تفسير سفر صموئيل الاول ١٢ للقمص تادرس يعقوب

الأصحاح الثاني عشر
حديث صموئيل الوداعي

قدم صموئيل النبي حديثًا وداعيًا وصريحًا، أشهدهم فيه أمام الله ومسيحه على أمانته من نحوهم وعدم استغلاله لهم، كما ذكرهم ببركات الرب وأعماله معهم، ووبخهم على طلبهم ملكًا، فاتحًا أمامهم باب الرجاء في الرب المحب لشعبه… وقد أراد بهذا كله تقديم درس للملك الجديد.

صموئيل يعلن أمانته  [1-6].

أوضح صموئيل النبي أمانته في العمل الرعوي بإعلانه أنه كان يستجيب لطلبات شعب الله، يسمع لصوتهم حتى أقام عليهم ملكًا كطلبهم، ولم يكن ذلك مقابل شيء، إنما من أجل حبه لهم. في ثقة يقول: “هأنذا فاشهدوا عليّ قدام الرب وقدام مسيحه: ثور من أخذت؟! وحمار من أخذت؟! ومن ظلمت؟! ومن سحقت؟! ومن يد من أخذت فدية لأغضي عيني عنه فأراد لكم؟! [3].

إنه يُشهد الرب الذي يفحص القلوب ويعرف الأفكار الخفية أن ما صنعه مع شعب الله لم يكن مظهرًا خارجيًا بل نابعًا من أعماق حب وأمانة داخلية.

ويُشهد أيضًا مسيحه، أي شاول الملك، فإن كان صموئيل قد حزن لطلب الشعب إقامة ملك لكن هوذا الملك نفسه يشهد لصموئيل عن أمانته في الرعاية، أنه لم يُنقص الشعب أو يعوزه شيئًا، ولا سلب الشعب شيئًا.

ما فعله صموئيل النبي هنا ليس دفاعًا عن نفسه لأنه لم يتهمه أحد بشيء إنما قصد به تثقيف الملك الجديد. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لم يتهمه أحد، فإنه لم ينطق بهذا لكي يبرر نفسه وإنما لأنه قام بمسح ملك فأراد أن يعلمه أن يكون وديعًا ولطيفًا تحت ستار دفاعه عن نفسه… لقد نطق بهذا ليكون (الملك) في حال أفضل[99]].

لقد شهد الكل كيف سلك بلا لوم إذ قالوا: “لم تظلمنا ولا سحقتنا ولا أخذت من يد أحد شيئًا” [4]. هكذا يليق بالقائد الروحي أن يكون بلا عيب!

v     يليق بالكاهن أن يتلألأ، فيضئ بسيرته الحسنة على جميع الناس ليقتدوا بمثاله. أما إذا استحال هذا النور إلى ظلام، فماذا يحل بالعالم؟! أما يصير خرابًا؟!

v     نحن محتاجون إلى سلوك حسن لا إلى لغة منمقة، إلى الفضيلة لا إلى الخطابة الفذة، إلى الأعمال لا إلى الكلام.

القديس يوحنا الذهبي الفم[100]

لقد أشهدهم على إخلاصه، كا أشهد الملك نفسه مسيح الرب، وذلك في حضرة الله الذي أقام موسى وهرون والذي أصعد آباءهم من أرض مصر [6]. يقول يشوع بن سيراخ: “قبل أن ينام صموئيل نومه الطويل دافع عن براءته أمام الله والشعب” (46: 19).

 

معاملات الله معهم    [7-11].

بعد أن شهد الشعب ببراءته بدأ هو يُحاكمهم مظهرًا معاملات الله معهم كيف اهتم بهم عبر الأجيال مرسلاً لهم مخلصًا متى لجأوا إليه بالصلاة. ففي مصر إذ استعبدهم المصريون صرخوا إلى الله فأرسل إليهم خلاصًا على أيدي موسى وهرون، وعندما أذلهم سيسرا رئيس جيش حاصور وأيضًا الفلسطينيون والموآبيون أرسل لهم قضاة وقام الرب نفسه بإنقاذهم من أيدي أعدائهم الذين حولهم ليسكنوا آمنين [11]. كأن الله لم يعوزهم شيئًا إذ اهتم برعايتهم وسلامهم، أما الآن فإذ رأوا ناحاش آتيًا لم يصرخوا إلى الرب ليرسل لهم خلاصًا وإنما طلبوا ملكًا عليهم متجاهلين أن الرب نفسه ملكهم [12].

 

طلبهم ملكًا        [12-19].

كثيرًا ما يكرر صموئيل النبي الحديث عن إقامة ملك بكونه خطأ موجهًا ضد الله نفسه الذي يملك عليهم ويقودهم دون أن يعوزهم شيئًا.

لقد أراد أن يوضح لهم أنه وإن كان الملك قد أُقيم يلزمهم ألا يتكئوا على الذراع البشري بل على ملكهم الحقيقي الذي في يده التاريخ والطبيعة. أكد ذلك بمثل عملي سريع إذ قال لهم: “أما هو حصاد الحنطة اليوم؟! فإني أدعو الرب فيعطي رعودًا ومطرًا، فتعلمون وترون أنه عظيم شرّكم الذي عملتموه في عيني الرب بطلبكم لأنفسكم ملكًا؟ [17]. وإذ صار رعد ومطر “خاف جميع الشعب الرب وصموئيل” [18]. هكذا كان الشعب محتاجًا إلى درس سريع وعملي ليدرك أن الله هو ملك الطبيعة وضابطها قادر أن يوجه التاريخ ويضبطه.

أبرز صموئيل النبي لطف الله نحو شعبه الذي رفض مُلكه، فإنه قبِل طلبتهم كما أعطاهم حق الاختيار، إذ قيل: “فالآن هوذا الملك الذي اخترتموه الذي طلبتموه، وهوذا قد جعل الرب عليكم ملكًا” [13].

 

يفتح باب الرجاء أمامهم  [20-25].

كشف لهم في حزم عن الخطأ الذي ارتكبوه بطلب ملك لأنفسهم، لكنه كأب يفتح باب الرجاء في مراحم الله العظيمة قائلاً: “لا تخافوا، إن كنتم قد فعلتم كل هذا الشر، ولكن لا تحيدوا عن الرب… لأنه لا يترك الرب شعبه من أجل اسمه العظيم، لأنه قد شاء الرب أن يجعلكم له شعبًا” [20-22].

الله – في صلاحه – يحّول حتى أخطاءنا لمجد اسمه القدوس ولبنياننا إن رجعنا إليه بالتوبة، كما فعل مع أخطاء إخوة يوسف، إذ حولها لمجد الله ولتكريم يوسف ولشبع يعقوب وبنيه، ولإقامة أمة لهم في مصر.

الله غيور على شعبه لا من أجل برهم الذاتي، وإنما من أجل حبه، ومن أجل اسمه القدوس، هذا ما يكرره الرب، ويؤكد لنا:

“خلصهم من أجل اسمه ليُعرف جبروته” (مز 106: 8).

“من أجل اسمي أبطئ غضبي… من أجل نفسي من أجل نفسي أفعل، لأنه كيف يُدنس اسمي؟! وكرامتي لا أعطيها لآخر” (إش 48: 9، 11).

“صنعت لأجل اسمي لكيلا يتنجس أمام عيون الأمم الذين هم في وسطهم” (خر 29: 9).

إن كان – من جانب الله – يرسل لهم خلاصًا في كل جيل، فمن جانب صموئيل يحمل كل حب لهم، لذا يقول: “وأما أنا فحاشا لي أن أخطئ إلى الرب فأكف عن الصلاة من أجلكم بل أعلمكم الطريق الصالح المستقيم” (11: 23). هكذا لا يكف عن الصلاة ولا يتوقف عن تعليمهم الحق وإرشادهم.

من جهة صلاة القائد، خاصة الكاهن، يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [الكاهن، لأنه أوتمن على العالم وصار أبًا لجميع الناس، يتقدم إلى الله متوسلاً في الصلوات الخاصة والعامة من أجل رفع الحروب في كل مكان وإخماد الاضطرابات ملتمسًا السلام والهدوء لكل نفس والشفاء للمرضى[101]…]. أما من جهة التعليم فيقول: [من لا يعرف كيف يقدم التعليم الصحيح فهو بعيد كل البعد عن كرسي المعلم، لأن بقية الصفات يمكن أن توجد بين من يرعاهم… أما ما يميزه عنهم، فهو قدرته على التعليم بالكلمة[102]].

فاصل

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى