تعليقات لامعة على سفر التكوين للقديس كيرلس عمود الدين

المقالة الخامسة: 12-إسرائيل يعترف بعمانوئيل

 

عندما صارع يعقوب وهُزم وأصيب في الظلمة بانخلاع حق فخذه ، أمسك مُصارعه في الحال مستعطفاً إياه أن يبار که حين بدأ طلوع الفجر ، ونال حقاً البركة وسُمي بإسرائيل.

 عصيان إسرائيل وعدم إيمانه بسبب جهله ، ووجوده في الظلمة ، أي ظلمة الجهل . هذا العصيان قد تبدل بفعل عمانوئيل. إذ أن إسرائيل كان عديم الإحساس ولم يعترف بعمانوئيل إلا بعدما أشرق على عقله بالنور الإلهي. وبارکه المسيح ، لكن ليس كل إسرائيل ، بل جزء منه ، أقصد أولئك الذين آمنوا ، لأنه مكتوب : « أيضاً قد حصلت بقية حسب اختيار النعمة » ( رو 5:11 ) ، وآمن عدد ليس بقليل من اليهود ( انظر أع 12:17) . والتلاميذ العظماء – بل الجميع – کانوا مثل يعقوب لديهم ناموس بلا فاعلية ، وقد اجتازوا وابتعدوا بسرعة ورحلوا ودخلوا في صراع مع الله (لأنهم بالنسبة للناموس كانوا بلا لوم)، لكن بعد ذلك صاروا مثل إسرائيل لديهم عقل يعاين الله . إذ أنهم عرفوا المسيح : من هو؟ ومن أين وُلد وصار مثلنا؟، وما هي طريقة تدبيره بالجسد ؟ هذا ما أقصده حين أقول قبلوا في عقلهم نور المعاينة الإلهية الحقيقية.

وكون أن الله أعظم وأكثر سمواً، وفائقة جداً على طريقة الحياة وفق الناموس ، يخبرنا هو نفسه قائلا بواسطة نبي من الأنبياء : “إني أريد رحمة لا ذبيحة ومعرفة الله أكثر من محرقات” ( هوشع 6 : 6 ) . وبولس الذي ولد “وفق بر الناموس” ( فيلبي 6:3 ) ، وكان أيضا بلا لوم وفق الناموس ، يقول : ” أحسب كل شيء أيضا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي ” ( فيلبي 8:3 ) . و كون أن المعرفة الحقيقية عن المسيح هي أسمى أيضا من الرضى والارتياح الذي يأتي من تتميم أعمال الناموس ، فهذا ما يوضحه بولس الرسول حيث كتب إلى تيموثاؤس حاثاً إياه على التدرب في الفضيلة والتقوي : “ لأن الرياضية الجسدية نافعة لقليل ولكن التقوى نافعة لكل شيء إذ لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة ’ ’ ( 1 تيمو8:4) ، وكما قال المخلص نفسه إلى أبيه السماوي : “ وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته ” ( يو 17: 3).

بناء على ذلك ، لو صار أحد مثل يعقوب ، بمعنى إنه استطاع أن يجتاز ويرحل بسهولة وبقوة من أي شيء يعيقه ويدعوه إلى الخطية ، سوف يرتقي بنعمة المسيح في الفهم الذي يليق بالقديسين ، وسوف يُدعی إسرائيل ، أي الذي يرى الله . وحينذاك سيكون قوياً بالنسبة للناس طالما أن قوة الله قد سندته . لأنه لا يمكن لضعف المرضى أن يجعله يعرف الله وأن يختار هذه المعرفة ، حتى ولو أنه ما زال يراه كما في مرآه في لغز ( انظر ۱ کو ۱۲:۱۳ ) ، والموجود في هذا المستوى يعتبر الأمور الجسدية والعالمية غير جديرة بالحديث عنها ، ويستطيع أن يسرع بتدبير فائق نحو هذا الذي يريده الله ، لأنه سيكون قويا بين الناس وسوف ينتصر مع الله وبه.

حسنا ، لقد نال يعقوب البركة . توسل إليه قائلا : “ أخبرني باسمك ” ، فأجابه : لماذا تسأل عن اسمي ؟ ’ ’ ( تك ۲۹:۳۲ ) . ولم يقل له الله اسمه مبرهناً بذلك على أن اسمه متطابق مع طبيعته . لأنه لا يمكن أن يوجد اسم خاص لله ، مثلما يحدث مع الإنسان ، لكن الألقاب[1] وفق طبيعته تُنسب إليه بطرق كثيرة. هكذا يُدعى « نور وحياة وقوة وحق ، ووحيد الجنس وشعاع ورسم ولده ، ورحمة ، وبر وفداء » . لقد أدرك يعقوب أيضا أن الله ليس له اسم خاص ، فأعطى للمكان الذي رأى فيه الله اسم « فنئيل » لأنه يقول : « لأني نظرت الله وجها لوجه ونُجيت نفسي » ( تك ۳۰:۳۲ ) . لاحظ لقد صار اسمه إسرائيل ، أي « الذي يرى الله » . إنه يقول إنه رأى الله وجهاً لوجه ونجت نفسه ، بينما كان يصارع إنساناً. لأن معرفة المسيح هي معرفة خلاصية . إذن ، الكلمة المتجسد هو الله ، إذ أن يعقوب البطريرك يقول إنه رأى الله وجهاً لوجه . وعندما « أشرقت له الشمس » رحل عنه منظر الله ، لذا يقول : « إذ عبر فنوئیل وهو يخمع على فخذه » (تك ۳۱:۳۲ ) . لقد توقف الصراع – كما قلت – عندما استنار اليهود ، لكن رحل « منظر الله » بمعنى صعد المسيح إلى السموات . لكن إسرائيل لم يتخلص تماماً من العرج . لأنه لم يخلص بالكامل ، إذ لا زال يتألم بسبب أولئك الذين لم يؤمنوا بعد ، هكذا لم ينتصب الجميع . حسنا لقد دعي يعقوب إسرائيل ، أي الذي له « عقل يرى الله » .

