تفسير سفر المكابيين الأول 15 للأنبا مكاريوس أسقف المنيا

أنطيوخوس السابع يتخذ دوره في الأحداث

 

يعود الصراع من جديد بين الحكام السلوقيين، فقد دارت الدائرة على تريفون ليقترب من نهايته، بينما يبدأ خليفته أنطيوخس السابع في مضايقة اليهود، بعد أن سعى إلى التحالف معهم في البداية. وهكذا لم يستمر الهدوء الكامل في اليهودية سوى بضع سنوات.

أنطيوخس يراسل سمعان

1وبعث أنطيوخس بن ديمتريوس الملك بكتاب من جزر البحر إلى سمعان الكاهن، رئيس أمة اليهود، وإلى الشعب كله، 2وهذه فحواه:

“من أنطيوخس الملك إلى سمعان عظيم الكهنة، رئيس الأمة، والى شعب اليهود سلام. 3لما كان قوم من ذوى الفساد قد تسلطوا على مملكة آبائنا، وأنى أريد أن أطالب  بالمملكة حتى أعيدها إلى ما كانت عليه من قبل، وأنى حشدت جيوشا كثيرة وجهزت أسطولا للحرب، 4وأنى عازم على النزول في البلاد لأنتقم من الذين دمروا بلادنا وخربوا مدنا كثيرة في مملكتى، 5فإني أقر لك كل إعفاء منحك الملوك إياه من قبلي وكل ما أعفوك منه من التقادم. 6وقد أذنت لك أن تضرب نقودا خاصة تكون متداولة في بلادك. 7وأن تكون أورشليم والأقداس حرة، وأن يبق لك كل ما صنعته من الأسلحة وبنيته من الحصون التي تشغلها، 8وأن تعفى من كل ضريبة ملكية كانت فيما سلف أو تكون فيما يأتي على طول الزمان. 9وإذا فزنا بمملكتنا، عظمناك أنت وأمتك والهيكل تعظيما كبيرا، حتى يتلألأ مجدكم في الأرض كلها”.

أنطيوخس السابع يورجيتيس (39 – 129 ق.م.):

 ويلقّب بالسيديتى نسبة إلى مدينة “سيدن” في بمفيلية حيث عاش هناك أولًا (1)، وهو ما يفسر لنا كيف ارسل لسمعان (من جزر البحر/آية 1)  ويقصد بتعبير جزر البحر في الكتاب المقدس العبري: جزر وسواحل بحر إيجا وسواحل البحر المتوسط. انظر خريطة رقم (15).

وأنطيوخس هذا هو الأخ الأصغر لديمتريوس الثاني. وعندما بلغ “كليوبطرة ثيا” زوجة ديمتريوس الثاني أن الأخير قد تزوج من رودوكون (روديجين) ابنة ميترادتس ملك برثية، راسلت هي أنطيوخس تعرض عليه الزواج منها وأن تعينه على استرداد عرش أبيه وأخيه ديمتريوس، وكانت هي في ذلك الوقت حبيسة في مدينة (سليوس) مع أطفاله الصغار والذين لم يكونوا قادرين بعد على القيام بمهمة استرداد العرش وحكم البلاد، وفي حين أن أنطيوخس هذا كان ما يزال في العشرين من عمره في ذلك الوقت، إلا أنه كان شجاعًا طموحًا قوى الشخصية(2).

وعند ذلك قام أنطيوخس بدوره بمراسله سمعان المكابى ليحصل على تأييده، واستطاع استردد العرش بسهولة سنة 138ق.م. إذ كان تريفون قد انغمس في اللذة واللهو فمقته شعبه وجنوده، غير أن أنطيوخس ما أن شعر ببوادر النصر حتى نقض ما أبرمه من اتفاقات مع اليهود ودخل في حرب معهم هُزم فيها أولًا، ثمّ أعاد الكرّة في أيام هركانوس بن سمعان فاضطر إلى مهادنته مقابل جزية يدفعها. وتعاونا معًا على استرداد بعض مما كان للسلوقيين في المملكة البرثية، حيث استطاع بالفعل استرداد بابل، وهنا أطلق البارثيين سراح ديمتريوس أملًا في عودته إلى العرش وصرف نظر أخيه الصغير عنهم، ولكنه قتل في معركة له مع البارثيين سنة 128 ق.م. غير أن “فرآت” ملكهم أرسل جثته في تابوت من الفضة اكرامًا له ليدفن في إنطاكية.

وقد انتزع أنطيوخس هذا لقب “الملك”، إذ سقط أخيه أسيرًا في يد الفارسيين تاركا العرش في إنطاكية مهزوزا، في وقت كان فيه تريفون يرتع في لهوه. وكانت تلك الظروف أكثر تردّيًا من تلك التي أعقبت مقتل سلوقس الرابع، فالتحديات التي كانت تواجه انطيوخس السابع كانت أكبر من تلك التي واجهها أنطيوخس الرابع (خليفة سلوقس)، فتريفون ما يزال يسيطر على قسم كبير ومعه جيشه، وعليه أن يعرض امتيازات أكثر لليهود ليضمن تحالفهم، وهو يحتاج أيضًا إلى جيش كبير.

رسالة أنطيوخس إلى سمعان:

كانت رسالة أنطيوخس الأولى إلى سمعان واليهود، رسالة تودّدية، بادر هو بها للتحالف مع اليهود في الوقت الذي كان يسعى فيه جاهدًا حتى يفوز بعرش أجداده، وقد أقر في رسالته بجميع ما كان اليهود قد حصلوا عليه من امتيازات، ويعلّل حربه ضد تريفون بالفساد الذي سببه الأخير في البلاد، وقد كان محقًا في ذلك إذا كانت المملكة السلوقية كثيرًا في عهد تريفون بسبب حكمه الجائر من ناحية، وميله إلى الترف واللهو من ناحية أخرى، وهكذا آلت البلاد إلى حالة من التردى والاحتقان، وفيما كان تريفون يسلك على هذا النحو متشبهًا بمن سبقوه مثل ديمتريوس الأول ثم ديمتريوس الثاني والاسكندر بالاس، كان في الحقيقة غافلًا عن الخطر الذي يمكن أن ينجم عن كليوبطرة والتي عاشت بمأمن من بطشه.

        ويمنح أنطيوخس لسمعان امتيازًا جديدًا وهو سك عملة خاصة باليهود، حيث كانت ما تزال العملات السلوقية هي المتداولة حتى ذلك الوقت، بل ويَعده بمزيد من الكرامة والهبات متى تحقق له مراده بإزاحة تريفون من على عرش سوريا. وهكذا سعى أنطيوخس إلى تأمين جانب اليهودية لئلا يسرع تريفون بالتحالف معهم ضده مما قد يحول دون نجاح مسعاه، ومن ناحية أخرى فلعله يحتاج إلى معونة عسكرية يهودية، إذ كان قد أصبح لهم بالفعل جيشًا قويًا يمكن الاعتماد عليه، ولكنه ولكن من أين استطاع أنطيوخس تجهيز الجيوش والاسطول؟ ربما جاء قسم من الجيش من المرتزقة، بينما سعى المستثمرين للوقوف إلى جانبه أملًا في مشاركته بعد ذلك في ثروة الإمبراطورية السلوقية، فهل نجح في استقطاب المرتزقة والبحارة المتمرسون في مدينة سيدن والتي اتخذها مقرًا له؟ وبذلك يبدو كقرصان ينطلق بعمله من قاعدة سيئة السمعة؟ وبينما اتخذ في حملته دور المنتقم من ظلم تريفون، فإن اليهود رحبوا بتلك القوة التي تعاقب تريفون الذي اغتال يوناتان، فانضموا إليه ولكنه وما أن فرّ تريفون قدامه حتى تبخرت جميع تلك الوعود.

أورشليم والأقداس حرة (آية 7):

        يقصد ب “حرّة ” هنا معاني مثل (ذاتية/ ذات حكومة محلية/ ذات شرائع خاصة بها/ معفاه من الضرائب/ مقدسة/ لها الحق في أن تكون ملجأً). ويأتي ذلك في إطار تثبيت انعامات الملوك السابقين والاضافة عليها والوعد بالمزيد متى آل إليه الحكم، ولكنه لم يفعل!!

