تفسير سفر المكابيين الاول ٦ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح السادس

الآيات (1-13):

1 وفيما كان انطيوكس الملك يجول في الأقاليم العليا سمع بذكر المايس وهي مدينة بفارس مشهورة بأموالها من الفضة والذهب. 2 وان بها هيكلا فيه كثير من الأموال وفيه سجوف الذهب والدروع والأسلحة التي تركها ثم الاسكندر بن فيلبس الملك المكدوني الذي كان أول ملك في اليونان. 3 فآتى وحاول أن يأخذ المدينة وينهبها فلم يستطع لأن الأمر كان قد عرف عند أهل المدينة. 4 فثاروا إليه وقاتلوه فهرب ومضى من هناك بغم شديد راجعا إلى بابل. 5 وجاءه في فارس مخبر بان الجيوش التي وجهت إلى ارض يهوذا قد انكسرت. 6 وان ليسياس قد انهزم من وجههم وكان قد خرج عليهم في جيش في غاية القوة فتعززوا بالسلاح والذخائر والغنائم الكثيرة التي أخذوها ممن دمروهم من الجيوش. 7 وهدموا الرجاسة التي كان قد بناها على المذبح في أورشليم وحوطوا المقدس بالأسوار الرفيعة كما كان من قبل وحصنوا بيت صور مدينتهم. 8 فلما سمع الملك هذا الكلام بهت واضطرب جدا وانطرح على الفراش وقد أوقعه الغم في السقم لأن الأمر وقع على خلاف مشتهاه. 9 فلبث هناك أياما كثيرة لأنه تجدد فيه غم شديد وأيقن بالموت. 10 فدعا جميع أصحابه وقال لهم لقد شرد النوم عن عيني وسقط قلبي من الكرب. 11 فقلت في نفسي إلى أي بلاء صرت وما اعظم اللجة التي أنا فيها بعد أن كنت مسرورا ومحبوبا في سلطاني. 12 أني لأتذكر المساوئ التي صنعتها في أورشليم وكيف أخذت كل آنية الذهب والفضة التي كانت فيها وأرسلت لإبادة سكان يهوذا بغير سبب. 13 فأنا اعلم باني لأجل ذلك أصابتني هذه البلايا وها أنا اهلك بكمد شديد في ارض غريبة.”

أنطيوخس أبيفانيوس ورث عن أبيه عبئاً ثقيلاً من الديون نتيجة هزيمة أبيه أمام الرومان وإضطراره لدفع جزية كبيرة للرومان. فأراد جمع أموال، فبدأ بفارس. ألمايس= صيغة يونانية لعيلام التي هي فارس. ويرجح العلماء أيضاً أنها برسابوليس (2مك2:9). وفي هذه المدينة هيكل لأحد الآلهة السوريين ويسمى هيكل النناية (2مك13:1)، حاول أنطيوخس نهبه وهو هيكل الآلهة الأكادية القديمة “إنانا” إلهة الجنس والحرب والمقابلة للإلهة اليونانية إفروديت ،وهي الإلهة التي يحتفلون في هياكلها بحفلات الجنس الصاخبة. ولقد قرر أنطيوخس غزو هذه البلاد [1] للحصول على أموال [2] إخضاع البلاد إذ شعر أن قادتها بدأوا يتمردون عليها [3] العودة بأموال كافية ليقود حملة أخرى لإخضاع اليهود المتمردين. وكانت الهدايا الذهبية للملوك توضع في هياكل الآلهة وهكذا فعل الإسكندر ووضع ذهباً كثيراً في هيكل برسابوليس، وهذه الهياكل كانت تمتلئ ذهباً من العطايا والنذور أيضاً بل والودائع التي يشعر أصحابها بأن الآلهة تحميها. ولكن كهنة النناية دافعوا بشدة عن هيكلهم (2مك2:9) ودافع العيلاميون عن بلدهم فإنسحب أنطيوخس وفي طريقه سمع عن هزيمة جيشه أمام المكابيين مما كسر قلبه فإستسلم للمرض وساءت حالته إلى أن مات. وهذا ما تبنأ عنه دانيال النبي (44:11،45+25:8) ونرى كيف فهم أنطيوخس أن ما حدث له كان بسبب ظلمه لليهود وإهانته لهيكل الله وأن هذا كان إنتقاماً من الله الذي أهان هيكله.

