تعليقات لامعة على سفر التكوين للقديس كيرلس عمود الدين

المقالة الأولى: 4- آنوش

 

 والثاني مباشرة بعد قايين : آنوش كان له مدينة على الأرض تحمل اسمه ، في حين أن القديسين الذين آمنوا بافتخار ، قالوا : “ لأن ليس لنا هنا مدينة باقية لكننا نطلب العتيدة ( عب ۱۶:۱۳ ) ، واعتبروا الحياة في هذا العالم غربة. أيضا سبح داود قائلا : “ لأني أنا غريب عندك . نزيل مثل جميع آبائي” ( مز ۱۳:۳۹). وقال في مزموره لهؤلاء الذين يحبون الأرضيات : ‘ ‘ والإنسان في كرامة لا يبيت يشبه البهائم التي تباد ” ( مز 12:49) . إذن من شيث خرج أنوش العظيم المكتوب عنه “ابتدأ أن يدعو باسم الرب ” ( تك 26:4) . لأن جيش المسيح المقدس يأمل في الحد الفائق ( الذي يفوق البشر ) ، أي بالرغم من أننا انحدرنا من الأرض ، فقد دُعينا أبناء سيد الكل وأخوة للمسيح الذي لأجلنا صار مثلنا حتى نصير نحن بسببه فضلاء وأسمي من الإنسان ، أي آلهة[1] مكتسبين المجد بنعمته ومحبته للبشر . لأنه يقول : « أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلي كلكم » ( مز 6:82 ). ترجَّى إذن أنوش أن يُدعى اسم الله على بعض الرحماء ممن يريدون أن يكرموا الله بكرامة عظيمة ؛ لأن أعمالهم تسير وفق ناموس الله

فاصل

اليهود صورة لأخطاء قايين قاتل أخيه ولم يكتبوا في سفر الحياة

والآن نصل إلى هدفنا من هذا الكلام . اليهود إذا هم صورة لأحفاد قايين . وأنهم بالتأكيد معروفون لدى إله الجميع ، لكنهم غير مكتوبين[2] في سفر الحياة ، وهذا صار واضحاً من صمت الله عن ذكر أحفاد قايين في الكتاب المقدس. نهدف من هذا الكلام أيضاً أن نوضح أن جنس المسيح مكتوب في سفر الحياة ويذكرهم الله ، وهذا هو ما أعتقد أنه يشير به إشارة واضحة إلى حياة الأبرار ، أي أحفاد شيث . إذن ، فأنوش هو ثاني شخص بعد قايين كانت له مدينه تحمل اسمه . بمعنى أن اليهود المتمردين آمنوا فقط بالأرضيات ولم يعرفوا كنيسة الأبكار[3]  التي انتظرها حفيد شيث ، أنوش الذي دعا باسم الله ، بشوق شديد. وأيضا نحن الذين التجأنا إلى المسيح ونحن ممسكون بقوة بالرجاء فيه ، اكتسبنا بإيماننا غني مجده . وأستطيع أن أضيف على ما قلته ملاحظة أخري ضرورية : إذا أراد أحد أن يحسب أنساب أحفاد قايين وشيث عليه أن يجعل آدم جذر كل واحد منهما ، وسيجد أن لامك السابع من نسل قايين ، ونوح يكون السابع من نسل شیث . هكذا يتضح تسلسل الأحفاد كما يلي : « آدم ، قايين ، أنوش ، قینان ، مهلئيل ، يارد ، أخنوخ».

دعونا نرى إلى من ينسب كل واحد : « وقال لامك لامرأتيه عادة وصلة . اسمعا قولي يا امرأتي لامك . وأصغيا لكلامي . فإني قتلت رجلا لجرحى . وفتى لشدخي ، إنه ينتقم لقايين سبعة أضعاف . وأما للامك فسبعة وسبعين » ( تك 4 : 23 -24) وقد قيل العكس من ذلك على البار : « بالإيمان نُقل أخنوخ لكي لا يرى الموت ولم يوجد لأن الله نقله . إذ قبل نقله شهد له بأنه قد أرضي الله » عب 5:11 ) ، بحسب قول بولس الرسول : « و لم يوجد لأن الرب نقله » ( تك 5 : 24) ، أي في أواخر الأيام التي ظهر فيها الفرح باستقبال المسيح ، يبدو أن إسرائيل المرتعب ، سقط في خوف الجحيم ؛ لأنه قتل رجلاً وأدين من أجل دم القدوس ، أكثر من دينونة قايين نفسه . لأن قايين بسبب أنه أخطأ إلى واحد من البشر مثلنا صار مذنباً في سبع خطايا ، بينما الشعب الإسرائيلي الذي أظهر الجحود الرهيب لعمانوئيل نفسه ، صاروا مذنبين بالأكثر . لأن الله فرض عقاباً مرات ، بينما لإسرائيل سبعين مرة في سبعة . لأن العقاب يُفرض قياساً على بشاعة الأفعال . بينما أولئك الذين يضعون رجاءهم في المسيح بالإيمان ، لن يكونوا في المجيء الثاني ( في قبضة الشيطان ) . لأن الله سينقلهم إلى حياة المجد الفائق والرفعة بجواره ، منتقلين من الموت والفساد إلى الحياة الأبدية ، لأنهم تحولوا من فعل مشيئات الجسد إلى فعل ما يرضي الله ، ومن الهوان إلى المجد ، ومن الضعف إلى القوة ، بنعمة يسوع المسيح ربنا الذي له المجد مع الآب والروح القدس إلى أبد الآبدين . آمين

فاصل

  1. يشدد القديس كيرلس حين يفسر یو 34:10 على الفرق الشاسع بين الذين دعوا آلهة ، والابن الإله الحقيقي بالطبيعة ، إذ يقول : « وإذ يرى ( المسيح ) أن الفرق بين الذين دعوا آلهة وبين الذي هو بطبيعته الله ، هو فرق عظیم جدا يعلمنا التمييز بين الاثنين بواسطة الكلمات التي يستخدمها ؛ لأنه إن كان الناس الذين أرسلت إليهم كلمة الله ، دعوا آلهة ، وقد صاروا لامعين بكرامة الألوهية ، بنوالهم وإدخالهم كلمة الله إلى داخل نفسهم ، فكيف لا يكون هو بالطبيعة إلها ذلك الذي بواسطته صار هولاء آلهة ؟. لأن « الكلمة كان الله « بحسب قول يوحنا ، والكلمة أيضا هو الذي سكب هذا البهاء ( بهاء المجد ) على الآخرين . فإن كان كلمة الله يقود إلى نعمة فوق بشرية بالروح القدس ، ويزين أولئك الذين يكون فيهم ، بكرامة إلهية ، ويقول لماذا تقولون إني أجدف حينما أدعو نفسي ابن الله والله ؟ رغم أن الأعمال التي قد عملتها من الآب تشهد لي إني إله بالطبيعة . فإذ قدسني (الآب) ، أرسلني إلى العالم لأكون مخلص العالم ؛ وذلك الذي هو وحده إله بالطبيعة ، هو الذي له الخاصية التي يستطيع بها أن يخلص الناس من الشيطان ومن الخطية ومن الفساد » . شرح إنجيل يوحنا ، مرجع سابق ، المجلد الأول ، الإصحاح العاشر ص 744.
  2. عن الكتابة في سفر الحياة يقول عنها القديس غريغوريوس النيصي » : أعطوني أسمائكم لكي اكتبها بحبر . الرب نفسه سوف يسطرها فوق الألواح العديمة الفساد مثل ناموس العبرانيين 46 .417B .. » P.G ، هذا يعني أن التسجيل المنظور في سجلات الكنيسة الخاص بالمقبلين على المعمودية هو صورة لتسجيل المختارين في الألواح السماوية . هذه الفكرة نجدها في ( خروج ۳۲: ۳۱، ۳۲ ) « فرجع موسى إلي الرب وقال آه قد اخطأ هذا الشعب خطية عظيمة وصنعوا لأنفسهم آلهة من ذهب والآن أن غفرت خطيتهم . وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت » وفي لوقا 20:10 يقول المسيح للتلاميذ « ولكن لا تفرحون لهذا أن الأرواح تخضع لكم بل افرحوا بالحري أن أسماءكم كتبت في السموات « وفي ( رؤيا 3 : 5 ) « من يغلب فذلك سيلبس ثياباً بيضاً ولن أمحو اسمه من سفر الحياة وسأعترف باسمه أمام أبي وأمام ملائكته » . وشهادة الليتورجيا القبطية واضحة فيصلي الكاهن علي المعمد قائلا : « أتت دعوت عبيدك هؤلاء باسمك القدوس المبارك اكتب أسماءهم في كتابك واحسبهم مع شعبك وخائفيك » صلوات الخدمات في الكنيسة القبطية ، مكتبة المحبة ، ص ۳۱.
  3. يوضح القديس كيرلس بنوتنا للآب باستخدام الشاهد الوارد في غلا 6:4 مؤكدا أننا نلنا البنوة بفضل سكن الكلمة فينا بالروح القدس وبذلك صرنا من جنس المسيح ، إذ يقول : « غير أني أود أن أسألهم ( الهراطقة ) عن طريقة التبني هذه وكيف حدثت وأيضا عن بنوته هو وبنوتنا نحن . لأننا ورثنا أن نكون أبناء ، ولسنا نحن الذين نقول كيف صرنا أبناء لكن القديس بولس هو الذي علمنا ذلك عندما كتب “ثم بما أنكم أبناء أرسل الله و روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً يا أبا الآب » . وهذا معناه : نحن نقول إننا دعينا إلى البنوة الروحية وذلك بسبب أن الابن يسكن في داخل قلوبنا بطريقة لا توصف بواسطة الروح القدس». القديس كيرلس عمود الدين ، حوار حول الثالوث ، المرجع السابق ، الجزء الثاني ، الحوار الثالث ص 61 . والقديس أثناسيوس يؤكد أن هذا التبني يتم بسكنى المسيح بالروح فينا ، إذ يقول : « كما أن المسيح ابن حقيقي ، فإننا عندما نأخذ الروح « نصير أبناء » لأن الكتاب يقول « إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضا لخوف بل أخذتم روح التبني » ( رو 15 :8) . وإن كنا بالروح قد صرنا أبناء ، فواضح أننا في المسيح ندعی أولاد الله لأن « كل الذين قبلوه أعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله » . الرسائل عن الروح القدس ۱۹:۱.

فاصل

3- شيث

المقالة الأولى

المقالة الثانية

البابا كيرلس عمود الدين
تعليقات لامعة على سفر التكوين

 

زر الذهاب إلى الأعلى