تفسير سفر الحكمة ١٩ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح التاسع عشر

الآيات (1-5): “1 أما المنافقون فاستمر عليهم إلى الانقضاء غضب لا رحمة معه لأنه كان يعلم من قبل ماذا سيكون من أمرهم. 2 وانهم بعد ترخيصهم لهم في الذهاب ومبادرتهم لإطلاقهم يندمون فيجدون في أثرهم. 3 فانهم قبل أن تنقضي مناحتهم وهم منتحبون على قبور أمواتهم عادوا فاتخذوا مشورة جهل أخرى وسعوا في آثار الذين حثوهم على الرحيل سعيهم وراء قوم فارين. 4وإنما ساقهم إلى هذا الأجل أمر لا بد منه أنساهم ما سبق من الحوادث لكي يستتموا ما بقي من آلام عقابهم. 5 ويعبر شعبك اعجب عبور ويموت أولئك اغرب ميتة.”

المصريون لاحظوا أن الضربات تتصاعد. وهم طلبوا من الشعب الخروج لتتوقف الضربات التي أدت لخرابهم. لكن العمى كان قد أصاب عيونهم لشرهم، فإستمر الغضب عليهم إلى الإنقضاء بلا رحمة. والله الذي كان يعلم من قبل عنادهم هذا= ماذا سيكون من أمرهم أعد لهم أغرب ميتة= بحر ينفتح ثم ينطبق عليهم. وهذه الضربة الأخيرة قضت عليهم تماماً وعلى عنادهم= لكي يستتموا ما بقى من آلام عقابهم. مشورة جهل أخرى= فهم يعاندون الله الذي رأوا ضرباته ضدهم. فمن الجهل أن يعاند إنسان الله. ولجهلهم هذا كانت الضربة الأخيرة أشد ما رأوا من ضربات بحيث أنها أنستهم ما سبق من الحوادث= فهم غرقوا في البحر.

 

الآيات (6-8): “6 وكانت جميع الخلائق كل واحدة في جنسها تستبدل طبعها وتخدمك بحسب ما رسم لها لكي يحفظ بنوك بغير ضر. 7 فالغمام ظلل المحلة ومما كان قبلا يغمر بالمياه برزت ارض يابسة طريق ممهد في البحر الأحمر ومرج اخضر في قعر لجة عظيمة. 8 هناك عبرت الأمة كلها وهم في ستر يدك يرون عجائب الآيات.”

وكانت جميع الخلائق كل واحدة في جنسها تستبدل طبعها وتخدمك= فالبحر ينشق والغمام ظلل المحلة. والأرض التي يغطيها البحر ظهر كحديقة ليمر شعبك عليها= مرج أخضر.الله يغير قوانين الطبيعة لتكون خادمة لأولاده. ولكن قوله أن جميع الخلائق تستبدل طبعها فيه إشارة للمعمودية، فعبور البحر الأحمر كان رمزاً للمعمودية، وبالمعمودية يتغير طبع جميع الخلائق (1كو1:10،2 + رو3:6-5). وهذا النص في ترجمات أخرى جاء هكذا “وكانت الخليقة كلها بحسب طبيعتها الخاصة تجبل مرة ثانية وتخضع لأوامرك ليحفظ بنوك سالمون”.

 

الآيات (9-10): “9 ورتعوا كالخيل ووثبوا كالحملان مسبحين لك أيها الرب مخلصهم.10 متذكرين ما وقع في غربتهم كيف أخرجت الأرض الذباب بدلا من نتاج الحيوان وفاض النهر بجم من الضفادع عوض الأسماك.”

هذه علامات الحرية. رتعوا كالخيل= إنطلقوا بحرية. فبالمسيح وفدائه عن طريق المعمودية نحصل على حريتنا، وعلامة الحرية أن نسبح الله= مسبحين لك. والصورة العكسية فلا يمكن التسبيح مع العبودية (مز1:137-4). فبعد عبور البحر رنموا مع مريم. وفي تسبيحهم تذكروا كيف كانت يد الرب قوية ضد أعدائهم فتخرج التسبحة من القلب.

 

الآيات (11-12): “11 وأخيراً رأوا صنفا جديدا من الطير حين حثتهم شهوتهم أن يتطلبوا طعاما لذيذا. 12فصعدت السلوى من البحر تسلية لهم أما الخطاة فنزل عليهم الانتقام مع ما له من العلائم القديمة التي هي شدة الصواعق وإنما أصابهم ما استحقت فواحشهم.”