 

الآيات (14-17):

14 ثم دعا فيلبس أحد أصحابه وأقامه على جميع مملكته. 15 ودفع إليه تاجه وحلته وخاتمه وأوصاه بتدبير انطيوكس ابنه وترشيحه للملك. 16ومات هناك انطيوكس الملك في السنة المئة والتاسعة والأربعين. 17 وعلم ليسياس أن الملك قد توفي وملك موضعه انطيوكس ابنه الذي رباه هو في حداثته وسماه باسم اوباطور.”

كان أنطيوخس أبيفانيوس قد إغتصب الملك من أخيه ديمتريوس الأول الذي كان هو الوريث الشرعي للعرش. والآن صار ديمتريوس في سن تسمح له بأن يملك. ولأن أنطيوخس أبيفانيوس كان يعلم أنه مغتصباً للعرش فكان يسعى لأن يثبت العرش لإبنه، فعهد بذلك إلى ليسياس (33:3) وكان عمر الصبي حينئذ (9-12سنة). ثم عاد أبيفانيوس وعهد بإبنه إلى فيلبس (2مك29:9) إذ علم بإخفاق ليسياس أمام المكابيين. لذلك نشأ صراع بين فيلبس وليسياس أفاد منه اليهود إذ تراجع ليسياس عن تدمير أورشليم عاقداً الصلح معهم.

إذ سمع أن فيلبس قد رجع من فارس ومعه جيوش إلى إنطاكية فترك أورشليم وذهب ليهزم فيلبس ويأخذ منه المدينة (1مك55:6-63). ولكن جاء ديمتريوس بعد ذلك وقتل ليسياس وانطيوخس إبن إنطيوخس أبيفانيوس (1مك1:7-4). وهذا الملك الصغير الذي قتل اسموه أنطيوخس أوباطور.

 

الآيات (18-27):

18 وكان أهل القلعة يصدون إسرائيل عن دخول المقادس ويحاولون الأضرار بهم من كل جانب وتوطيد الأمم بينهم. 19 فعزم يهوذا على الإيقاع بهم وحشد جميع الشعب لمحاصرتهم. 20 فاجتمعوا معا وحاصروهم سنة مئة وخمسين ونصب عليهم القذافات والمجانيق. 21 فخرج بعض منهم من الحصار فانضم إليهم نفر منافقون من إسرائيل. 22 وانطلقوا إلى الملك وقالوا إلى متى لا تجري القضاء ولا تنتقم لاخوتنا. 23 أنا ارتضينا بخدمة أبيك والعمل بأوامره واتباع رسومه. 24 ولذلك أبناء شعبنا يحاصرون القلعة بغضا لنا وكل من صادفوه منا قتلوه ونهبوا أملاكنا. 25 ولم يكتفوا بمد أيديهم علينا ولكنهم تجاوزا إلى جميع تخومنا. 26 وها انهم قد زحفوا إلى قلعة أورشليم ليستحوذوا عليها وعلى المقدس وحصنوا بيت صور. 27 فالآن ان لم تسرع وتبادرهم فسيصنعون شرا من ذلك فلا تقدر أن تكفهم.”

القلعة هي قلعة عكرة التي أقامها السلوكيين وكانت تطل على الهيكل، وكان جنود اليونان يضايقون منها كل من في الهيكل، فأراد يهوذا أن يزيل هذه القلعة، وهنا نرى خيانة الحزب اليهودي اليوناني الذين ذهبوا يستعدون الملك ضد إخوتهم المكابيين. والملك هنا هو أنطيوخس الخامس إبن أنطيوخس أبيفانيوس وكان ليسياس وصياً عليه. وأتى الحزب اليوناني يشتكون لهم أن المكابيين واليهود إخوتهم يضطهدونهم لأنهم يناصرون اليونان وثقافة اليونان. وقالوا إن تركتم هؤلاء يسقطون القلعة فلن تقدروا أن تقاوموهم بعد ذلك. بيت صور= كانت مركزاً لملك اليونان وأخذه اليهود وحصنوه (1مك61:4).

 

الآيات (28-47):

28 فلما سمع الملك غضب وجمع جميع أصحابه وقواد جيشه ورؤساء الفرسان. 29وجاءته من ممالك أخرى ومن جزائر البحار جنود مستأجرة. 30وكان عدد جيوشه مئة ألف راجل وعشرين ألف فارس واثنين وثلاثين فيلا مضراة على الحرب. 31فزحفوا مجتازين في أدوم ونزلوا عند بيت صور وحاربوا أياما كثيرة وصنعوا المجانيق فخرجوا واحرقوها بالنار وقاتلوا ببأس. 32 فسار يهوذا عن القلعة ونزل ببيت زكريا تجاه محلة الملك. 33 فبكر الملك ووجه ببأس جيشه إلى طريق بيت زكريا فتأهبت الجيوش للقتال ونفخوا في الأبواق. 34 واروا الفيلة عصير العنب والتوت حتى يهيجوها للقتال. 35 ثم وزعوها على الفرق فجعلوا عند كل فيل ألف رجل لابسين الدروع المسرودة وعلى رؤوسهم خوذ النحاس وأقاموا لكل فيل خمس مئة فارس منتخبين. 36 فكان أولئك حيثما وجد الفيل سبقوا إليه وحيثما ذهب ذهبوا معه لا يفارقونه. 37 وكان على كل فيل برج حصين من الخشب يحميه مطوق بالمجانيق وعلى البرج اثنان وثلاثون رجلا من ذوي البأس يقاتلون منه والهندي يدير الفيل. 38وجعلوا سائر الفرسان من هنا وهناك على جانبي الجيش يحثونه ويكتنفونه في الشعاب. 39 فلما لمعت الشمس على تروس الذهب والنحاس لمعت بها الجبال وتأججت كسرج من نار. 40 وانتشر جيش الملك قسم على الجبال العالية وقسم في البطاح ومشوا بتحفظ وانتظام. 41 فارتعد كل من سمع جلبتهم ودرجان جمهورهم وقعقعة سلاحهم فان الجيش كان عظيما وقويا جدا. 42 فتقدم يهوذا وجيشه للمبارزة فسقط من جيش الملك ست مئة رجل. 43 ورأى العازار بن سواران واحدا من الفيلة عليه الدرع الملكية يفوق جميع الفيلة فظن أن عليه الملك. 44 فبذل نفسه ليخلص شعبه ويقيم لنفسه اسما مخلدا. 45 وعدا إليه مقتحما في وسط الفرقة يقتل يمنة ويسرة فتفرقوا عنه من هنا ومن هناك. 46 ودخل بين قوائم الفيل حتى صار تحته وقتله فسقط عليه إلى الأرض فمات مكانه. 47 وان اليهود لما رأوا سطوة الملك وبطش الجيوش ارتدوا عنهم.”

هذه الحملة كادت تذهب كل إنتصارات المكابيين سُدى لولا تدخل الله.

مضرّاة على الحرب= مدربة على الحرب درجان جمهورهم (41) جلبة زحف الجمهور. ولما سمع يهوذا المكابي بأخبار هذه الحملة ترك قلعة عكرا مؤقتاًُ ليجابه هذا الجيش. بيت زكريا= قرية على مسافة 16كم جنوب غرب أورشليم وعلى بعد 10كم من بيت صور إلى الشمال الشرقي. الأفيال= كان يثبت فوقها قلعة خشبية بها 32 جندي يستخدمون السهام بشكل جيد وبحرية، بالإضافة لأن رائحة الفيل تنفر الخيول فتهرب من المعركة. وكان عصير العنب يثير الأفيال فتندفع بشجاعة وسط الأعداء. ونرى شجاعة جنود يهوذا من دخول العازار تحت الفيل وقتله.

 

الآيات (48-54):

48 فصعد الملك بجيشه نحو أورشليم لملاقاتهم وزحف إلى اليهودية وجبل صهيون. 49وعقد صلحا مع أهل بيت صور فخرجوا من المدينة لنفاد الطعام من عندهم مدة حصرهم فيها إذ كان سبت للأرض. 50 فاستولى الملك على بيت صور وأقام هناك حرسا يحافظون عليها. 51 ونزل عند المقدس أياما كثيرة ونصب هناك القذافات والمجانيق وآلات لرشق النار والحجارة وأدوات لرمي السهام ومقاليع. 52 وصنع اليهود مجانيق قبالة مجانيقهم وحاربوا أياما كثيرة. 53 ولم يكن في أوعيتهم طعام لأنها كانت السنة السابعة وكان الذين لجأوا إلى اليهودية من الأمم قد أكلوا ما فضل من الذخيرة. 54 فلم يبق في المقادس إلا نفر يسير لأن الجوع غلب عليهم فتفرقوا كل واحد إلى موضعه.”

إستسلم أهالي بيت صور لنفاد طعامهم وعقدوا صلحاً مع اليونانيين. السنة كانت سنة سبت= كانوا بحسب الشريعة يتركون الأرض بلا زراعة في هذه السنة. وهم إلتزموا بهذا فكافأهم الله بأن أبعد عنهم هذا الجيش الرهيب بطريقة معجزية. فلقد إقترب الجيش اليوناني من أورشليم لمحاصرتها بعد أن أسقطوا بيت صور في طريقهم ومرورهم ببيت زكريا. ولكن المكابيين كانوا هناك يدافعون عن المقدس فلم تسقط أورشليم سريعاً. ولكن الجوع الذي كان فيه اليهود كان سلاحاً قوياً ضدهم، فهذا جعل الجنود يتفرقون لتدبير طعام لأسرهم.

 

الآيات (55-63):

55 وبلغ ليسياس ان فيلبس الذي أقامه انطيوكس في حياته ليرشح انطيوكس ابنه للملك. 56 قد رجع من فارس وماداي ومعه جيوش الملك التي سارت في صحبته وانه يحاول أن يتولى الأمور. 57 فبادر وسعى إلى الملك والقواد والجيش وقال لهم أنا لنضعف يوما بعد يوم وقد قل طعامنا والمكان الذي نحاصره حصين وأمور المملكة تستحثنا. 58 والآن فلنعاقد هؤلاء الناس ولنبرم صلحا معهم ومع جميع أمتهم. 59ولنقرر لهم أن يسلكوا في سننهم كما كانوا من قبل فانهم لأجل سننهم التي نقضناها غضبوا وفعلوا كل ذلك.60 فحسن الكلام في عيون الملك والرؤساء فأرسل إليهم في المصالحة فأجابوا. 61 فحلف لهم الملك والرؤساء وعلى ذلك خرجوا من الحصن. 62فدخل الملك إلى جبل صهيون ورأى الموضع حصينا فنقض الحلف الذي حلفه وأمر بهدم السور الذي حوله. 63 ثم انصرف مسرعا ورجع إلى إنطاكية فوجد فيلبس قد استولى على المدينة فقاتله واخذ المدينة عنوة.”

هنا نرى تدخل الله وكيف أبعد ليسياس عن أورشليم، إذ سمع خبر عن فيلبس وأنه يحاول أن يتولى الأمور في إنطاكية فترك أورشليم ليطرد فيلبس من إنطاكية. وقبل أن ينصرف طلب عقد صلح مع اليهود فصدقوه ودخل أورشليم لكنه غدر بهم وهدم أسوارهم تحسباً لحرب ثانية بينهم. وسبب ثانٍ للصلح بين ليسياس واليهود كان هو نفاذ مؤن ليسياس وجيشه.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى