تعليقات لامعة على سفر التكوين للقديس كيرلس عمود الدين

المقالة السادسة: 2- عن يهوذا وثمار

 

يهدف الكتاب المقدس إلى أن يجعل لنا سر المسيح واضحاً بآلاف الوقائع [1] ، ويمكن لأحد أن يشبه الكتاب بمدينة بهية جديرة بالإعجاب. هذه المدينة لا تملك صورة واحدة للملك ، بل صوراً كثيرة جداً، وموضوعة في كل مكان بطريقة رائعة وبهية . حسناً، كل الأقوال التي صارت لتحقيق هذا الهدف لا يغيب عنها شيء ، بل يذكر فيها كل شيء . وحين يذكر الكتاب حادثة فيها شيئاً سيئاً، فهو لا يعطي أهمية لهذا الشيء السيئ ، بل يكفيه عرض جوهر الموضوع الذي يخدم الهدف بطريقة حسنة. لأن الغرض من ذكر الوقائع ليس هو تسجيل تاريخ حياة القديسين ، بل هو يبتعد كثيراً عن هذا الأمر ، بل هو يعطينا معرفة السر من خلال تسجيل موضوع الحديث لكي يصير واضحاً وحقيقياً . لذا لا يجب أن يدين أي أحد الكتاب من أجل شيء سيئ يمر فيه ، متهماً إياه بأن ذكر الشيء السيئ هو خطأ تجاه الحق.

حسناً، لقد صور الكتاب لنا خلال يهوذا وثامار سر تدبير المخلص . لأن الكتاب يقول : « وحدث في ذلك الزمان أن يهوذا نزل من عند إخوته ومال إلى رجل عدلامي اسمه حيرة . ونظر يهوذا هناك ابنة رجل كنعاني اسمه شوع . فأخذها ودخل عليها . فحبلت وولدت ابنا ودعا اسمه عيرا . ثم حبلت أيضا وولدت ابن ودعت اسمه أونان . ثم عادت فولدت أيضا ابن ودعت اسمه شيلة . وكان في كزيب حين ولدته » ( تك 1:38 – 5 ) . إذن ، هؤلاء كانوا أبناء يهوذا الثلاثة. وعندما صار أولاده كباراً أخذ يهوذا ثامار لابنه البكر لتكون زوجة له ، أقصد ابنه البكر عير . لكن بسبب أن عير كان شريراً في أعين الله ، قبلما يرزق بأولاد ، مات . لأن الكتاب يقول : « فأماته الرب » ( تك 6:38 ) . ثم بعد ذلك سمح يهوذا لأونان أن يدخل على امرأة أخيه لكي يقيم نسلاً لأخيه الذي مات . أما أونان لأنه عرف أن النسل الذي سوف يصير لن يكون نسله ، خالف ناموس المعاشرة وسكب بذرته على الأرض ، وأماته الله مباشرة ( انظر تك ۱۰:۳۸ ) . وعندما صار هذا الأمر ، خاف يهوذا من السماح للابن الثالث شيلة للدخول عليها مبررا ذلك بأنه ربما يفقد أيضا ابنه الثالث ، علاوة على أنه ما زال صغيراً. لأنه قال لثامار عروسه : « لعله يموت هو أيضا كأخويه » ( تك ۱۱:۳۸ ) . وثامار رحلت وظلت في بيت أبيها.

وبعد مرور زمن ، تضايقت ثامار من أجل تأجيل الزواج ، لأنها أدركت كيف أن حماها لن يوفي بوعده وبالحري حول انتظارها إلى آمال لن تتحقق . إذن ، ما الذي ابتكرته لأجل تحقيق هذا الهدف ؟ يقول الكتاب : « فأخبرت ثامار وقيل لها هوذا حموك صاعد إلى تمنه ليجز غنمه . فخلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلففت وجلست في مدخل عنيايم التي على طريق تمنه. لأنها رأت أن شيلة قد كبر وهي لم تعط له زوجة . فنظرها يهوذا وحسبها زانية . لأنها كانت قد غطت وجهها » ( تك 1:38 – 15) . ولأن الشهوة قد استولت عليه ، فمال إليها على الطريق ، وطلب منها أن يدخل عليها ، فطلبت المرأة منه أجرة ، فوعدها بأن يرسل لها جدي معزي من الغنم ، وعندما طلبت منه أيضا ضمان لوعده ، أعطاها عصاه وخاتمه وعصابته ، ( أي زينة لبس على الرقبة ، كما يفعل الكلدانيون ) . لأن الكلدانيون يحبون الحلي ويزينون أيديهم ورقابهم ، وأحيانا يلبسون أيضا تيجانا على رءوسهم ، إذ كانوا يظنون أن هذا الأمر يليق بأصلهم النبيل ، وأن هذا الأمر أيضا لا يحرمهم من الثناء على رجولتهم.