ويذكر الحكيم أنه بعد ذلك أرسل لهم الله كميات كبيرة من السمان= السلوى. لكن هناك إنتقام من المصريين والإنتقام كانت له نفس العلامات القديمة= علائم= هي شدة الصواعق والصواعق هنا تعني الضربات الشديدة المفاجئة التي أصابت المصريين. وهذه الضربات الشديدة هي علامات غضب الله في كل مكان وكل زمان. وقارن قوله عن الشعب، أنه أرسل لهم السلوى تسلية لهم أي تعزيتهم ليفرحوا. وقوله عن أعداء شعبه نزل عليهم الإنتقام.

 

الآيات (13-16): “13 إذ كانت معاملتهم للأضياف اشد كراهية فان أولئك أبوا أن يقبلوا غرباء لم يعرفوهم أما هؤلاء فاستعبدوا أضيافا قد احسنوا إليهم. 14وفضلا عن ذلك فان عليهم افتقادا آخر إذ إن أولئك إنما قبلوا قوما أجنبيين كرها. 15 أما هؤلاء فانهم قبلوا أضيافا باحتفال وفرح وأشركوهم في حقوقهم ثم أساءوا إليهم بصنوف العذاب الشديد. 16فضربوا بالعمى مثل أولئك الواقفين على باب الصديق الذين شملتهم ظلمة هائلة فجعل كل منهم يتلمس طالبا مدخل بابه.”

هنا نجد مقارنة بين المصريين وأهل سدوم وعمورة، فكلاهما إستضاف أناس. وكلاهما أخطأوا في حق ضيوفهم. لكن بينما أهل سدوم وعمورة كانوا يجهلون الضيفين من هما، كان المصريون قد إستضافوا شعب الله مئات السنين، وكان شعب الله يعيش في وسطهم وخدمهم، ويوسف أنقذهم، لكنهم إنقلبوا عليهم وعذبوهم وإستعبدوهم، فكان المصريون أسوأ حالاً من أهل سدوم وعمورة. وبينما ضرب أهل سدوم وعمورة بالعمى، نجد المصريون يضربون بالظلام الشديد، هي ضربات متشابهة. وضربة العمى لكلاهما كانت تعبيراً عن عماهم الروحي. وإذ لم يتب كلاهما راحوا للأسوأ. فجيش فرعون هلك في مياه البحر الأحمر غرقاً، وأهل سدوم إحترقوا بالنار.

وقارن آية (12) مع (13) إنما أصابهم ما إستحقت فواحشهم. إذ كانت معاملتهم للأضياف أشد كراهية الأضياف أي الضيوف، والضيوف هنا هم شعب الله.

 

الآيات (17-20): “17 إذ تغيرت نسب العناصر بعضها إلى بعض كما يتغير في العود اسم صوت من اللحن والصوت باق وذلك بَيِّن لمن تأمل تلك الحوادث. 18فالأرضيات تحولت إلى مائيات والسابحات سعت على الأرض. 19 والنار كانت لها قوة في الماء اشد من قوتها الغريزية والماء نسي قوته المطفئة. 20وبالعكس اللهيب لم يؤذ جسم السريع الفساد من الحيوان إذ كان يمشي فيه ولم يذب الطعام السماوي السريع الذوبان كالجليد لأنك يا رب عظمت شعبك في كل شيء ومجدته ولم تهمله بل كنت مؤازرا له في كل زمان ومكان.”

هنا الحكيم يلخص الأمر كله ويشبه الطبيعة بالعود والله بالموسيقار الذي يعزف عليه ليخرج نغمات جميلة هي تدبير كل شئ لخلاص شعبه وخدمة أولاده، “فكل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله” (رو28:8 + 1كو21:3،22). وكل ما يعمله الله يعلن مجد إسمه، ويقود كل البشر حتى يعرفونه ويحبونه، هذا قطعاً لمن يريد. فالله غير القوانين الطبيعية من أجل خاطر شعبه.

  1. الأرضيات تحولت إلى مائيات= الناس والمواشي يسيرون وسط البحر المشقوق كأنها أسماك وسط البحر.
  2. السابحات سعت على الأرض= الضفادع غزت بيوت المصريين.
  3. النار كان لها قوة في الماء.. والماء نسى قوته المطفئة= في ضربة النار والرعد والبرد والمطر والماء لم تطفئ عمود النار. وعمود النار لم يؤذ الإنسان والحيوان، ولا الأسماك حين كان سائراً أمام شعبه في البحر. بل كان يزعج المصريين فلا يتابعوا الشعب.
  4. المن= الطعام السماوي السريع الذوبان كالجليد (من حرارة الشمس) لم يذب عند طبخه بالنار. فالنار هي خادمة لشعب الله، حين يريد الله تطبخ المن ولا تذيبه

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى