تفسير سفر صفنيا ١ للقمص أنطونيوس فكري
الآيات (1-6):
“كلمة الرب التي صارت إلى صفنيا بن كوشي بن جدليا بن امريا بن حزقيا في أيام يوشيا بن أمون ملك يهوذا. نزعا انزع الكل عن وجه الأرض يقول الرب. انزع الإنسان والحيوان انزع طيور السماء وسمك البحر والمعاثر مع الأشرار واقطع الإنسان عن وجه الأرض يقول الرب. وأمد يدي على يهوذا وعلى كل سكان أورشليم واقطع من هذا المكان بقية البعل اسم الكماريم مع الكهنة. والساجدين على السطوح لجند السماء والساجدين الحالفين بالرب والحالفين بمكوم. والمرتدين من وراء الرب والذين لم يطلبوا الرب ولا سألوا عنه.”
كلمة الرب = إذًا هي بسلطان من الرب. صفنيا بن كوشي.. حزقيا والد صفنيا اسمه كوشي، وهذا اسم غريب على اليهود، ومعناه حبشي، ويبدو أن والد كوشي كان في أيام منسى الملك السوداء، وكان متعصبًا لمصر أو كوش فأسمى ابنه كوشي. وكان ممنوعًا بحكم الشريعة أن يدخل مصريًا في شعب الرب إلا بعد الجيل الثالث من أولاده (تث8:23). وحتى لا يظن أحد أنه ابن واحد مصري أو كوشي فيرفضونه، اضطر أن يثبت نسبه اليهودي حتى حزقيا الجد الرابع. في أيام يوشيا= كان يوشيا ملكًا قديسًا، أجرى الكثير من الإصلاحات ولكن يبدو أن قلب الشعب الفاسد لم يتجاوب كليًا مع ملكه القديس، واكتفوا بالإصلاحات الظاهرية والعبادة الطقسية دون إصلاح القلب. وفي آية (2) نجد النبي يتكلم بدون تمهيد عن الخراب الآتي. فالله سوف يسترد كل البركات التي أعطاها سابقًا لأنهم أساءوا استعمالها. وقوله أنزع الكل= هذا قول الله الغيور الذي لا يطيق الشر، وهكذا صنع من قبل في الطوفان أيام نوح وأيام سدوم وعمورة وهكذا سيصنع في اليوم الأخير حين تنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض وكل المصنوعات. وفي (3) وهذا الخراب سيشمل الكل، البشر والحيوان أي ستقفر الأرض تمامًا. والسبب أن الإنسان أصبح شريرًا لذلك يقول والمعاثر مع الأشرار= لقد نزع يوشيا كل أنواع العبادات الوثنية، لكن حب الخطية مازال في القلب، ومازالت هناك محبة دفينة لعبادة الأوثان، يمارسونها في بيوتهم وعلى أسطح منازلهم في الخفاء. والله يهدد أنه سينزع هذه البقية = المعاثر مع الأشرار حين ينزع من الأرض كل شيء. وفي (4) أقطع بقية البعل= ما تبقى بعد إصلاحات يوشيا. وقد أزال الكلدانيون كل عبادة البعل فعلًا. اسم الكماريم= هم كهنة الأصنام. مع الكهنة= هم كهنة الرب والذين كانت أعمالهم نجسة وقد مزجوا عبادة الرب مع العبادة الوثنية. وفي (5) الساجدون على السطوح لجند السماء= كانوا يقدمون عبادتهم لجند السماء (الشمس والقمر والنجوم) على أسطح منازلهم، فالأسطح هي أعلى مكان في البيت، وفي مفهومهم أنهم بهذا يقتربون للسماء حيث توجد الكواكب التي يعبدونها. والحالفين بالرب وبملكوم= هم الذين مزجوا عبادة الرب بعبادة البعل أو ملكوم. وكلمة ملكوم تعني ملك فهم ملَّكوا الآلهة الوثنية على قلوبهم. ونحن علينا أن نعطى القلب كاملًا لله، ولا يصلح مع الله قولنا “ساعة لقلبك وساعة لربك” فلا شركة للنور مع الظلمة. وعبادة ملكومتشتمل على تقديم الأطفال كذبائح بشرية. وفي (6) المرتدين = هم الذين بدأوا حسنًا مع الرب ثم ارتدوا عنه. قد يكونوا من تجاوبوا مع يوشيا أولًا ثم ارتدوا خفية.
