تفسير سفر المكابيين الثاني 4 للأنبا مكاريوس أسقف المنيا
محاولة أغرقه اليهود
جاء أنطيوخس أبيفانيوس إلى الحكم ليجد أن شقاقًا قد حدث للتوّ في اليهودية بين اليهود أنفسهم، وقد استطاع هو استثمار هذا الشقاق في محاولته نشر الثقافة الهيلينية هناك، مستغلًا في ذلك منصب رئيس الكهنة كعامل مؤثر هناك.
سمعان الخائن يواصل مساعيه
1وكان سمعان المذكور، الذي وشى في أمر الأموال والوطن، يفترى الكذب على أونيا كأنه هو هاجم هليودورس وصنع له ذلك الشر. 2 وبلغ من جرائه أنه وصف المحسن إلى المدينة وحامى أهل وطنه والغيور على الشريعة بأنه صاحب دسيسة. 3فاشتدت العداوة حتى إن أحد خواص سمعان قام بأعمال القتل. 4 فلما رأى أونيا ما في تلك المنافسة من الخطر، وأن أبلونيوس بن منستاوس، قائد بقاع سورية وفنيقية، كان يزيد سمان خبثًا، 5 قصد الملك، لا متهمًا أهل وطنه، بل ابتغاء لمصالح الشعب العامة والخاصة، 6 لأنه رأى أنه بغير تدخل الملك لا يمكن أن تكون الأحوال في سلام، ولا أن يُقلع سمعان عن رُعوته.
فشل سمعان في مسعاه الأول لتحويل خزائن الهيكل إلى الملك (3: 4-6) غير أنه لم يخجل أو يكتفي بما تعرضت له البلاد من نتائج وخيمة، كما أنه لم يتّعظ مما حدث ولم يتخشّع قلبه، بل واصل وشاياته في اتجاه آخر، مدعيًا أن أونيا هو الذي دبر حيلة لإيقاع الرعب في هليودورس حتى يثنيه عن تنفيذ خطته. مفتريًا في ذلك على الرجل الذي حمل له اليهود في ذلك الزمان وفيما بعد ذلك أجمل المشاعر والتقدير.
المحسن.. الحامي.. الغيور على الشريعة (آية 2):
في مملكة جيدة التنظيم في العالم الهلليني كان يتم تكريم فاعل الخير (يورجيتيس) والحامى (كيدينوس) بكتابة اسمه على نصب تذكاري عام مصحوبًا بصفتيّ الثناء المُشار إليهما، أما اليهود فقد اعتبروا أن الإنسان لا يستحق الثناء ما لم يُضف إلى اسمه صفة “الحامي الغيور للشريعة” (1مكا 2: 26-27 و50 و58) ولكنه وبدلًا من أن يَلقى أونيّا التكريم اللائق به افترى عليه سمعان كمتآمر على مؤسسات المجتمع(1).
ويبدو لنا من (الآيتين 3، 4) أنه قد جرت مشاحنات ما بين أتباع أونيا وأتباع سمعان أدت إلى وقوع صدام ما بين الطرفين سقط فيه قتلى وجرحى. وهنا شعر أونيا بأن هناك خطرًا على الأمة أشد من نهب الهيكل، وذلك من خلالها انقسامها من الداخل، فإن من شأن ذلك الإضرار بها أكثر من جيوش الأعداء. ويبدو أن أبولونيوس بن مسنتاؤس وهو الشخص المذكور في
(3: 5) على أنه ابن ترساوس، كانت له صداقة ومنافع مع سمعان، وأن خطة نهب خزينة الهيكل كانت من تدبيرهما معًا، فلما فشلت لجأ إلى إذكاء الاضطرابات الداخلية في البلاد لعلّهما بذلك يجدان فرصة لتدخل الملك.
أبولونيوس بن مسنتاؤس:
ليس من المؤكد أن أبولونيوس هذا هو نفسه المذكور في (2 مك 3: 5) أو المذكور في (2 مك 5: 24) يذكر بوليبيوس المؤرخ أن أبولونيوس هذا كان محبوبًا في فترة حكم سلوقس، الرابع وكان له ثلاثة أبناء هم: ” أبولونيوس ومليجروس ومنستيوس] وكان اليونانيين غالبًا ما يسمون الإنسان باسم جده، فمن الممكن أن يكون أبولونيوس الذي ذكره بوليبيوس هو نفسه المذكور هنا.
يذكر بوليبيوس في ذات الموضع أن أبولونيوس انسحب إلى (مليتس) Miletus عندما اعتلى أنطيوخس العرش، وأن أولاده الثلاثة تبنّوا قضية ديمتريوس الابن الباقي على قيد الحياة لسلوقس الرابع، فإذا كان بوليبيوس محقًا فإن أبولونيوس الحاكم في عهد أنطيوخس الرابع، من غير الممكن أن يكون هو ذاته أبولونيوس المقصود في تاريخ بوليبيوس، إذ أن أسرة كبيرة ذات نفوذ من الممكن أن تضم عددًا من الأفراد يحملون اسم أبولونيوس ومسنتيوس، ويؤيد أحد فروعها نسل سلوقس بينما يتقبل الفرع الآخر أنطيوخس الرابع.
خدم أبولونيوس الذي نحن بصدده أنطيوخس الرابع كسفير (آية 21) وبذلك من الممكن جدًا أن يكون هو ذاته أبولونيوس السفير عظيم الشأن الذي حثّ الرومانيين سنة 173 ق.م. في روما على أن يجددوا لأنطيوخس الرابع علاقات الصداقة التي سبقت مع والده.
وبالتالي فإن مبادرة أونيا إلى الملك كانت من أجل وضع حد لتلك المشاحنات حتى يعود السلام والأمن إلى البلاد، لا لكي يشكو الفريق المناهض، وإنما ليقطع عليه الطريق فلا يشكو إلى الملك.
وقد كان اتهام سمعان بتهمة مثل التسبب في الاضطرابات، تعد تهمة خطيرة لا سيّما بالنسبة لمساحة ضيقة كاليهودية القابلة للاشتعال في أي وقت، وبذلك يمكن أن يكون خطرًا على المملكة(1). ويؤكد لنا تحرُّك أونيا هنا من جديد، البُعد الدبلوماسي الناجح في شخصيته، قدر نجاحه في البعد الروحي.
ولا نسمع شيئًا بعد ذلك عن سمعان حتى في التاريخ المدني، وبالتالي فلا نعرف شيئًا عن المرحلة التالية للصراع بين أونيا وسمعان، وأما أونيا فيبدو أنه بقى في أنطاكية عندما رأى أن الوضع السياسي في أورشليم قد أصبح خطيرًا، فبقى هناك حتى قبل أن يستولى شقيقه على رئاسة الكهنوت، ويذكر في (الآية 33) أنه في إنطاكية ومن المرجح أنه بقى هناك إلى النهاية.
ياسون يستولى على رئاسة الكهنوت
7 وكان أنه بعد أن فارق سلوقس الحياة، وحصل أنطيوخس الملقب بأبيفانس على الملك، حصل ياسون، أخو أونيا، على الكهنوت الأعظم بالتدليس، 8بعد أن قابل الملك ووعده بثلاث مئة وستين قنطار فضة وبثمانين قنطارًا من دخل آخر. 9 وما عدا ذلك ضمن له مئة وخمسين قنطارًا غيرها، إن رخص له الملك في أن يقيم بسلطته مؤسسة للرياضة البدنية ومؤسسة للمراهقين، وبأن يحصى أنطاكيو أورشليم.
كيف مات سلوقس:
تذكر القائمة البابلية للملوك السلوقيين أن سلوقس مات في 6 أيلول من سنة 137 بالتقويم السلوقس البابلي (3 سبتمبر 175 ق.م.) وربما أشير في (دانيال 11: 20) إلى اغتيال سلوقس من خلال مؤامرة.
وإذا كان أنطيوخس قد أخفق في معاقبة هليودورس قاتل أخيه، فلربما آثر أن يخفى واقع أن سلوقس مات مقتولًا، ومع كل ذلك فقد يكون سلوقس قد مات ميتة طبيعية، ويكون تصريح أبيان المؤرخ Appian غير صحيح.
ويُلاحظ أن سلوقس لم يأمر بمصادرة أموال الهيكل إلاّ من خلال وشاية غير صحيحة لسمعان الوكيل الخائن، وبالتالي فالتعبير عن وفاته جاء لطيفًا “رحل” وقد استخدم هذا التعبير مع الأبطال الذين كانوا يُعبدون بعد وفاتهم، وما كان يمكن أن يقال عنهم أنهم توفّوا بل (رحلوا) أو (تغيروا) إلى وجود آخر (حياة أخرى) ومع الوقت أصبح تعبير (رحل) مرادف لـ(توفى).
بينما كان أونيا يسعى في المثول قدام الملك في أنطاكية، كان أنطيوخس أبيفانيوس قد استولى على العرش، حيث قام هليودورس وهو الصديق الحميم للملك سلوقس الرابع ورئيس وزراءه باغتياله عن طريق الحيلة آملًا أن يؤول إليه العرش، ولكن أنطيوخس وهو شقيق سلوقس استطاع بالتحالف مع بعض الملوك المجاورين له، مثل أومنيس الثاني ملك برغامس، طرد هليودورس والفوز بالعرش سنة 175ق.م. (راجع التعليق على 1مكا1: 10).
ولكن “ياسون” سبق أونيا إلى الملك واعدًا إياه إن هو مكّنه من رئاسة الكهنوت أن يحقق رغبته في جعل أورشليم مركزًا هيلينيا، حيث كانت رغبة الملك هي توحيد المملكة، وذلك من خلال اللغة، ثم العقيدة كإحدى الوسائل شديدة الفعالية. كما وعد “ياسون” الملك أيضًا بمبلغ ضخم (رشوة) يدفع سنويًا لقاء ذلك، وقد سال لُعاب أنطيوخس للعرض، فلم يتردد في تعيينه رئيسًا للكهنة بدلًا من أونيا، حاسمًا بذلك أيضًا الخلاف الذي نشب بين فريق أونيا الموالي للبطالمة، وفريق سمعان وياسون الموالي للسلوقيين.
ويلاحظ أن ما ورد هنا هو ذاته الوارد في (1مكا 1: 11-13) حيث لم تذكر هوية أولئك اليهود الذين قدموا الالتماس إلى أنطيوخس الرابع بشأن الرغبة في أغرقة اليهودية (1).
كما حصل على إذن الملك بإنشاء مؤسسة رياضية في أورشليم وإقامة المباريات والدورات الرياضية. وكان تعيين ياسون (واسمه الأصلي يشوع أو يسوع، بينما اتّخذ هذا الاسم اليوناني إشارة لموالاته للثقافة اليونانية) في رئاسة الكهنوت، بداية انحدار لتلك الرتبة الجليلة.
المؤسسة الرياضية: كانت تلك المؤسسة أشبه بنادي رياضي لتدريب نخبة من المراهقين وأكثرهم من أرستقراطيي اليهود تبلغ أعمارهم ما بين الثامنة عشر والعشرين، يتدربون هناك على حمل السلاح وبعض الرياضيات الأخرى مع دراسة للثقافة اليونانية، متمثلين في ذلك بأمثالهم من اليونانيين المولعين بأمثال هذه الأنشطة، وكان في ذلك تعزيز لبرنامج أنطيوخس أبيفانيوس لأغرقة البلاد.
وأما أنطاكيّو أورشليم: فالمقصود بهم هنا مَن يدخل مِن سكان أورشليم اليهود ضمن الرعوية الأنطاكية (مثل اكتساب جنسية دولة ما في الوقت الحاضر) أو جعل أورشليم كلها كمدينة رعوية سلوقية، أي تابعة رسميًا للمملكة السلوقية، يتمتع سكانها بحقوق المواطنة السلوقية، وقد حدث في ذلك الوقت أو بعده بقليل، أن كان البعض يشترون رعوية (جنسية) بلد ما آخر بالمال، حتى يتمتع بمزاياها، يذكّرنا ذلك بالحديث الذي دار بين القديس بولس وأحد القادة الرومانيين الذي معاملته ” فجاء الأمير وقال له قل لي. أنت روماني. فقال نعم. فأجاب الأمير: أما أنا فبمبلغ كبير اقتنيت هذه الرعوية. فقال بولس أما أنا فقد وُلدت فيها” (أعمال 22: 27، 28).
هكذا خيّب موت سلوقس الرابع (187 175 ق.م.) والتطورات التي تلت ذلك، آمال أونيا ومسعاه في إعادة الاستقرار للبلاد، الأمر الذي جرّ على البلاد ويلات لا حصر لها، ولكن الله وهو سيد التاريخ والعامل فيه: حوّل كل ذلك إلى خير الأمة.. وقد كان من نتائج تدهور الأوضاع الدينية والأدبية: حتميّة قيام الثورة المكابيَّة.
قيمة الرشوة: تبلغ قيمة الرشوة التي وعد بها ياسون: 360 قنطار فضة، وهو ما يساوى 9450 كجم، ثم 80 قنطار، وهو ما يوازى 2100 كجم، ثم 150 قنطارًا أخرى تساوي 3937 كجم، وهو ما يعادل في مجموعه 15,487 طن أي ما يصل سعره الآن 19.350 مليون جنيه مصري، وهو مبلغ سيتحمّله الشعب المسكين بالتأكيد.
ولا شك أن 360 قنطار هي الدخل العادي أي المنتظم، وهو الجزية والتي يجرى جمعها من إنتاج اليهودية الزراعي، وأما الإضافي فلا يعرف على وجه الدقة مصدره، ولا شك أن التضخم المالي الذي ساد في ذلك الوقت جعل الأرقام المذكورة ضئيلة، ولكنها مع ذلك ثقيلة على الشعب كما مر بنا.
ياسون وبرنامجه الهيليني
10 فأجاب الملك إلى طلبه، فأستولى ياسون على الرئاسة، وما لبث أن صرف أبناء جنسه إلى نمط حياة اليونانيين. 11وألقى الإعفاءات التي أنعم بها الملوك عن إنسانية على اليهود، عن يد يوحنا، أبى أوبولمس الذي قلد السفارة إلى الرومانيين في عقد المصادقة والتحالف. وأبطل المؤسسات المشروعة، وأدخل سننًا تخالف الشريعة. 12 وكان جد القلعة، وساق نخبة المراهقين فجعلهم تحت القبعة. 13 وتمكن الميل إلى نمط حياة اليونانيين والتخلق بأخلاق الغرباء، بشدة فجور ياسون الذي هو كافر لا عظيم كهنة.
ما أن تسلَم ياسون رئاسة الكهنوت – وهو المركز الذي يُخوّل إليه أيضًا سلطات مدنية حسبما كان يُمنح لرؤساء الكهنة في تلك الحقبة – حتى بدأ في تنفيذ مخططاته لأغرقة البلاد.
لماذا سعى ياسون في نشر الهيللينية:
أراد ياسون أن يجعل يهود أورشليم تحت قيادته للمساعدة في تنفيذ مخطط أنطيوخس لإقامة جمهورية أنطيوخية على غرار الجهورية الرومانية، وكمواطنين تابعين للجمهورية سوف يحصلون على امتيازات كبيرة، ورغم أن أنطيوخس كان يحاكى روما إلاّ أنه كان يخطط لكي تكون المؤسسات واللغة والثقافة في جمهورية يونانية. ولا بُد أن ياسون كان ثريًا جدًا لدرجة تجعله قادرًا على دفع مبلغ الـ150 طالن في مقابل المزايا والنفوذ اللذان سيكونان من نصيب مؤسس هذا المجتمع، وكان يخطّط لإعداد القائمة الأساسية للمواطنين البالغين ويؤسس الجيمنازيوم والهيئة الأفريقية للشباب فوق الثامنة عشر والنظام التعليمي الذي يؤهل الذكور تحت سن العشرين لشغل مناصب المواطنين، كان ياسون مهلنًا مترفقًا لم يعتزم تحويل أورشليم بأسرها إلى مثل ذلك المجتمع المتمتع بالمزايا، لأن كثيرين من المتشددين اليهود لم يكونوا راغبين في أن يكون لهم أي اتصال بالنماذج اليونانية، تمامًا كما كان الإيطاليون ذوى المواطنة الرومانية يعيشون خارج روما في مجتمعات إيطالية، كذلك كان لليهود من ذوى المواطنة الإنطاكية أن يواصلوا حياتهم في أورشليم.
وربما يتحجّج ياسون بأن التوراة لم تحظر التعامل مع اليونانيين، لأن التحذير كان من سكان أرض الموعد وإتباع عاداتهم، بينما كان اليونانيين من سكان البلاد البعيدة (خروج 23: 32، 33 و34: 11-16 ولاويين 18: 3 وتثنية 7: 1-5).
والعجيب أن أول ما بدأ به هو الإعفاءات الضريبية وربما التحالفات أيضًا التي منحها الملوك السلوقيون لليهود كهبة منهم ومجاملة لهم، مثل تلك الممنوحة من أنطيوخس الثالث الكبير سنة 200 ق.م. وكانت مثل تلك الامتيازات الممنوحة تسمى “امتيازات إنسانية”(آية 11).
يوحنا أبى أوبولمس: يذكر في (1مكا 8: 1730) أن السفير اليهودي إلى روما والمُرسل من قبل يهوذا المكابي كان “يهوذا أوبولمس بن يوحنا”، في حين يذكر هنا أن السفير هو “يوحنا الأب” والأمر واضح فإن كل من الأب والابن قد عملا كسفيرين إلى روما، وكان الأول في بدء حكم أنطيوخس أبيفانيوس بينما صار الثاني سفيرًا في عهد المكابي بعد موت أنطيوخس هذا، أنظر (1 مكا 7: 43 – 8: 32 و2 مكا 15: 25-36).
المؤسسات المشروعة: ويقصد بها “المجامع Synagogues” والتي أُنشئت بعد عصر عزرا، والتي كان الربيون اليهود (الحاخامات) يعلمون فيها الأطفال والشبان فيما يشبه ما سُمَى بالكتاّب قبل ظهور مدارس الأحد في مصر مع بدايات القرن السابق، وما يشبه المجامع من مؤسسات دينية أخرى: خيرية أو أكاديمية، وأغلب الظن أن “الهيكل” كان مسئولًا عنها باعتباره أعلى سلطة دينية في البلاد. تلك هي التي أغلقها ياسون وهو ما يذكرنا بما فعله الشيوعيون من إلغاء مدارس الأحد وحظر الصلاة في الكنائس واضطهاد الإكليروس بل وقتلهم.
الچيمنازيوم: المؤسسة الرياضية:
يسمى الجيمنازيوم “مدرسة للتروّض وموضع للغلمان” وفي العصر الهيلليني كانت تل المؤسسة من المكونات الأساسية لأي مجتمع يوناني راقٍ، وكان الغلمان هم الذكور الذين بلغوا سن البلوغ. نشأ الجيمنازيوم أولًا في أثينا ثم في سائر أنحاء العالم الهيلليني، كنظام للتدريب المدني والعسكري لإعداد الشباب للقيام بواجباتهم كمواطنين، ولم يكن التدريب مدنيًا فحسب بل وأدبيًا وتعليميًا، وكان ذلك يتم في حجرات إضافية تشيد في موضع الجيمنازيوم، وكان النجاح في ذلك يحقق للشاب مزايا عظيمة ويعطى له كافة الحقوق كعضو في المجتمع اليوناني، وأكثر من ذلك كان التعليم مطلوبًا بين الطبقة الأرستقراطية في المجتمع، وبينما كان التعليم في أثينا يبدأ عند الثامنة عشر، فقد كان في المدن الأخرى كان يبدأ في سن الرابعة عشر أو الخامسة عشر.
وكان الجيمنازيوم في المدن اليونانية يحتل موقعًا مرموقا، عادة ما يكون قريبًا من وسط المدينة أو من أحد المعابد، والقلعة المذكورة هنا (في آية 12) إمّا يقصد بها جبل الهيكل أو تل القلعة الذي كان يقع إلى الشمال مباشرةً، وكانت قدسية الهيكل تجعل منه مكانًا مرهوبًا، ولكن يهود الشتات المتحدثون باليونانية لم يجدوا غضاضة في إنشاء الجيمنازيوم بجوار مجامعهم، فقد كان مجمع ديلوس Delos في القرن الثاني ق.م. قريبًا من الجيمنازيوم ومجمع ساردس Sardis الكبير في أواخر القرن الثاني ق.م. كان مشيدًا كجزء من مجمّع الأبنية الرياضية.
وتشير (آية 12) إلى أن حلم ياسون وشهوة قلبه كانت في إنشاء تلك المؤسسة الرياضية والتي أقامها تحت القلعة، من المرجّح أن القلعة المقصودة هنا هي قلعة أكرا (عكرة) راجع (1مكا1: 35) وهي مركز الجنود السلوقيين في أورشليم، وكانت تطلّ على الهيكل من الزاوية الشمالية الغربية (راجع نحميا 7: 2) وبذلك تكون المؤسسة الرياضية ملاصقة للهيكل، هذا وقد ظن البعض أن القلعة المقصودة هنا هي قلعة أنطونيا، ولكنها لم تكن قد أُقيمت بعد، إذ أن هيرودس الكبير هو الذي بناها مع نهاية القرن الأول قبل الميلاد، أي بعد هذا التاريخ بأكثر من مئة عام.
القبّعة: وبما أن المراهقين تحت العشرين هم الأكثر ميلًا إلى التجديد والمغامرات، كما يسهل التأثير عليهم، فقد استقطب ياسون الكثيرين منهم، أمّا التعبير “جعلهم تحت القبّعة” فهو يعنى اصطلاحًا أنه ألحقهم بالمدرسة الرياضية، حيث كان المشتركون فيها يعتمرون قبعة ذات رفرف عريض، وهي المعروفة بـ”قبعة هرمس” إله المصارعات والمباريات، وقد شاع وقتها التعبير اليوناني Hupopetason والذي يعنى “مرتدين القبعة” وقد أصبحت تلك هي القبعة اليونانية التقليدية. وربما تعني عبارة جعلهم تحت القبعة أيضًا قيادتهم في موكب إذ كانت المواكب جزءًا من طقس تدريب الغلمان.. وكان الغلمان يتلقون تدريباتهم البدنية وهم عراة الأجساد، ولحماية رؤوسهم من الشمس والعوامل الجوية كانوا يرتدون القبعة عريضة الحافة، والتي أصبحت “الزى الموحّد” المميّز لهم، ويبدو أن الشبان اليهود قد مارسوا تدريباتهم وهم عراة، ولذلك فإن كتاب اليوبيلات والذي كُتب خلال تلك الفترة المكابية (169 – 167) يؤكد ضرورة الاحتشام (يوبيلات 3: 31)، ويُحتمل أن المقصود هنا أيضًا العادات والتقاليد اليونانية بوجه عام.
ورويدًا رويدًا بدأت الحضارة اليونانية بشتى مظاهرها تطغى على البلاد والحياة العامة في اليهودية، بهمّمة ياسون وسعيه الدؤوب.
تأثُر الإكليروس بالهيلينية
14 حتى إن الكهنة لم يعودوا يحرصون على خدمة المذبح، واستهانوا بالهيكل وأهملوا الذبائح، ليسرعوا إلى الاشتراك في تمارين الميدان التي تحرمها الشريعة، حال الإعلان عن رمى القرص، 15 مستخفين بكرامة آبائهم ومستحسنين مفاخر اليونانيين أعظم استحسان. 16فلذلك أحاقت بهم أوضاع عسيرة، فإن الذين حسدوا نمط حياتهم وحرصوا على التشبه بهم صاروا هم أعداء لهم ومنتقمين. 17 لأن مخالفة الشرائع الإلهية لا تذهب سُدى، كما يشهد بذلك الزمن القادم.
بدأت روح غريبة في التسرّب بين الشعب، فأهمل الناس ارتياد الهيكل وممارسة الوسائط الروحية، لقد شكّكت الحضارة الإغريقية سواء من جهة الفلسفة أو المظاهر في مصداقية الهيكل والفكر الديني لدى اليهود، حيث كان هناك مدّا ثقافيا يوازي المد الأولمبي. غير أن الأمر لم يقف عند هذا الحد وإنما امتدّ أيضًا إلى الإكليروس ومنهم طبقة الكهنة، إذ تبنى بعضهم تلك الحملة، ومن ثم بدأوا في التخلّف عن أداء واجباتهم في الهيكل والتزاماتهم الطقسية، بدلًا من تنافسهم السابق على أداء الخدمة، الأمر الذي استلزم عمل قرعة للخدمة، وتخلفوا عن دورياتهم ونوبات خدمتهم في مواعيدها. وقد حَرمت الشريعة قديمًا الاشتراك في العادات والممارسات الوثنية بشكل عام، فقضت بعدم تقليد الجيران من الأمم في أكل المخنوق والدم وطبخ الجدي بلبن أمّه أو قصّ الشعر بطريقة وثنية (لاويين 17: 10؛ تثنية 14: 21؛ لاويين 19: 27) وربما لم تكن جميع هذه الممارسات خاطئة أو خطيرة في حد ذاتها، ولكنها تُعَدّ اشتراكا بنوع ما في الوثنية والتي أراد الله أن ينعزل عنها شعبه تمامًا، وعندما مُنع الشعب من أكل ما ذُبح للأوثان، كان ذلك بسبب ما ارتبط به الأكل من طقوس وثنية تصاحب الأكل، إذ كانت في الغالب مآدب طقسية (خروج 34: 15).
رمى القرص أو “رمى المطاث”: Discus: واحدة من الألعاب الأوليمبية، والقرص المقصود هنا والذي كان يستخدم في ذلك الحين، كان مستديرًا مصنوعًا من الحديد أو الحجر بقطر ثلاثين سنتيمترًا، تختبر به قوة المتسابق (1) وهي اللعبة المعروفة الآن ب “البيسبول”. وحالما كان الكهنة يسمعون البوق أو المنادى يعلن بدء المباراة حتى يهرعون خارجًا حيث الاستاد stadium ملاصق للهيكل، وكانت الأنشطة اليومية للجيمنازيوم تبدأ بإشارة مرئية أو مسموعة، أما هنا فهي تبدأ بصوت الناقوس القرصي.
الكهنة والإكليروس وملاذ هذا العالم
كان الاشتراك في تلك الألعاب يحقق للفرد بعض المكاسب والمكافآت، وهكذا بدلًا من أن يقوم الكهنة بواجباتهم الطقسية، هرعوا إلى مثل هذه المكاسب المحرّمة، كان الكهنة في ميلهم هذا إلى المدنية الإغريقية يستخفون بعلاقتهم بالله وبالشريعة والتقاليد والليتورجية، قيل عن القديس سيرابيون المعروف بالسباني (بسبب ارتداءه السبانية والتي كانت تغطى رأسه واغلب وجهه) أنه كان يرعى الحديقة وهو ناظر إلى أسفل، فلما سألوه عن ذلك، قال: “خفت أن تنظر عيناي الشجر فينشغل عقلي عن شغله”.
ولا شك أن الشخص الذي يقبل دعوة الكهنوت، يدرك جيدًا أنه سيحمل النير بفرح، وسيقبل بقلب راضٍ التنازل عن بعض ما كان يرتاده من أماكن وما اعتاده من عادات، والتعفف عن بعض الأمور، رغم أنه قد لا يكون خطأ فيها مثل نزول البحر أو المسارح ودور السينما وارتداء ملابس ذات مواصفات علمانية أو الجلوس إلى التليفزيون… واستخدام بعض التعبيرات، والالتزام في المقابل بما يليق وما هو ضروري فحسب. ومع أن كل ذلك يليق بأي شخص سواء أكان كاهنًا أم لا، إلاّ أن الكاهن يجب أن يكون أكثر تدقيقًا وأشد ورعًا.
بل أن الأمر يمتد أيضًا إلى أولاد الكاهن وزوجته والذين يتوجّب عليهم السلوك بما يليق بأسرة كاهن، سواء أكان ذلك داخل الكنيسة أم داخل المنزل أم بين الآخرين في المجتمع، وكما يشتركون في حمل النير مع الكاهن فإنهم أيضًا سيشتركون في إكليله، وقد كان من شروط الشخص الذي يُختار للرتب الكهنوتية في عصر الرسل، أن يكون قد ربى أولاده حسنًا، حتى يأتمنونه بالتالي على أولادهم. والآن عند اختيار الكاهن يُراعي المستوى الروحي لزوجته وإن كانت ستكون عونًا لزوجها ومثالًا لبقية الأمهات والفتيات واللائن سيكن بناتًا لها.. وهي في المقابل مثل أم لهم.
ولكن الكهنة هنا استخفوا بواجباتهم وتمثّلوا بأهل العالم، فقد حرصوا على اكتساب الشهرة من خلال تلك المسابقات، وكانوا يشعرون بالتخلف الفكري وصغر النفس مقابل المدّ اليوناني الموجود. والعجيب أن اليونانيين أنفسهم هم الذين ألحقوا الإهانة والدمار بالهيكل واليهود على حد سواء، كما سيجيء لاحقًا وهكذا يتفق هذا مع ما ورد في (1مكا:11-15، 64) وتعاليم الربيين في أن إثم المتأغرقين (المهللنين) في اتباع الممارسات اليونانية خاصة ما يجرى منها في الملاعب، قد تسببت في سلب أورشليم ودمارها.
ياسون يذبح لهرقليس
18 ولما جرت في صور الألعاب التي تجرى كل أربعة سنوات، والملك حاضر، 19 أنفذ ياسون القذر رسلًا، بصفة أنطاكيين من أورشليم، ومعهم ثلاث مئة درهم فضة لذبيحة هرقليس. لكن هؤلاء أنفسهم طلبوا أن لا تنفق على الذبيحة، لأن ذلك كان غير لائق، بل تنفق على شيء آخر. 20 فالمال الذي كان، في قصد مرسله، لذبيحة هرقليس، أنفق، بسعي الذين حملوه، على تجهيز السفن الثلاثية.
