرار الإلهية.

 

فساد سياسي ومضايقات:

في عهده كان الخليفة العباسي في ذلك الوقت هو هارون الرشيد الذي ازدهرت في عصره العلوم والفنون، ثم توفي هارون الرشيد واختصم ابناه المأمون والأمين على الخلافة أدت إلى حرب طاحنة بينهما وكان نصيب مصر من الشقاء نتيجة لهذه الحرب نصيب الأسد. كما عانت مصر أيضًا من وفود خمسة عشر ألف لاجئ من بلاد الأندلس إليها، كانوا قد قاموا بثورة فاشلة ضد الخليفة الأموي الذي قهرهم وأمر بنفيهم، فعاثوا في مصر فسادًا إذ كانوا يضرمون النار في بيوت العبادة ويتحرشون بالمصريين الآمنين.

رأى البابا أن يواسي شعبه في محنته فكان يتجول بينهم يعزيهم ويشددهم غير أن الأندلسيين أخذوا يضيقون على البابا الخناق حتى اضطروه في آخر الأمر إلى ترك الإسكندرية، وأخذ يتنقل من بلد إلى بلد لمدة خمس سنوات لا يستقر في مكان حتى لا يقع في أيديهم، إلى أن استطاع الأمير عبد العزيز إعادة الاستقرار إلى البلاد.

 

مرارة نفسه ونياحته:

قرب انتهاء هذه القلاقل إذا بشدة جديدة تصيب البابا، إذ أغارت قبائل البربر على وادي النطرون وخربوا الأديرة وقتلوا الرهبان القاطنين فيها، ولم ينجُ من أيديهم سوى عدد قليل تشتتوا في أنحاء الصحاري الشاسعة. فعاود الحزن قلب الأنبا مرقس الثاني وبكى بكاءً مرًا على الأديرة وساكنيها وتضرع إلى الله أن يجعل هذه الكارثة خاتمة حياته، لأن ما حل في عهده من بلايا قد حطم قلبه وملأه ألمًا على ألم، فاستجاب الرب لتضرعاته وأرسل إليه ملاكًا يقول له: “لا تجزع أيها الخادم الصبور لأنك ستنتقل إلى الأخدار السمائية يوم عيد القيامة المجيدة، وهذه هي العلامة: حين تنتهي من خدمة القداس الإلهي ليلة العيد وتتناول من الأسرار المقدسة ستنطلق روحك من أسر هذا الجسد”.

لما استيقظ البابا مرقس صبيحة تلك الليلة أخبر الأساقفة الذين كانوا معه بالحلم الذي رآه. وقد تحقق حلم البابا السكندري إذ لم يكد ينتهي من شعائر القيامة المجيدة حتى انطلقت روحه إلى بيعة الأبكار.

فاصل

البابا يوحنا الرابع القرن التاسع عصر التراجع البابا يعقوب
تاريخ البطاركة
تاريخ الكنيسة القبطية

 

زر الذهاب إلى الأعلى