تعليقات لامعة على سفر التكوين للقديس كيرلس الكبير

المقالة السابعة: عن بركة يعقوب لأبنائه – عن بنيامين

” بنیامین ذئب مفترس . في الصباح يأكل غنيمة وعند المساء يقسم نهباً” تك 27:49)

 ولدت راحيل أولاً يوسف ثم بنيامين ، لكن يعقوب قال عن يوسف إنه قمة بالنسبة لأخوته ( انظر تك 26:49 ) ، ذلك لأن بنيامين كان أصغر سناً من يوسف ، لذلك يعتبر – بصواب – نموذجا وصورة مسبقة للشعب الجديد الذي كان سیدعی بواسطة التلاميذ القديسين بعد قيامة المسيح من بين الأموات وصعوده إلى الله الآب . ويشبه بنيامين أيضا ذئبا بسبب إقدامه الشديد ورغبته في أن يتعلم وأن يصعد دائماً وباستعداد هائل ، مثلما تفعل بعض الوحوش مع كل ما تتغذى عليه ، لكي يكون لهم صحة جيدة ، وهذا يشير إلى نوال حالة روحية جيدة بالنسبة للشعب المؤمن . لأن الوحوش تكون مرعبة حين تنظر لشيء ترغب فيه ، فهي تخطف ما يفيدها وتسرع في تجنب ما يضرها ، ولا تخاف بسهولة حتى لو حاصرتهما الكلاب . هكذا الشعب الجديد الذي دعي للإيمان ، لا يخاف بسهولة من أولئك الذين يستخفون بأقوالهم وأعمالهم ويرفضون قبولهم . لأن القديسين قد تعلموا بجسارة أن يقولوا : “ من سيفصلنا عن محبة المسيح : أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عُري أم خطر أم سيف ” ( رو 35:8 ) . حتى لو اضطهدهم الرعاة المزيفون وشرعوا في طردهم من الطريق الذي يحبونه بلا شفقة وفق ما هو مكتوب ( انظر زك 4:11 ) ، فإنهم يظهرون صبراً كبيراً في الآلام ويعتبرون الحياة ذات قيمة حقاً حين يتألمون . لأنهم قد تعلموا : “ لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح” ( فيلبي 21:1).

إذن ، بالرغم من أن الشعب الجديد يشبه الذئاب الخاطفة ، إلا إنه حريص دائماً على أن يحيا باستقامة ، ولا شيء يضره ، لأن المخلص يسمى ذاته أسد وشبل أسد، أي مفترس، قائلا : “ لأني لإفرايم كالأسد ولبيت يهوذا کشبل الأسد فإني أنا أفترس وأمضي آخذ ولا منقذ ” ( هو 14:5) . إنه يدعو أولئك الذين آمنوا به وحوش الصحراء قائلا بفم أشعياء : ‘ ‘ يمجدني حيوان الصحراء الذئاب وبنات النعام لأني جعلت في البرية ماء أنهاراً في القفر لأسقي شعبي مختاري . هذا الشعب جبلته لنفسي . يحدث بتسبيحي ” ( أش 20:43-21).

أتدرك إذن ، أنه سمي الجنس المختار وحوش مفترسة وبنات النعام ، أي الأكثر عذوبة من الطيور . يدعون وحوشاً لأنهم لا يطيقون أن يروضهم الشيطان ، الشيطان الذي يحرضهم لكي يفعلوا أموراً لا تليق . ويدعون أيضا النعام لأنهم يتحدثون بفصاحة ولباقة وعذوبة عن إنجازات المسيح ويسبحون بتسابيح . وهكذا ، فبنيامين هو ذئب ، أي الشعب المؤمن الجديد[1] والذي لديه استعداد عظيم لإدراك ما يفيده ، وما يفيد الآخرين ، إذ يقول : « في الصباح يأكل غنيمة وعند المساء  يقسم نهباً» (تك 27:49) .

إن الذي يُعلم يشبه ذاك الذي يطعم . فهو لا يختلف أبدا عن الذي يمنح طعاماً لأنه يضع ما ينادي به من تعليم في الذهن والعقل مثلما يوضع الطعام في الفم . على الجانب الآخر ، يشبه بولس العظيم التعليم بالطعام . لأنه قال : « الطعام القوي فللبالغين الذين بسبب التمرن قد صارت لهم الحواس مدربة على التمييز بين الخير والشر » ( عب 5: 14 ) . حسنا ، « بنیامین هو ذئب يفترس . في الصباح يأكل وعند المساء يقسم نهباً » . كأنه يريد أن يقول ، بالرغم من أن شخصاً ما مازال تلميذاً ولم يصل بعد إلى مرحلة الكمال ، إلا أنه يستطيع أن يفيد الآخرين ، وسوف نبرهن سريعاً هذا الأمر ، بأن هؤلاء الذين آمنوا في العصر الجديد هم مناسبون لأن يعلموا آخرين . إذ قيل لبني إسرائيل ، بسبب جهلهم الشديد والسماكة الذهنية في عقولهم : « أسمع هذا أيها الشعب الجاهل والعديم الفهم الذين لهم أعين ولا يبصرون . لهم آذان ولا يسمعون » ( إرميا 21:5 ) وأيضا : « المحمَّلين عليَّ من البطن المحمولين من الرحم . وإلى الشيخوخة أنا هو وإلى الشيبة أنا أحمل » ( أش 3:46 – 4 ) . أما يوحنا الحكيم فيكتب لأولئك الذين آمنوا ، وانتسبوا للمسيح ، قائلا : « ولا حاجة بكم أن يعلمكم أحد بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء وهي حق وليست كذباً. كما علمتكم تثبتون فيه » ( يو ۲۷:۲) ، لأن لديهم فكر المسيح الذي يعرف كل شيء ، وهم قادرون على أن يعلم الواحد الآخر ويعضده .

أيضا نستطيع القول بأن الكلام عن بنيامين قد تحقق مع بولس الطوباوي نفسه . لأن هذا الذي اضطهد الكنيسة وأسرع مثل ذئب ضد أولئك الذين كانوا يحبون المسيح ، تغير في وقت قصير جداً – إلى العكس تماماً. لأنه كرز بالإيمان الذي كان يوما يبغضه وشكر الله الذي كلفه برسالة ، بالرغم من أنه قبلا كان « مجدفاً ومضطهداً ومفتريا ً» ( ۱ تیمو ۱۳:۱ ) . وهو ذاته أقر بذلك.

حسنا ، لقد كان من سبط بنيامين . وأيضا ذاك العظيم ، أقصد داود ، ذکر بوضوح هذا الأمر في مزمور 27:68 : « هناك بنيامين الصغير متسلطهم رؤساء يهوذا جلهم رؤساء زبولون رؤساء نفتالي » ( مز 27:68 ) . حقا ، إن التلاميذ الطوباويين ، وهم يهود من دم إسرائيل قد صاروا معلمين لأولئك الذين انتموا للمسيح وتبرروا بإيمانهم به ، ومنهم أيضا ذاك الذي آتي من سبط بنيامين ، يقول في رسالته : « لأننا إن صرنا مختلين فلله . أو كنا عاقلين فلكم » ( ۲ کو 13:5 ) . لأنه كرز للأمم ولليهود بربنا يسوع المسيح الذي به وبواسطته ينبغي التمجيد مع الله الآب والروح القدس إلى دهر الدهور . آمين .

فاصل

  1. يرى العلامة هيبوليتس أن هذه النبوة تتلائم مع بولس الرسول ، إذ يقول : « هذه النبوة تتلائم مع بولس الذي كان من سبط بنيامين . لأنه عندما كان صغيراً كان ذئب مفترساً، ولكنه لما آمن صار يقسم طعاما ( أي يوزع بركات بنشره بشارة الملكوت ) . وهي أيضا تدل على نعمة ربنا يسوع المسيح ، إذ تشير إلى أن سبط بنيامين سيكون بين أوائل المضطهدين ، أعني به شاول ( الملك ) الذي كان من سبط بنيامين ، وقد اضطهد داود الذي تعين أن يكون رمزا للرب ( یسوع ) » .168.A.N.F : vol.V.p أما القديس جيروم فإنه يقول » : الله يبدأ في محاسبتنا فقط منذ اليوم الذي ولدنا فيه جديداً في المسيح . فبولس المضطهد للكنيسة الذي كان في الصباح ذئب بنيامين المفترس ، صار في المساء يعطي طعاما ، حتى أنه أسلم نفسه لحنانيا الغنمة ) الوداعة , N.P.N.F . 2nd series ( vol.TV , p126,146 أنظر شرح سفر التكوين ، سفر البدايات ، دار محلة مرقس ، طبعة أولى 2005 ، ص 509.

فاصل

عن يوسف

المقالة السابعة  فهرس
تعليقات لامعة على سفر التكوين
البابا كيرلس عمود الدين

 

زر الذهاب إلى الأعلى