الألعاب الأولمبية:
بدأت فكرة هذه الدورة من الجيمانيزيوم في أثينا، وهو الذي كان عبارة عن ساحة مركزية كبيرة يجتمع فيها الشعراء والفنانون بل والتجار أيضًا، وقد كانت في البداية عبارة سباق فردي للجري ثم مزدوج، وفي الدورة الأوليمبية الثامنة عشر أُدْخِلَت المصارعة، وكانت تتم بطريقة وحشية، أمّا الملاكمة فقد كانت تتم بشكل بسيط، إذ يكسو الملاكم يديه بالجلد وكانت الضربات تتم في الكتفين فقط بطريقة مروحية، ثم تطوّر إلى وضع بعض المعادن في قفاز اليد، لتصبح الضربات خطيرة تحمل اللاعب على تعلم الحيلة والحيطة.
كانت الألعاب في البداية تنتهي في اليوم الأول، وفيما بعد أصبحت خمسة أيام، وقد عُرفت الألعاب الموسيقية التنافسية في التاريخ الأوليمبي حيث كانت تقام كل أربع سنوات، وألعاب أخرى سُميت ألعاب تيمان شبه الأوليمبية، ثم شملت الحفلات الموسيقية وسباق الخيل بعد ذلك، وكان الفائزون يُكافئون بالاشتراك في دورات خاصة أكثر أهمية، وفي أوائل التاريخ الميلادي كانت تُهدى لهم الأكاليل، وفي وقت لاحق خُصصت لهم الهدايا الثمينة.
أما الرومان فقد طوروها لتصبح سبع مجموعات، وأصبحت تشغل 175 يومًا في السنة، مما كان يكلف الدولة الكثير من المال، وإن كانت بعض الألعاب يتم الدخول إليها برسوم. وبينما كان اليونانيون مُولعون بألعاب القوى والجري والملاكمة وألعاب الحظ (كالنرد) فقد ولع الرومانيون بالسباق والمصارعات، وكان ميدان السباق في روما يتسع لـ250,000 شخص، غير أن أبشع مسابقاتهم هي مصارعات الوحوش مع الوحوش، ثم الوحوش مع البشر، ثم البشر مع بشر مثلهم، ثم سفن مع سفن! وكل ذلك حتى الموت وعلى مرأى من الجمهور المنتشي والمتعطش إلى مزيد من الدماء ! وكان أغلب الُمتصارعين البشر، إمّا من المجرمين أو الأسرى، وفي عصور الاضطهاد كانوا من المسيحيين الذين يرفضون عبادة الأوثان، لقد قدم “تراجان” وحده في احتفال واحد بنصره: ألف متصارع في حلبة المصارعة، بل أنه من بين الأحكام التي كانت تصدر على البعض: الحكم بالمصارعة! لما في ذلك من خطر محقق. وفي روما قام الإمبراطور فاسبسيان ببناء الكلوزيوم، وأكمله ابنه تيطس سنة 80 م.، ويصل ارتفاعه إلى خمسون مترًا، ويتسع لـ50,000 متفرج.
ولأن مثل هذه الألعاب كانت تتم تحت إشراف الكهنة، يضاف إلى ذلك ما فيها من مظاهر العنف وسفك الدماء، فقد قاومتها المسيحية ووبخت القائمين عليها والمشتركين فيها، لما تسبب أيضًا من تأثير سلبي على الأخلاق المسيحية، وكان من شأن هذه المعارضة العمل على إبطالها، فقد دانها كل من الشهيد كبريانوس وتاتيان والقديس كليمندس والقديس يوحنا ذهبي الفم.
أمّا القديس بولس فقد استخدم الصور والمصطلحات الرياضية، في شرح كيفية الجهاد وقانونيته، مثل ضبط النفس اللازم للفوز في السباق، وضرورة الالتزام بالمبادئ (1كو 9: 24-27) ثم ضرورة الجري والسعي لنوال الهدف (أعمال 13: 25 و 20: 24 و فيلبى 3: 14 و 1تى 2: 5 و 4: 7) بل أنه يشبه السيد المسيح نفسه كمن سبقنا في السعي (عبرانيين 12: 1، 2) أسعى لعلى أدرك…
وفي أيام المكابيين كانت الاحتفالات تتم على شرف الإله زيوس الأوليمبي، وذلك كل أربع سنوات، وكانت دورة الألعاب الاسمية (نسبة إلى برزخ كورنثوس) تتم في غابة مكرسة للإله بوسيدون إله البحر، وذلك في العامين الثاني والرابع من الدورة الأولمبية، وأماّ الألعاب النمية Nemeam فقد كانت تعقد في وادي نيما Nemme تكريمًا (زيوس، وذلك في العامين الأول والثالث من الدورة الأوليمبية، أمّا الألعاب البيثية Pythian فتأتى في المرتبة الثانية بعد الأوليمبية وتقام في السنة الثالثة من الألعاب الأوليمبية عند معبد دلفي الشهير Delphi.
ويشير السفر هنا إلى أن الدورة الأوليمبية كانت تجرى في “صور” حيث كان أنطيوخس أبيفانيوس موجودًا هنا يشرف عليها، حين أرسل “ياسون” رسلًا من طرفه من بين أولئك الحاصلين على الرعوية (الجنسية) الأنطاكية، يحملون ثمن ذبيحة تقدم للإله “هرقليس”، على سبيل المجاملة للملك والسلوقيين ومشاركة في احتفالاتهم(1).
لماذا الألعاب في صور!!
كان العيد الصوري الخاص بـ”ملكارت” Melqart يقع في شهر “بريتيوس Peritios” (فبراير/مارس) ولكن ليس هناك دليل على أن تلك الألعاب قد تزامنت مع عيد ملكارت، فقد كانت هناك أعيادا أخرى لملكارت في التقويم الصوري، ولم يكن سكان صور “مواطنين أنطاكيين” ولكن كانت لهم امتيازات مشابهة لامتيازات الأنطاكيين، وكان لهم مركزا أدبيًا رفيعا في النظام الذي أرسى أنطيوخوس الرابع قواعده، كانت للبراعة الملاحية لصور وموقعها الاستراتيجي الأثر على هيبتهم ومكانتهم، وربما كان لهم تقدير خاص من الملك بسبب براعتهم الرياضية أيضًا، وهو ما يحدث الآن حين تقام دورة الألعاب الأوليمبية في مدينة لها مكانتها وشهرتها، وفي الوقت ذاته تعطى تلك المناسبة كرامة للمدينة التي تمت فيها.
ولكن لماذا شارك ياسون في ذبائح هرقليس؟
كانت الألعاب اليونانية تقام في الأعياد الدينية، وكانت الكلمة اليونانية theoros والمستخدمة للتعبير عن عضو في وفد لحضور احتفال رياضي، هي نفسها المستخدمة للتعبير عن مبعوث لغرض ديني. وكان من الطبيعي أن يوجه رسم الدخول (التذاكر) الخاص بالمشاركة في الألعاب إلى الذبائح التي تقدّم للإله الذي كانت الألعاب تقام على شرفه، وربما اعتبر ياسون الأموال التي أرسلها مجرد رسم دخول، غير مهتم بمصير الأموال، ولكن مبعوثوه كانوا صارمين بشأن أي أمر يربط اليهود بعبادة الأوثان.
هرقليس Hercules: صيغة لاسم الإله “هرقل” إله الألعاب الأوليمبية، وكان له تمثال هائل في صور. العجيب أن الرسل أنفسهم استحوا من فعل ذلك، بل حرّكتهم غيرتهم المقدسة لرفض إتمام هذا العمل، واستيقظت فيهم الروح التقوية ومحبتهم لعقيدتهم، رغم تأغرقهم.
السفن الثلاثية: المقصود بها أسطول بحري مكوّن من ثلاث قطع، وربما كان ذلك هو أول ذكر لوجود سفن ضمن الترسانة العسكرية لليهود، وما يزال الأمر غير واضح إن كان امتلاك اليهود للسفن قد سبق تحالفهم مع الرومان، [حيث يذكر الرومانيون ذلك في وثيقة التحالف (1 مكا 8: 26)] أم كان توقعهم أن اليهود سريعًا ما سيحصلون عليها. وهنا أنفق الرسل المال لتعضيد أو تطوير تلك القطع.
الدرهم Drachma: ورد ذكر الدرهم أو الدراخمة أول مرة في (1أخ 29: 7) حيث استخدم كوزن في ذلك الوقت، أما في العصر الفارسي فقد كان يساوي نصف الشاقل، راجع (عزرا 2: 69؛ 8: 27؛ نحميا7:7) وعندما استخدمت في اليونانية تُرجمت (داركيمونيم) ومنها جاءت كلمة دراخمة وتنطق أيضًا “دراكمة”. ويصل وزن الدرهم 4.3 جم، وفي العهد الجديد كان الدرهم يساوى الدينار، كما ترجمت الكلمة إلى: “عملة فضية” وفي ترجمة KJV: “قطعة فضية”. وهكذا تصل قيمة النقود المرسلة 1621 جنيهًا مصريًا ]300×4.3×1.25 ج (ثمن جرام الفضة)(1).
أوجه التعاون والمجاملات بين أولاد الله وأولاد العالم
كثيرًا ما تحتّم الظروف مشاركة الآخرين، ولقد طالبنا السيد المسيح بأن نحب الجميع ليس السامريين والأمميين فحسب بل والأعداء أيضًا، ومجاملات المشاركة والتعاون كثيرة جدًا، منها الثقافي والاجتماعي ومنها الوجداني مثل المشاركات في الأفراح والأحزان والعمل والتجارة وغيرها، مما لا يمسّ للإيمان والعقيدة، الأمر الذي لا يقبل المساومة، وهكذا يمكننا البحث عن أرضية مشتركة يقف عليها الطرفان أو عدة أطراف. ولنلاحظ أنه بينما يمتدح الكتاب المقدس هنا حسن تصرف أونيا ودبلوماسيته التي مارسها لخير شعبه، يستنكر هنا بشدة مسلك ياسون إذ لم يتحرك في الاتجاه الصحيح.
