تفسير سفر الملوك الثاني ٤ للقمص أنطونيوس فكري
الإصحاح الرابع
الآيات 1-7:- وصرخت الى اليشع امراة من نساء بني الانبياء قائلة ان عبدك زوجي قد مات وانت تعلم ان عبدك كان يخاف الرب فاتى المرابي لياخذ ولدي له عبدين فقال لها اليشع ماذا اصنع لك اخبريني ماذا لك في البيت فقالت ليس لجاريتك شيء في البيت الا دهنة زيت.فقال اذهبي استعيري لنفسك اوعية من خارج من عند جميع جيرانك اوعية فارغة لا تقللي.ثم ادخلي واغلقي الباب على نفسك وعلى بنيك وصبي في جميع هذه الاوعية وما امتلا انقليه.فذهبت من عنده واغلقت الباب على نفسها وعلى بنيها فكانوا هم يقدمون لها الاوعية وهي تصب.و لما امتلات الاوعية قالت لابنها قدم لي ايضا وعاء فقال لها لا يوجد بعد وعاء فوقف الزيت.فاتت واخبرت رجل الله فقال اذهبي بيعي الزيت واوفي دينك وعيشي انت وبنوك بما بقي.
4-معجزة إمتلاء الآنية بالزيت
بحسب الناموس كان من حق الدائن أن يستعبد المديون إن لم يستطع أن يوفى. نساء بنى الأنبياء= فكان الأنبياء يتزوجون ويحيون حياة عادية ولهم أعمالهم وكان إليشع رئيسا عليهم فأتت له هذه المرأة ليحل لها مشكلتها. ماذا أصنع لك = فهو لن يستطيع أن يمنع هذا الدائن الطماع. دهنة زيت = أى ما يكفى لدهن لقمة خبز. ومرة أخرى نتقابل مع الجهاد والنعمة فكانت دهنة الزيت هى كل ما عند المرأة ونحن يجب أن نبذل كل جهدنا “لم تقاوموا بعد حتى الدم” (عب 4:12). وإمتلاء الآنية بالزيت هو النعمة. كما طلب المسيح الخمس خبزات والسمكتين (جهاد) وبارك فيها فأشبعت 5000 رجل (نعمة) إستعيرى = إمتحان إيمان للمرأة فبقدر ما ستستعير بقدر ما ستحصل على نعمة، أى بقدر ما تصدق يكون لها. لا تقللى = فلنطلب من الله فهو يعطى بسخاء ولا يعير. إغلقى الباب = لكى تصلى وتوجه قلبها لله وتسبح وتفرح بعمل الله الذى سيظهر فى ملء آنيتها. وهى علامة أن الزيت لم يأتى من الخارج بل هى معجزة حقيقية. هذه يفهم منها أن المقدسات ليست لفرجة الشعب وحياتنا الداخلية ليست للآخرين فعلاقتنا مع الله هى علاقة سرية “إن أردت أن تصلى أدخل إلى مخدعك”. وأيضا فالمعجزات هى عمل محبة. وقول إليشع إغلقى الباب هو مشابه لقول المسيح “إذهب ولا تخبر أحدا” فهى عمل محبة وليس للفرجة
وأخبرت رجل الله = هى حسبت أن الزيت من الله وهو لله وهى تسأل وما هى الطريقة التى أتصرف بها فيما أعطاه الله لى. ونحن بكل إمكانياتنا وقلوبنا وأفكارنا ومواهبنا ووقتنا كلنا لله ولنسأله يا رب الكل لك فماذا تريد فى أن أفعل به. والله يسكب علينا فى غرفتنا ونحن قد أغلقنا الباب علينا من نعمته ويملأنا من روحه القدس وعلينا أن نسأل ماذا تريدنى يا رب أن أفعل. وكان رد إليشع بيعى الزيت. وهكذا قال إيليا إصنعى لى كعكة. وهكذا قال المسيح وزعوا الخمس خبزات والسمكتين. إذا هناك مبدأ روحى أن نمتلىء نحن أولا ثم نتاجر بما أخذنا ونبيعه “والمروِى يروَى هو أيضا”.
ولنسكب كل شىء تحت قدمى المسيح. ونلاحظ أنها هى التى تسكب وليس إليشع فهى التى تعمل بعد أن قال لها إليشع وهكذا نحن علينا أن نخدم ولكن بعد أن ترسلنا الكنيسة فليس من سلطة إنسان أن يفوض نفسه فى عمل الكرازة (رو 15:10) ونحن لابد أن نتاجر بقدر ما نستطيع (كل الأوانى) فنعمة الله لا تنقطع بل نحن المحدودين فى إيماننا وليس الله هو المحدود فى عطائه وطوبى للجياع والعطاش إلى البر فإنهم يشبعون اما الذى يظن أنه غير محتاج فلا يأخذ. ولاحظ قول إليشع = إوفى دينك = فنحن من كثرة ما أخذنا مديونين لكل العالم وعلينا أن نعطيه (رو 15،14:1) ولا نخاف من العطاء بل ما يتبقى سيكفى لمعيشتنا نحن وأولادنا = وعيشى أنت وبنوك بما بقى.
الآيات 8-17:- وفي ذات يوم عبر اليشع الى شونم وكانت هناك امراة عظيمة فامسكته لياكل خبزا وكان كلما عبر يميل الى هناك لياكل خبزا فقالت لرجلها قد علمت انه رجل الله مقدس الذي يمر علينا دائما.
فلنعمل علية على الحائط صغيرة ونضع له هناك سريرا وخوانا وكرسيا ومنارة حتى اذا جاء الينا يميل اليها وفي ذات يوم جاء الى هناك ومال الى العلية واضطجع فيها.فقال لجيحزي غلامه ادع هذه الشونمية فدعاها فوقفت امامه.فقال له قل لها هوذا قد انزعجت بسببنا كل هذا الانزعاج فماذا يصنع لك هل لك ما يتكلم به الى الملك او الى رئيس الجيش فقالت انما انا ساكنة في وسط شعبي.ثم قال فماذا يصنع لها فقال جيحزي انه ليس لها ابن ورجلها قد شاخ.فقال ادعها فدعاها فوقفت في الباب.فقال في هذا الميعاد نحو زمان الحياة تحتضنين ابنا فقالت لا يا سيدي رجل الله لا تكذب على جاريتك.فحبلت المراة وولدت ابنا في ذلك الميعاد نحو زمان الحياة كما قال لها اليشع.
5-الشونمية ترزق إبنا
شونم = كانت لسبط يساكر. إمرأة عظيمة = إمرأة غنية أو إمرأة رجل غنى. ولكن سنكتشف بعد ذلك أن لها صفات روحية عظيمة. ومن المعزى أن نجد أناسا روحيين فى وسط هذا الإنحطاط فى إسرائيل. فأمسكته = كان إليشع يمر على شونم كثيرا وهو فى طريقه من الكرمل إلى مدن الجليل ومدارس الأنبياء فى الجلجال وبيت إيل. وهو كان يبيت ليلته فى فندق إذا جاء إلى شونم ولاحظت المرأة هذا فصنعت له العلية = وهى مكان منفرد عن بقية البيت ليختلى فيه النبى… ما يتكلم به إلى الملك = نرى هنا أن إليشع بعد معركة موآب وعمله مع الجيش صارت له كلمة عند الملك ورئيس الجيش فهما صارا يخافا منه ويخشاه ويسمعان له بالرغم من شرورها. ليس لها إبن = المرأة لم تذكر هذا لإليشع ربما ليأسها من حل هذه المشكلة وربما لأن هناك من إعتاد أن يترك كل أموره لله دون أن يسأل فهو يثق فى محبة الله وأن إختياره هو الأصلح والأقرب إلى المنطق هو الرأى الثانى فأين نجد مرأة لا تريد شيئا من الملك ولا من رئيس الجيش، لا تطلب أرضا ولا مالاً. هى قانعة بحياتها وسط جيرانها وأهلها رافضة أى واسطة لتحسين معيشتها مثل هذه تقنع بما يقسمه الله لها.
الآيات 18-31:- وكبر الولد وفي ذات يوم خرج الى ابيه الى الحصادين. وقال لابيه راسي راسي فقال للغلام احمله الى امه فحمله واتى به الى امه فجلس على ركبتيها الى الظهر ومات.فصعدت واضجعته على سرير رجل الله واغلقت عليه وخرجت.و نادت رجلها وقالت ارسل لي واحدا من الغلمان واحدى الاتن فاجري الى رجل الله وارجع.فقال لماذا تذهبين اليه اليوم لا راس شهر ولا سبت فقالت سلام وشدت على الاتان وقالت لغلامها سق وسر ولا تتعوق لاجلي في الركوب ان لم اقل لك.و انطلقت حتى جاءت الى رجل الله الى جبل الكرمل فلما راها رجل الله من بعيد قال لجيحزي غلامه هوذا تلك الشونمية.اركض الان للقائها وقل لها اسلام لك اسلام لزوجك اسلام للولد فقالت سلام.فلما جاءت الى رجل الله الى الجبل امسكت رجليه فتقدم جيحزي ليدفعها فقال رجل الله دعها لان نفسها مرة فيها والرب كتم الامر عني ولم يخبرني.فقالت هل طلبت ابنا من سيدي الم اقل لا تخدعني.فقال لجيحزي اشدد حقويك وخذ عكازي بيدك وانطلق واذا صادفت احد فلا تباركه وان باركك احد فلا تجبه وضع عكازي على وجه الصبي.فقالت ام الصبي حي هو الرب وحية هي نفسك انني لا اتركك فقام وتبعها.
وجاز جيحزي قدامهما ووضع العكاز على وجه الصبي فلم يكن صوت ولا مصغ فرجع للقائه واخبره قائلا لم ينتبه الصبي.
رأسى رأسى = غالباً هى ضربة شمس. لماذا تذهبين اليوم = هو إما أنه لم يعرف بموت الولد وهى لم ترد أن تشركه فى الحزن أو عرف ولا يصدق أن هناك أمل فى إحيائه ثانية. وغالبا فإن هذه المرأة سمعت عن إقامة إيليا لإبن الأرملة فى صرفة صيدا. فذهبت ولها إيمان أن إليشع يصنع لها نفس الشىء ولم ترد أن يعوقها زوجها فإيمانها أقوى لا تتعوق لأجلى = أى قد الأتان بسرعة ولا تهتم من أن تزعجنى فكان الغلام يجرى أمام الحمار ليحثه على السير سريعا اركض الآن للقائها = عرف من مجيئها فى وقت غير عادى أنه قد حدث شىء يستلزم المساعدة. سلام = هى تريد النبى نفسه ولا تريد تضييع الوقت. ليدفعها = هو لم يفكر فى محنة المرأة بل فى واجبات الإحترام للنبى. أما النبى ففكر فى آلامها المرة. هل طلبت إبنا من سيدى = من هذه الجملة فهم إليشع أن الولد قد مات ففى نظرها أن لا يكون لها ولد خير من أن يكن لها ولد ثم يموت وتفقده. وخذ عكازى = العكاز فى يد إليشع غيره فى يد جيحزى فإليشع نبى ورجل صلاة والله إستجاب لصلاته ولجاجته عن الولد. والله إستجاب:-
- لإيمان المرأة العجيب وتشبثها بالنبى كرجل لله.
- لإيمان النبى وجهاده فكان يمكن أن يقول لها إذهبى وسأصلى لأجلك ليعزيك الله.
الآيات 32-37 :- ودخل اليشع البيت واذا بالصبي ميت ومضطجع على سريره.فدخل واغلق الباب على نفسيهما كليهما وصلى الى الرب.ثم صعد واضطجع فوق الصبي ووضع فمه على فمه وعينيه على عينيه ويديه على يديه وتمدد عليه فسخن جسد الولد. ثم عاد وتمشى في البيت تارة الى هنا وتارة الى هناك وصعد وتمدد عليه فعطس الصبي سبع مرات ثم فتح الصبي عينيه فدعا جيحزي وقال ادع هذه الشونمية فدعاها ولما دخلت اليه قال احملي ابنك.فاتت وسقطت على رجليه وسجدت الى الارض ثم حملت ابنها وخرجت.
6- إقامة الميت
وصلى إلى الرب = بإيمان عظيم. وتمشى فى البيت = كان يسير فى البيت مصليا باكيا لمحبته للعائلة والولد. وهو نام فوق الولد ليدفئه ووضع فمه على فم الولد لينفخ فيه فهو يفعل ما فى إستطاعته
(مثل الدقيق والملح والزيت والخمس الخبزات…. هذا هو جهاد الإنسان)
ولكن نعمة القيامة هى من الله.
الآيات 38-41:- ورجع اليشع الى الجلجال وكان جوع في الارض وكان بنو الانبياء جلوسا امامه فقال لغلامه ضع القدر الكبيرة واسلق سليقة لبني الانبياء.و خرج واحد الى الحقل ليلتقط بقولا فوجد يقطينا بريا فالتقط منه قثاء بريا ملء ثوبه واتى وقطعه في قدر السليقة لانهم لم يعرفوا.و صبوا للقوم لياكلوا وفيما هم ياكلون من السليقة صرخوا وقالوا في القدر موت يا رجل الله ولم يستطيعوا ان ياكلوا.فقال هاتوا دقيقا فالقاه في القدر وقال صب للقوم فياكلوا فكانه لم يكن شيء رديء في القدر.
7-إبراء القدر المسموم
هذه المعجزة حدثت غالباً وقت المجاعة المذكورة بعد ذلك فى (إصحاح 8). يقطينا بريا = القثاء البرى ويرجح أنه الحنظل وطعمه مر وفعله مسهل عنيف يحدث مغص وقىء شديدين. صرخوا وقالوا = عرفوه من طعمه المر وتوقفوا عن الأكل حتى لا يتسمموا بزيادة. هاتوا دقيق = هو المادة الوسيطة مثل الملح فى تبرئة المياه والدقيق يشير لحياة المسيح على الأرض، حياته التى أعطاها لنا ليصلح حياتنا ويحيينا. وظهر إيمان بنو الأنبياء أنهم إستمروا فى الأكل بعد وضع الدقيق. (لاحظ بساطة أكل الأنبياء فهو أعشاب مسلوقة).
تأمل:-
فى القدر موت = نقول هذا مع أشياء كثيرة فنقول فى السيجارة موت وفى الخمور موت وفى الطعام أو الرزق الذى نحصل عليه بالغش موت بل فى كل طعام نأكله بلا شكر وبتذمر وبلا بركة الرب.
الآيات 42-44:- وجاء رجل من بعل شليشة واحضر لرجل الله خبز باكورة عشرين رغيفا من شعير وسويقا في جرابه فقال اعط الشعب لياكلوا.فقال خادمه ماذا هل اجعل هذا امام مئة رجل فقال اعط الشعب فياكلوا لانه هكذا قال الرب ياكلون ويفضل عنهم.فجعل امامهم فاكلوا وفضل عنهم حسب قول الرب.
8- إطعام كثيرين بخبز قليل
نقول أيضا أن هذه المعجزة حدثت فى وقت المجاعة (إصحاح 8). بعل شليشة = قريبة من الجلجال. سويق = الطحين الناعم. إعط الشعب ليأكلوا = نرى هنا كرم الرجل الذى ينفذ وصية الباكورات ويأتى بهذه الهدية لرجل الله، وكرم النبى الذى لم يحتفظ بها لنفسه وكلاهما ظهر كرمه بالأكثر لأن الوقت وقت مجاعة. أكلوا وفضلوا = هذه هى البركة فلنقدم لله والله يبارك.