تفسير سفر المكابيين الأول 10 للأنبا مكاريوس أسقف المنيا
الملوك السولقيون يتنافسون على التحالف مع المكابيين
تبدلَت الأوضاع وأصبح يوناتان المكابى قائدًا عسكريًا وزعيمًا سياسيًا، وأصبحت اليهودية من ثمّ كيانًا، يؤخذ من جديد في الاعتبار يتفاوض بشأنه الملوك، فقد سعى الحكام السلوقيون خلال صراعاتهم: على ضمّ اليهود إلى جانبهم، وأصبح اليهود – في المقابل – في وضع يسمح لهم باختيار الحليف الأفضل والذي يمنحهم مزيدًا من الحريات.
رئاسة الكهنوت تتحول إلى المكابيين
1وفي السنة المئة والستين، صعد الإسكندر إبيفانيوس ابن أنطيوخس، وفتح بطلمايس فقبلوه فملك هناك. 2فسمع ديمتريوس الملك، فجمع جيوشا كثيرة جدًا وخرج لملاقاته في الحرب. 3وأرسل ديمتريوس إلى يوناتان كتبا في كلام سلم واعدا إياه بتعظيم شأنه. 4لأنه قال في نفسه: “لنسرع إلى عقد الصلح مع هؤلاء الناس قبل أن يعقدوه مع الإسكندر علينا، 5فإن يوناتان سيذكر كل ما أنزلنا به وبإخوته وأمته من المساوئ”. 6وأذن له أن يجمع جيوشا ويصنع أسلحة ويقول إنه حليفه، وأمر أن ترد له الرهائن التي في القلعة. 7فجاء يوناتان إلى أورشليم وتلا الكتب على مسامع الشعب كله وأهل القلعة. 8فلما سمعوا أن الملك أذن له في جمع الجيوش، خافوا خوفا شديدًا. 9ورد أهل القلعة الرهائن إلى يوناتان، فردهم إلى ذوى قرابتهم. 10وأقام يوناتان في أورشليم وشرع في بناء المدينة وتجديدها. 11وأمر متعهدي الأعمال أن يبنوا الأسوار ويحيطوا جبل صهيون بحجارة منحوتة لتحصينه، ففعلوا. 12فهرب الغرباء الذين في الحصون التي بناها بكيديس، 13وترك كل واحد مكانه وعاد إلى أرضه. 14غير أنهم تركوا في بيت صور قوما من المرتدين عن الشريعة والفرائض، فإنها كانت ملجأ لهم. 15وسمع الإسكندر الملك بالوعود التي أرسلها ديمتريوس إلى يوناتان، وحدثوه أيضًا بما قام به هو وإخوته من الحروب وأعمال البأس وما كابدوه من المشقات، 16فقال: “أنجد رجلا يماثله؟ فلنتخذه صديقا وحليفا”. 17وكتب كتبا وبعث إليه بها في هذا المعنى قائلًا: 18“من الملك الإسكندر إلى أخيه يوناتان سلام 19لقد بلغنا عنك أنك محارب باسل وجدير بأن تكون لنا صديقا. 20فنحن نقيمك اليوم عظيم كهنة في أمتك، ونسميك صديق الملك (وأرسل إليه أرجوانا وتاجا من ذهب) لكي تتبنى قضيتنا وتحفظ لنا صداقتك”.21فلبس يوناتان الحلة المقدسة في الشهر السابع من السنة المئة والستين، في عيد الأكواخ، وجمع الجيوش وصنع أسلحة كثيرة.
قضية الإسكندر إبيفانيوس:
كان أعداء ديمتريوس الأول سوتير أكثر من مؤيديه، فقد وصل إلى الملك رغم معارضة مجلس الشورى الروماني، فعندما تزلّف إلى الرومان لتثبيته في المُلك هادنوه، ثم عاد وأرسل الهدايا والوعود بالخضوع التام وتسليمهم أولئك الذين قتلوا سفيرهم، فأقروه عند ذلك ملكًا على أنطاكية غير أنهم كانوا يضمرون الكراهية له، وقد تم ذلك من خلال صديقه “طيباريوس جراكاس” في سنة 160 سلوقية (وهي السنة التي تدور أحداثها من 20/12/153 إلى9/10/152ق.م) وعلى الرغم من ذلك فقد كان ديمتريوس شديد البأس استطاع في البداية أن يمسك بزمام الأمور في الإمبراطورية السلوقية المتصدعة، وتقويمها، وقد أرسلت له روما رسالة باردة اللهجة مفادها أنهم قد يمنون عليه بالمعاملة الطيبة شريطة أن يتصرف بما يتفق مع رغبات الشورى(1).
ولكنه ما أن هدأت الحروب والصراعات قليلًا، حتى انصرف هو إلى اللهو والعبث والمجون، فبنى له قصرًا منيفًا في ضواحى أنطاكية وزوده بأربعة أبراج، وكان يصرف أكثر يومه في الملاذ والخمر، وأهمل بالتالي شئون البلاد وتجاهل مصالح الرعية فكرهوه.
واستغل ذلك ثلاثة من الملوك كانوا يمقتونه، وهم: بطليموس فيلوماتور ملك مصر (بسبب الخلاف على قبرس) وأتالس الثاني ملك برغامس، وأرياراطس ملك الكبادوك(2)، ولما كان ديمتريوس قد تخلص من كل مناهضيه من نسل الأسرة، وأراد أولئك الملوك التخلص منه كانت المشكلة تتمثل فيمن يخلفه على العرش. عند ذلك قام أتالس بالكشف عن شخص في مقتبل العمر من عامة الشعب يدعى “الإسكندر بالاس” وهو من مواليد أزمير (أورودس) ويرى المؤرخ يوستينوس أن اسمه الأصلي هو “بالاس Balas ” ولكن الأرجح أنه الاسم أعطى للاسكندر كلقب بعد توليه السلطة، ربما بسبب العلاقة بين الاسم واسم الاله الفنيقى بال ” al ’ Ba“. كما أن الترجمة الآرامية تعطيه اسم (بعلا).
وحينئذ كلفوا سياسي قديم يدعى “هركليد” أو هيراكليدس (كان خازن الملك انطيوخس أبيفانيوس، وكان ديمتريوس هذا قد نفاه)، بأن يؤكد للناس أن الإسكندر بالاس هو ابن أنطيوخس أبيفانيوس، كما طلبوا من “لاوذيقة” أو “لاوديس” وهي ابنه حقيقية لأنطيوخس أبيفانيوس أن تدّعي أن الإسكندر هو شقيقها بالفعل.
ويرى بعض المؤرخين أنه ابن أنطيوخس بالفعل، مثل يوسيفوس واسترابون، بينما يرى البعض الآخر أنه ابن احدى محظياته. ورغم الشكوك حول نسبة الإسكندر بالاس إلى العائلة السلوقية فإن الملوك الثلاثة الأعداء لم يكونوا بحاجة ماسة إلى شخص من سلالة السلوقيين للمطالبة بالعرش.
وقد مضى هركليد ومعه لاوذيقة والإسكندر بالاس مع وفد من الوجهاء إلى روما، حيث عرضوا قضيتهم يؤيدهم في ذلك الملوك الثلاثة المذكورين، وقد اقتنع مجلس الشيوخ وأقر حق الإسكندر في استرداد العرش، وذلك في مطلع سنة 152 ق.م، وبذلك وجدت روما الفرصة لكي تحرم ديمتريوس من العرش الذي استولى عليه رغمًا عنها في سنة 162 ق.م. رغم ما أظهرته له من رضى مؤخرًا كما مر. وعاد الإسكندر بالاس إلى بلاده، حيث ساعده خطاب تزكية الرومان على حشد الجيوش، وقد استولى أولًا على بطولمايس (عكا) والتي قبلته ملكا،ً مؤثرة إياه على ديمتريوس، وذلك في صيف أو ربيع سنة 152 ق.م. ثم نادى بنفسه: “الإسكندر أبيفانيوس ملك سوريا” فانضم عندئذ إليه كثيرين من معارضى ديمتريوس.
أقدم عملة عرفت للإسكندر كانت في سنة 162 سلوقية (من 28 سبتمبر 151 ق.م. إلى 17 أكتوبر 150 سنة).
بطلمايس (عكا): Ptolemais الاسم الذي أطلقه بطليموس الثاني المصري على عكا سنة 261 ق.م، وكانت تسمى فيما مضى “عكو” ومعناها “الرمل الساخن” وكانت عكا ثغرا فلسطينيا، وتقع على ساحل البحر المتوسط على مسافة 44 كم شمالي صور. وجعلها البطالمة المركز الرئيسي لحكامهم حيث كانت مدينة قوية سهلة التحصين، وكان لها ميناء يضاهى ميناء الإسكندرية، وبالتالي فقد كان من السهل على الإسكندر بالاس أن يقطع الطريق على ديمتريوس ويمنع عنه أية معونة، ولما حاول ديمتريوس اخراجه من هناك فشل بسبب كراهية جنوده له، ومن هنا يظهر لنا لماذا سعى في طلب ود يوناتان المكابى. انظر خريطة رقم (12).
وتسمى عكا أيضًا “جوف سوريا” وهي التي حوّلها كلوديوس قيصر فيما بعد إلى مستعمرة رومانية ليقيم فيها قدامى المحاربين السوريين، ونظرا لموقعها الاستراتيجى فقد كانت مطمعًا للمستعمرين على الدوام.
قد عرف عن سكانها في عصر المكابيين كراهيتهم الشديدة لليهود (2مكا 6: 8) فقد حرّضوا عليهم بقية الوثنيين مرارًا، وعندما أبرم أنطيوخس الخامس معاهدة صلح مع اليهود سنة 148 ق.م. غضبوا لذلك (2مكا 13: 23) وقد عمل بعض رجالها كجنود مرتزقة في جيش طيموتاؤس العمونى والذي قاوم اليهود كثيرًا (1 مكا 5: 15) ولكن اليهود هزموه وطاردوه إلى هناك في عكا (5: 21، 55).