حسنا ، عندما حدثت هذه الأمور ، ذهب يهوذا هناك إلى حيثما كان مقصده الأصلي ، بينما ثامار عادت إلى بيت أبيها ، وصارت حاملا كما كانت ترجو . وعندما علم يهوذا بهذا الأمر ، قال يجب أن تموت هذه المرأة لأنها قد زنت . لكن عندما وصل إلى المرحلة الأخيرة ، أظهرت له العصي وباقي الأشياء التي أخذها منه قائلة له : «أَمَّا هِيَ فَلَمَّا أُخْرِجَتْ أَرْسَلَتْ إِلَى حَمِيهَا قَائِلَةً: «مِنَ الرَّجُلِ الَّذِي هذِهِ لَهُ أَنَا حُبْلَى!» وَقَالَتْ: «حَقِّقْ لِمَنِ الْخَاتِمُ وَالْعِصَابَةُ وَالْعَصَا هذِهِ». فَتَحَقَّقَهَا يَهُوذَا وَقَالَ: «هِيَ أَبَرُّ مِنِّي، لأَنِّي لَمْ أُعْطِهَا لِشِيلَةَ ابْنِي». فَلَمْ يَعُدْ يَعْرِفُهَا أَيْضًا. وَفِي وَقْتِ وِلاَدَتِهَا إِذَا فِي بَطْنِهَا تَوْأَمَانِ. وَكَانَ فِي وِلاَدَتِهَا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَخْرَجَ يَدًا فَأَخَذَتِ الْقَابِلَةُ وَرَبَطَتْ عَلَى يَدِهِ قِرْمِزًا، قَائِلَةً: «هذَا خَرَجَ أَوَّلاً». وَلكِنْ حِينَ رَدَّ يَدَهُ، إِذَا أَخُوهُ قَدْ خَرَجَ. فَقَالَتْ: «لِمَاذَا اقْتَحَمْتَ؟ عَلَيْكَ اقْتِحَامٌ!». فَدُعِيَ اسْمُهُ «فَارِصَ». وَبَعْدَ ذلِكَ خَرَجَ أَخُوهُ الَّذِي عَلَى يَدِهِ الْقِرْمِزُ. فَدُعِيَ اسْمُهُ «زَارَحَ». ( تك 25:38 – 30).

هذه الأقوال قيلت في الكتاب المقدس ، أما عن أهميتها ، فهي مستترة . حسنا ، هذه الأهمية سوف نفحصها بإيجاز لنتحقق من دقة هذه الأقوال.

إنني أعتقد – قبل أي شيء – أنه ينبغي أن نقول الآتي : بالرغم من أن أمراً قد حدث من تلك الأمور غير المحتشمة ، إلا أننا لنا رأي واضح من جهة فهم الكتاب المقدس ، إذ أن الله دبر أن ننال منفعة مما ذكره الكتاب عن يهوذا . إذن ، فلنترك الضرر الناشئ من العثرة ، إذا كنا نظن أننا حكماء ولدينا رأي صحيح ولا نجهل هذه الأمور ، لأنها تؤدي للمنفعة الروحية بحسب التدبير . يجب أن نتأمل في قول الرب لهوشع بأن يتخذ لنفسه امرأة زانية وينجب منها نسلاً ويصير أباً لأولاد مكروهين ودعاهم ب « لستم شعبي » ( انظر هوشع ۲:۱ – ۹ ) . وماذا يعني هذا الأمر ؟ ولأي هدف قد حدث ؟ سوف لا نتردد في شرح هذا الأمر. بسبب أن أولئك الذين هم من بني إسرائيل الذين كانوا يعتقدون أنهم عظماء قد قاوموا كرازة الأنبياء، و كانت الكلمة الإلهية بالنسبة لهم غير مقبولة ، صارت هذه الأمور عبر الزمن مع القديسين. والقديسون وهم يرون بوضوح مغزى هذه الأمور من خلال حدوث هذه الوقائع ، ركزوا عقولهم في طلب الأمر المفيد وأقنعوا الآخرين به. لأهم أدركوا أن بني إسرائيل سوف يصيرون شعب لا ينتمي إلى الله ، وسينحدر منهم هؤلاء الذين هم غير مرحومين، لأنهم سيكونون قساة وعصاة . وبالفعل أي مرض من هذه الأمراض لم يصابوا به؟ فيما يخص النبي الذي عاشر زانية ، فإنه كان رمزاً لله الذي ارتبط بمجمع اليهود الذي يشبه بامرأة زانية وممقوتة ، وقد قبل أن يكون له أولاداً منهم.

إذن ، ونحن نتأمل طرق التدبير هذه ، سوف ننال منفعة مما حدث بين ثامار ويهوذا ، لأن ثامار رغبت في أن يكون لديها ابن ، بينما هي لم تكن تعاشر زوجة شرعياً، ويهوذا أيضا كان بلا امرأة لأن امرأته الأولى قد ماتت . إذن ، علينا أن ننظر للعلاقة الجسدية والولادة الجسدية على أنها أمثلة للعلاقة الروحية والولادة الذهنية[2]. وبهذه الطريقة سوف ينقاد الذهن البشري إلى الحق ، وليس بأي طريقة أخرى.

إذن ، لقد نزل يهوذا ورحل إلى شخص يدعى حيرة ، كان راعياً للماعز ومتخصصاً في الأعمال الرعائية . وحين رأى يهوذا سافا هناك اتخذها امرأته وأنجب منها ثلاثة أولاد : عيرا وأونان وشيلة . « عيرا » يعني « جلدي » ، أي « جسدي» ، و « أونان » يعني «مجروح في القلب » والثالث يعني « الراحة والهدوء » . وهذا كله يشير إلى كلمة الله وحید الجنس الذي نزل من السماء كما من أرض مقدسة ، هذا الذي يقدم له التسبيح ومنه يشع مجد المملكة . وهذا يعني اسم يهوذا حيث أنه يعني « الممدوح » وسبطه وضع في المكانة الملوكية وتفوق على غيره من الأسباط . لأجل هذا أيضا بارکه يعقوب العظيم ، قائلا : « يهوذا إياك يحمد إخوتك » ( تك 8:49 ) . وقد شهد أيضا بولس الحكيم بأن من سبط يهوذا أتى المسيح ، هذا الذي تقدم له كل الخليقة المدح والتمجيد والتسبيح.

لقد نزل كلمة ( الله ) وحيد الجنس وانتقل إلى صحراء مديان حيث رعی موسى الغنم وظهر له في شكل نار في العليقة ( انظر خر 2:3-4 ) ، واتحد بواسطتها – كما بامرأة من كنعان – بجميع بني إسرائيل في مصر ، بالضبط مثل يهوذا حين اتحد بواسطة راعي غنم بسافا ابنة رجل كنعاني اسمه شوع ، واسمها يعني « المرتفعة والمتكبرة » ( راجع تك ۱:۳۸-۲ س ) ، لأن مجمع اليهود المدعو للسكن مع الله لم يظل وضيعاً ومتذللاً ” بحقارة العبودية ، بل صار مرتفعاً وعالياً وفخوراً. إذ أفتدي كانتشال الحديد من الأتون ، من العبودية كما هو مكتوب ( انظر خر ۳:۱۳ ) . ثم أتی من مجمع اليهود في مصر الذي كان من أمة أخرى – من هذا المجمع أتى ثلاثة شعوب لتكميل أبناء الله ، الذين أتوا من أم واحدة ، لكن اختلفوا فيما بينهم من جهة زمن ولادتهم . وبأي طريقة حدث هذا الأمر ؟ سوف نقوله بإيجاز . أولا اتحد يهوذا عن طريق ابنه عير البكر بثامار ، لكن ، لأنه كان شريرة ، أهلكه الله . ثم تزوج أونان ثامار ، أونان الذي كان من جهة الترتيب الزمني ، الثاني . لكنه لأنه لم يرد أن يحصل على ابن لأخيه ، هلك مثل الأول لأن الله غضب عليه . أما الابن الثالث ، أقصد شيلة لم يتركه أبيه ليتزوجها من خوفه عليه لئلا يموت أيضا . ماذا يعني هذا الحدث التاريخي ؟ سأحاول أن أقول هذا الأمر بالاستنارة التي يعطيني إياها الله.