وبعد ذلك ، ماذا حدث ؟ « وأما يعقوب فارتحل إلى سكوت . وبنى لنفسه بيتاً وصنع لمواشيه مظلات . لذلك دعي اسم المكان سکوت » ( تك ۱۷:۳۳ ) . أسمعت ؟ لقد سكن في خيام . يمكن أن يعني هذا أيضا أن ذهن إسرائيل رجع تجاه المكان الأفضل . لأنه عندما نصب خيامة ، سكن فيها . فالعقل الذي يرى الأمور السامية ويصير جديراً بظهورات الله ، والذي يتقدم إلى الكمال ببذل الجهد ، عند الله ثمرة ثمينة : أن أمور هذا العالم لا يحسب لها حساب إطلاق معتبراً أن الحياة في الجسد مؤقتة . إذن ، هذا هو العقل الذي يليق بالقديسين ورسالة التعاليم السماوية العظيمة والواضحة . سوف تقتنع بهذا الأمر من داود الطوباوي الذي وصل إلى مثل هذا المستوى من التقدم « لا تسكت دموعي . لأني أنا غريب عندك . نزيل مثل جميع آبائي » ( مز ۱۲:۳۹ ) . أيضا يكتب بولس الرسول لهؤلاء الذين وصلوا إلى قياس الكمال ، قياس قامة ملء المسيح ( انظر أفسس 13:4 ) : « لأن ليس لنا هنا مدينة باقية لكننا نطلب العتيدة . الذي صانعها و بارئها هو الله » ( عب 14:13 ) . إذن ، أن يسكن يعقوب العظيم ، أي إسرائيل في خيام ، سيصير علامة ، لكل الذين يفكرون بالصواب بأنه ينبغي لأولئك الذين لديهم بالفعل أعين متجهة نحو الله وعقل مستنير ، أن يعتبروا أن أمور هذا العالم مؤقتة .

فاصل

  1. يؤكد القديس كيرلس على أهمية الألقاب أو الأسماء التي لها علاقة مع أسماء أخرى لمجرد نطق أي اسم منهما ، إذ يقول في حواره حول الثالوث : “ إن الأسماء التي تدل على علاقة ، تشير أيضا إلى طرفي هذه العلاقة لأن المعني يشمل كل منهما . هكذا سيكون من السهل على المرء وهو يعرف معنى اليمين على سبيل المثال هو أن يعرف من خلاله معنى اليسار وسيوافق المرء أيضا أن العكس صحيح . فالاسم آب ” إذن هو من الأسماء التي تدل على علاقة مع آخر ، كما أن الاسم ابن ” يدل على نفس العلاقة . وبالتالي فإلى أي شيء تدل الأسماء الآب ” ، الابن وإلى أي علاقة تشير ، وعند استخدامها ، هل يخرج الحديث عما يليق ؟ ” . ويستمر القديس كيرلس في الحديث ، قائلا : “ إذن لنسمع المسيح نفسه وهو يصرخ قائلا : “ لستم تعرفوني أنا ولا أبي . لو عرفتموني لعرفتم أبي أيضا أحدا . وعندما سألوا عن سبب توبيخهم أجابهم قائلا “ إن من ينكر الآب ينكر الابن أيضا ومن ينكر الابن لن يقبل الآب أيضا . وبالطبع فإنه محق في قوله هذا . لأنه إن لم يكن هناك آب قد ولد حسب الطبيعة ، فإن لن يقبل أن يكون هناك ابن مولود ، ولا حتى آب ، وهذه طريقة تفكير غير منطقية . لأن الآب يدعي أبا لأنه ولد . وبالتالي هو قول حق أن الاسمين أب وابن يُشيران إلى الاثنين وعندما يوجد الواحد ، يوجد بالضرورة الآخر وهذا هو السبب فيما يقال عن كينونة كل منهما . القديس كيرلس السكندري ، حوار حول الثالوث ، الجزء الرابع الحوار الرابع

فاصل

11- التفسير الروحي لقصة يعقوب

المقالة الخامسة 

13- يعقوب في شكيم

البابا كيرلس عمود الدين
تعليقات لامعة على سفر التكوين

 

زر الذهاب إلى الأعلى