وفيما بعد تقابل الإسكندر بالاس فيها مع بطليموس السادس حين أعطاه الأخير ابنته زوجة، إلى هناك ذهب يوناتان المكاابى مهنّئًا ومقدمًا الهدايا (آيات 27 – 60). وبعد ذلك انتزعها ديمتريوس الثاني مع عرش سوريا (11: 22 – 24) وهناك ُاسر يوناتان قبل أن يُقتل على يد تريفون، وهكذا ظلت تتأرجح بطلمايس (عكا) بين البطالمة والسلوقيين إلى أن احتلها الرومان.
والعجيب أن يُوهب ديمتريوس الأول هذه المدينة ” بطليمايس” ليوناتان هنا، في حين أنها ليست خاضعة له وانّما لغريمه الإسكندر، ولقد كان من شأن موافقة يوناتان على ذلك: نشوب أزمة بينه وبين الإسكندر، وهكذا وبينما يعرض ديمتريوس تخصيص جزية المدينة وما يخص الملك منها، هدية إلى الهيكل، يتشكك اليهود في العرض كما سنرى.
رسالة وديّة من ديمتريوس إلى يوناتان (آيات 3 – 7)
أفاق ديمتريوس من غفلته على الكارثة المحيقة به، فقد وجد نفسه وملكه مهددًا بعصيان مدني، وبينما كان يعد العدة لمواجهة الإسكندر بالاس، فطن إلى ضرورة تأمين منطقة اليهودية، إذ كان نيره قد ثقل على اليهود، فعلى الرغم من فترة الهدوء التي نعموا بها، إلاّ أنه كان يدرك جيدًا أنهم مُرّى النفس منه ومن قواده الذين دمروا مدنهم وقتلوا الكثيرين، ولم يجد ديمتريوس مناصّا من الاعتراف بيوناتان كقائد مستقل.
وقد شمل العرض المقدم منه ليوناتان سحب الحاميات السلوقية من اليهودية، وهي التي تركها بكيديس بعد الاستيلاء على كثير من الحصون بعد تقويتها، باستثناء القلعة التي في أورشليم وأن كان سيطلق سراح اليهود المحتجزين فيها، ثم التصريح بتكوين الجيوش وصنع الأسلحة وهو الأمر الذي لم يكن مسموحًا به من قبل، ولكنه وفيما ظن ديمتريوس أنه بذلك قد ضمن يوناتان كحليف له، كان الأخير في المقابل أكبر مستفيد من تلك الصراعات، والتي عرضت عليه المزيد من الامتيازات ليختار أفضلها، كما سنرى.
وأغلب الظن أن رسالة ديمتريوس لم تكن وثيقة رسمية موجهة إلى يوناتان شخصيا،ً بل ربما كانت موجهة إلى الأمة لأن يوناتان حتى ذلك الوقت لم يكن قائدًا معترفًا به لدى الملك، وأن كان سيعترف بذلك ضمنا في الرسالة، ليتأكد مركز يوناتان لدى كل من الشعب والخونة (اليهود المتأغرقين) والأجانب (سكان القلعة). فقد جاءت الرسالة مُرهبة لكل هؤلاء.
النتائج (آيات 7-14):
عندما قرأ يوناتان كتاب ديمتريوس على مسمع من الشعب ومن السلوقيين الساكنيين في القلعة: عمّ الفرح بين الشعب بينما انتاب الحراس في القلعة الخوف فأطلقوا سراح المعتقلين لديهم، والذين أُعيدوا أدراجهم إلى ذويهم في البلاد، وثبت يوناتان نفسه كحاكم في أورشليم، بعد أن كان مقر إقامته في مكماش، كما مر. ثم أعاد التحصينات لا سيما في جبل صهيون ويتضح من النص أن بعضها قد هدم أو أصابته الأضرار من مجانيق السلوقيين، بعد أن كان يهوذا المكابى قد أقامها عقب تطهير الهيكل، وتدل عبارة (متعهدى ” البناء” الأعمال) على نشاط قومى وحركة ازدهار تذكّرنا بما تم في عهد نحميا فيما يشبه (إعادة التعمير) وتعنى الحجارة المنحوتة: فخامة البناء وزينته حيث تحتاج إلى وقت ومال.
ويذكرنا ذلك أيضًا بأعمال البناء الواسعة التي قام بها داود النبي حين قرر الاقامة في حصن مدينة داود، وكيف كان الرب معه (صموئيل ثان 5: 9،10) وكذلك ما فعله يوشيا الملك الصالح والذي استخدم أيضًا الحجارة الثمينة المنحوتة لترميم ما قد تهدم (أخبار أيام ثان 34: 11). وبتحصين يوناتان لجبل الهيكل والأسوار: أمّن البلاد مخاطر السلوقيين وجنود القلعة واليهود المتأغرقين. أما أصعب جانب في البناء في جبل الهيكل فهو الواجهة الشرقية الشديدة الانحدار، بل أن هيردوس نفسه فيما بعد لم يستطع أن يعمل أكثر مما عمله رجال يوناتان.
هنا وقد اتاح مغادرة الجنود السلوقيين للحصون في البلاد، عودة تلك الحصون للسيطرة اليهودية، تصلح كوسائل دفاع وهجوم معًا، مما يعد في حد ذاته مكسبًا عسكريًا هامًا، وأما بقاء بيت صور تحت السيطرة السلوقية فيرجع إلى كونها ملجئا لليهود المتأغرقين، حماية لهم من انتقام الشعب. وهكذا ُلقب يوناتان بـ” المخلص محرر الرهائن”.
الإسكندر يقدم عرضًا أفضل (آيات 15-20):
من جانبه سعى الإسكندر إلى ضم اليهود إلى جانبه، ومن هنا بدأت المزايدات فيما بينه وبين خصمه ديمتريوس، وكان غرضه حرمان ديمتريوس من ذلك التحالف بينه وبين اليهود، ثم الاستفادة من اليهود لا سيما بعد سماعه بمعاناتهم والحروب التي خاضوها وشدة بأسهم، لذا فقد قرر الإسكندر ونتيجة لانبهاره بيوناتان، اتخاذه نصيرًا وحليفًا وصديقًا، وهو يعرض عليه هنا شرف لقب “صديق الملك” (والذي سبق شرح قيمته) بل سنقرأ لاحقًا كيف زاد في تكريمه له بتقديم “عروة الذهب” والتي تساوي أعلى وسام ملكي (آية 88).
ويقال أن امتياز “صديق الملك” كان يسمح بحق الحكم الذاتي لبعض أقاليم المملكة، وبالتالي فإن يوناتان كحليف للاسكندر يمكنه أن يحكم اليهودية، كما يشير لقب “أخيه” إلى لقب هيلينى يقتصر خلعه على عظماء المملكة الكبار، واللقب هنا هو لون من الملاطفة ليوناتان. وأما “الأرجوان” فهو الزى الرسمي لأصدقاء الملك، في حين أن ثوب رئيس الكهنة في العصر الهيليني يصنع من الاسمانجونى مع صدرة من الذهب.
ولعل قبول اليهود عرض الإسكندر وقرارهم التحالف معه، جاء ليس فقط بسبب تفوق عرضه عن عرض الآخر، وانما بسبب لهجة ديمتريوس المتعجرفة، سواء في عرضه السابق أو القادم. وهكذا وبينما كان مغرورا، كان الإسكندر كريما لطيفًا.
الكهنوت يتحول إلى أسرة المكابيين:
كان يوناتان من أسرة كهنوتية تنتمي إلى سلالة يوياريب رئيس إحدى الفرق الكهنوتية (2: 1،51) ومع ذلك فقد درج اليهود على اختيار رئيس الكهنة من عائلة حونيا (أونيا)، وظل الأمر هكذا إلى أن قتل أونيا وأعقب قتله تعيين ثلاثة من رؤساء الكهنة الأشرار على التوالى والذين أضروا كثيرًا بالبلاد، وكان آخرهم هو ألكيمس، والذي بموته انتهت فترة تشوهت فيها سمعة رئاسة الكهنوت. في تلك الفترة هرب حفيد أونيا إلى مصر بينما هرب كاهن آخر إلى قمران وهو المسمّى “معلم البر” أو “معلم الصلاح” ليحيا كل منهما في المكان الذي اختاره (3).
وعلى غرار ما حدث في السنوات التي سبقت ذلك التاريخ فقد كان الملوك السلوقيون يعيّنون رؤساء الكهنة، وهكذا كان من حق الإسكندر بالاس – وقد أصبح ملكًا معترفًا به – أن يعيّن يوناتان رئيسًا للكهنة (7: 9 و2 مكا 4: 24) وهكذا بتعيينه يبدأ عهد “ملوك كهنة” والذي استمر حتى دمار الهيكل سنة 70م، وقد كان من مساوىء جمع الحاكم بين السلطتين السياسية والكهنوتية: الاضرار بالطقس والحياة الليتورجية والروحية معًا. ففيما كان الحاكم يقوم بواجبات الاحتفالات الدينية كان مضطرًا في بعض الأحيان إلى خوض المعارك، بما فيها من سفك دماء وتدمير وسبى وخراب.
كما تسبب ذلك في بعض الأوقات إلى زيادة شقة الخلاف بين فرقتى الفريسيين والصدوقيين عندما كان الملك وهو رئيس الكهنة أيضا، ينحاز إلى جانب فرقة ضد الأخرى متخليًا عن حياده كقائد عام للبلاد وجميع الفرق، الأمر الذي أفضى إلى الصدام المروّع بين الإسكندر جنايوس والمصلين في الهيكل، عندما أخطأ في الطقس فظنوه يسخر من فرقة دون الأخرى ولما هاجموه بقذفه بالثمار والأغصان: انتقم بقتل ستة آلاف منهم.
وهكذا أيضًا أهمل أولئك الواجبات الدينية في خضم اهتماماتهم السياسية والعسكرية، ولعل ذلك هو السبب في القاء الدروس على رئيس الكهنة قبل كل احتفال حتى لا يخطئ أثناء العبادة، وهو ما ظنه البعض بطريق الخطأ: امتحانًا سنويًا لرئيس الكهنة.!
وقد أهدى الإسكندرإلى يوناتان بهذه المناسبة: ملابسًا أرجوانية، وهي الخاصة بالملوك ورؤساء الكهنة والعظماء، كما أهداه أيضًا تاجًا ذهبيًا، وقد ارتدى يوناتان هاتان الهديتان لأول مرة في ممارسته لرئاسة الكهنوت في عيد الأكوخ (المظال) وذلك في أكتوبر من سنة 152 ق.م.
بطليموس السادس يقيم هيكلًا لليهود في مصر:
روى يوسيفوس في رده على مزاعم ” أبيون ” أن حونيا ابن حونيا الثالث عندما لم يعين رئيسًا للكهنة بعد موت عمه منلاوس، مضى إلى مصر وتزلّف إلى بطليموس وزوجته كليوباترا فأكرما وفادته، وعندئذ طلب إليهما أن يسمحا له ببناء هيكل لليهود في مصر على غرار الهيكل في أورشليم، فأجاباه إلى طلبه وعيناه رئيسًا للكهنة فيه، على أن تكون الرئاسة بعد ذلك لنسله تباعًا، ولمّا رفض اليهود هناك ذلك: أفحمهم بنبوءة أشعياء والقائلة بأنه ستكون خمسة مدن في مصر تتكلم الكنعانية يقال لإحداها مدينة الشمس (هليوبوليس) وفي ذلك اليوم يكون للرب مذبحًا في أرض مصر..(19: 18) فيكون بشهادة لرب الجنود في أرض مصر..
ولكن تحقيق النبؤة جاء في كنيسة المسيح بعد ذلك بمئتي عام، فإن المذبح المقصود هو مذبح العهد الجديد، إذ كان لا يجوز تقديم الذبائح في ذلك الزمان إلاّ في أورشليم. وأما المذبح الذي ُاقيم في وسط أرض مصر فهو المذح الأثري الموجود الآن بالدير المحرّق والذي يتوسّط مصر تقريبا. بينما ُيقصد بالعمود الذي في ُتخم مصر: القديس مار مرقس دون شكّ، والذي جاء مصر مبشّرًا اليهود والوثنيين بالمسيح.
ديمتريوس ووثيقة تفاهم معدّلة
22وذكر ذلك لديمتريوس فشق عليه وقال: 23“ماذا صنعنا لكي يسبق الإسكندر إلى مصادقة اليهود والتعزز بهم؟ 24سأكتب أنا أيضًا إليهم بكلام تشجيع وتعظيم وهدايا، ليكونوا من مناصري”. 25وكاتبهم قائلا:
“من الملك ديمتريوس إلى أمة اليهود سلام. 26لقد بلغنا أنكم محافظون على عهودكم لنا، ثابتون على صداقتنا، ولم تتقربوا إلى أعدائنا، فسرنا ذلك. 27فاثبتوا في المحافظة على وفائكم لنا، فنحسن ثوابكم على ما تفعلون في سبيلنا. 28ونحط عنكم كثير مما لنا عليكم ونصلكم بالعطايا. 29فإني منذ الآن أعفيكم وأحط عن جميع اليهود كل جزية ورسم الملح والأكاليل. 30وأما ثلث غلال الأرض ونصف ثمار الشجر الذي يحق لي أخذه، فإني من اليوم فصاعدا أعفي منهما أرض يهوذا والأقضية الثلاثة الملحقة بها من أرض السامرة والجليل… من هذا اليوم على طول الزمان. 31ولتكن أورشليم مقدسة ومعفاة هي وأرضها من العشور والرسوم.
32وأتخلى عن القلعة التي في أورشليم، وأعطيها لعظيم الكهنة يقيم فيها من يختاره من الرجال لحراستها. 33وجميع النفوس التي سبيت من اليهود من أرض يهوذا في مملكتي بأسرها أطلقها حرة بلا فدية. وليكونوا جميعا معفين من الضريبة، حتى عن المواشي. 34ولتكن الأعياد كلها والسبوت ورؤوس الشهور والأيام المخصصة والأيام الثلاثة التي قبل العيد والأيام الثلاثة التي بعد العيد أيام إعفاء وعفو لجميع اليهود الذين في مملكتي. 35فلا يكون لأحد أن يطالب أحدا منهم بشيء أو يثقل عليه في أي أمر كان. 36وليكتتب من اليهود في جيوش الملك إلى ثلاثين ألف رجل تعطى لهم رواتب، كما يحق لسائر جنود الملك. 37فيجعل منهم في حصون الملك العظيمة، ويوظف البعض منهم في مناصب الثقة في المملكة، ورؤساؤهم ومدبروهم يكونون من جملتهم، ويسيرون على سننهم، كما أمر الملك لأرض يهوذا. 38وأما الأقضية الثلاثة الملحقة باليهودية من بلاد السامرة، فلُتضَم إلى اليهودية فتكون معها خاضعة لرجل واحد ولا تطيع سلطانا آخر إلا سلطان عظيم الكهنة. 39وقد وهبت بطلمايس وما يتبعها للمقدس الذي في أورشليم لأجل نفقة الأقداس، 40وزدت عليها خمسة عشر ألف مثقال فضة كل سنة من دخل الملك من الأماكن التي تصلح لذلك. 41وكل ما بقى مما لم يدفعه وكلاء المال عن السنين السالفة يؤدونه من الآن لأعمال الهيكل. 42وما عدا ذلك، فخمسة آلاف مثقال الفضة التي كانت تؤخذ من دخل المقدس في كل سنة تترك رزقا للكهنة القائمين بالخدمة. 43وأي من لاذ بالمقدس في أورشليم في جميع حدوده، وللملك عليه مال أو أي حق كان، فليعف وليبق له كل ما ملك في مملكتي. 44ونفقة البناء وأعمال الترميم في الأقداس تعطى من حساب الملك. وبناء أسوار أورشليم وتحصينها على محيطها 45وبناء الأسوار في سائر اليهودية تعطى نفقته من حساب الملك”.
ما أن سمع ديمتريوس بعروض الإسكندر لليهود وقبول الأخيرين لها، حتى ُاسقط في يده، وتعكس (الآية 23) حيرته مع عجزه عن اتخاذ إجراءات انتقامية كما كان يفعل من قبل بإشارة من يده، فإنه الآن يختار – ورغما عنه- الطرق الدبلوماسية والتودّد، وسوف نلاحظ في سياق نص المعاهدة هنا سببا جديدًا لضعف ديمتريوس واضطراره إلى هذا النمط من الحلول، وهو تناقص عدد رجاله، حيث يسمح لليهود بالالتحاق بالجيوش السلوقية، وهو الأمر الذي لم يكن مسموحًا به من قبل. ومع ذلك فإن لهجته في الكلام لا تخلو من الكبرياء والاعتداد بالذات، فرغم معرفته بمناصرتهم للإسكندر وقبولهم التحالف معه، إلاّ أنه يتجاهل ذلك في رسالته ويشكرهم على وفائهم له!! (آية 26، 27).
وبموالاة يوناتان للإسكندر بالاس، كسب الأخير موالاة اليهود له، مما دفع بديمتريوس إلى الإسراع بذلك العرض، وحسبما يُفهم من سياق الرسالة أنها موجهة لليهود (أمة اليهود/ آية25) وليس إلى يوناتان شخصيًا، فهل كان يقصد من ذلك كسب موالاة اليهود بعيدًا عن يوناتان؟ (4). فهو يستهل رسالته بمدح اليهود باعتبارهم في جانبه فعلًا! وهو نوع من المراوغة كان معروفًا في البلاغة اليونانية والرومانية، وأن كان هناك من بين اليهود من يناصر ديمتريوس بالفعل، من معارضي الحشمونيين الذين ناصروا سياسة ألكيمس رئيس الكهنة التابع للسلوقيين.
قائمة العطايا:
+ الإعفاء من الجزية: وهي الجزية الموضوعة عليهم شأنهم شأن جميع البلاد الخاضعة للمملكة، وكان أحد الموظفين المكلفين بهذا العمل يحمل الجزية سنويا إلى الملك في موعدها.
+ رسم (مكس) الملح: والمقصود به هو ثمن الملح الذي يستخرجه اليهود من البحر الميت، سواء لاستخدامهم أو لتجارتهم، وهو يحق للمملكة أصلًا فيدفعوا عنه جزية (11: 25). وفي البداية كانت الضريبة ترسل في شكل كمية من الملح ثم استعيض عنها بثمنه.
+ رسم ” الأكاليل” وتسمى أيضًا ” السعف” و” أغصان الزيتون” راجع (13: 37 و2 مكا 14: 4) وكانت عبارة عن هدايا تقدم للملك، ويمكن أن تسمى “ضريبة تاج” تقدم في شكل مال، وبينما كانت في البداية تقدم كهدايا طوعية إلاّ أنها مع الوقت صارت إلزامية، وقد وضعت هذه الضرائب الباهظة منذ سنة 165 محلّ الجزية (حسبما ورد في 3: 36) حين قضى الملك السلوقي بمصادرة أراضي اليهود وتوزيع بعضها على الأجانب، ومن ثم أصبح اليهود بذلك مستأجرين لأرضهم!! وقد سلك كل من البطالمة والسلوقيون ذات المسلك، مدّعين أن الأرض ملكهم يؤجرونها لليهود!
ويبدو أن الجزية كانت قد رفعت لبعض الوقت، قبل أن يعاد وضعها من جديد، وتساوي 300 قنطار (11: 28) والعجيب أنه وحتى البهائم التي يمتلكها اليهود كان موضوعًا عليها ضرائب! (آية 33) ويعرض ديمتريوس رفعها هنا. ولكن العالم بيكرمان Bikerman يفسر هذا العرض بإعفاء اليهود الذين تم أخذهم كعبيد مع أغنامهم، من الجمارك والضرائب عنهم وعن مواشيهم في طريق عودتهم إلى اليهودية بعد العفو عنهم، وكلمة ” فوروس phoros ” اليونانية والتي تعني “ضريبة” هي ترجمة للكلمة العبرية “ماس mas” والتي تعني ” ضريبة ” أو “ُسخرة ” أيضا وكانت الإمبراطوريات العظيمة كثيرًا ما تفرض سخرة أو إتاوة على رعاياها وعلى دوابهم المحمّلة، بأن ينقلوا بريد وأمتعة موظفي الحكومة، وفي أعقاب قيام الإمبراطورية الفارسية صار اسم الفريضة: ” أناجاريا anagareia ” ويرد في تاريخ يوسيفوس: ” .. أمر الملك بأن لا تطالب دواب اليهود المحملة بالأناجاريا..”.
وقد شمل العفو من الضرائب أرض يهوذا والأقضية (المناطق) الثلاثة، والتي سبق يهوذا المكابى فاستولى عليها وهي (أفيرمة/ لدّة/ الرمتائيم) راجع التعليق على (11: 34) وكان بكيديس قد حصّنها وضمها إلى المملكة داخل نطاق ممتلكات السلوقيين في اليهودية (9: 50) وكان اليهود يعتبرونها تابعة لهم، فأصبحت بذلك ضمن البلاد اليهودية بالفعل (آية 38).
وتوحى هذه الضرائب الثقيلة بأنه كان هناك ابتزاز لليهود من جهة الملك السلوقى، وربما عقوبة فرضت عليهم من جهته، حيث من المحتمل أن يكون الملك قد حرمهم قبلًا من امتيازات الدولة “المقربة” وأحطهم إلى أدنى مراتب سكان مناطق السيادة الملكية، ولذلك فاللهجة هنا فيها نوعًا من التلطيف لتجنب تذكير اليهود بالضغطات التي لاقوها على يد الملوك السابقين.
الحريات الدينية:
كانت المناسبات والأعياد وتسمّى ” موعاديم Moadim ” وهي: (الفصح، البنطقستى، يوم التذكار Day of Remembrance، روش ها شاراه Rosh Ha sharah، الكفارة، المظال، واليوم الثامن لـSolmen Assembly (حزقيال 45: 17) وكذلك أيام الاستعداد للأعياد ومثلها أيام امتداد الأعياد، ولربما كانت الثلاثة أيام التي تسبق العيد، وتلك أيضًا التي تعقبها هي بسبب سفر الحجاج قبل وبعد العيد، وقد عرض ديمتريوس إعفاء الزوار والحجاج من الرسوم والضرائب التي يتوجب على المسافرين دفعها عند بعض نقاط المرور، كما يعنى العرض تعليق الديون والضرائب في تلك الفترة باعتبارها إجازة رسمية تعترف بها المملكة.(5)
أما المقصود ب ” الأيام المخصصة ” والتي تأتى في يونانية السفر ولا ترد في مكان آخر في النصوص اليونانية للكتاب المقدس، فتعنى الاحتفالات التي قررها المجتمع مثل (البوريم/الحانوكا / يوم نكانور) في حين أن الأعياد Moadim المقصود بها الأعياد التي نصّت عليها الشريعة. وهناك إشارة للرابي ” إسماعيل” إلى أنه كان يوجد احتفال بذكرى التحرر من الضرائب والرسوم(6).
ثم يرفع ديمتريوس اليهود إلى مرتبة المواطنين السوريين، فيسمح لهم بالتجنّد وشغل الوظائف الهامة في المملكة حيث لم يكن من السهل قبول جنود في الجيش الملكي من الجماعات العرقية، ولكن اليهود – لا سيما في فترة سابقة على هذا التاريخ – قبلوا لأنه لم يكن معروفًا عنهم التمرد، وديمتريوس هنا لا يعيد إليهم هذه الميزة فحسب، بل وأن يدفع لهم رواتبهم أيضا، إذ كان الجنود الملحقين بالجيش تدفع لهم رواتبهم حكوماتهم المحلية، أو يخدمون مقابل الرسوم الحربية على الأراضي التي يمتلكونها. هذا ومن المحتمل أن يكون الجنود اليهود سيلحقون بكتيبة المشاة الضخمة والتي يعززها الجنود المقدونيون، لا سيما وقد كان هناك نقص حاد في عدد جنود ديمتريوس.
كما يتم اختيار رؤساء اليهود من بينهم هم، أي جعل قادة اليهود من اليهود أنفسهم لا من السلوقيين، وأما تعبير ” يسيرون على سننهم” فهو هام، إذ لم يكن كافيًا تعيين الرؤساء منهم، ولكن المهم أن يكون أولئك الرؤساء من اليهود المحافظين وليس المتأغرقين الموالين لسوريا مثلما كان ألكيمس وغيره، وبالتالي فإن أروع ما ورد في المعاهدة هو القول ” لتكن أورشليم حرة ومقدسة ” وهو ما يعنى الانتهاء الرسمي للأغرقة، وإعفاء أورشليم على وجه الخصوص فهي ذات قدسية خاصة باعتبارها قلب اليهودية.
Image: Ptolemy VI Philometor, 6th – 180-146, Coin صورة: عملة بطليموس السادس فيلوماتور – 180-146 قم. |
كما يعنى اعطاء المدينة صفة “المقدسة”: حمايتها من الهجوم، وربما أعفائها من بعض الضرائب، وبالتالي فإن ديمتريوس لن يهاجمها ما لم تبدأ هي بالحرب ضده. ويرى يوسيفوس أن ذلك يعنى أن ديمتريوس سيجعل أورشليم: “حرام Asylos” راجع (آية 43).
وأخيرًا تضمنت المعاهدة التخلي عن القلعة السلوقية في أورشليم والتي كانت رمزًا للاحتلال السلوقي – كما أسلفنا – وكانت شوكة في ظهر اليهود، تسبب الكثير من الامتعاض لأفراد الشعب.
الهبات المالية (39 – 45):
تفوق الهبات المالية التي يعرضها ديمتريوس – سواء التي يدفعها نقدًا أو تلك المستحقة على البلاد وقد تأخر الجباة في توريدها – إمكانيات خزائنه في ذلك الوقت. وقد كان على الهيكل ضريبة سنوية تدفع لخزانة المملكة شأنه في ذلك شأن جميع المعابد (يهودية أو وثنية) في أنحاء المملكة، وحتى هذه يعرض الملك تخصيصها للكهنة والعاملين في الهيكل فقد كانت مسألة استخدام أموال الهيكل، في غير أغراض الذبائح والقرابين واحتياجات الهيكل ذاته محل نزاع فيما بين القائمين على الهيكل والسلطات السلوقية، بل أن التشريع الروماني لاحقا قضى بأن مال الذبائح (عبري= heqdes mizbeah) لا يستخدم في أي غرض آخر.
ومع ذلك ومما يؤسف له أن الكهنة لم يكونوا أمناء على الأموال التي توهب لغرض غير محدد! ولذلك فإن القانون اليوناني وقتئذ قضى بإمكانية مراجعة حسابات الهيكل بين آن وآخر، بل أن اليهود أنفسهم كثيرًا ما ساءلوا الكهنة عن حسابات الهيكل (2 مل 12: 15 و22: 17)(7). وهكذا فإن ” الخمسة آلاف مثقال فضة “ (آية 42) سوف تترك لهم، وهي في الغالب مبالغ كانت قد وضعت على الهيكل مقابل عدم مساءلة الكهنة عن فائض المال في الهيكل.
وكذلك تنفق الأموال التي يدفعها ديمتريوس الملك للهيكل، ليس ذلك فحسب بل أنه يدفع تكاليف تحصين الهيكل وأورشليم واليهودية كلها. على أن يكون الهيكل نفسه ملاذًا آمنًا لكل من يحتمي فيه مهما كان عليه للمملكة (آية 43) وكان القانون اليوناني يسمح بالالتجاء إلى الأماكن المقدسة ذات الامتياز، بل والمجرمون الذين عليهم أحكام كان بإمكانهم التحصّن بتلك الأماكن ولكن داخل حدودها، أما حق اللجوء للمديون فهو مفهوم لا وجود له في الشريعة اليهودية، فإذا كانت الشريعة لا تسمح بإسقاط الدين على مثل هذا اللاجئ، فربما كان المقصود هو تحصّنه من الإجبار على الإيفاء بواسطة الحجز على شخصه هو أو على أملاكه.
وقد تحاشى ديمتريوس أن توجه عطاياه للذبائح مباشرة مثلما فعل من قبل أنطيوخس الثالث وسلوقس الرابع، بل وجهها للإنفاق على الهيكل بشكل عام. لأن اليهود كانوا يؤثرون أن يقوموا هم أنفسهم بنفقات الذبائح الالزامية. وقد ظهر ديمتريوس سخيًا في التكفل بأعمال الترميم بل والبناء الجديد أيضا، إذ أن الكلمة المستخدمة هي ” إرجا ERGA ” وهي ذي معنى أشمل.
وعندما كانت اليهودية تحت الحكم البطلمي (301 – 218 ق.م.) لم يثقل الحكام كواهل اليهود بالجزية، إذ لم تكن تلك الجزية تتعدى عشرين من الفضة، غير أن أسلوب الجباية ذاته هو الذي كان مثار متاعب وامتعاض، ونقرأ عن “يوسف” العشار اليهودي الذي عمل كجابي ضرائب لمدة ثلاث وعشرين سنة وسبب لليهود متاعبًا جمة حسبما يروى يوسيفوس، فلما استولى أنطيوخس الكبير على المنطقة سنة 202 ق.م قدم لليهود عطايا جزيلة، وأعفاهم من الجزية مدة ثلاث سنوات، على أن تخفض بعد ذلك مقدار الثلث، وأما خلفاؤه السلوقيون فقد كانوا قساة فيما يتعلق بالضرائب، وسنقرأ في (2 مكا 3) كيف سعى سلوقس الرابع (187 – 176 ق.م.) إلى سلب رعاياه بالقوة.