الآيات (7-13):
“اسكت قدام السيد الرب لأن يوم الرب قريب لأن الرب قد اعد ذبيحة قدس مدعويه. ويكون في يوم ذبيحة الرب إني أعاقب الرؤساء وبني الملك وجميع اللابسين لباسًا غريبا. وفي ذلك اليوم أعاقب كل الذين يقفزون من فوق العتبة الذين يملأان بيت سيدهم ظلما وغشا. ويكون في ذلك اليوم يقول الرب صوت صراخ من باب السمك وولولة من القسم الثاني وكسر عظيم من الآكام. ولولوا يا سكان مكتيش لأن كل شعب كنعان باد انقطع كل الحاملين الفضة. ويكون في ذلك الوقت إني أفتش أورشليم بالسرج وأعاقب الرجال الجامدين على درديهم القائلين في قلوبهم أن الرب لا يحسن ولا يسيء. فتكون ثروتهم غنيمة وبيوتهم خرابا ويبنون بيوتا ولا يسكنونها ويغرسون كروما ولا يشربون خمرها.”
إسكت = إخشع ولا تتكلم كثيرًا ولا تطلب سوى الرحمة لأن يوم الرب قريب = يوم الدينونة أو يوم خراب أورشليم. وفيه سيجعل الله هؤلاء الخطاة يُذبحون بيد الكلدانيين = لأن الرب قد أعد ذبيحة = فمن قدم ذبيحة لآلهة أخرى سيصير هو نفسه ذبيحة. قدس مدعويه = المدعوين هنا هم الكلدانيين، وقدس يعني خصص أو عيَّن لهذا العمل، فهم يعملون عمل الرب وفي (8) الله سيعاقب الرؤساء وبني الملك= بسبب كبريائهم. ولاحظ قوله بنى الملك يعني عائلة الملك، وهم لم يقل الملك، فالملك يوشيا كان قديسًا. اللابسين لباسًا غريبًا هم تشبهوا بالشعوب الوثنية في ملابسهم. ولكن الآيتين (7، 8) يمكن فهمهم في ضوء المثل الذي قاله السيد المسيح (مت1:22-14) “مثل العرس الإلهي” فيوم العرس الإلهي هو يوم ذبيحة الصليب، حيث قدس السيد مدعويه بدمه، هؤلاء الذين نالوا البنوة بالمعمودية وألبسهم الله رداءً ملوكيًا (البسوا المسيح) وصاروا بني الملك، ولكن من استهتر وفقد هذا الثوب لمحبته في الخطية سيعاقب. وفي (9) الذين يقفزون من فوق العتبة = هم يقلدون الفلسطينيون الوثنيون دون فهم، فكهنة داجون كانوا يتحاشون أن يدوسوا عتبة هيكله لأن صنمهم داجون وقع عليها (1صم5:5) وللآن فهناك من يمارس عادات وثنية دون أن يدري كالتفاؤل من شيء معين أو التشاؤم من شيء آخر. وبهذا هم يملأون بيت سيدهم ظلمًا وغشًا بعبادتهم للأوثان. أو يكون المعنى أنهم يتعدون بالظلم على بيوت جيرانهم. ويغتصبون أملاكهم، وربما تبرعوا لهيكل الرب مما حصلوا عليه فملأوا بيت سيدهم ظلمًا وغشًا. لأجل هذا سيأتي العقاب. وفي (10) باب السمك = القريب من البحر وهذا يخرج منه الصيادون. ولعل هذا الباب هو نفس الباب الذي دعي الباب الأول (زك10:14). وبهذا نفهم قوله وولولة من القسم الثاني = أي في الجهة المقابلة للباب الأول، ويكون المعنى أن الصراخ والعويل سيشمل أورشليم كلها. وكسر عظيم في الأكام = الأكام هي الحصون. وفي (11) سكان مكتيش = هو وادٍ منخفض في أورشليم حيث كان يقيم التجار والصناع وبالذات صياغ الجواهر والحلي ولذلك يقول كل شعب كنعان باد = وكلمة كنعاني تعني تاجر ويكون المعنى كساد التجارة. وانقطع كل الحاملين الفضة= قد تعني النقود لأنه لا تجارة. ويصبح المعنى أن الصراخ سيشمل كل مكان، الحصون، والمدينة كلها من الباب للباب والوادي والتجار. وكلمة مكتيش تعني جرن أو هاون بمعنى أن أورشليم تصبح كهاون يدق كل من فيها ولا يهرب أحد. وفي (12) وحتى يوضح أنه لا أحد يهرب يقول أفتش أورشليم بالسرج وأعاقب= أي أفتش على كل الهاربين والمختبئين فلا أحد يستطيع الهروب من أمام غضب الرب (قصة يونان النبي) الجامدين علىدرديهم الدردي هو رواسب الخمر وعكارته، ولو تصورنا زجاجة خمر بها عكارة ولم يمد إنسان يده ليهزها لبقى هذا الوضع جامدًا والعكارة أسفل الزجاجة. والمعنى أن هذا الشعب بخطاياه التي كالعكارة في وسطه، هم غارقون في شهواتهم وملذاتهم، وهم مطمئنين ومستريحين أنه لن يحدث تغيير، وهم لا يخشون أي ضربة أو أي تأديب (أر11:48) وهم بلا تأديب لفترة طويلة ومالوا إلى الكسل والخمول وبردت محبتهم لله وللناس، بل وصلوا لدرجة أنهم تصوروا أن الله راضٍ بما هم فيه وقالوا الرب لا يحسن ولا يسئ = فهم فقدوا إحساساتهم ناحية الرب تمامًا. ومعنى قولهم لا يحسن ولا يسئ أي لا يحسن لمن يعبدونه ولا يسئ لمن يتمردوا عليه، حقًا أن الشهوات تبلد الإحساس. لقد صاروا جامدين وعديمي الإحساس من نحو الله. وفي (13) من وصل للحالة السابقة يجب أن توجه له ضربة تأديب حتى يصحو من نومه ومن سكره. ويشير لهذه الضربة بأنهم لن يتمتعوا بجنى ثمار أتعابهم.
الآيات (14-18):
“قريب يوم الرب العظيم قريب وسريع جدًا صوت يوم الرب يصرخ حينئذ الجبار مرا. ذلك اليوم يوم سخط يوم ضيق وشدة يوم خراب ودمار يوم ظلام وقتام يوم سحاب وضباب. يوم بوق وهتاف على المدن المحصنة وعلى الشرف الرفيعة. وأضايق الناس فيمشون كالعمي لأنهم أخطأوا إلى الرب فيسفح دمهم كالتراب ولحمهم كالجلة. لا فضتهم ولا ذهبهم يستطيع إنقاذهم في يوم غضب الرب بل بنار غيرته تؤكل الأرض كلها لأنه يصنع فناء باغتا لكل سكان الأرض.”
نجد هنا وصف مرعب ليوم الرب لعلهم يستيقظون. وهذه الآيات تشير لخراب أورشليم بيد البابليين ولنهاية العالم (مت24). وفي (14) فهذا اليوم قريب وسريع جدًا. فكيف ينام من يكون بيته مهددًا بالنار. وفي هذا اليوم يصرخ الجبار مرًا = يصرخ كالأطفال من مرارة عذابه (مت51:24). وفي (15) سبب كل هذا الضيق والظلمة حرمانهم من الله فهو النور وهو مصدر الفرح والسلام. ولكن للخطاة لا تكون هناك بارقة أمل ولا شعاع نور فهم فصلوا أنفسهم عن مصدر النور. وفي (16) يوم بوق وهتاف = البوق والهتاف يستعملهم الجيش المحارب حين يبدأ الهجوم. وهذا الهجوم سيكون ضد المدن المحصنة وعلى الشرف الرفيعةأي البروج الشامخة. فإن أقوى الحصون وأمنع الأسوار لا تثبت أمام غضب الله. ومن تحصن في ثروته أو قوته أو مركزه فسينهار كل هذا في ذلك اليوم. وفي (17) أضايق الناس= أقوى وأعتى الناس سوف تتحطم قلوبهم وتخونهم أيديهم فيمشون كالعمى = يتيهون إلى ما لانهاية بسبب الظلمة والضباب.
وهؤلاء يسفح دمهم كالتراب = هم اختاروا وأحبوا التراب ولصقوا به في حياتهم فسيسفح دمهم كالتراب أي كشيء لا قيمة له. ولحمهم كالجلة = الجلة هي نفاية الحيوان وهذه يرمونها في المزبلة. وفي (18) الفضة والذهب لا تفدي الإنسان في ذلك اليوم وكل ما خزنه هؤلاء الأشرار لن ينفعهم أمام غضب الرب ونار غيرته التي تأكل الأرض كلها = فلا مكان للاختباء والحماية. وهنا الكلام موجه لا لأورشليم وحدها، بل لكل الأرض، فهذا يوم الدينونة العامة، ورمزًا له خراب أورشليم بيد بابل ثم بيد الرومان. لا شيء يحمي ويستر، ولا مكان نختبئ فيه إلاّ في دم يوم يسوع المسيح وكفارته، لذلك يقول السيد المسيح “اثبتوا فيَّ وأنا أيضًا فيكم” والثبات في المسيح يكون [1] بالإيمان [2] بالمعمودية [3] الميرون [4] التوبة المستمرة طول العمر [5] التواضع. فلنلجأ له من الآن فنجد حماية وهذا معنى اسم صفنيا = الله يستر.
مقدمة | تفسير سفر صفنيا القمص أنطونيوس فكري |
تفسير سفر صفنيا 2 |
تفسير العهد القديم |