حسنا ، المجمع الأول في مصر ، والذي وصفناه بأنه من سبط آخر ، لأنه حينذاك قد توحش بطرق وأعراف يونانية ، أعاد الله إصلاحه عن طريق الناموس ، وجعله مجمع جدید ومختلفاً عن السابق . وهذا ما يعنيه اسم ثامار . ولاحظ أن السر يوجد في تفسير الأسماء . لأن ثامار تعني « خسوف وانتقال» . وحقا قد انتقل مجمع اليهود . كيف حدث ذلك ؟ لم تظل عبادة هذا المجمع غير متغيرة ، بل انتقل وضعها إلى العبادة الروحية . هكذا جاءت العبادة التي بالمسيح مُطلة العبادة الأولى ، والتي لم تكن بلا لوم ، وتزوج المسيح الكنيسة كما من عذراء طاهرة ، تاركاً تلك القديمة والأولى . إذن ، أعتبر مجمع اليهود عن حق منتقلاً ومتحولاً . أما كون أن ليس أحد يتبرر بالناموس ، ولا يمكن التمتع برضا الله في مجمع اليهود ؛ لأنه كما هو مكتوب : « الناموس ينشئ غضبا » ( رو 15:4) ، نجد كل هذا معلناً في قصة أولاد يهوذا الذين ارتبطوا بثامار . لأن البكر ، عير يعني : « الجلدي » أي « الأرضي» ، لكن بسبب أنه كان شريراً ، فقد أماته الرب . والشعب الأول في الواقع كان شريراً، فقد تكلم ضد الله : « هل يقدر الله أن يرتب مائدة في البرية » ( مز ۱۹:۲۸ ) . بالرغم أنه ضرب لهم الصخر وتدفقت المياه وفاضت الأودية ، ولكنهم قالوا : « هل يقدر الله أن يرتب مائدة في البرية » ( مز ۱۹ : ۷۸ ) . وأيضا المرسلون الذين ذهبوا ليروا أرض الموعد ، بكوا مثل الأطفال ، كما لو أنهم سوف يموتون للتو سريعاً ، وهم بعصيانهم أهانوا الله الذي يستطيع أن يفعل كل شيء . لأجل هذا أيضا ماتوا ولم يدخل أحد إلى أرض الموعد « فجثثكم أنتم تسقط في هذا القفر » ( عدد 14: 32).

إذن ، البكر عير ، أي الشرير والجسدي ، مات أولاً، لأن ليس فيه أي ثمر للتقوى . والعصيان أيضا يُعلن لنا بمثال . لأن الأمور المحسوسة هي صور للأمور العقلية. ثم الثاني بعد ذاك ، كأنه ابن الله الذي خلصه وأخرجه من بيت العبودية ، هذا الشعب ، الذي عبر الأردن بقيادة يشوع وورث أرض الموعد ، والذي دبر الله أموره بواسطة القضاة ، لكن هذا الشعب سقط بسبب أنه أغضب الله وتمرد عليه .

لأن اسم أونان يعني « المجروح في قلبه » . إذ أنهم انجذبوا بجهل تجاه تعدد الآلهة تارکين الإله الحقيقي الواحد بالطبيعة . لأجل هذا أيضا هلك وأستعبد لأمم أخرى . لأن هذه الأمور علمها لنا سفر القضاة . مات أيضا « أونان » بدون أن يحصل على أولاد ، مثل عير ، ملقيا بذرته على الأرض . هكذا كان طبيعي أن لا يتمتع بأي ثمر حتى إن كان هذا الثمر هو إنشاء نسل لأخوته . إذ أنه تصرف بتمرد وكراهية تجاه الشعب الثاني من جهة الترتيب الزمني ، في أن يقيم برحمة الناموس ابناً( من ثامار ) لله ، بدلا من أولئك الذين عصوا ، وبذلك رفض أن يُظهر بالفعل أن الشعب الجديد قد نشأ . وهذا هو ما يعنيه بأن ينشئ أونان نسلاً لأخيه.