استخدام العملات قديمًا:

تطورت وسائل البيع والشراء من استبدال المنتجات بالحبوب والحيوانات وغيرها، إلى استنباط العملة كوسيلة فعالة في هذا الإطار وذلك في أنحاء المملكة الواحدة، مع وجود بعض العملات العالمية مثل تلك التي كانت في “سيدن” في بمفيلية. أمّا كلمة عملة في العبرية فتأتى “ساكار” وهي كلمة تعني “أجرة” راجع (إشعياء 40: 10).

ويرجّح أن تكون العملات الأولى قد تم سكها قبل عام 700 ق.م. بقليل في “ليديا” حين سُكّ عليها رأس أسد، وهي العملة التي أطلق عليها اليونانيين اسم: (الدينار المديني) وكان مصنوعًا  من الالكتروم، في تلك الفترة استخدم اليونانيون عملات فضية غير منتظمة الشكل والسمك، كما أصدر الليديون ثم “البرجيون” العملات  الفضية على ذلك النحو، وكانت تشبه تلك التي استخدمها اليهود بعد ذلك، وفي القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد تداولت عملة بدأت من عهد داريوس تسمى “دارِك” يظهر فيها الملك مرتكزًا على ركبة واحدة ممسكًا بقوس ورمح، ولعلها من أولى العملات التي تداولها اليهود.

وعندما عاد اليهود من السبي حملوا معهم كميات كبيرة من العملات التي كانت هناك (عزرا 2: 68) وبعد ذلك بوقت قصير استخدم اليهود عملات جديدة مثل “الشاقل” و”الطالن” راجع (عزرا 8: 27 ونحميا 7: 70 – 72).  وفي بعض المخازن الاثرية بجوار البحر الميت وجدت الكثير من العملات اليونانية والتي كانت قد أصبحت وحدة قياسية بسبب وزنها الثابث من الفضة النقية، وفي أواخر عهد “برجيا” (350 – 332 ق.م.) سُكّت عملات صغيرة في اليهودية لها تصميم مشابه لتلك المستخدمة في أثينا، وذلك بتصريح من السلطات البرجية، حيث كان اليهود في ذلك الوقت يتمتعون ببعض الحريات، وقد كان ممكنًا أن يصدروا عملات اكبر وذات رسوم قومية، إذ كانت حريتهم اكبر، وقد تم العثور على إحدى العملات – ربما في غزة – نقشت عليها نقوش أرامية يحتمل أن تكون قد سكت في اليهودية بمعرفة حاكم برجيا هناك، حيث يعود تاريخها إلى القرن الرابع قبل الميلاد، إذ تشير مواصفاتها إلى وجود دار لسك العملات في اليهودية، ورسم على وجهها زهرة السوسن (والتي وجدت بكثرة في تلك الحقبة) كما كتب عليها لفظة (يهود). وقد وردت كثيرًا في التلمود أخبار تلك العملات.

وكان فيلبس (أبو الاسكندر الأكبر) قد أصدر عملة فضية، يظهر على أحد وجهيها صوره الإله أبوللو بينما على الوجه الآخر صورة فارس أو جواد، ولم يشأ أن يضع صورته خوفًا من الآلهة لئلا تسلبه عرشه، أما الاسكندر فقد وضع صور الأساطير اليونانية، ومن بعده ظهرت صورته على العملات، والتي كانت بمقدار” تترا دراخمة”. أمّا في الحقبة التالية للإسكندر (البطالمة والسلوقيون) فقد أصدر بطليموس فلادلفوس عملة تحمل صورة الإلهة أثينا إلهة الحكمة وذلك لرغبته في انشاء مكتبة ومركزًا علميًا والمكتبة الشهيرة في الاسكندرية، أما السلوقيون فقد قاموا بسك عملة ظهر فيها الاله هركليس، كما قام سلوقس الأول أيضًا بسك عملة تحمل صورته وفي رأسه قرن (رمز القوة) وقد استخدمت اليهودية العملة المصرية عندما كانت تابعة للبطالمة، وفي عام 198 ق.م. انتزع أنطيوخس الثاالث أورشليم من يد البطالمة، وبالتالي تأثرت العملة اليهودية بالاحتلال السلوقى.

وما أن حصل اليهود على الاستقلال بعد يهوذا المكابى حتى جاء التفكير في سك عمله يهودية خالصة، ولكنه ورغم الامتياز الذي منحه أنطيوخس السابع هنا لسمعان بسك عمله يهودية، إلاّ أن هذا الامتياز لم يوضع موضع التنفيذ في ذلك الوقت، وفي سماح أنطيوخس لسمعان هنا بسك العملات، كان يقصد العملات البرونزية فقط (ربما لأنها محلية) وذلك لأنه جعل أورشايم فقط حرة وليس اليهودية كلها، ولكنه على الأرجح لم يتمكن من سك تلك العملة إذ سحب أنطيوخس هذا الامتياز منه بسرعة، بل ربما واجه سمعان أيضا اعتراضات بعض اليهود المتشددين والذين ذكرّوه بأن الشريعة تمنعهم من ضرب عملات لأنفسهم (خروج 20: 4 وتثنية 5: 8) بل أن كثير من الملوك سلالة الحشمونيين قد تشككوا في مسألة العملة بسبب ما ورد في (حجي 2: 8): ” لي الفضة ولي الذهب يقول الرب”.

ويرى البعض أن العملات اليهودية التي عثر عليها (وترجع إلى الحقبة التالية) وتحمل نقوشًا عبرية، ترجع إلى عهد هركانوس (135 – 105 ق.م.) حيث يحتمل أن يكون قد سكها إعلانًا للاستقلال التام بعد موت أنطيوخس السابع هذا سنه 129ق.م.، وكانت تلك العملات قد نقش عليها عبارة “يوحنا رئيس الكهنة وجماعة اليهود” حيث تشير العبارة إلى أن هركانوس هو رئيس كهنة أولًا ثم ملكًا، كما حملت بعض العملات اسم “يهوذا” وهو الاسم العبري لأرسطوبولس بن هركانوس، وظن بعض العلماء أن يوحنا – المذكور في بعض هذه العملات – هو الاسكندر جنايوس، والذي كان اسمه اليهودي هو “يوحنان” ثم “يهوذا” والذي يقصد به ابنه أرسطوبولس الثاني والذي كان اسمه اليهودي “يهوذا”.

وأشار بعض العلماء إلى أن النقوش الموجودة في العملة التي تم سكها في (خزينة بيت صاحور) تقول “رأس جماعة اليهود” من المحتمل ألاّ تكون قد استخدمت قبل عام 47 ق.م.، أي أن العملات اليهودية لم تسكّ أيام هركانوس أيضا.!! على أنه من المؤكد أنه قد تم سك عملات يهودية في أيام الاسكندر جنايوس (103 – 76 ق.م.) لأن اثنتين منها وجدتا في (يافا وجدعون) وقد ظهرت في عهده عملة عليها وعائين قرنِي الشكل وشجرة رمان، وعملة أخرى كتب عليها لقب “ملك” بنقوش عبرية ويونانية والبعض الآخر نُقش عليه (يوحنان رئيس الكهنة وجماعة اليهود).

وقد تنوّعت أشكال وأحجام العملات اليهودية، ما بين كبير وسميك إلى صغير وأقل سمكًا (في زمن الاضطرابات) وقد سكت كميات كبيرة من العملات الصغيرة والتي صارت متداولة إلى أيام السيد المسيح مثل الفلس (مرقس 12: 41 – 44) وكانت مصنوعة من البرونز والنحاس، رسم عليها “الشمس الساطعة” إشارة إلى شمس البر “ملاخي 4: 2” “ومرساة السفينة” إشارة إلى صدق مواعيد الله.

وعندما استقل انتيغونوس الحشمونى بالحكم بمساعدة البرثيين في أوائل الثلاثينيات ق.م. قام باصدار عملة خاصة به، كتب على أحد وجهيها “متياس رئيس الكهنة وجماعة اليهود” حيث أن متياس هو اسمه العبري، وأما الوجه الآخر فقد كتب عليه “أنتيغونوس الملك” وذلك باللغة اليونانية، وكان أنتيغونوس هو أول من نقش المنارة ذات الفروع السبعة على العملات.