هذا وقد عانى بني إسرائيل في فترات كثيرة من تاريخهم من الجزية الباهظة، نذكر منها على سبيل المثال، تلك التي وضعها “منحيم” ملك إسرائيل على الشعب، لكي يسدد الجزية الثقيلة التي وضعها الآشوريين بدورهم على اليهود، فقد طلب منحيم من كل ثرى: خمسون وزنة، ويذكر عزرا الكاتب في صلاته كيف صار الشعب عبيدًا في أرضهم بسبب الضرائب.
فشل التحالف ومقتل ديمتريوس
46فلما سمع يوناتان والشعب هذا الكلام، لم يصدقوه ولا قبلوه، لأنهم تذكروا ما أنزله ديمتريوس بإسرائيل من الشر العظيم والضغط الشديد. 47فآثروا الإسكندر لأنه يفوقه عطايا في نظرهم، ولأنهم كانوا ولا يزالون من حلفائه. 48فجمع الإسكندر الملك جيوشا عظيمة وعسكر تجاه ديمتريوس. 49فنشب القتال بين الملكين، فأنهزم جيش ديمتريوس فتعقبه الإسكندر وتغلب عليهم. 50وقاتل قتالا شديدًا إلى أن غابت الشمس، وسقط ديمتريوس في ذلك اليوم.
وهكذا لم يستطع ديمتريوس أن يصمد طويلًا بسبب عدم التأييد الداخلي من جهة، والضغوط الخارجية من جهة أخرى، ولم يستطع بالتالي الاستمرار في محاولته كسب ود يوناتان. وفي ” تاريخ يوستينوس” توجد إشارة إلى عدة معارك خاضها ديمتريوس ضد الإسكندر، مع احتمال أنه ألحق بعض الهزائم في البداية بالإسكندر، وربما يفسر ذلك عدم وجود عملات للإسكندر قبل سنة 162 سلوقية.
لم يثق اليهود ب ديمتريوس ولا بوعوده مؤثرين الإسكندر عليه، فرغم هذه الوعود المالية التي يعرضها بكرم مدهش ومبالغ فيه لاستقلال اليهودية، إلا أن وفاءه بتلك التعهدات كان من شأنه إخفاقه في الهدف المرجو من ورائها! يضاف إلى ذلك أنه أنزل “شرًا عظيما بإسرائيل” من قبل، حيث اعترف هو بذلك فيما بينه وبين نفسه (آية 5) كما أن بطلمايس (عكا) التي يعرضها عليهم، هي تابعة في الواقع آنئذ للإسكندر وليس له، وبالتالي فان قبول اليهود لها من شانه أن ينشب أزمة فيما بينهم وبين الإسكندر، كما أن وعده بنهاية الأغرقة في البلاد وبأن يكون لليهود سننهم، كان يعنى من وجهة النظر السورية (Imperium in imperio) أي أن “سيادة الدولة في خطر”.
وقد فضل اليهود التحالف مع الإسكندر – رغم استفادتهم من وعود ديمتريوس السابقة – لأنهم كانوا ما يزالون في تحالف معه، ولم يكن قد وقع فيما بينهم أية قتالات أو خلافات، كما كانت كفة الإسكندر هي الأرجح، فبينما كان الإسكندر: “ملك واعد” لا سيما ومصر في طريقها لتأييده، كان نجم ديمتريوس آخذ في الأفول مما دفعه – بشكل غير متزن – إلى الاحتفاظ بالعرش بأية طريقة وثمن وإن كان عرضه لا يخلو من كبرياء وعجرفة، كما أشرنا من قبل.
ويقول يوسيفوس، أنه عندما نشبت الحرب بين الإسكندر وديمتريوس، ظلت سجالًا بينهما دون أن يتغلب أحدهما على الآخر، وفي سنة 150 ق.م. أي بعد سنتين من بدء الخلاف، اشتد القتال بين الطرفين وكان الملوك الثلاثة المتحالفين مع الإسكندر وكذلك يوناتان، يؤازرونه في تلك الحرب وهكذا وفي المعركة الأخيرة التي دارت رحاها بينهما، ظهرت ميسرة ديمتريوس على ميمنة الإسكندر (الجناح الأيمن) وطاردتها طويلًا تاركة ديمتريوس يحارب بنفسه بين جنوده في الميمنة، فإذا بأعدائه يتمكنون منه وكبا بجواده في الأرض حيث فقده في مستنقع ماء، ومن ثم اصطيد بسهام الأعداء عند نهاية ذلك اليوم. وقد ملك ديمتريوس اثنتي عشر سنة من 162 – 150 ق.م.(8)
كيف ساعد بطليموس الإسكندر بالاس (9):
قام بطليموس بتجهيز الإسكندر بجيش كامل مسلح، وقد رأى في ذلك فرصة مواتية للانتقام من ديمتريوس بسبب استيلائه على “جوف سوريا” من مصر، وكذلك محاولته الاستيلاء على قبرص بالقوة، يضاف إلى ذلك الخلافات الشخصية بين اثنيهما، وكان بطليموس مطمئنا أن أعانته للإسكندر لن ُتغضب سلطات روما، ولم يشترك بطليموس في المعركة ولكنه عين صديقه “جالاستيس Galaestes” الأتامانى قائدًا للجيش، في حين قاد الإسكندر احدى الفرق.
وشعر ديمتريوس بالخطر وثارت الجماهير ضده في العاصمة، وأظهر بأسًا شديدًا يفوق المألوف في المعركة قبل أن يُقتل تاركًا لولديه الانتقام له. وكان قد أسرع بتأمينهما بوضعهما في بلدة ” كنيد Cnide“.
الإسكندر يثبت في المُلك ويوناتان يرتفع معه
51ثم بعث الإسكندر رسلا إلى بطليمس، ملك مصر، بهذا الكلام قائلًا: 52“إذ قد رجعت إلى أرض مملكتي وجلست على عرش آبائي واستتب لي السلطان وسحقت ديمتريوس واستوليت على بلادنا. 53وإذ شننت عليه القتال فانكسر أمامنا هو وجيشه وجلست على عرش ملكه، 54فهلم الآن نصادق بعضنا بعضا، وهب لي أبنتك زوجة فأصاهرك وأهدى إليك وإليها هدايا تليق بك”. 55فأجاب بطليمس الملك قائلا: “ما أسعد اليوم الذي رجعت فيه إلى أرض آبائك وجلست على عرش ملكهم! 56وإني لصانع إليك ما كتبت به، فهلم إلى بطلمايس فنتواجه وأصاهرك كما قلت”. 57وخرج بطليمس من مصر هو وكلوبطرة ابنته، ودخلا بطلمايس في السنة المئة والثانية والستين. 58فلاقاه الإسكندر الملك فأعطاه كلوبطرة ابنته وأقام عرسها في بطلمايس على عادة الملوك باحتفال عظيم. 59وكتب الإسكندر الملك إلى يوناتان أن يأتي لملاقاته. 60فذهب إلى بطلمايس في موكب فخم ولقى الملكين وأهدى لهما ولأصدقائهما فضة وذهبا وهدايا كثيرة، فنال حظوة لديهما. 61واجتمع عليه رجال مفسدون من إسرائيل، رجال أثمة، ووشوا به، فلم يصغ الملك إليهم. 62وأمر الملك أن ينزعوا ثياب يوناتان ويلبسوه أرجوانا، ففعلوا. 63وأجلسه الملك بجانبه وقال لعظمائه: “أخرجوا معه إلى وسط المدينة ونادوا أن لا يشكوه أحد بأمر من الأمور ولا يزعجه لأي سبب من الأسباب”. 64فلما رأى الذين وشوا به ما هو عليه من المجد، وكيف نودى له وألبس الأرجوان، هربوا جميعا. 65وكرمه الملك فجعله من أصدقائه الخواص، وأقامه قائدا وحاكما. 66فعاد يوناتان إلى أورشليم سالما مسرورًا.
يبدو للوهلة الأولى من تصريحات الإسكندر بالاس، أن مصر كانت بمنأى عن ذلك الصراع، ولكننا أوضحنا كيف أنها كنت طرفًا رئيسيًا فيها، ولذلك فإنه يجب اعتبار الخطاب تمهيدًا لطلب يد كلوبطرة زوجة، وكأنها حيثيات الطلب، إذ يقدم الإسكندر نصره على ديمتريوس مهرًا للعروس، لتتأكد بذلك الزواج عُرى الصداقة بين المملكتين وتنتهي فترة طويلة من الصراعات بينهما، ولكن ذلك لم يدم طويلًا كما سنرى.
فقد كان الإسكندر يدرك أنه مدين بتاجه لمصر، ولذلك فقد رأى أنه من حسن اللياقة والسياسة أن يفعل ذلك، ولكن هذا الزواج لم يتم برضى كامل من جانب بطليموس، رغم إدراكه بأنه لن يستطيع تزويجها لأخيه بطليموس يورجيتيس، لقد كان بطليموس يشك في نسب الإسكندر الملوكي وإن كان قد عامله كملك شرعي للوصول إلى أغراضه، حيث أمل أن يضم سلوقية إلى مملكة مصر.!!
لبّى بطليموس دعوة الإسكندر وجاء إلى بطلمايس بابنته وهداياه، وإذ كان الإسكندر يشعر أنه ما يزال في حاجة إلى يوناتان، أرسل في طلبه كشخصية هامة في احتفال العرس، ولما وصل يوناتان إلى هناك فبهر الملكين بموكبه وملابسه ثم هداياه الثمينة للعروس وعريسها. مما أكسبه تقديرهما واحترامهما، وقرّبه بالأكثر إلى الإسكندر، الذي ثبّته كملك وحاكم مدني عسكري لبلاده كما وهبه رتبة “صديق الملك”. وقد تم زواج الإسكندر من كلوبطره في خريف سنة 150 ق.م. (162 سلوقية).
زواج الإسكندر ونبوءة دانيال:
كان اليهود الأتقياء يتوقعون تحقيق نبوءة دانيال (2: 43، 44) والتي تشير إلى زواج سيتم بين الأسر الملكية والسلالات الحاكمة للإمبراطورية المقسمة المدعوة بالإمبراطورية المكدونية الرومانية، وأحد هذه السلالات سيكون في قوة الحديد بينما سيكون الآخر في قوة الخزف، ومن بعد ذلك بقليل سينهار البناء الكلى للإمبراطورية الوثنية، ويمكن أن يوصف الإسكندر هنا، وبسبب عدم كفاءته، ب ” الخزف”، وكذلك ينطبق الوصف على خَلَفِه، بينما يمكن اعتبار ديمتريوس وبطليموس يمثلان قوة الحديد.
وقد أصيب اليهود من قبل بالإحباط مرتين، إذ لم تتحقق النبوة بزواج “أنطيوخس الثاني” و”برنيس” سنة 252 ق.م. وكذلك زواج “بطليموس الرابع وكليوباترا” سرًا في شتاء 194/193 ق.م. ومع ذلك فقد بقى الكثير من اليهود على إيمانهم، متوقعين تحقيق النبوة بزواج الإسكندر من “كليوباترا ثيا”. تقول النبوءة: ” وبما رأيت الحديد مختلطًا بخزف الطين فانهم مختلطون بنسل الناس ولكن لا يتلاصق هذا بذاك كما أن الحديد لا يختلط بالخزف. وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبدًا وملكها لا يُترك لشعب آخر وتسحق وتفنى كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد” (دانيال 2: 43، 44).
وقد كان للإسكندر بالاس وجهة نظر صائبة في السعي إلى مصاهرة ملك مصر، حيث خشي أن يسترد ديمتريوس المُلك من خلال ابنه الذي أبعده خارج البلاد، وكذلك من تحالف سكان المناطق البعيدة من المملكة مع عدوه ل،لا سيّما بسبب عدم ثقتهم به لقلة خبرته.
وقد تم الزواج في المدينة الخاضعة للمملكة السلوقية (بطلمايس) والتي حملت الاسم الملكي للبطالمة، وكانت بلا شك مكانًا مناسبًا لمثل هذا ” الزواج السياسي”. هذا وقد صدرت العملات الأولى للإسكندر في فينيقية في بداية سنة 162 سلوقية، حيث تم سكّها بحسب المقاييس البطلمية، وقد طبع على وجهها الأول صورة الإسكندر، بينماعلى الوجه الآخر صورة النسر الروماني.
كلوبطرة (كليوباترا ثيا “المؤلهة”):
هي ابنة بطليموس فيلوماتور السادس، كانت شريرة تُؤثر مصلحتها على المصالح العامة، فما أن تزوجت من الإسكندر بالاس، حتى اختلف أبوها مع زوجها، فأخذها منه ليزوّجها لديمتريوس الثاني نكانور وذلك عقب استيلاءه على عرش سوريا من بالاس، ولما وقع ديمتريوس في الأسر في “بارثيا” تزوجت من أخيه أنطيوخس السابع سيدتيس Sedetes والذي استولى على عرش سوريا في غياب ديمتريوس سنة 137 ق.م. ويرجح بعض المؤرخين أنها كانت ضالعة في مقتل ديمتريوس عند عودته سنة 125 ق.م.، وبعد ذلك قتلت سلوقس ابنها الأكبر من نيكانور بسبب استيلائه على الحكم بعد أبيه دون موافقتها، كما حاولت مرارًا قتل ابنها الثاني أنطيوخس الثامن جريبوس Grypus لأنه لم يشركها في السلطة بالمستوى الذي أملته، وكان لها ابن آخر من أنطيوخس السابع قُتل في معركة سنة 95 ق.م. وفي النهاية ماتت هي مسمومة.
في ذلك الوقت تحرّك اليهود المتأغرقين، والذين اختاروا السكنى في بطلمايس كمنفي اختياري لما لهم من خلافات مع السلطات في أورشليم، فقد وجد أولئك الفرصة سانحة أمامهم للإيقاع بين يوناتان والإسكندر، بعيدًا عن اليهودية، على غرار ما يحدث الآن عندما يهاجم رعايا بلد ما يسكنون بلد آخر الرئيس أو الملك عند زيارته، من خلال المظاهرات المعادية واللافتات، حيث يمتعون بحرية تحميهم من العقاب أو الاعتقال.. وقد يتم ذلك أيضًا من خلال شكاوى تقدم لملك البلاد. ولكن الإسكندر لم يسمع لهم ولم يقرّهم فيما يدّعون، بل ثبت يوناتان في مكانه ومكانته وكرامته، وربما لهذا السبب قام الإسكندر بإلباس يوناتان الأرجوان حيث أمر بأن يطوف في موكب حافل في المدينة لإعلانه ملكًا.. مما جعل مناهضوه يتراجعون خائفين. وكان لأصدقاء الملك رتب أربع، هي: 1- أصدقاء فقط 2- أصدقاء مكرمين 3- أصدقاء من المرتبة الأولى 4- أصدقاء عظيمي الكرامة من المرتبة الأولى، ومنذ أن منح الإسكندر يوناتان لقب قائد Strategos أصبح قائدًا مدنيًا وعسكريًا لإقليم اليهودية(10).
ولكن بدا واضحًا أن تفسّخ الإمبراطورية الهيلينية قد بدأ، إذ سقط الإسكندر بالاس، وذُبح بطليموس السادس، وتمزقت ” بطلمايس مصر” بالنزاع، أمّا ديمتريوس وبالرغم من أنه كونه سلوقيا خالصًا إلاّ أنه كان غير كفء وبلا شعبية، فقد واجه من يتحداه سريعًا مطالبًا بالعرش. من هنا استنتج يوناتان أن أيام الإمبراطورية الوثنية قد صارت معدودة. ولكنه ومع جرأته المتزايدة في التصرف فقد بقى محتفظًا بحذره، حيث لم تكن خطة الله – من حيث التوقيت – واضحة، فلم يتخذ خطوة نهائية، فأنهى حصاره للقلعة، وحاول خدمة مليكه الوثني كأحد الرعايا المخلصين النافعين، بل أن يوناتان كان مهتمًا بأنه ينهى أي تحالف يشعر أنه يستبق خطط الله الزمنية.
يوناتان يهزم جيوش ديمتريوس الثاني
67وفي السنة المئة والخامسة والستين، جاء ديمتريوس بن ديمتريوس من كريت إلى أرض آبائه. 68فسمع بذلك الإسكندر الملك، فاغتم كثيرًا ورجع إلى أنطاكية. 69وثبت ديمتريوس أبلونيوس واليا على بقاع سورية، فحشد هذا جيشا عظيمًا وعسكر في يمنيا وراسل يوناتان عظيم الكهنة قائلًا:
70 ” ليس لنا من مقاوم سواك، وبسببك قد أصبحتُ عرضة للسخرية والتعيير. لماذا تتسلط علينا في الجبال؟ 71فإن كنت الآن واثقًا بجيوشك، فانزل إلينا في السهل فنتبارز هناك، فإن معي قوة المدن. 72سل واعلم من أنا ومن الذين يؤازرونني. فإنه يقال إنكم لا تستطيعون الثبات أمامنا، لأن آباءك قد انكسروا في أرضهم مرتين. 73فلست تستطيع الثبات أمام الفرسان وأمام مثل هذا الجيش في سهل لا صخرة فيه ولا حصاة ولا مكان تهربون إليه”.
74فلما سمع يوناتان كلام أبلونيوس، اضطرب قلبه واختار عشرة آلاف رجل وخرج من أورشليم، ولحق به سمعان أخوه لمناصرته. 75وعسكر تجاه يافا، لأغلقوا في وجهه أبواب المدينة لأن حرس أبلونيوس كان فيها، فهاجمها اليهود. 76فخاف الذين في المدينة وفتحوا له، فاستولى يوناتان على يافا. 77وسمع أبلونيوس، فتقدم في ثلاثة آلاف فارس وجيش كثير، وسار نحو أشدود كأنه عابر سبيل، وعطف في الوقت نفسه إلى السهل، إذ كان معه كثير من الفرسان الذين يعتمد عليهم. 78فتعقبه يوناتان إلى أشدود، والتحم القتال بين الفريقين. 79وكان أبلونيوس قد ترك ألف فارس وراءهم في الخفية. 80إلا أن يوناتان كان عالما أن وراءه كمينا. فطوق الفرسان جيشه ورموا الرجال بالسهام من الصباح إلى المساء. 81لكن الرجال بقوا في مواقفهم كما أمر يوناتان، حتى أعيت خيل أولئك. 82حينئذ قاد سمعان جيشه، وهجم على الفرقة، بعد أن وهنت الخيل، فأنسحق الأعداء وهربوا. 83وتبددت الخيل في السهل، وفروا إلى أشدود ودخلوا بين داجون، معبد صنمهم، لينجوا بنفوسهم. 84فأحرق يوناتان أشدود والمدن التي حولها، وسلب غنائمها وأحرق بالنار هيكل داجون والذين هربوا إليه. 85وكان الذين قتلوا بالسيف مع الذين أحرقوا ثمانية آلاف رجل. 86ثم سار يوناتان من هناك وعسكر تجاه أشقلون، فخرج أهل المدينة للقائه بإجلال عظيم. 87ورجع يوناتان بمن معه إلى أورشليم ومعهم غنائم كثيرة. 88ولما سمع الإسكندر الملك بهذه الحوادث، زاد يوناتان مجدا. 89وبعث إليه بعروة من ذهب، كما كان يعطى لأنسباء الملوك، ووهب له عقروت وأراضيها ملكًا.
ديمتريوس الثاني نكاتور:
كان ديمتريوس يحيا في كريت بعد وفاة ديمتريوس الأول أبيه، بينما قال البعض أنه كان يحيا في “كنيدس”، وكان قد بلغ أشده عندما سمع بأن الإسكندر قد أهمل شئون بلاده منصرفًا إلى اللذة والبذخ واللهو، موكلًا مسئوليات المملكة إلى شخص يدعى أمونيوس لم يحسن تصريف شئون البلاد، ومن ثم قامت عدة ثورات داخلية هناك، كذلك فقد قام الإسكندر بقتل “لاوذيقة” التي ساعدته هو في اعتلاء العرش، ثم قتل ” أنتيكون” ابن ديمتريوس والذي كان ما يزال يقيم في سوريا بعد مقتل أبيه، كما قام بقتل كل من وجده من النسل الملكي ليجعل العرش بمأمن من المنازعة.
عند ذلك تحركت آمال ديمتريوس الثاني ابن ديمتريوس الأول، لاسترداد عرش أبيه، فنزل في جيش صغير من مرتزقة كريت في قيليقية في سنة 148 ق.م.(11) فرحب به أهلها متعاطفين معه. أما ديمتريوس الثاني -والذي يؤكد المؤرخ يوستينوس أنه كان حديث الخبرة في ذلك الوقت – فقد استغل الذهب الوفير الذي أرسله أبوه ديمتريوس الأول معه، حتى يتمكن من كسب المرتزقة الكريتيون إلى جانبه.
كريت Crete: جزيرة كبيرة تقع تجاه السواحل الجنوبية الشرقية لليونان، توجد في وسطها سلسلة جبال وعرة وأودية، وقد ازدهرت فيها الحضارة “المينوية” منذ 3000 عام ق.م. ويصل طولها إلى 257 كم بينما يتراوح العرض ما بين 10 إلى 56 كم. ظلت كريت تابعة للسلوقيين إلى أن احتلها الرومان سنة 67 ق.م. وقد كانت مأوى للقراصنة لزمن طويل، وإلى مينائها التجأ القديس بولس والذين معه عندما انكسرت بهم السفينة، وقد عرف عن أهلها شرهم وشرههم كما ورد في رسالة القديس بولس (تيطس 1: 12) وكانت تسكن في كريت جالية يهودية لها نفوذ كبير طلبت حماية الرومان لها فبسطت الأخيرة حمايتها عليها. تسمى كريت أيضًا ” أقريطس” وأمّا عاصمتها الآن فهي “كاتيا”.
قيليقية Cilicia: مقاطعة في جنوب شرق آسيا الصغرى، تقع إلى الجنوب من جبال طوروس وتنقسم إلى قسمين: الغربي وهو جبلي ويسمّى ” تراكيا” والشرقي وهو سهل خصيب ويسمى ” بيدياس”. وأمّا سواحلها فتمتد مسافة 430 ميلًا. تنقلت قيليقية ما بين الحثيين ثم الأشوريين ثم اليونانيين ثم السلوقيين بداية من القرن الرابع إلى أن احتلها الرومان، والذين كان هدفهم الأول القضاء على قراصنة البحر الساكنين فيها لفترات طويلة، وأماّ عن تسميتها قيليقية فربما ترجع إلى بعض سكانها، الذين وردوا في السجلات الآشورية في القرن التاسع ق.م. تحت اسم ” كيلاكو” أو “خيلاكو” وأسماها الأراميون ” كوى”. وفي سنة 38 انتقل حكم قيليقية الشرقية “بيدياس” إلى والي سوريا من قِبل الرومان ثم أعاد “فاسبسيان” توحيدها.
الإسكندر يفيق من غفلته:
ما أن بلغت تلك الأنباء إلى مسامع الإسكندر بالاس، حتى هبّ عائدًا من بطلمايس إلى أنطاكية تاركًا اثنان من قواده هما: “هياركس” وديودوت “تريفون” لتدبير شئون البلاد، ومن ثم أرسل إلى حميه بطليموس في مصر لنجدته، فلم يسارع إلى ذلك بل خذله كما سنرى، في حين وقف يوناتان إلى جانبه يناصره ويحارب عنه وقد أفاد ذهاب الإسكندر إلى أنطاكية واقترابه إلى قيليقية (منطقة الاضطرابات) في تعطيل تقدّم ديمتريوس إلى العاصمة للاستيلاء على العرش حيث كان له بعض المناصرين فيها.
وأما ديمتريوس الثاني فقد عين ” أبولونيوس” قائدًا على بقاع سوريا (12)، وهو الذي كان قد ساعد ديمتريوس الأول من قبل على الهرب من روما حين كان أسيرًا هناك (7: 1) ويحمل أبولونيوس اسم أبيه والذي كان واليًا سابقًا على بقاع سوريا وفينيقية أيضًا (2 مكا 3: 5). قام أبولونيوس بتجهيز جيوشه ثم عسكر في يمنيا. وفي بعض الكتابات التاريخية حدث خلط ما بين تبعية أبولونيوس الإسكندر أو ديمتريوس الثاني، وربما كان السبب في ذلك هو أن الفعل “أعاد تعيين” في اليونانية يعنى أيضًا “عيّن” وفي مثل هذا السياق يذكر أولًا اسم اللقب الذي للشخص المعيّن ثم المنصب الذي تعيّن فيه. وقد حمل أبولونيوس لقب ” Taos” أو “Daos” وهكذا أسيء فهم تعبير “Ton onta “.
فكيف يكون يوناتان مواليًا للاسكندر بالاس ويحارب أبولونيوس أحد رجال الإسكندر؟ وكيف يهزم يوناتان أبولونيوس – كما سيجيء – فيستحق المدح من الإسكندر؟! والذي يتظاهر بأن ما فعله أبولونيوس لم يكن بتفويض منه. إذن فالذي حدث هو أن أبولونيوس عمل كجنرال أولًا في جيش الإسكندر، ثم تخلّى عنه ليعمل لحساب ديمتريوس – كما سيجيء – كوكيل للمُطالب بعرش سورية.
أبولونيوس يراسل يوناتان باستخفاف:
شعر يوناتان بأن وضعه يهتز باهتزاز وضع بالاس، فجهز جيشًا قويًا استعدادا لمناصرة حليفه، في حين شعر أبولونيوس بالخطر من جهة يوناتان أكثر من بالاس، ولم تكن له خبرة كافية بالحروب في الجبال والتي خبرها اليهود في المقابل جيدًا، ولولا تحرك يوناتان لأصبح بالاس لقمة سائغة في فم المارد الجديد (ديمتريوس). فأرسل أبولونيوس يتحدى يوناتان بأن يواجهه في السهل حيث لا يستطيع الاحتماء بالتلال والكهوف، ومهددًا إياه بكثرة الجيوش التي تناصره، لأن الجميع يعرفون أنه – أي يوناتان – لا يثبت أمامه (فإنه يقال أنكم لا تستطيعون الثبات أمامنا ” آية72 “).
وأما المرتان اللتان يشير إليهما أبولونيوس – حيث هُزم اليهود – في خطابه التحذيري، فربما يقصد بهما معركة بئروت التي قتل فيها يهوذا المكابى (1مكا9: 1-22) ثمّ حملة أنطيوخس الخامس وليسياس (6: 28-54) وربما كان أبولونيوس يشير إلى معارك سابقة على هذا التاريخ محفوظة في التقليد المتوارث فقط، حيث يمكن أن يكون الفلسطينيين قد حصلوا على الاستقلال من أيدي إسرائيل ويهوذا في وقت ما بعد وفاة سليمان، وربما كان يقصد المعركة التي دارت في “أفيق” حيث هزم الفلسطينيين اليهود مرتين (صموئيل أول 4: 1 – 11). وقد يشير تعبير “حصاة “ (آية 73) إلى قصة داود وجليات (1صم 17: 40، 49).
وقد اضطرب يوناتان في البداية، وفي ترجمة أخرى “غضب” ولكنه تشجع وجمع جنوده وانضم سمعان إليه، وعسكر جيش اليهود أمام “يافا”.
يافا Joppa: اسم يوناني مشتق من الكلمة ” لوب Lope” وهي في الأساطير اليونانية: ابنة “عولس” إله الريح وابنه كيفيوس الإله المكتشف للمدينة، و”يافا” اسم كنعانى معناه “جمال”، وهيّ أقدم مدن العالم على ساحل البحر المتوسط على مسافة ستين كم شمال غرب أورشليم. ومن بعد سقوطها في يد الإسكندر تحولت إلى حكم البطالمة حيث وضعوا هناك حامية عسكرية، فلما حاول أنطيوخس انتزاعها من بطليموس دمرها الأخير مع مدن أخرى عند انسحابه سنة 312 ق.م. ولكن البطالمة استعادوها بعد معركة “ايسوس ” سنة 301 ق.م. ثم عاد السلوقيون فانتزعوها من جديد من البطالمة في معركة ” بانيون” على يد أنطيوخس الثالث، هذا وقد أساء سكانها الوثنيون إلى اليهود الساكنين بينهم، وسنقرأ في (2مكا12: 3 – 9) كيف غدر أهلها بالكثير من اليهود وأهلكوهم في البحر، مما دفع بيهوذا المكابي إلى الانتقام منهم.
وعندما حاول يوناتان أن يعسكر أمامها قام حراس أبولونيوس الموجودين هناك بإغلاق أبوابها في وجهه حيث كان له كتيبة هناك ويقال ثلاثة آلاف فارس، ولكن سكانها تحت الضغط العسكري للجيش اليهودي فتحوا الأبواب، ومن ثم قام يوناتان بالاستيلاء على المدينة. وأن لم يكن في نيته أصلًا الاستيلاء عليها، غير أنه استجاب هنا إلى تحدى أبولونيوس بالدخول إلى السهل الساحلي في أقرب نقطة، إذ كانت منطقة يافا تحازي إقليم ” لدة ” الذي يتبع يوناتان.
وقد حاول سكان يافا بعد ذلك التآمر مع ديمتريوس الثاني لتسليم المدينة في أيام سمعان المكابي، ولكن الأخير منعهم من ذلك (1مكا 12: 33) حيث أعاد تحصينها وطرد الوثنيين منها ليجعلها مقرًا لحكمه (14: 5، 34) ولما طالب أنطيوخس السابع بها رفض سمعان مفضلًا دفع جزية عنها متعللًا بأنها كانت مصدر قلق لليهود (15: 28، 35) وحتى عندما ضمها “بومباي” القائد الروماني إلى سوريا، أعادتها السلطات الرومانية إلى اليهود من جديد، كذلك عندما أهداها ” مارك أنطونيوس” إلى كليوباترا أعادها القيصر ثانية إلى اليهود في أيام هيرودس، ولكن الرومان اضطروا أخيرا إلى تدميرها عندما جعلها اليهود ميناءا عسكريًا أثناء حروبهم مع الرومان بقيادة فاسبسيان. هذا وقد ُعثر في الاكتشافات الحديثة هناك بوابتها والتي ترجع إلى أيام ” رامسيد Ramessid” كما ُاكتشف هناك معبدا يرجع إلى ما قبل الفلسطينيين.
هنا تحرك أبولونيوس ليهاجم اليهود وذلك عن طريق الحيلة، إذ ظهر وكأنه عابر سبيل فقط تاركًا قسمًا من قواته في الخلف في الوادي، وأما يوناتان -حسبما يورد يوسيفوس– فقد رسم جيشه في شكل مربع مفرغ من الداخل، معطيا جنوده الأوامر بالاستعداد، على أن يظلوا في موقف الدفاع حتى يستنفذ الأعداء جهدهم وذخيرتهم. وعندئذ قام اليهود بمهاجمة المشاة والذين لم يستطع الفرسان إنجادهم. والتحم القتال وقام سمعان بمهاجمة الفرقة التي بصحبتها الخيول فتبددت إذ كانت قد وهنت واُنهكت قواها وفرت في السهل، ومن المرجح أن يكون لدى سمعان في هذه الحالة خيول وفرسان حتى يستطيع مطاردة خيول العدو.
وربما ظن أبولونيوس بعد رسالته الساخرة إلى يوناتان أن سيتبعه إذا ما تظاهر بالجبن منسحبًا من يافا، حيث يمكن إغواء يوناتان بالبدء في المطاردة باستقباله معلومات مزيفة من جنود فارين مزيفين، هكذا يظهر من النص وكأن وجهة أبولونيوس كانت أبعد إلى أشدود.
وبعد أن استظهر يوناتان عليهم: هرب الجنود والفرسان إلى أشدود.حيث اختبئوا متحصنين في “معبد داجون” وتبعهم يوناتان إلى أشدود وحاصر المعبد ثم احرقه وهم فيه، كما قام بتدمير أشدود ونواحيها، حتى وصل عدد الذين هلكوا من أتباع ديمتريوس الثاني وأبولونيوس قائد جيوشه: ثمانية آلاف.
معبد داجون Dagon: اسم كنعاني من “داجان” ومعناه “حنطة”. باعتباره إله الجو والغيوم، ولذلك فقد يعنى الاسم أيضًا “دجى” أو “ضباب”. بينما يقترح “القديس جيروم” أن الاسم قد يعنى “سمك” وداجون هو كبير آلهة الفلسطينيين وهم يعدونه أب لبعل آخر اسمه ” أليان” أي إله الحنطة، ويقال أنه كان يعبد قبل 25 قرنًا من الميلاد، وقد ورد اسمه في موضعين (يشوع 15: 41 و 19: 27) وله معابد في عدة مدن، مثل: غزة، حيث مات شمشون (قضاة 16: 23 – 31) و أشدود: حيث سقط تمثاله عند دخول تابوت العهد إلى هناك (صموئيل أول 5: 1 – 4) و بيت شان: حيث وضع الفلسطينيون سلاح شاول وسمروا رأسه في بيت داجون (صموئيل أول 31: 10 – 12 وأخبار الأيام الأول 10: 10). وفي هذا اعتبر اليهود أن يوناتان المكابي قد أخذ بالثأر انتقاما للمذلة القديمة لهم في ” أفيق”!.
هكذا يجد يوناتان المكابي نفسه في ساحة القتال أكثر مما يجدها في الأرجوان الملكي وتاج الملك! وهكذا أحرز انتصارا مدويًا قاده إلى شرف وكرامة أعظم، واستراح يوناتان بجيشه مقابل ” أشقالون Askalon ” يستعيد هو وجنوده أنفاسهم قبل العودة إلى أورشليم يحملون النصر والفرح، وقد تلقاه سكان أشقالون بالإكرام رغم أنهم لم يكونوا يهودا في ذلك الوقت، حيث كانت أشقالون إحدى المدن الفلسطينية الخمس الرئيسية ولكنها احتفظت بعلاقات طيبة مع الحشمونيين. وهي الآن “عسقلان” على مسافة 19 كم شمال غزة ومسافة 16 كم جنوب أشدود.
ونلاحظ أن هناك تشابها بين هذه القطعة من السفر (آيات 63 – 89) والجزء الوارد في سفر الملوك الأول (20: 23 – 32) حيث ترد أخبار حرب آخاب مع الآراميين وهزيمتهم، وذكر السهول والجبال أيضًا كما هنا، وأن كان آخاب قد ظهر متسامحًا مع المهزومين، مثلما فعل يوناتان ذلك مع أهالي أشقالون، فقط لتعاونهم ولكونهم لم يكونوا طرفًا في النزاع أصلًا.
عروة الذهب Golden buckle: ولما سمع الإسكندر بذلك انبهر بما حققه يوناتان، فزاد في إكرامه بأن أهداه عروة الذهب، وهي عبارة عن إبزيم أو دبوس أو مشبك، يُلمّ به الروب الخارجي أو الوشاح. أو ربما كانت هذه العروة عبارة عن منطقة من القماش الثمين أو الجلد، مرصّعة بالذهب. أو ربما كانت: دبوّس من الذهب يثبّت على الكتف.
وكانت تهدى لأنسباء الملوك وأصدقاءهم المقربين، و”نسيب الملك” رتبه أعلى من رتبة “صديق الملك” وعروة الذهب المذكورة هنا، شبيهة بتلك التي أهداها “هيلاسلاسي” إمبراطور الحبشة، للمتنيح البابا كيرلس السادس عند زيارته للحبشة سنة 1961م. وقد شاع استخدام العروة الذهبية في دول شرق البحر المتوسط في العصر اليوناني الروماني، وكانت تُوهب كمكافأة وكرمز للشجاعة. كذلك فقد وهب الإسكندر ليوناتان “عقروت” وأراضيها هدية مما يجعله مشابهًا لداود النبي والذي ورث “صقلغ” مقابل خدماته للملك أخيش (صموئيل أول 27: 6).
عقروت Ekron أو “عقرون”: اسم سامي معناه ” استئصال” وفي العبرية تعني “المكان القاحل” وفي العربية تعنى “عاقر” وهي أقصى المدن الفلسطينية شمالًا على مسافة 39 كم غرب أورشليم. عبد أهلها “بعل زبوب” أي ” إله الذباب”. ويسميها يوسيفوس ” توباركي” أمّا الآن فهي “خربة الموقيتا” ويميل العلماء الآن إلى تحديد موقعها في “تل مكنة” على مسافة 31 كم إلى الداخل على الحافة الشرقية للسهل الساحلي، ويرى آخرون أن موقعها مكان مدينة ” قطرة ” على مسافة 13 كم شمال شرق أشدود (يشوع 19: 44).
_____
(1) بوليبيوس 41: 33.
(2) تحلل أرياراطيس من ارتباطه بالخطوبة مع أخت ديمتريوس، وقد رد الأخير على ذلك بموالاة “أورفيرنس” الطامع في عرش كبادوكية، ولكن التحالف لم يستمر. المرجع السابق/فصل 31.
(3) راجع قائمة رؤساء الكهنة في عصر المكابيين (كتاب: مدخل إلى سفري المكابيين ص 210).
(4) يرى الكاتب يوناثان جولدشتاين: أنه من المحتمل أن رسالة ديمتريوس كانت في يد اليهود المعارضين أولًا. 1Macc. P.405 Jonathan,
(5) ربما كانت هناك علاقة بين هذه الأيام الثلاثة بما فيها من إعفاءات بسبب الاحتفالات، وتعييد الكنيسة ببعض الأعياد لمدة ثلاثة أيام مثل “عيد الصليب”.
(6) Jonathan, I Macc, P. 409.
(7) وهو ما يشبه إلى حد كبير: هيئة الأوقاف الآن.
(8) أنظر قائمة الحكام السلوقيون في كتاب مدخل السفرين / ص 206 و207.
(9) موسوعة مصر القديمة / سليم حسن. الجزء 16/ص 271 – 273.
(10) يبدو أن حاكم السامرة في ذلك الوقت قد حمل نفس اللقب.
(11) يمتد عام 165 سلوقية: (من 25/9/148 إلى 13 أكتوبر 147 ق.م.) ومن المرجح أنه وصل بسفينته بعد 10 مارس 147ق.م. إذ كان البحارة يرفضون الإبحار قبل ذلك الوقت من العام بسبب أخطار البحر.
(12) وقع يوسيفوس في خطأ، إذ ظن أن الإسكندر هو الذي عيَّن أبولونيوس، وأن كان قد عينه قبل ذلك التاريخ في منصب يطلق عليه .(Ton onta): راجع: Jonathan, I Macc. P.420 .