إذن ، عندما مات الاثنان بصواب ( لأن الأول كان شريراً ، والآخر مجروحاً في القلب) ، فإن الأب منع الثالث من عمل علاقة مع ثامار ، لأنه خاف أن يموت هذا أيضا کالاثنين الذين ماتا. لأن الشعب الثالث ، الأعظم ، الذي كان في الأزمنة الأخيرة للأنبياء القديسين ( مع هؤلاء والتالي المباشر هو المعمدان العظيم ، الذي أظهر أن المرسل من السماء هو حاضر ، أقصد المسيح ) ، لم يتركه الله يسقط في أحضان مجمع اليهود ، ولا أراد أن يكون له نسل من هؤلاء ، خائفا أن يهلك أيضا . لأنه مكتوب « الناموس ينشئ غضبا » ( رو 15:4 ) ، ولن يتبرر أحد بتاتا بالناموس.

لكن ، لاحظ كيف أن شيلة يظهر أنه مثال للشعب الأخير والمؤمن . لأن اسم شيلة  يعني « الراحة والهدوء » . إذن ، جاء الغضب على نسل إسرائيل بسبب أعمالهم الشريرة ضد المسيح بتصرفاتهم المخمورة . لقد أفلت أولئك الذين آمنوا من فم الوحش ونجوا من القيود التي كبلتهم .

أقصد خلصت البقية بحسب الكتب ( انظر قض 13:5 . أش 22:10 . رو 9: 27) . قال الله بفم النبي : « كما ينزع الراعي من فم الأسد كراعين أو قطعة أذن هكذا ينتزع بنو إسرائيل » ( عا ۱۲:۳ ) . إذن ، لأجل هذا أيضا سُمي شيلة « المرتاح والمنتزع» . بمعنى هذا الذي ارتاح من صنع علاقة مع ثامار ، أي من صنع ثمار وفق الناموس ، هؤلاء الذين آمنوا ، ومنترعين من وسط أولئك الذين هلكوا ، يمكنك أن تعرف عنهم من بولس الطوباوي بسهولة ، إذ يقول عن مفاخر الناموس : « ما كان لي ربحاً فهذا حسبته من أجل المسيح خسارة » ( فيلبي۷:۳) . لأنه لم يرغب في الحصول على نفس البر ، أي ذلك الذي بالناموس بل أراد التبرير بالإيمان بيسوع المسيح . بالتالي شيلة الأكثر حيوية وشبابا لم يرتبط بثامار . لأجل هذا ظلت ثامار أرملة ، وعاشت في ترملها سنين عديدة . أي ، لأن الله لم يرد أن يثمر مجمع اليهود ، صار کمثل أرملة بدون أولاد وبدون رجل ، أي بدون عريس عقلي . لأنه قال ( بالنبي ) : « لأنها لیست امرأتي وأنا لست رجلها » ( هوشع۲:۲).

حسنا ، ألم يصر بعد هذا أي حديث عنها ، ولم يهتم بها الله ؟ أرجو أن لا تُفکر هكذا، لأنه بالرغم من أنها أدينت لأجل كل أعمالها الفاسقة والسيئة ، إلا أن الله من صلاحه سوف يرحمها في الأيام الأخيرة ، وسوف تُثمر أيضا صفات المسيح . أنها ستكون في المرتبة الثانية بعد الأمم ، فهذا سوف تعرفه مما هو مكتوب . لأن يهوذا ذهب لكي يجز غنمه وهو في طريقة وجد ثامار وعاشرها وأعطاها عصاه وخاتمه وعصابته ووعدها بأن يرسل لها جدي معزى من الغنم . حسن ، وأيضا المسيح ، كراع للخراف العقلية ، اعتنى بالرعية قابلاً ثمارها ، أي هؤلاء الذين قد آمنوا وتقدسوا بالروح ، أما مجمع اليهود ، فقد جعله – مؤقتا خارج عنايته الخاصة ، وسوف يظهره ثانية قادر أن يحمل ثمار حکمته. سيعطيه ذاته ، مثلما أعطانا نحن ، عصا القوة ، وصورة ومثالا الله الآب ( لأن الخاتم يرمز لهذا ) وجمالاً أكثر مما لأبناء الناس ( انظر مز 3:45 ) . لأن هذا ما تشير إليه عصابته (الزينة التي توضع على الرقبة ) . لأن كل شيء بمثابة زينة يمكن أن يعتبر علامة للجمال . وأرسل لها أيضا جدي معزی ، أي سيعطيهم غفرانا لخطاياهم . لأن جدي معزى ، وفق الناموس ، يذبح لأجل الخطية ويرمز لغفران الخطايا . وخلصت ثامار ، بالرغم من أنها أدينت بالموت وتثقلت بأبشع الجزاءات . لقد أدينت ثامار لأنها زنت . لكن خلصت لأنها قدمت العصا والخاتم والعصابة، واعترفت بوضوح أنها حملت من يهوذا ، ولديها ثمرة . والمسيح سوف يحرر مجمع اليهود نفسه الذي ينبغي عليه أن يعاقب لأنه حمل رموز الشركة معه وأظهر بوضوح أنه حمل ما يخصه . هذه الأقوال قالها أيضا هؤلاء الذين انتظروا ، وكان لهم الرجاء بالإيمان بالمسيح : « كما أن الحبلى التي تقارب الولادة تتلوى وتصرخ في مخاضها هكذا كنا قدامك يا رب . حبلنا تلوينا كأننا ولدنا ريحاً خلاصاً في الأرض ولم يسقط سکان المسكونة » ( أش 17:26 – 18 س ) .

وثامار التي حملت بجنينين وصلت إلى لحظة الولادة . وفي وقت ولادتها أخرج البكر يده ، وردها ثانية بالرغم من أن يده رُبطت بالخيط القرمزي ، وخرج الثاني أولاً، كمثل اقتحام شخص لسد أو حاجز ، وبعد ذلك خرج الأول الذي صار الأخير . هذا الأمر بالنسبة لنا هو علامة واضحة على أن الأمم تقدموا على بني إسرائيل ، ونالوا مجد البكر ، أولئك الذين يرموا في أزمنة متتالية . لكن هذا الأخير سيتبعه ، بدون شك ، طالما أظهر ذبيحة المسيح ، لأن الخيط القرمزي يعتبر مثالاً للدم المقدس . إذن من هو هذا الذي أبطل الحاجز المتوسط ( انظر أفسس ۱۶:۲ ) ، وأحضر الثاني مكان الأول ، ووضع الأول خلف ذاته ؟ أليس من الواضح أنه المسيح الذي بواسطته ، وله نعطي المجد لله الآب والروح القدس إلى أبد الآبدين . آمین .

فاصل

  1.  بحسب القديس كيرلس ، كانت توجد جموع من الأشخاص والأحداث والأشياء ، بسبب الملمح الخريستولوجي للعهد القديم ، تصور مسبقاً وبحسم أو كما يذكر القديس كيرلس ‘ ‘ كانت إشارة سرية لقوة وساطة المسيح ” ( السجود والعبادة بالروح والحق ، المقالة الثانية ) هذا صار على الجانب الآخر بطريقة واضحة : لأن الناموس هو معلم البدايات ويقودنا إلى أساسيات أقوال اللله ويلقي داخلنا – بألغاز وظلال – بذرة معرفة سر المسيح ” ( المرجع السابق ) . إن المثال الذي يشير مسبقا إلى شخص الإله المتأنس في العهد القديم ، أو الرمز الذي له علاقة بحدث مستقبلي لعمل المسيح الفدائي ليس هو ، بحسب القديس كيرلس ، إدراك ذهني مجرد ذات طبيعة رمزية خالي من المنظور التاريخي والعمق اللاهوتي.
  2. إن مشكلة الهراطقة ، كما يقول القديس كيرلس ، إنهم لا يخضعون لتدبير الله وطرقه الكثيرة الخاصة بإعلانات الكلمة ، ويوضح هذا الأمر في سياق شرحه لنص لو ۱۰ : ۲۲ ، إذ يقول : “ فإن الهرطوقي ، لا يخضع لشروط التدبير ، ولكنه يعمد إلى قلة حيائه المعتاد ، ويجعل ما يقال طعاماً لخبث عقله . تفسير إنجيل لوقا ، عظة 66 ص 318 .

زر الذهاب إلى الأعلى