أنطيوخس السابع يطارد تريفون

10وفي السنة المئة والرابعة والسبعين، خرج أنطيوخس إلى أرض آبائه، فاجتمع إليه جميع الجيوش، حتى لم يبق مع تريفون إلا نفر يسير. 11فتعقبه أنطيوخس الملك، فمضى هاربا إلى دورا التي على البحر، 12لعلمه بأن الشرور قد تراكمت عليه وأن الجيوش قد خذلته. 13فعسكر أنطيوخس عند دورا، ومعه مئة وعشرون ألفا من رجال الحرب وثمانية آلاف فارس. 14وطوق المدينة وتقدم الأسطول من جانب البحر، فضايق الخناق على المدينة برا وبحرا ولم يدع أحدا يدخل أو يخرج.

 

حدث ذلك في العام 139/138 ق.م.(3) يؤكد ذلك أن أقدم عملات اكتشفت لأنطيوخس هذا كملك ترجع إلى عام 138 ق.م. وكانت كليوبطرة زوجة أخيه هناك وكافة الشعب والجيوش قد ضاقت به ذرعًا، وقد منع تريفون أنطيوخس في البداية من الوصول إلى سلوقية بسبب استيلاء الأول على المدن الساحلية، كما أن كليوباترا لم تتعاطف معه في البداية، إلا أنها ما لبثت أن تعاطفت معه متخلية عن تريفون، ومن ثم فقد قام أنطيوخس بمطاردته. وما أن وصل أنطيوخس إلى سلوقية حتى هرب جميع جنود تريفون إلى أنطيوخس: ” السلوقى الشرعي المطالب بحقه”. وقد حذا حذوهم الكثير من جيوش البلاد التي كانت تمقت تريفون. وهو ما يفسر لنا العدد الكبير لجيوشه (آية 13).

مدينة بيروت (لبنان):

ويرد في التاريخ أنه من فرط يأس (تريفون) قام بإحراق مدينة “بيروت” وذلك قبل التجائه إلى “دورا”. وقد اهتم الكثير من العلماء بتحقيق مدينة بيروت هذه التي أحرقها، حيث خلص أكثرهم إلى أنها بيروت الحالية، وأن موقعها في العهد السلوقى هو موقعها ذاته في العصر الروماني، وفي الحفريات التي قام بها دكتور “روفيه” الفرنسي، فيما وراء الغدير، عثر على آثار فينيقية قديمة ومسكوكات كُتب عليها ما يشير إلى أن المدينة كانت هناك وأنها كانت تسمّى “لاذقية كنعان” كما عثر هناك على مدافن فينيقية وأواني خزفية عليها أحرف فينيقية، وما برح مجتهدًا في التنقيب لفترة طويلة. هذا وكان اسم “لاذقية كنعان” خاصًا بذلك المكان المعروف الآن ب”العواميد” بالقرب من الطنطورة (4).

وبيروت وان لم تكن مدونة بالاسم في الكتاب المقدس، إلا أنها معروفة في التاريخ القديم، فقد حكمها في فترة ما: حاكم مصري، وفيها عُقدت محكمة من خمسين قاضيًا لنظر شكوى هيردوس الكبير ضدّ ابنيه، حيث أدانتهما وحكمت عليهما بالاعدام، كما قضى تيطس القائد الروماني عيد ميلاده هناك محتفلًا بتدمير أورشليم!. وتدعى أحيانا “بيروث”.

دورا Dorمرفأ هام على ساحل البحر المتوسط في جنوب الكرمل، وكان ملك دورا واحدًا من الملوك الكنعانيين الذين تصدّوا ليشوع عند مياه ميدوم، ولكنه هُزم وأعطيت أرضه لبسط منسى، وذلك في القرن الثالث عشر قبل الميلاد (يشوع 11: 2 و12: 23 و17: 1 – 13). وكانت المدينة  وقتها تشمل مرتفعات دور وعين دور (أخبار الأيام الأول 7: 29) وفي القرن العاشر كانت في حوزة الإسرائيليين حيث كانت العاصمة الإقليمية لكونها مرفأً مزدهرًا (ملوك أول 4: 11). وبعد ذلك انتقلت إلى الحكم الآشوري ثم الفارسي ثم السلوقي، وأخيرًا إلى الرومان وذلك في عهد الاسكندر جنايوس ثم أصبحت ولاية رومانية سنة 63 ق.م. (راجع التعليق على 13: 2).

ويقال أنها هي الطنطورة على مسافة 16 كم شمال قيصرية بقرب عكا، وقد قام بالكشف عنها اثنان من العلماء أحدهما بريطاني سنة 1920م، والآخر إسرائيلي سنة 1980م. وتسمىّ الآن “خربة البرج”.

إلى هناك هرب تريفون ولعله أراد الافلات بعد ذلك من خلالها بسفينة، فعندما اشتد الحصار عليه برًا وبحرًا من خلال أنطيوخس، ولم يكن معه سوى نفر قليل من مناصريه، استطاع الافلات فعلًا بسفينة إلى أرطوسياس كما سيجيء (في الآية 37).

إعلان التحالف مع روما

 وقدم نومانيوس والذين معه من روما ومعهم كتب إلى الملوك والبلاد15، كتب فيها ما يلي: 16″من لوقيوس، قنصل الرومانيين، إلى بطليمس الملك سلام. 17لقد أتانا رسل اليهود أصدقائنا وأنصارنا يجددون قديم المصادقة والتحالف، مرسلين من قبل سمعان عظيم الكهنة وشعب اليهود، 18ومعهم ترس من ذهب قيمته ألف منا. 19فلذلك رأينا أن نكتب إلى الملوك والبلاد أن لا يسعوا للإساءة إليهم ولا يشنوا عليهم حربا ولا على مدنهم وبلادهم ولا يناصروا من يحاربهم. 20وحسن لدينا أن نقبل منهم الترس. 21فإن فر إليكم من بلادهم بعض من رجال الفساد، فأسلموهم إلى سمعان عظيم الكهنة، ليعاقبهم كما تقضى شريعتهم”. 22وكتب بمثل ذلك إلى ديمتريوس الملك وأتالس وأرياراطيس وأرساكيس، 23وإلى جميع البلاد، إلى لمساكس وإسبرطة وديلس ومندس وسيكيون وكارية وسامس وبمفيلية وليقية وأليكرنس ورودس وفسيليس وكوس وسيدن وأرادس وجرتينة وقنيدس وقبرس وقبرين. 24وكتبوا بنسخة تلك الكتب إلى سمعان عظيم الكهنة.

 

الآن تصل البعثة الدبلوماسية اليهودية عائدة من روما، تحمل معها الأخبار المطمئنة بنجاح التحالف، وقد دارت مناقشات كثيرة حول هذه الرحلة الدبلوماسية، إذ ذكر يوسيفوس رحلة مشابهة حدثت في أيام هركانوس الثاني فقد أرسل هذا رسلًا إلى روما لعقد التحالف (63 – 40 ق.م.) مما جعل البعض يظن ان هذا الجزء من تاريخ يوسيفوس مقتبس ليضاف إلى هذا الموضع من السفر (5)، ولكن العالم مومسن Mommosn يرى أن الرسالتين ليسا متشابهتين، بل ويرى العالم تورى Torry أن يوسيفوس هو الذي اقتبس هذا الجزء من السفر ليضعه بطريق الخطأ في تاريخ هركانوس الثاني(6)، لقد كانت مثل هذه الرحلات الدبلوماسية معروفة وكذلك هذا النوع من الهدايا (التروس).

 أما الترس المذكور هنا: فهو يساوى في وزنه خمسة عشر ألف أوقية، أو أربعمائة وخمسين كيلو جرام، وهو بالتالي يمثل كمية كبيرة من الذهب بالنسبة لأمة صغيرة مكافحة مثل اليهود. وفي عام 134ق.م. أرسل هركانوس هدية مماثلة، ومما لاشك فيه أن هذه الهدايا قد أتت بثمرها.