أنطيوخس أبفيانيوس وخلافاته مع البطالمة
21 كان أبلونيوس بن منستاوس قد أرسل إلى مصر لحضور عرس فيلوميتور الملك، فعلم أنطيوخس أنه قد أصبح معاديًا لسياسته، فوجه اهتمامه إلى تحصين نفسه، فرجع إلى يافا ثم سار إلى أورشليم. 22 فاستقبله ياسون وأهل المدينة استقبالًا فخمًا، ودخل بين المشاعل والهتاف. ثم أنصرف من هناك بالجيش إلى فينيقية
كان الخلاف ما يزال قائمًا حتى ذلك الوقت ما بين البطالمة والسلوقيين، بسبب تبعية “جوف سوريا”. حيث كان أنطيوخس الكبير قد أهداه إلى كليوباترا الأولى عندما تزوّجها، فلما ماتت منع السلوقيون جزية البلاد عن كليوباترا الثانية ابنة الأولى، مفسرين هبة أنطيوخس على أنها “معاش” يوهب لكليوباترا الأولى مادامت حية، ولكن اتباعها اعتبروا “جوف سوريا” هبة للعائلة ومن ثم طالبوا بالإقليم ليصبح تحت حكمهم أو توريد جزيته لهم.
وعقب موت الأولى تزوجت كليوباترا الثانية من بطليموس السادس فيلوميتور وهي أخته(1)، وبالرغم من أن أبولونيوس المذكور هنا يخضع لسلطة أنطيوخس بل هو رفيقه السابق حين كان مأسورًا في روما، إلاّ أن حضوره هذا العرس، وهو قائد إقليم البقاع (جوف سوريا) قد رأى فيه أنطيوخس خروجًا على طاعته ومناوئه لسياسته، وتحالفًا مع البطالمة. ولكن السؤال يبقى: من الذي أرسل أبولونيوس إلى مصر؟ هل الرومان؟ أم ذهب من تلقاء ذاته؟
هذا ويشير دانيال (11: 25، 26) إلى مناوشات على الحدود ما بين المملكتين، بينما يشير دانيال (11: 27) إلى اللقاء الريائي مابين وكيل أنطيوخس الرابع وبطليموس السادس، كذلك يمكن تفسير دانيال (11: 28) باعتباره يشير إلى الزيارة السلمية لأنطيوخس، وإن كان من المرجّح أنه كان مدفوعًا بالجشع، وهو ما يتضح لنا من دانيال (11: 28) “وقلبه على ضدّ العهد المقدس”.
ولكن أنطيوخس والذي خشي من الفتنة والوشاية، جعل يحصّن بلاده تحسبًا لأي هجوم من البطالمة، وعندما دخل أورشليم استقبله ياسون والحزب الهيليني هناك استقبالًا حافلًا، أمّا المشاعل فقد كانت شيئًا أشبه بالقناديل أو الشموع، ولكننا لا نجد أثرًا لاستقبال ديني.. وإنما ظهر ياسون باعتباره قائدًا مدنيًا. ولاشك أن ذلك قد أدخل الطمأنينة إلى قلبه من جهة اليهود ولو بشكل مؤقت. وبينما كانت يافا هي المقر الدائم للملك، فإنه اتجه من اليهودية إلى فينيقية (تطلق كلمة فينيقية على الساحل الفلسطيني أيضًا).
هذا وقد حدث ما توقّعه أنطيوخس أبيفانيوس من استعداد البطالمة لغزو سلوقية، للاستيلاء على إقليم البقاع كما سيأتي.
رئاسة الكهنوت تتحول إلى منلاوس
23 وبعد مدة ثلاث سنوات، وجه ياسون منلاوس، أخا سممعان المذكور، ليحمل أموالًا إلى الملك ويفاوضه في أمور عاجلة. 24 فأخذ منلاوس توصيات بنفسه إلى الملك وأبهره بمظاهر سلطانه، وحول الكهنوت الأعظم إلى نفسه بأن زاد ثلاث مئة قنطار فضة على ما أعطى ياسون. 25 ثم رجع ومعه أوامر الملك، ولم يكن على شيء مما يليق بالكهنوت الأعظم، وإنما كانت له أهواء طاغية عنيف، وأحقاد وحش ضار. 26 وهكذا فإن ياسون الذي أخذ مكان أخيه، أخذ مكانه آخر، فهرب إلى أرض بنى عمون. 27 أما منلاوس، فكان يمارس السلطة، إلا أنه لم يدفع شيئًا من الأموال التي كان وعد بها الملك. 28 فكان سستراتس، رئيس القلعة، يطالبه، لأنه كان مولى أمر الجباية. ولهذا السبب استدعيا كلاهما إلى الملك. 29 فترك منلاوس أخاه ليسيماخس على الكهنوت الأعظم، وترك سستراتس قراتيس، رئيس القبرسيين، مكانه.
بعد تلك الأحداث بثلاث سنوات أرسل ياسون الجزية السنوية المقررة (4: 8 و1مكا11: 28) إضافة إلى المبالغ الإضافية التي سبق فوعد بها، مستصدرًا بذلك أمرًا ملكيًا بتحويل رئاسة الكهنوت إليه (آية 9) وهو يرسل الآن ما وعد به بيد “منلاوس” وهو شقيق سمعان الوكيل الخائن (3: 4-6).
الجزية:
يجب أن نتوقف عند عبارة “بعد مدة ثلاث سنين” فقد كانت الدقة أمرًا مفترضًا في مُقرض المال والُمقترضين وجامعي الضرائب ودافعيها، إذ كانت الفترات الفاصلة لسداد الفوائد في الزمن القديم تُحسب بدقة وليس تقريبًا، وعندما كان الاقتصاد يعتمد بشكل رئيسي على الزراعة لم يكن جمع الجزية ممكنًا إلاّ على المحصول الزراعي السنوي، وظل الحال هكذا حتى بعدما كانت الجزية في الإمبراطورية السلوقية، تتألف من مبلغ محدد وليس من نسبة مئوية على المحاصيل.
وفي نص يتحدث عن دفع جزية، من غير الممكن أن تعني عبارة مدة ثلاث سنين سوى ثلاث فترات سُددت عنها الجزية، وفي وثائق الإيجار العبرية المؤرخة في سنة 133 ق.م. تُحدد السنوات الكاملة بسنوات الضرائب. (انظر تكوين 14: 4) “اثنتي عشر سنة استعبدوا لكدر لعومر والسنة الثالثة عشر عصوا عليه”. حيث تعني “استعبدوا” دفعوا الجزية إليه – قارن (2مل 17: 3-4 و18: 7) كما تعني وفي السنة الثالثة عشر: بعد دفع جزية السنة الثانية عشر – قارن (خروج 21: 2 وتثنية 15: 12) أمّا فترة الثلاث سنوات هنا (آية 23) فإنها تقيس الفترة الزمنية المنقضية منذ الواقعة الأخيرة التي رويت وهي زيارة أنطيوخس لأورشليم (آية 21، 22). فقد أصبح ياسون رئيس كهنة (آية 7، 8) بعرضه توريد مبلغ أكبر من الجزية من اليهودية بعد وفاة سلوقس الرابع، وقد توفى سلوقس في 10 أيلول من التقويم السلوقي البابلي (أي في 3 سبتمبر 175 ق.م.) أي قبل بدء عام 138 من التقويم السلوقي المقدوني مباشرةً، ومن المؤكد أن ياسون ما كان بوسعه أن يتحدث عن هذا العرض الباهظ، حتى تأكد من أنه سيكون السلف في رئاسة الكهنوت. ومن المحتمل أن يكون أنطيوخس قد استقر في الحكم في الفترة ما بين 23 أكتوبر و20 نوفمبر 175 ق.م..
إذًا فلا بُد أن يكون عرض ياسون وارتقاؤه رئاسة الكهنوت قد تم في أواخر عام 175 أو في أوائل عام 174 ق.م.
وربما تكون “ثلاث سنين” (آية 23) محسوبة من تاريخ تعيين ياسون لأن الجزية مُشار إليها ببساطة بكلمة “أموال” وبذلك تكون أول دفعة ضرائب (جزية) سددها ياسون في عام 174 وثالث دفعة له في عام 172 حيث استولى منلاوس على رئاسة الكهنوت (آية 23، 24).
ويمكن تحديد العام الذي استولى فيه منلاوس على الكهنوت من دليل آخر، فقد استحقّت على منلاوس وهو رئيس كهنة دفعة جزية واحدة على الأقل قبل وفاة أونيا الثالث (آيات 23 – 34) وُقتل أونيا بعد بدء العام السبتي التالي الذي بدأ في خريف عام 170 ق.م. بقليل، والتي يعتمد عليها إلى حد بعيد.
دامت فترة رئاسة منلاوس للكهنوت عشر سنوات، وكان خلع منلاوس أثناء رحلة أنطيوخس الخامس وليسياس (2مكا 13: 3-8) وقد استمرت الرحلة من حوالي يونيو 163 إلى يناير أو مارس 162، ويمكننا التأكد من الموسم الذي كان يستحق فيه سداد الجزية والذي أصبح منلاوس فيه رئيس كهنة، كان العام المقدوني السلوقي الرسمي يبدأ قرب الاعتدال الخريفي في حوالي ذات زمن إدخال آخر المحاصيل، ومن المحتمل أن يكون هذا هو توقيت سداد الضرائب.
وفي مصر البطلمية بإنتاجها الضخم ومسافاتها الطويلة، من المحتمل أن يمتد دفع الضرائب وجمعها لفترات طويلة، حيث صعّب عمليات التأجيل إمكانية تحديد ما كان موعدًا قانونيًا، وما كان التاريخ الفعلي للدفع. كانت اليهودية في فترتى ياسون ومنلاوس بلدًا مغوطًا محدود الانتاجية.
منلاوس Menelaus: هو شقيق سمعان المذكور في (3: 4) والاسم العبري لمنلاوس هو حونيا (أونيا) وهو ابن رئيس الكهنة سمعان الثاني، وشقيق أونيا الثالث وعم أونيا الرابع، وينتمي منلاوس مثل شقيقه سمعان إلى عشيرة “بلجة” الكهنوتية، ومن هنا يتشكّك البعض في كونه ابنًا لسمعان الثاني والذي ينتمي إلى عشيرة “يدعيا” الكهنوتية.
استطاع منلاوس وهو ينتمي لتلك العائلة غير الأمينة أن يُبهر الملك في أنطاكية بمظهره ثم بوعوده الأكثر سخاءًا من ياسون: إن هو أقرّه في رئاسة الكهنوت، ولمّا علم ياسون بذلك هرب من أورشليم، ولم يلبث منلاوس أن استغل انشغال الملك بإخضاع سكان طرسوس وملو، حتى نهب الهيكل بمساعدة أندرونيكس والذي قتل أونيا بإيعاز منه، إذ كان بقاؤه على قيد الحياة يؤرّقه خشية أن يسترد وظيفته، ولما ثار الشعب بسبب ذلك، توسّط بطليموس عنه لدى الملك، فأخلى سبيله بينما قَتَلَ المشتكين عليه (آيات 23-50).
وعاد ياسون ليطارد منلاوس الذي احتمى بالقلعة (5:5) بل واستطاع مساعدة الملك في استرداد أورشليم من ياسون والانتقام من الشعب والإساءة إلى الهيكل (5: 15) ولما حنق عليه الشعب هرب إلى الملك في أنطاكية (5: 23) وفي أبريل من عام 163 ق.م. حاول التوسّط بين الملك والشعب فأتى ذكره في رسالة الصلح بين الملك واليهود باعتباره الوسيط بينهم (11: 29-32) غير أنه عاد إلى ميوله الرديئة في خريف عام 163 ق.م. حيث انضم إلى جيش أنطيوخس الخامس وكاد يوقعه في ورطة، لولا ليسياس وزيره والذي أكّد له أن منلاوس وراء ثورة اليهود وتألبهم بسبب كراهيتهم الشديدة له، حيث أمر الملك بتعذيبه بآلة بشعة (13: 1-7) ولم يدفن بعد قتله وقد لاقى موته راحة وبهجة لدى الشعب.
أما أنطيوخس والذي وافق على الفور على الصفقة، فلم يكن منصب الكهنوت يعني له سوى صفقة رابحة تدرّ عليه المال وبالتالي فهو يهبها لمن يدفع أكثر، وإذا كان القادة الدينيين أنفسهم قد أساءوا إلى هذه الرتبة فكيف سنطالب شخصًا وثنيًا باحترامها وتقديسها، وهو شخص لا همّ له سوى جمع المال للإنفاق على مخططاته التوسعية. غير أن منلاوس كان أشد سوءًا وخطورة من نظيره ياسون.
وهكذا كانت الحياة الدينية لليهود تنحدر رويدًا رويدًا مما ينذر بالكارثة، وكان الشعب المسكين هو الذي يئن من ثقل الجزية الموضوعة على المنصب من جهة، ومن مضار عدم حكمة رؤساء الكهنة من جهة أخرى.
وهكذا تجرّع “ياسون” الكأس ذاتها التي أسقاها لأونيا! وكان في أرض بنى عمون (أرض طوب) حصنًا لبنى طوب هناك هو حصن هركانوس Hyrcanus الطوبي، وربما كان هركانوس على قيد الحياة آنئذ. إلى هناك هرب ياسون، مما يؤكد لنا من جديد أنه من بيت طوبيا، أما منلاوس والذي يطلق عليه يوسيفوس بطريق الخطأ اسم أونيا أيضًا، فقد نكث بوعوده ولم يورّد للملك الضريبة.
وأمّا سستراتس قراتيس Sostraus فهو الذي كان قبلًا رئيسًا لفرقة من الجنود المرتزقة القبرسيين، وربما كان أكثر جنود القلعة في ذلك الوقت من القبارسة. ومع أن قبرس كانت خاضعة في ذلك الوقت للبطالمة إلاّ أن المرتزقة كانوا يؤجرون أنفسهم لصاحب المبلغ الأكبر. كان سستراتس هو حاكم القلعة وليس بالضرورة أن يكون حاكم أورشليم السلوقي، وإنما كان مكلّفًا فقط ببعض المهام مثل جمع الجزية وتوريد الدفعات المنتظمة.
وقد رأى منلاوس أن يقوم القائد العسكري منذ ذلك الحين فصاعدًا باستلام أموال الجزية، وذلك تحسبًا لاحتمال قيام الأتباع اليهود باستغلال المال على نحو آخر، مثلما حدث حين أرسل ياسون أموال بيد اليهود لتقديم ذبيحة لهرقليس.. إذ كان رئيس الكهنة في أكثر الأحوال هو ممثل الشعب هناك لدى السلطات، يؤكد لنا ذلك تَرْكِهِ “لسيماخوس” مكانه، هذا وقد ارتابت السلطات في أنطاكية في احتمال تواطأ منلاوس مع سستراتس، فلم تُورّد الجزية إلى الملك، ولذلك فقد استدعى الأخير كليهما ليوبخهما ويقف على جلية الأمر.
ليسيماخوس Lysimachus: وهو أخ غير شقيق ل “منلاوس” المذكور، وكان خائنًا شريرًا مثل أخيه، فقد سلب الهيكل وقتل كثيرين كما سيجيء غير أن الذي يعنينا الآن في ترك ليسيماخوس محّل أخيه منلاوس، هو أن رئاسة الكهنوت كان لها صِبغة مدينة أكثر منها روحية ليتورجية.
الغدر بأونيا
30 وحدث بعد ذلك أن أهل طرسوس وملو تمردوا، لأنهم جعلوا هبة لأنطيوخيس، سرية الملك. 31 فبادر الملك لبت في هذا الأمر، وترك مكانه أندرونكس، أحد ذوى المناصب. 32 فرأى منلاوس أنه قد أصاب فرصة، فسرق من المقدس آنية من الذهب أهدى بعضها إلى أندرونكس، وباع بعضها في صور والمدن التي بجوارها. 33 ولما تيقن أونيا من ذلك، لامَه عليه، وكان قد أنصرف إلى حِمّى بدفنة، بالقرب من أنطاكية. 34 فخلا منلاوس بأندرونكس إلى أونيا واعتمد على المكر فمد إليه يمناه مقسمًا وحمله على الخروج من الحمى، وإن بقى غير واثق. ثم اغتاله من ساعته، ولم يرع للعدل حرمة. 35 فوقع ذلك موقع السخط عند اليهود، بل عند كثير من سائر الأمم، وشق عليهم قتل هذا الرجل ظلمًا. 36فلما رجع الملك من نواحي قيليقية، ذهب إليه يهود المدينة، مع من يشاركونهم من اليونانيين في استنكارهم لمقتل أونيا بغير حق. 37 فتأسف أنطيوخس ورق شفقة وبكى على حكمة ذلك المفقود وشدة اعتداله. 38 واضطرم غضبًا ونزع لساعته الأرجوان عن أندرونكس، ومزق حُلَلَه وأطافه في المدينة كلها، ثم أباد لك القاتل في المكان الذي ارتكب فيه كفره على أونيا، فأنزل به الرب العقاب الذي استوجبه.
هذه الآيات هي المصدر التاريخي الوحيد لأحداث تمرّد المدينتين (طرسوس وملو)، وكان لهما من الأهمية ما يجعل أنطيوخس يهتم بتمردهما اهتمامًا شخصيًا، وقد منح الملك هاتين المدينتين مميزات “المدينة الإنطاكية” ورغم أنها إقليم حدودي استراتيجي، إلاّ أن الملك هادن أهلها كما سيجيء(1).
طرسوس Tarsus: اسم يوناني معناه “رسغ القدم” وترجع تسميتها بهذا الاسم إلى البطلين الأسطوريين “برسيوس وهرقل”. وهي عاصمة كيليكية في جنوب شرق آسيا الصغرى على شاطيء نهر سيدنيس، وكانت تتحكم في الطريق الرئيسي الموصّل بين كيليكية وآسيا الصغرى، وربما كان الأشوريين بقيادة سنحاريب هم الذين أسسوها تحت اسم إنشيال. ووجد هناك نصب تذكاري كُتب تحته (سردنابلس أسّس طرسوس وإنشيال في يوم ما). وفي سنة 401 ق.م. قام بعض المرتزقة اليونانيين بسلب المدينة، بينما أنقذ رجال الإسكندرية المدينة من الدمار على يد الفرس، وبعد فتح الإسكندر لها بدأت عهدًا جديدًا مع خلفائه السلوقيين.
ملو (ملّوس) Mallus: تقع مدينة كيليكية أعلى برغامس (آية 39) اكتشفها “أمفيلوكس” و”موبسس” بعد حرب طروادة Troy، وهي مسقط رأس “كيراتس” عالم النحو والصرف، وقد تسببت أهمية كيليكية البحرية في إضعاف أهمية “ملو”. وفي العصر السلوقي كانت ما تزال مدينة يونانية صغيرة.
هاتان المدينتان أهداهما أنطيوخس أبيفانيوس لسريّته أنطيوخيس Antiochis (الاسم تأنيث أنطيوخس) كعادة قدماء الملوك، حين كانوا يهدون بعض المدن أو المقاطعات لزوجاتهم أو سراريهم، يحصّلون خراجها، وربما يُمنحون حرية التصرف في أهلها ومواردها وكأنهم عبيد لهنّ أو ملكهن الخاص، ويبدو أن أنطيوخيس قد أساءت معاملة أهالي المدينتين معًا مما جعل سكانهما (بالاتفاق غالبًا) يقومون بثورة يعلنون فيها احتجاجهم، وقد رأوا في تسلط امرأة بنزواتها عليهم إهانة لهم أكثر من تسلط أنطيوخس نفسه، كما آلمهم ذهاب أموالهم إليها وليس إلى الملك.
وفيما مضى أنطيوخس لإخماد الثورة هناك أو تهدئة السكان، ترك مكانه شخصًا يدعى “أندرونيكس” Andronicus (الاسم يوناني معناه “قاهر الرجال”) وقد تواطأ هذا مع منلاوس في التغاضي عن سرقة كنوز الهيكل والتي نهبها الأخير وباعها إلى التجار في صور وما حولها من مدن غنية، وقد تناسى منلاوس في ذلك أن الله هو الحارس على الهيكل، ولم يمنعه الخوف من الله عن السرقة بل كان يمنعه الخوف من الملك(1).
قال أب لتلاميذه: “صدقوني أننا لا نخاف من الله خوفنا من كلب!” أجابوه: حاشاك يا أبانا أن تقول مثل هذا، فقال: “هب أن إنسانًا مضى ليسرق ولكنه وجد هناك كلب فتراجع ولم يتم السرقة، وهكذا منعه الخوف من الكلب ولم يمنعه الخوف من الله .!!
أونيا يغار غيرة الرب:
بالرغم من كون أونيا قد أُعفى من منصبه وأقام في أنطاكية، إلاّ أنه جاء إلى أورشليم ليبكّت منلاوس على تجرأه على الهيكل وتبديد ثروته، تلك التي ثار الشعب كله من أجلها (أصحاح 3) وبعد تأنيبه لرئيس الكهنة عاد ليسكن في مكان آمن بقرية بالقرب من أنطاكية، تحسّبًا لانتقام منلاوس منه، ولكن الأخير دبر مكيدة بالفعل وحمل أندرونيكس على قتل أونيا، وربما أطاعه أندرونيكس بسبب خوفه من لوم الملك متى عرف بما حدث عن طريق أونيا، لا سيما وقد اشترك معه في نهب الهيكل. وقد استخدم أندرونيكس الحيلة مع أونيا، فإن تعبير “مد له يمناه” لا يعنى مجرد المصافحة بل العهد والتعهد.. وصداقة مخلصة(1).
وقد ثار لموت أونيا كل من اليهود واليونانيين والكثير من سكان الأمم المجاورة، لما للرجل من حميد السمعة وُحسن الصيت، معتبرين اغتياله بمثابة جريمة بشعة. وبمقتله تمت نبوءة دانيال النبي “وبعد اثنين وستين أسبوعًا يُقطع المسيح وليس له وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بِغَمَارَةٍ وإلى النهاية حرب وخرب قضى بها” (دا 9: 26).
فإن أونيا هو الرئيس المسيح المذكور هنا في النبوة، وهو كذلك رئيس العهد الوارد في (دا 11: 22) “وأذرع الجارف تُجرف من قدامه وتنكسر وكذلك رئيس العهد” ويفتتح موته الأسبوع السبعين والأخير، الذي توقفت الذبيحة الشرعية في منتصفه، وإقامة “شناعة الخراب” (دانيال 9: 27) ولا شك أن مدة هذه الثلاث سنين ونصف (نصف أسبوع سنوي) تطابق واقعًا حدث، فهي التي أوحَت لدانيال بأن يعود إلى نبوة إرميا الواردة في (دا 25: 11، 12 و 29: 10) ويمكننا من خلال التاريخ الوارد في (1مكا 1: 54) وهو شهر ديسمبر، أن نستنتج أن موت أونيا كان في صيف سنة 170 ق.م.
دفنه Daphne: اسم يوناني معناه “شجر الغار” وهي قرية أسسها سلوقس نكانور (306 – 280 ق.م.) وتبعد عن أنطاكية مسافة 8 كم إلى الشمال الغربي، وكانت مدينة جميلة تمد أنطاكية بالماء، اشتهرت بوجود معبد وتمثال “أبوللو” فيها، كما انتشرت فيها الحدائق والتماثيل والنافورات والحمامات والمعابد، وكانت منسقة تنسيقًا جميلًا، بينما كان هيكل أبوللو يقع على مرتفعاتها من الجهة الجنوبية، وكان الاستاد الأولمبي يقع عند أسفلها.
ويرى الكثير من الشراح أن غالبية أماكن اللجوء في “دفنة” كانت مزارات وثنية ويتعجبون بالتالي كيف يلجأ رئيس كهنة يتسم بالقداسة إلى حمى مزار وثني ! ولكن من المرجح أن يكون قد التجأ إلى أحد المعابد اليهودية.
الملك يتأسف لموت أونيا:
يتضح لنا أن الملك كان يكنّ لأونيا تقديرًا خاصًا، حتى وإن كان قد نحّاه عن منصبه، ومن جهته فقد التزم أونيا جانب الحكمة والتعقل، والغيرة المقدسة حتى بعد تركه منصبه. إلى الحد الذي جعل الملك يبكى على موته، وأما كلمة “اليونانيين” الواردة هنا فهي إمّا تعني السلوقيين أو اليهود المتأغرقين، فقد كان للرجل أصدقاء من الجانبين. وقد عاقب الملك أندرونيكس بتجريده من نياشينه ورتبته، حيث كان اللباس الأرجواني زِيّ أعضاء رتبة أصدقاء الملك، وبذلك كان تجريده ذلك الزي تجريد من رتبته كصديق، وربما بتمزيق ملابسه أيضًا قد تعرى لتلحق به إهانة كبرى، وقد أمر الملك بالطواف به في المدينة، وربما كان موكب المجرم عاري الجسد في الشوارع إلى مكان إعدامه إجراءً متبعًا، فإنه في عالم بلا وسائل إعلام، كان مثل هذا الإجراء إعلانًا وتحذيرًا.. قبل أن يتم فيه حكم الإعدام في المكان ذاته الذي سفك فيه دم البار”.. في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت تلحس الكلاب دمك أنت أيضًا” (1مل 21: 19).
ليسيماخوس يثير الفتنة والقتل
39 وكان ليسيماكس في المدينة قد سلب، بموافقة منلاوس، كثيرًا من مال الأقداس، فذاع الخبر في الخارج بعد أن تم توزيع كثير من الأشياء الذهبية إلى أماكن مختلفة، فاجتمع الجمهور على ليسيماكس. 40فلما هاجت الجموع واشتد غضبهم، سلح ليسيماكس ثلاث آلاف رجل وأعمل أيدي الظلم، تحت قيادة أورانس، رجل قد طعن في السن وفي الحماقة معًا. 41 فلما رأوا هجوم ليسيماكس، تناول بعضهم حجارة وبعضهم هراوى وبعضهم رمادًا مِلء أيديهم، ورموا بكل ذلك في شيء من الفوضى رجال ليسيماكس. 42 فجرحوا كثيرين منهم وصرعوا بعضًا وهزموا الباقين كلهم، وأما سالب الأقداس فقتلوه عند الخزانة.
لم يكتفِ ليسيماخوس بما تم من النهب، ولم يقف الأمر عند رشوة أندرونيكس، ولكنه أعاد الكرة من جديد بمعرفة منلاوس نفسه، ولما تم توزيع العديد من الكنوز للبيع شاع خبر السرقة، من خلال اليهود القاطنين في المدن التي بيع فيها، مما أهاج أعدادًا مضاعفة من الغيورين، وقد اتخذ ذلك شكل إضراب أو مظاهرة ضخمة في الهيكل مطالبين بالانتقام.
غير أنه وبموافقة منلاوس بالطبع، قام بتسليح هذا العدد الضخم، فما كان من الفريق الآخر من الغيورين إلاّ أن تسلّح بالهراوات (العصي الغليظة) والحجارة، بينما لم يجد الآخرون سوى رماد الذبائح (فإن الاشتباك قد وقع في فناء الهيكل) فحدثت جلبة وفوضى قُتل وجرح كثيرون فيها. واستطاع الغيورين في النهاية دحر أتباع ليسيماخوس، ثم قاموا بقتل ليسيماخوس نفسه عند فناء الخزانة، فقد كانت سرقة المقدسات جريمة تبيح قتل الجاني على يد أي غيور.
ولكن من هو أورانوس Auranos الذي قاد أتباع ليسياخوس؟ إن اسمه للأسف يعنى “سماء” فإن الكتاب يصفه هنا بعدم الحكمة، ولعله واحدًا من القادة المشرفين على أعمال الحراسة في الهيكل، ويرى بعض العلماء أن الاسم أيضًا قد يكون Auran وهو اللقب الذي أُعطي لواحد من المكابيين الخمسة وهو “ألعازر” (1مكا 2: 5 و 6: 43).
منلاوس ينجى من العقاب عن طريق الرشوة
43 ورفعت دعوى في هذه الأمور على منلاوس. 44 فلما قدم الملك صور، أرسلت المشيخة ثلاث رجال، دافعوا عن قضيتهم العادلة أمامه. 45 ورأى منلاوس أنه مغلوب، فوعد بطليمس بن دوريمانس بمال جزيل ليستميل الملك. 46 فذهب بطليمس بالملك إلى بعض الأروقة كمن يريد تنسم الهواء، وصرفه عن رأيه، 47فحكم لمنلاوس الذي هو علة الشر كله بالبراءة مما شكى به، وحكم بالموت على أولئك المساكين الذين، لو رفعوا دعواهم إلى الإسكوتيين، لحكم لهم بالبراءة. 48 ولم يلبث أولئك المدافعون عن المدينة والشعب والأقداس أن حل بهم العقاب الجائر. 49 فشق هذا الجرم حتى على الصوريين فبذلوا نفقات دفنهم بسخاء. 50 واستمر منلاوس في الرئاسة بجشع المقتدرين، وكان لا يزداد إلا خبثًا، ولم يزل لأهل وطنه عدوًا لدودًا.
أقام اليهود دعوة على منلاوس باعتباره المسئول عن جميع ما جرى من أحداث مؤسفة، ليس لكون ليسيماخوس هو أخيه فحسب، وإنما لأنه كان موافقًا له في جميع ما اقترف من مصائب، فلما وصل الملك إلى صور ربما بسبب وجود مقره فيها وربما بسبب وجود بعض المباريات (آية 18) أقيمت هناك الدعوى، غير أن بطليموس بن دوريمانس وهو أحد المقربين إلى الملك، وهو كذلك واحدًا من القادة الثلاثة الذين أرسلهم الملك بعد ذلك لإخضاع اليهود (1مكا 3: 38) وقد كان حاكم إقليم سوريا وفينيقية (2مكا 8: 8) وهو دبلوماسي مرموق، إذ يرد عنه أنه أول من أنصف اليهود (10: 12). هذا استطاع منلاوس أن يرشيه لكي يخلي سبيل منلاوس، ففعل بينما أمر بقتل المدعين الثلاثة والذين أرسلهم مجلس الشيوخ اليهودي لرفع الدعوى.
الأسكوتيين / الاسكيثيين Scythians (السكيثيين):
قوم رُحَّل، أطلق عليهم “أشكيناز” في (تكوين 10: 3 و2 أخ 1: 6 وإرميا 51: 27) وقد ظهروا كقبائل أولًا في جنوب روسيا ثم ارتحلوا إلى الشرق الأدنى منذ القرن الثامن قبل الميلاد. وترجع تسميتهم إلى ارتحالهم من شرقى جبال “التاس” إلى “سثيا Scythia” بينما اعتاد العرب على تسميتهم ب “التتار” أو “التتر”. وقد تكلموا لغات الهند/إيرانية (من مجموعة لغات الهند أوروبية).
وهم أشد القبائل همجية يعيشون في الخيام، والمهنة الوحيدة التي نجحوا فيها هي تربية الخيول وركوبها، وهم لا يستقرون في مكان واحد، يرحلون ومعهم أمتعتهم، دائمو الإغارة على البلاد والقتل والنهب، ولهم عادات بشعة في شرب دم أو قتيل لهم، كما عبدوا “السيف” كإله لهم يقدّمون له ذبيحة بشرية: واحدًا من كل مئة أسير لديهم، ويستخدمون جماجم الموتى كأواني للشرب، ولا يحبون النظافة بالماء مطلقًا.
وقد دأبوا منذ القرن السابع على مهاجمة السوريين والفلسطينيين، بل سيطروا على آسيا مدة ثماني وعشرين سنة، نهبوا هيكل أفرودتس في أشقالون، وكانت هجماتهم في تلك النواحي تتم على الطريق الجنوبي ولذلك فمن المحتمل أن يكونوا هم “العدو الذي من الشمال” المذكور في (إرميا 4: 5 و5: 21 و6: 1-26 و14: 17) كما كان يُظَن. وقد استقر أكثرهم عند شمال البحر الميت، وسكن قسم منهم في خيام بالصحراء مثل البدو، بينما استقرت أعدادًا أخرى قليلة في المدن. واتصل الاسكيشيين بالتجار اليونانيين واستبدلوا منتجاتهم بالعبيد والأخشاب والحبوب، وقد فشل داريوس الأول من قبل في قمعهم، بينما لعبوا دورًا هامًا مع خلفاء المكابيين (راجع التعليق على الأصحاح 16 من المكابيين الأول).
وفي الحفريات الحديثة عُثر على نقش للاسكوتيين، عبارة عن رأس سهم من البرونز بثلاث ريشات وشوكة مقوّسة على قصبة السهم، وذلك في المنطقة الواقعة بين أرمينيا وفلسطين، كما تم اكتشاف مقابر لهم في الأراضي المتحجّرة في آسيا الصغرى. ومن بين عيوبهم عدم استمرار تحالف قبائلهم معًا، مما جعلهم عرضة وهدفًا للهجمات المتتالية، وقد تحالفوا مع الأشوريين في مواجهة الماديين ثم ما لبثوا أن تحالفوا مع الماديين والبابليين لهزيمة الأشوريين!
وقد أصبح يُضرب بهم المثل في الهمجية وعدم وجود قوانين وشرائع لديهم، كما عُرف عنهم القسوة الشديدة، ومع ذلك فقد كانوا أكثر عدلًا ورحمة من أنطيوخس في حكمه على الذين أرسلهم يهود أورشليم. الأمر الذي أثار شجون الصوريون أنفسهم، فما كان منهم إلاّ تكفّلوا بنفقات تكفينهم تعبيرًا عن تعاطفهم. وقد زاد ذلك من حنق الشعب على منلاوس.
وإليهم أشار القديس بولس في رسالته إلى أهل كولوسي، حين صرّح بأنه لا فرق في المسيح بين أي شعب وجنس وآخر “حيث ليس يوناني ويهودي ختان وغرلة بربري سكيثى عبد حر بل المسيح الكل وفي الكل” (كولوسي 3: 11). بل أننا نقرأ عن شهيد من أصل سكيثى، هو الشهيد مركورى St. Mercury حيث كان جنديًا اسكيثيًا حارب بشجاعة ونال تقدير الإمبراطور ديسيوس، ولأنه مسيحي فقد رفض الاشتراك في عبادة الإلهة أرطاميس، فعذّبوه كثيرًا ولكن الله عزّاه بظهورات ملائكية، ثم نقل إلى كبادوكية وهي موطنه وفي النهاية نال إكليل الشهادة في قيصرية، وتعيد له الكنيسة الغربية في 25 نوفمبر من كل عام.(1)
_____
(1) Jonathan A. Golsten, II Macc.
(1) أشار بعض العلماء إلى أن أونيا ومعه ياسون وهليودورس، ربما كانوا ضمن حزب موال للبطالة في مصر داخل نطاق الإمبراطورية السلوقية، فلو صحّ ذلك لكانت بعض الاتهامات التي وردت على لسان سمعان حقيقية، ومع ذلك فليس هناك من دليل على ذلك لا سيما وأن أونيا لجأ إلى إنطاكية التماسًا لمساندة سلوقية له، وعندما أُعفى من رئاسة الكهنوت بقى في إنطاكية ولم يذهب إلى مصر. II Macc.. Jonathan A. Goldsten,
(1) ورد في كتاب أونيا الرابع: “وعندما جمع ياسون فريقه وثار ضد منلاوس (والذي تم تعيينه بعده) انقسم الشعب بينهما، فأخذ الطوبيين جانب منلاوس بينما أيدت غالبية الأمة ياسون، وتحت شدة الضغط انسحب منلاوس والطوبيين متجهين إلى أنطيوخس مخبرين إياه برغبتهم في التخلي عن شريعة آبائهم وعن أسلوب حياتهم، حتى يتسنى لهم اتباع قوانين الملك ونمط الحياة اليونانية ” Jonathan A. Goldsten, II Macc. P. 223
(1) سجل لاعب اسمه “بوسينيوس” الفوز في 24 مباراة أولمبية في ذلك الزمان.
(1) يروى يوسيفوس أن الإسكندر الأكبر في نهاية حصاره لصور والذي دام سبعة أشهر، عثر على وفد عيدي في قرطاجنة محتجزًا في المدينة، كان قد أتى إلى هناك من أجل طقس قديم كان يُقام في ملكارت، يقام سنويًا. وليس هناك ما يبرر قيام مثل تلك الألعاب في صور قبل الإسكندر، وليس من المؤكد أيضًا أن يكون أهل صور قد أقاموا دورة رياضية تذكارًا لحصارهم في سنة 332، ولكن وعلى أية حال فقد كانت ألعابهم تطورًا طبيعيًا ناشئًا عن الهيللينية المتدرجة المعاد تأسيسها. انظر: II Macc. Jonathan A. Goldsten,
(1) في ذلك الوقت كانت أسعار الماشية في جزيرة ديلس Delos تتراوح ما بين 70 – 120 دراخمة للرأس، كما كان أجر الحرفي الماهر في اليوم حوالي دراخمة واحدة في أوائل القرن الرابع ق.م.
(1) يذكر بوليبيوس المؤرخ مراسمًا أجريت لبطليموس السادس المذكور هنا، عرفت باسم أناكليتيريا Anakleteria وانها كانت تتم عند بلوغ الملوك البطلميين سن الرشد، وفيه يرأس الملك الشاب أول وليمة رسمية للدولة، ويخبرنا بأن أخبار هذه الاحتفالات قد بلغت اليونانيين في شتاء عام 170 – 169 ق.م. Jonathan A. Goldsten, II Macc.
(1) ويظهر أحد النقوش أن الامتيازات كانت ما تزال سارية حتى سنة 166 ق.م.
(1) تتحدث بعض المصادر مثل المؤرخ ديودورس وكتابات يوحنا الإنطاكي عن شخص يدعى أندرونيكس قد قتل أنطيوخس الصغير ابن أنطيوخس الرابع، وأنه أُعدم بدورة على يد أنطيوخس الرابع، وتكشف لنا قائمة الملوك السلوقيين أن أنطيوخس الصغير قُتل في أغسطس 170 ق.م. ونعلم من نبوءة دانيال (9: 26) أن أونيا الثالث مات في العام السبتي التالي 170/169 ق.م.، هذا وتقول المصادر الوثنية أن أندرونيكس أُعدم لقتله أنطيوخس الصغير بينما يفيد السفر هنا بأنه عوقب لقتله أونيا، وربما يكون أنطيوخس قد رأى في موت أونيا ذريعة لقتل أندرونيكس رغم أن الأخير كان وكيله الخاص والذي أولاه ثقته، وبقتله أندرونيكس يتخلص من دليل اشتراكه هو في قتل أنطيوخس الصغير.
(1) كما استخدم القبض على راحة اليد، كتأمين على اتفاق بقسم بين الأفراد على ألاّ يؤذى أحدهما الآخر. هذا وقد ورد تعبير مشابه في كل من سفر الأمثال ويشوع بن سيراخ هو “صفق الأيدي” ويعنى عقد الصفقة.. أو التصديق على عهد أو صفقة.
(1) القمص تادرس يعقوب / قاموس آباء الكنيسة وقديسيها. ج (ص م) ص/ 517، 518.