القنصل الروماني: يفيد التاريخ العام بوجود شخص يدعى ” لوقيوس كالبورينوس بيسو Lucius Calpurainus Piso  ” باليونانية ” Leukioj upatoj ”  وكان أحد القناصلة مع Popilius Leanas، وعمل  كوزير روماني في سنة 139 ق.م. (7) وهو المقصود هنا في السفر، بينما يذكر يوسيفوس شخصا آخر هو لوقيوس فاليريوس Lucius Valerius  قنصل روما (رئيس المجلس الحاكم) كما يذكر يوسيفوس شخصان آخران رافقا نومانيوس: هما الاسكندر بن ياسون والاسكندر بن دوسيتيوس.

وكان من الأمور الشائعة في ذلك الوقت وجود سجل دائم في الدولة للاتصالات الدبلوماسية الهامة، وارسال نسخة من سجلات الأعمال إلى الطرف الآخر الذي أرسل السفارة، وقد أرسلت عدة نسخ إلى عدة جهات كما سيجىء، مع اعطاء كل بلد قائمة بأسماء أولئك الذين ارسلت لهم الصيغة ذاتها. وكانت ترسل مثل هذه الرسائل من الحاكم بالأصالة عن مجلس الشيوخ.

أما عن لوقيوس نفسه، فقد كتب الاسم أصلًا بالكامل “لوقيوس كاسيلياس ميتلاس”، ولكن اليونان واليهود اعتادوا على ذكر الاسم الأول فقط، كما كان المؤرخون اليونانيون يشيرون إلى الرومان بالاسم الأول فقط  (Prcenomen).

هذا وقد جاءت صيغة المعاهدة سخية واعدة، ولكن اليهود لم يستفدوا أبدًا من هذا التحالف كما هو واضح من السفر والتاريخ بعد ذلك، بل تعرض اليهود لأبلغ اساءة من الرومان كما سيجىء، وأماّ الملوك الذين أرسلوا إليهم فهم:

بطليمس: وهو بطليموس الثامن يورجيتيس الثاني (145 – 116 ق.م.) وكان يدعى (فيسكون) أي (المحب للمآكل) لأنه كان بدينًا بشكل مبالغ فيه، وكان الشعب يمقته جدًا لغرقه في الملذات، وعندما أرسلت روما مندوبين عنها للوقوف على أحوال مصر عن كثب، عادوا ليؤكدوا أن مصر خليقة بأن تكون دولة هامة نظرًا لموقعها الاستراتيجى وخصوبة أراضيها، وكان هذا الوفد برئاسة “سيبيون إميليان Seepion Emelien ” قاهر قرطاجنة. وقد سعى بطليموس هذا في اضطهاد اليهود في الاسكندرية، مما سرّ الشعب هناك والذي كان يمقتهم(8).

وكان اليهود قد نالوا حظوة لدى البطالمة والذين شجعوا هجرتهم إلى مصر (كما سبق الشرح في مقدمة السفرين) فترجموا لهم التوراه فيما عرف بالترجمة السبعينية، وبنوا لهم هيكلا في مصر ثم منحوهم امتيازات عديدة إلى حد أن اثنان منهم كانا يقودان الجيش في البلاد، مما جعل كثير من الشعب يستاء من استفحال أمرهم في مصر، بحيث يجب تقليص عددهم وسلطانهم، ومن ثم قام بطليموس هذا باضطهادهم، ومن هنا يرسل إليه الرومانيون نسخة من الوثيقة ذاكرين إياه بالاسم حتى يكف عن الاساءة إليهم، بل ويتوجب عليه تسليم الخائنين من إلىهود إلى سمعان رئيس الكهنة في أورشليم، ويبدو أن بعض المعارضين كانوا يفرون إلى مصر متخذين منها قاعدة لنشاطهم المضاد لأمتهم.

أماّ معارضى سمعان في ذلك الوقت فقد تمثلوا في فريقين، أحدهما: المرتدين الذين اعتنقوا الهيلينية، وثانيهما اليهود الغيورين، وبينما كان الأخيرين يسببون تنغيصًا لسمعان، فإن المرتدين اليهود كانوا قد غادروا البلاد (2: 44،11، 65، 66) قارن مع (10: 14 و13: 50) وكان من الممكن أن يتآمروا ضد الدولة، في حين كان للغيورين اتباع كثيرين في مصر من مناصري أونيا الكاهن، وربما كان من بين (الاتقياء) الغيورين أيضًا جماعة قمران، والتي هاجرت إلى دمشق متآمرين ضد سمعان حيث اعتبروه ” الرجل الملعون”(9)

  

أتالس Attalus(159 – 138 ق.م.) هو أتالس فيلادلفيوس الثاني ملك برغامس، وإليه  تنسب مدينة أتالية التي كانت ميناءا في مقاطعة بمفيلية جنوب آسيا الصغرى، وكان بينهم تسكن جالية يهودية.

أرياراطيس Ariarathesهو أرياراطيس الخامس (162 – 131 ق.م.) ملك كبادوكية، تعلّم في روما وتثقف بعلومها فصار من حلفائها، فلماّ رفض الزواج من شقيقة ديمتريوس سوتير، أعلن الأخير الحرب عليه، وأقصاه من مملكته فهرب إلى روما سنة 158ق.م. فسعوا له ليعود من جديد يشترك في حكم كبادوكية إلى أن انفرد بالحكم من جديد.

أرساكيس: هو ميتريداتس الأول ملك فارس (171 – 138 ق.م.) وقد ذكر سابقًا في (14: 2).

ثم كتب الرومان إلى تسعة عشر دولة أو دويلة صغيرة مستقلة، وكانت روما في ذلك الوقت قوة لها قدرها ويُخشى جانبها، ولعله يُذكر هنا أسماء البلاد دون الإشارة إلى أسماء حكامها، نظرًا للتغيرات السياسية السريعة وطول المسافات فيما بينها من ناحية، وبينها وبين روما من ناحية أخرى، مما يجعل من الصعب متابعة الأسماء بسرعة، ولذلك فإن اسم ديمتريوس المذكور هنا، كان مأسورا في برثية في ذلك الوقت، ولم يكن خبر أسره قد بلغ روما بعد، بل وصل إليهم الرسل اليهود وهو ما يزال على عرشه في سوريا.

لمساكس SampSakesمدينة على ساحل البحر الأسود شرق “سينوب” في تركيا الحديثة وربما كانت في ذلك الوقت أحد موانىء “أميسوس” في ولاية بنطس، واسمها الحديث هو “سامسون”. انظر خريطة رقم (15).

هذا وقد ظهر الاسم في صور مختلفة في عدة مخطوطات، مثل: “سامسانى Samsani” و”سامسامى Samsame” وقد عرفت المدينة قديمًا باسم أميسوس Amisos ” بينما تحمل بعض العملات اليونانية للمدينة اسم “ساميسو Samisou“. ومع أنها كانت تابعة في ذلك الوقت لولاية بنطس إلاّ أنها لم تكن خاضعة لها.

اسبرطة Spartsمدينة يونانية قديمة في الجزء الجنوبي من شبه جزيرة ” البيلوبونيز” راجع (12: 1). وكانت في ذلك الوقت تأوى ياسون رئيس الكهنة المطرود والممقوت من اليهود. انظر خريطة رقم (15).

ديُلس Delosوهي صغرى مجموعة جزر “سيكلاوس” اليونانية، والتي تقع في الجزء الجنوبي من بحر إيجا، بين شبه جزيرة البيلوبونيز والدوديكانيز، يبلغ طولها خمسة كيلومترات. وهناك أسطورة اغريقية قديمة تقول أن الجزر طافت إلى أن أوقفها الإله “بوسيدون” في موقعها الحالي، وأن هناك ولد أبوللو وأرطاميس، ولذلك فقد كان للجزيرة هيبة في نظر محبى أبوللو وأرطاميس اللذين كانوا يحضرون من أماكن كثيرة، وقد اكتشف بعض العلماء الفرنسيين في سنة 1873 ق.م. آثارا لمعبد أبوللو وارطاميس وديوناسيوس. وكان ل ديلس شهرة واسعة في العصر الفارسى واليوناني والروماني، حيث كانت هي عاصمة تلك الجزر التي حولها، حظيت بالاستقلال خلال  العصر المقدونى (322 – 166 ق.م.).

         وكانت ميناءًا حرًا تسكنه جاليات متعددة الأصل. أمّا في العصر الروماني فقد أصبحت أهم موانىء الحماية في بحر إيجا، ومركزا تجاريًا هامًا وسوقا للرقيق، وأمّا في عصر المكابيين فقد سكنتها جالية يهودية، أُعفي كل رجالها من الخدمة العسكرية وتشهد المخطوطات على الوجود اليهودي هناك وذلك من خلال أطلال الأبنية والتي كانت في الغالب مجامع يهودية. حيث كانت هدفًا للهجرة اليهودية. وتسمى الجزيرة الآن ” نيكرا ديلى”. انظر خريطة رقم (15).

ومن العجيب أن نجد ” ديُلس” مُدرجة في القائمة بينما غابت “أثينا”! وكذلك وجود الميناء الحر بها وليس في أثينا!، بل سنجد أكثر من ذلك حيث سعت أثينا إلى طلب ودّ يوحنا هركانوس فيما بعد!

مندس Myndosمدينة على ساحل كاريه بآسيا الصغرى، وتمثل الحد الجنوبي الغربي لآسيا الصغرى، في ذلك الوقت كانت مستقلة وكانت لها أهمية خاصة إذ كانت ملجئا لكثير من اليهود، حيث كونوا جالية كبيرة هناك، وتسمى الآن “جموشالى” نسبة إلى مناجم الفضة الموجودة هناك، والتي استمدّت شهرتها منها. انظر خريطة رقم (15).

سيكيون Sicyonكلمة يونانية معناها “مدينة الخيار أو القثاء” وهي مدينة يونانية قديمة على شاطئ خليج كورنثوس، تبعد مسافة 32 كم شمال غرب كورنثوس، وكانت مستقلة في ذلك الوقت، أصبحت مركزا رومانيًا قويًا خلال العصر الهيلينى، حيث حظت بعطف الرومان، فقد أقيم فيها “الأكروبوليس” على أرض مستوية، والذي كان مركزًا للألعاب والفنون، وكان ملتقى للخطابة والشعراء خلال القرنين الثاني والأول قبل الميلاد. وبعد ذلك أصبحت أكثر أهمية من كورنثوس نفسها بعد دمار الأخيرة في سنة 146 ق.م. انظر خريطة رقم (15).

كارية Caria:(10) مقاطعة قديمة في الطرف الجنوبي من آسيا الصغرى، تمتد على شمال ليديا وتطل على بحر ايجا من الغرب، وشرق فريجية وجنوب ليكية، قامت على سواحلها مجموعة من المدن الاغريقية القديمة، خضعت في البداية للفرس منذ سنة 546 ق.م. ومن أشهر حكامها “سولوس” والذي كان قبره من عجائب الدنيا. وبعد ذلك خضعت للسيادة الهيلينية حتى استولى عليها الرومان من أنطيوخس الكبير سنة 189 ق.م. حيث أهدوها إلى رودس، ثم عادوا فأخذوها سنة 168ق.م. وظلت كاريه مدينة مستقلة حتى عام 139 ق.م. ومنذ عام 129 ق.م. أصبحت مقاطعة رومانية استقر بها يهود كثيرين. انظر خريطة رقم (15).

سامس Samosكلمة يونانية معناها “جبل أو عال” وهي جزيرة يونانية جنوب شرق بحر إيجا، وجنوب غرب أفسس، شمال غرب ميلتس، وتعد كبرى جزر “سبورادس” الجنوبية، وأقرب الُجزر اليونانية إلى السواحل التركية، يفصل بينها وبين شاطئ اليونان مضيق ميكال.  وتبلغ مساحتها      476 كم2 وعاصمتها “ساموس” وكبرى مدنها “فانى”. وكنت مسرحًا لهزيمة الفرس على يد الرومانيين سنة 479 ق.م. كان لها مركزا بحريًا متميزًا. انظر خريطة رقم (15).

        وصلت سامس إلى قمة رخائها في القرن السادس على يد بوليكرات الذي نصّب نفسه حاكمًا لجزر بحر إيجا في سنة 84 ق.م. وقد انضمت إلى ولاية آسيا ثم صارت ولاية حرة سنة 17 ق.م. بقرار من  أغسطس قيصر. ويعبد سكان الجزيرة إلهة تسمى “جونو” أو “هيرا” ويحوى معبدها أجمل التماثيل اليونانية، كما كان لها شهرة كبيرة في صناعة الفخار إليها وصل بولس الرسول في رحلته الثالثة (أعمال 20: 15).

بمفيلية Pamphyliaمقاطعة في آسيا الصغرى بين البحر المتوسط جنوبا وجزر بسيدية شمالًا، تحدها ليكية من الغرب وكيليكية وثراكية في الشرق، وكان لها ساحل طوله 140 كم، يخترقها نهران جعلا أرضها شديدة الخصوبة حيث اشتهرت بالفاكهة والمحاصيل، وكانت مركزًا للصناعات الصيدلانية (الطبية). أطلق عليها سكانها قديمًا “مكان كل الناس” وكانت  لهم لهجة جدلية في الحديث تؤكد اختلاطهم الشديد باليونانيين، وقد جعلها الرومان ولاية مستقلة في نهاية القرن الثاني قبل الميلاد كما اعتبروها حرّة خلال تسوياتهم للنزاع بين أومنيس الثاني ملك برغامس وأنطيوخس الثالث. وبعد ذلك انضمت إلى غلاطية، وفي سنة 43 م. جعلها كلوديوس قيصر ولاية مع جارتها الغربية ليكية. انظر خريطة رقم (15).

ليقية Lyciaيعود الاسم إلى عدة لفظات، مثل ” ليكونية” و” ليديا” و” لولاهى” و” لونيا”، وفي بعض السجلات المصرية أشير إليها ب”لوكيّة” و”لوكا”. وهي اقليم يقع في الجزء الغربي من  الساحل الجنوبي لآسيا الصغرى جنوب بسيدية وفريحية وكاريا، وشمال بمفيلية، وهي أرض جبلية  وعرة بينها مساحة خصبة تكونت من نهر ” لميروس”، وبها عدة جبال شاهقة أعلاها جبل “مسيكيتوس” بارتفاع 3086 مترًا، وبين هذه الجبال طريق مباشر بين ليكية وبمفيلية، ولبعض أنهارها موانىء أشهرها “تلميسوس”. وبحسب تقرير المؤرخ “أرتميدوروس” فقد كان بها 23 مدينة، بينما يقول “بلينى” أنها سبعين مدينة، سكنها أولًا الحثيين، ثم استولى عليها كورش ومن بعده الإسكندر الأكبر. انظر خريطة رقم (15).

 ظلت ليقية حرة حتى عام 118 ق.م. حين وهبها الرومان إلى جزيرة رودس. وخلال عصر المكابيين استعادت استقلالها، وفي سنة 43 جعلها الرومان ولاية مستقلة، وفي عهد فاسبسيان ضُمّت إلى بمفيلية سنة 74 م. ثم استردت استقلالها في القرن الرابع. وفي رحلة معلمنا بولس رست السفينة عند ميناء جزيرة “ميرا” الليكية والتي صارت أسقفية بعد ذلك ومنها القديس نيقولاوس الذي استشهد في عصر دقلديانوس، وهو المعرف الآن في هولندا ب”سانت كلوز” أو بابا نويل الأطفال.

أليكرنس Halicarnac, Hallicarnassusوهي أكبر وأقوى مدينة في اقليم كاريه بآسيا الصغرى، تقع على شاطئ الخليج على مسافة 90 كم جنوب أفسس، ازدهرت فيها الفاكهة، ولما آلت إلى الفرس سُمح لملوكها أن يظلوا في الحكم، وكان أشهر حكامها هو “موسولوس” والذي مات عام 353 ق.م. وتعد مقبرته من عجائب الدنيا إذ يصل ارتفاعها إلى 43 مترًا، بينما يصل محيطها 125 مترا، وهي محاطة بـ36 عمودا ومغطاه بغطاء هرمى. أما مساحة المدينة  فقد امتدت على طول الشاطئ، وبالقرب منها معابد “مارس” وإلى يمينها معابد ” فينوس” وعلى يسارها قصر “موسولوس”. دمرها الإسكندر سنة 334 ق.م. بعد حصار طويل. ويظن البعض أنها مسقط رأس هيرودتس المؤرخ المعروف، وكذلك ديوناسيوس المؤرخ. أُسست اليكرنس أولًا ليسكن فيها المغتربون من غزة، وقد صدر مرسوم روماني في القرن الأول قبل الميلاد يمنح اليهود الساكنين فيها حرية العبادة. مكانها الآن بلدة تسمى “بود روم”. انظر خريطة رقم (15).

رودس Rhodosاسم يوناني معناه ” شجرة الورد” وهي الجزيرة الرئيسية في مجموعة الدوديكانيز في بحر إيجا، بين كريت وآسيا الصغرى من الجنوب الغربي. وبعد الحرب الفارسية أصبح لها أهمية سياسية كبيرة في سنة 208 ق.م. أقيم فيها ميناء ضخم للتجارة بين مصر وسوريا، وقبرس ودول بحر إيجا مما جلب لها الكثير من الازدهار، وأسطول ضخم يحميها من الغزاة والقراصنة. كان فيها مركز عبادة “هيليوس Helios” إله الشمس عند الاغريق، في عاصمتها كان يوجد تمثال ضخم من البرونز ل”لوكوس رودس” يبلغ طوله 32 مترا، وقد استغرق بناؤه 12 عامًا، وقد أنشيء بمناسبة الانتصار على ديمتريوس الذي حاول غزوها سنة 304 ق.م. وقد بنى لاله الشمس وكان يعد من عجائب الدنيا، ولكن زلزالًا ضخمًا حطّمه سنة 226ق.م. انظر خريطة رقم (15).

وفي سنة 167ق.م. قرر الرومان جعل رودس ميناءا حرًا، غير أنهم عادوا فخربوها عقابًا لها على مشاركتها في الحرب المقدونية الثالثة. وفي سنة 43 ق.م. نُهبت جميع كنوزها على يد كاسيوس الروماني، وفي القرن الأول قبل الميلاد عُرفت كمدينة ملجأ ومركز ثقافى.

فسيليس Phaselisربما اشتقت من الكلمة اليونانية ” فاسيليس” ومعناها “ملك”. وهي مدينة في الطرف الشمالي لساحل ليكية على خليج بمفيلية، لها ثلاثة موانى شهيرة، وكانت في الأصل مستعمرة بناها اليونانيين الساكنين في رودس في أوائل القرن السابع قبل الميلاد، وفيها أقام بعض المصريين، وقد اسهمت في التجارة بين مصر واليونان. قام الاسكندر بفتحها، ثم حكمها البطالمة (من 309 إلى 197 ق.م.) حين أنتزعها أنطيوخس الكبير ومنذ ذلك الحين صارت ولاية مستقلة حتى سنة 78 ق.م. حين استولى عليها سرفيليوس الأول ودمرها بدعوى أنها أصبحت مركزًا لمنظمات القراصنة الكيليكية، وبالرغم من أنه قد أعيد بناؤها إلا أنها لم تعد بنفس الأهمية. وفي العصر البيزنطى صارت فسيليس إيبارشية ذات أسقف،، وذلك قبل أن تندثر. ومكانها الآن قرية “نكروفا”. انظر خريطة رقم (15).

كوس Cos, Kos:  إحدى جزر الدوديكانيز على شاطئ كاريه بآسيا الصغرى، بين كنيدس وهليكارتاسوس، وبين ميليتس ورودس، وهي جزيرة طويلة مقسمة إلى ثلاث اقسام، أحدهم جيرى والأوسط خصب والثاني شبه جزيرة متعرجة، ويعمل جبل ” أورميديون” في وسط  البحر هنك كمنار للسفن في البحر. في القرن الخامس قبل الميلاد تعرضت للتدمير في الحرب البيلوبونيزية (431 – 404ق.م.) وعندما صارت عضوا في الاتحاد الاثينى تفوقت على أثينا. استولى عليها الاسكندر ومن بعده تأرجحت في خضوعها ما بين مصر ومقدونية وسوريا، وقد جعل منها  البطالمة مركزًا ثقافيًا كبيرًا، ثم أصبحت مسكنًا للمشاهير، مثل الشاعر “فيليراس”. وبداية من القرن الثانى قبل الميلاد أصبحت تحت الحكم الروماني، وجعلها كلوديوس قيصر حرّة بل وأعفاها من الضرائب سنة 53 ق.م. وذلك اكرامًا لطبيبه الخاص “زيوفون” وهو من سكانها. انظر خريطة رقم (15).

تعدّ كوس من أجمل بقاع الدنيا قديمًا ومركزًا طبيًا، حيث أنشيء فيها أول معهد طبى، كما كانت مركزا لعبادة الإله “اسكلابيوس” إله الشفاء عند اليونان، بسبب المناخ الصحى وعيون الماء الكبريتية والحديدية التي استخدمها أبقراط أبو الطب (460 – 377) في علاج مرضاه. وفي الحفريات التي تمت بين عامى 1898- 1907م تم العثور على معبد ذلك الإله والذي كان مُقامًا على ثلاث مصاطب في بستان من شجر السرور، وفي سنة 1933م، اجتاح الجزيرة زلزال ضخم، مما شجع المستعمرين الإيطاليين على عمل حفريات فيها، حيث اكتشفوا المعبد وحمامات رومانية وشوارع. في كوس كرز معلمنا بولس (أع 21: 1) وقد صارت مقاطعة يونانية سنة 1948م وتسمى اليوم “ستنخيو”.

سيدن Sideآخر مقاطعات بمفيلية الخمس من الشرق، تقع شرق “أتاليا” وكانت الجالية اليهودية فيها من أقدم الجاليات وأبرزها، تكلم اليهود فيها لغات مختلفة أثناء الحكم المقدونى، في العصر السلوقى كانت نقودها مخرومة من الوسط واعتبرت عملة عالمية، وكانت محصنة في مواجهة القراصنة الثراكيين والكيليكيين والذين أغراهم غنى وغنائم سيدن خلال العصر الهيلينى. اهتمت بها روما نظرا لمكانتها ولما لها من مصالح هناك. تعرضت سيدن لدمار كامل، لا سيما المسرح الذي فيها والذي كان يتسع لألفى متفرج، والذي كان يعكس أهميتها قديمًا. انظر خريطة رقم (15).

أرادس  Aradusاسم يوناني لجزيرة فينيقية على الساحل السورى مقابل طرطوس وأعلى طرابلس، على مسافة 23 كم شمال “حماه” ويرجح أن تكون هي “أرفاد” الوارد ذكرها في (ملوك ثان 18: 34 و19: 13 وإشعياء 10: 9 وإرميا 49: 23) وقد تكون هي ” تل أرفاد” الحالية. خريطة (15).

جرتينة Gortynaمدينة تقع على ساحل نهر اللوتس جنوب وسط “كريت” على مسافة عدة أميال من البحر، ومن موانيها “ميتالون” و”ليبينا” ويقول أفلاطون أن الذين أسسوها جاءوا أصلًا من “جُرتين” في أركاديا، وقد تحالفت جرتينة مع روما سنة 197 ق.م. ضد فيلبس الخامس، وسرعان ما أصبحت أهم مدينة في الجزيرة. وقد كشفت الحفريات الحديثة التي قام بها الإيطاليين سنة 1884م عن قانون جرتينة الذي يرجع إلى منتصف القرن الخامس قبل الميلاد، وهو خاص بالحقوق العالمية. وقد سكن في الجزيرة في عصر المكابيين جالية يهودية بحسب شهادة يوسيفوس وفيلو. خريطة (15).

قنيدس Cnidusواحدة من جزر الدوديكانيز في بحر إيجا، تفصل بين جزيرتى كوس ورودس، على الساحل الجنوبي الغربي لآسيا الصغرى، وكانت احدى المستعمرات اليونانية على طرف كاريه، استولى عليها القائد اليوناني “دوريانوس” في القرن السادس قبل الميلاد. اشتهرت كمركز تجارى هام، وعملت كحلقة وصل بين مصر وروما، وكان لها مرفأين واسطول كبير، كما كانت قنيدس مركزا لعبادة “افروديت” وفي عصر المكابيين كانت مدينة حرة تتمتع بشهرة واسعة، وقد ذكرت في (أعمال 27: 7) إذ مرّ بها القديس بولس. وقد عثر فيها على تمثال الإلهة “ديميتر” حيث نقل إلى المتحف البريطانى. انظر خريطة رقم (15).

قبرس Cyprusهناك علاقة بين أسمها واسم (النحاس) في اللغة اللاتينية Cyprium والذي اشتهرت به قديمًا وسميت كتيم (1مكا 1: 1) للدلالة على بلاد اليونان، كما أشار إليها يوسيفوس، وهي جزيرة كبيرة على شكل مثلث في شرق البحر المتوسط على مسافة 96 كم إلى الغرب من سواحل سورية، ومسافة 64 كم إلى الجنوب من تركيا، وقد اكتسبت شهرة على مر التاريخ.

قيرين (القيروان) وهي كلمة مشتقة من كلمة ” قير” والتي تعني ” سور”: وهي أحد أهم المدن الخمس الغربية في ليبيا، كانت تقع على هضبة ترتفع حوالي 2000 قدم فوق سطح البحر، وتبعد عنه عشرة أميال، وتحيط بها من الجنوب سلسلة جبال. وهي في الأصل مستعمرة يونانية أسسها “باتوس” سنة 630 ق.م. ازدهرت سياسيًا واقتصاديًا بسبب موقعها التجارى المتميز، وقد خرج منها مجموعة من مشاهير الرجال، مثل: “كاليماخوس الشاعر”، و”كارنيوس” مؤسس الاكاديمية الجديدة وأثينا و”أراتوشينى” عالم الرياضيات، وكذلك الكاتب المسيحي “سينزيوس”. تحالف مع المدينة “أمازيس الثاني” فرعون مصر، وقعت في يد الأسكندر سنة 324 ق.م. ثم ضمّها بطليموس الثالث إلى مصر سنة 231 ق.م. وفي سنة 96 ق.م. أصبحت ولاية رومانية. انظر خريطة رقم (15).

      وإليها هاجر الكثير من اليهود حيث نقل بطليموس لاجوس بعض منهم إلى هناك، ويذكر يوسيفوس أن عددهم ازداد هناك، ومن الُملفت أن تأتى كل من قبرس والقيروان ضمن القائمة، وذلك لخضوعهما في ذلك الوقت لبطليموس ملك مصر، ولعل ذلك هو السبب في ظن البعض أن الأسماء كتبت خطأ مثل القيروان بدلًا من سميرنا، ولكن اللبس سيزول إذا علمنا أن روما حاولت اضعاف المملكة البطلمية بالعمل على فصل كل من القيروان وقبرس عن مصر.

    وإلى القيروان ينتمي سمعان الذي سخّره الرومان لحمل صليب السيد المسيح (متى 27: 22 ومرقس 15: 21 ولوقا 23: 26) ومنهم من حضر يوم الخمسين (أعمال 2: 10) ومنهم من حاوروا استفانوس (أعمال 6: 9) ومنهم من تشتت – بعد موت اسطفانوس – إلى أنطاكية، ومنهم من صار معلمًا ونبيًا هو لوكيوس القيرواني (أعمال 13: 1) وقد تخربت في القرن السابع الميلادي. وإلى القيروان أيضًا ينتمي ” ياسون القيرينى” الذي كتب الخمسة كتب عن المكابيين والذي جاء سفر المكابيين الثاني كملخّص لهم(11)

أنطيوخس يحاصر دورا وينقض عهده مع سمعان

25وعسكر أنطيوخس الملك عند دورا في الضاحية، ولم يزل يضيق عليها ويصنع المجانيق. وطوق تريفون لئلا يدخل أحد ويخرج. 26فأرسل إليه سمعان ألفى رجل  منتخبين نجدة له، وفضة وذهبا وعتادا كثيرا. 27فأبى أنطبوخس أن يقبلها ونقض كل ما كان عاهده به من قبل وانقلب عليه. 28وأرسل إليه أتينوبيوس، أحد أصدقائه ليفاوضه قائلًا: “إنكم مستولون على يافا وجازر والقلعة التي في أورشليم، وهي من مدن مملكتى. 29وقد أتلفتم أراضيها وضربتم البلاد ضربة شديدة، وتسلطتم على أماكن كثيرة في مملكتى. 30فأسلموا الآن المدن التي استوليتم عليها وادوا ضرائب الأماكن التي تسلطتم عليها في خارج  حدود اليهودية. 31وإلا فأدوا عنها خمس مئة قنطار فضة، وعن الإتلاف الذي أتلفتموه وعن ضرائب المدن خمس مئة قنطار أخرى، وإلا أتيناكم محاربين”. 32فجاء أتينوبيوس، صديق الملك، إلى أورشليم، وشاهد مجد سمعان وخزانة آنيته من الفضة والذهب، وأبهة عظيمة، فبهت وأخبره بكلام الملك. 33فأجاب سمعان وقال له: “لم نأخذ أرضا غريبة ولم نستول على شيء لغريب، ولكنه ميراث آبائنا الذي كان أعداؤنا قد استولوا عليه حينًا من الزمن. 34فلما سنحت لنا الفرصة، استرددنا ميراث آبائنا. 35فأما يافا وجازر اللتان نطالب بهما، فإنهما كانتا تنزلان بالشعب مصيبة كبيرة وتتلفان بلادنا. غير أننا نؤدي عنهما مئة قنطار”. فلم يجبه اتينوبيوس بكلمة. 36ورجع إلى الملك غاضبا، وأخبره بهذا الكلام وبمجد سمعان وكل ما شاهده، فغضب الملك غضبا شديدًا.

 

عاد أنطيوخس ليتخذ موقعًا جديدًا في حصاره “دورا” وذلك بهدف احكام السيطرة عليها، لا سيما وقد تأكد من نصره على تريفون المحاصر داخل المدينة، في ذلك الوقت كان كل ما يشغل تريفون هو سعيه إلى النجاة بنفسه بعد أن أفاق من غفلته على حجم الخطر الذي يتهددّه، وفي إطار التحالف الذي بادر به أنطيوخس من قبل مع سمعان، اتخذ الأخير دور الحليف النبيل المخلص، فأرسل يؤيده بالمال والهدايا والجنود.

 ولكن أنطيوخس والذي كان قد أيقن أنه تخلّص من تريفون، استخفّ بسمعان وهداياه ونقض العهد الذي بينهما في عجرفة وكبرياء، بل زاد على ذلك بأن  طالب بالضرائب السابقة وبأخرى أضافية أيضا، والتخلي عن المدن الثلاث والتي أُضيفت إلى اليهودية رسميا من قبل ملوك سوريا (ويلاحظ هنا اعتبار قلعة أكرا في أورشليم: مدينة (وقد كانت من الاتساع والقوة بما يجعلها جديرة بذلك/ 1: 33).

ويبدو لنا من سياق النص أن بعض من السكان الوثنيين في تلك المدن قد احتجّوا لدى أنطيوخس من اضطهاد اليهود لهم إبّان تلك المدة التي كان فيها سمعان قائدا للسهل السأحلى، وهو المركز الذي اسنده أنطيوخس إلى قندباوس ليحلّ محل سمعان.

أتينوبيوس Athenobiusهو أحد أصدقاء ومشيرى أنطيوخس السابع السديتى هذا، وقد أخفق أتينوبيوس في مهمته، بل يغلب الظن أنه أوغر صدر أنطيوخس ضد سمعان وجماعة  اليهود، حقا يقول الكتاب: ” كبرد الثلج في يوم الحصاد الرسول الأمين لمرسليه لأنه يرد نفس سادته ” (الأمثال 25: 13) ” الرسول الشرير يقع في الشر والسفير الأمين شفاء”  (أمثال 13: 17). فقد أراد سمعان أن يحتفي بهذا المندوب، منتهجًا ذات المسلك الذي سلكه من قبل ملوك إسرائيل ويهوذا، عندما كان يُطلعون دبلوماسيي الممالك الأخرى – مثل أشور وبابل وفارس ومصر وغيرهم – على مجدهم وكنوزهم بفخر، ناسبين المجد لأنفسهم، مما يحدو بالأعداء إلى الطمع في غنائم البلاد وكنوزها، وقد حدث ذلك عندما أطلع رؤساء اليهود مندوبو نبوخذ نصر على كنوز الهيكل أن جاءت كلمة الرب إليهم بأنها ستنقل جميعها إلى بابل (أخبار الأيام الثاني 36: 18). وهكذا سال لعاب أتينوبيوس أمام كنوز سمعان ومجده.

أما سمعان فقد كان محقًا في المبررات التي ساقها إلى أنطيوخس من خلال مندوبه، كيف أن اليهود قد استولوا على تلك المدن اضطرارا، بسبب مضايقات سكانها الوثنيين، وكيف أيدهم الملوك السابقين في احتلالها، كما أن تلك المدن هي في الأصل ميراث لليهود استولوا عليها عند امتلاكهم أرض الموعد، وانما الآن يستردّونها فقط، ولكن أنطيوخس يطلب هنا تعويضا ماليًا لا يتناسب مطلقًا مع حجم الاحتجاج!، وقد كان يهمه كثيرًا استردادها لا سيما “يافا” والتي تعد هامة واستراتيجية باعتبارها مرفأً حيويًا.

وكان القانون اليوناني العام يعترف بحق استعاده الميراث السابق الذي سقط في يد الآخرين، وقد أيد الملوك السلوقيون ذلك بالاضافة إلى حق التملك بالغزو، ومن جهة اليهود فقد ارتكزت مطالبهم على الوعود الإلهية لأسلافهم وعلى الغزو السابق. وبخصوص: يافا وجازر لم يحتج سمعان بأنها تقع في حدود أرض الموعد، أو أنها كانت تخص سليمان في يوم من الأيام (أخبار الأيام الثاني 2: 15 ويشوع 21: 21 وملوك أول 9: 15 – 17) وذلك لعدم قبول السلوقيين لهذه البراهين ولذلك فقد اعتمدوا على غزوهم السابق لها في حروب عادلة للانتقام وهو ما يقرّه القانون اليوناني.

وقد اختار سمعان أن يدفع جزية عن جازر ويافا، دون أن يسلمها من جديد للسلوقيين، فتصبح حجر عثرة من جديد، في حين اعتبر أمر القلعة منتهيًا، ولعله من المدهش في هذه المرحلة أن سمعان كان غير ميال إلى الحرب، في حين أن له جيش قوى، إذ كانت البلاد قد اتجهت – كما قلنا – للتنمية الداخلية والتطوير غير ميالة إلى سفك الدماء، إلاّ أن أنطيوخس اضطرهم من جديد إلى خوض الحرب. لقد سلك أتينوبيوس بحماقة إذ ثار ونقل ثورته إلى الملك والذي هاج بدوره.

قندباوس يعيث فسادًا في اليهودية

37وركب تريفون سفينة وفر إلى أرطوسياس. 38ففوض الملك قيادة الساحل إلى قندباوس، وجعل تحت يده جنودا من المشاة وفرسانا. 39وأمره أن يعسكر أمام اليهودية، وأوعز إليه أن يعيد بناء قدرون ويحصن أبوابها ويقاتل الشعب. أما الملك فقد تعقب تريفون. 40فبلغ قندباوس إلى يمنيا، وجعل يستفز الشعب ويجتاح اليهودية ويسبى الشعب ويقتل. 41وأعاد بناء قدرون وجعل فيها فرسانا وجنودا ليخرجوا وينتشروا في طرق اليهودية، كما أمره الملك.


 

استطاع تريفون التسلّل من بين اسطول أنطيوخس ومن خلال بطليمايس ليهرب إلى أرطوسياس.

أرطوسياس Orthosias: اسم يوناني معناه “شريف” أو “مستقيم”: مدينة فينيقية تقع على مسافة 18 كم شمال طرابلس جنوب نهر ألوطارس، ومسافة 43 كم. جنوب “أنترادس” على الساحل الفينيقى بالقرب من أرتوزى، وفي الحفريات الحديثة التي تمت هناك عُثر فيها على 33 قطعة نقدية، منها أربعة دراهم منقوش عليها اسم ” تريفون” مما يؤكد اقامته هناك لفترة. ومكانها الآن بالقرب من “نهر البريد”.

وهذه آخر أخبار ترد في السفر عن تريفون، ولكننا نعرف من التاريخ أنه غادر أرطوسياس بعد ذلك بسبب مطاردة أنطيوخس له، حيث هرب إلى “أفاميا” وهي قاعدته الأساسية حيث أسر وُاعدم هناك، وأمّا المؤرخ استرابون فيؤكد أن اليأس أصابه فأقدم على الانتحار.

أما أنطيوخس فقد فوض أمر اخضاع اليهود إلى ” قندباوس Kendebaeus ” وهو واحد من قواده، ويضيف يوسيفوس أنه كان من بين “أصدقاء الملك” ولكن ذلك كان طبيعيًا كنتيجة لتعيينه قائدا أعلى للسهل السأحلى، وهو المركز الذي شغله سمعان سابقًا (11: 59). وقد زوده بقسم من الجيش، فقام قندباوس باحتلال “يمنيا” والتي اعتبرها تابعة لهم، كما جعل من قدرون قاعدة عسكرية له، والتي تسمّى الآن “قطرا” على مسافة ستة كيلومترات جنوب يمنيا إلى الشرق.

قدرون Kadronاسم عبري معناه “قطرون” أو “أسود” أو “ظلام”. وهناك فرق بين “وادى قدرون” و”حصن قدرون” على مسافة عشرة كيلومترات شمال غرب أورشليم (16: 4) ومسافة ثمانية كيلومترات من يمنيا (يبنة) بالقرب من مودين، وبين يافا شمالًا وأشدود جنوبًا. كان “حصن قدرون” موقعًا استراتيجيًا يتحكّم في عدة طرق إلى اليهودية. وإلى هذا الحصن هرب قندباوس مع جنوده (16: 9،10) وربما يكون الآن هو “حديروت” راجع (يشوع 15: 26،41 وأخبار الأيام الثاني 28: 18) على مسافة خمسة كيلومترات جنوب غرب عقرون.

ويلاحظ في (الآية 41) أن قندباوس قد اتّخذ عدة إجراءات من شأنها استفزاز اليهود.

_____

(1) تحمل عملات أنطيوخس هذا لقبه الديني “يورجيتيس”، هذا وقد لقبه كل من يوسيفوس ويوسابيوس بـ”سوتير”.

(2) تزوج أبوه ديمتريوس الأول سنة 162 ق.م.

(3) حيث كان العام 174 سلوقية يوازى الفترة: من 12/10/139 إلى 4/10/138 ق.م.

(4) تاريخ سورية/ المطران إلياس الدبس. يبدو أن عائلتى الاسكندر بالاس وتريفون كانت لهم علاقات خاصة بأهل دورا وبطلمايس وغيرها من المدن.

(5) يوسيفوس: (الآثار 14: 8 / 5).

(6)  Apocrypha and Psuedpigrapha, R.H. Charles, 1913, P. 65

(7) يرد أن اسم القنصل في السفر في بعض المصادر هو: (لوقيوس سيسليوس ميتلوس قلفوس). انظر: حاشية الترجمة اليسوعية الحديثة

(8) موسوعة مصر القديمة/ سليم حسن/ ج 16. بطليموس الثامن / ص 395.

(9) انظر كتاب: مدخل إلى سفري المكابيين – جماعة قمران.

(10) وجدت في بعض المخطوطات تحت اسم “كاريس” بدل “كاريه” ولكنها صيغة للأخيرة أي” he,karis” بمعنى ”Karia ” حيث شاع في اليونانية استخدام نهاية صفة التأنيث ب (is) مع أداة التعريف كمرادف للإسم الاقليمى المنتهى ب (ia) راجع:   Jonathan, I Macc, P. 499.

 

(11) راجع كتاب مدخل إلى سفري المكابيين/ الكاتب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى