تفسير سفر إرميا أصحاح 3 للعلامة أوريجانوس
عظة 4
تفسير الآيات من :
“وقال الرب لي في أيام يوشيا الملك ” (إر3 : 6)
حتى : “بررت نفسها العاصية إسرائيل أكثر من الخائنة يهوذا”(إر3 :11)
1. يمثل هذا الجزء شيئاً من الغموض يجب علينا كشفه ، وبعد ذلك إذا سمح الله ، سوف نعرف القصد منه . يريدنا النبي هنا أن نعرف – كما هو مكتوب في سفر الملوك- أن الشعب قُسم في أيام رحبعام إلى مملكة مكونة من عشرة أسباط كانت تحت حكم يربعام ، وإلى مملكة أخرى مكونة من سبطين تحت حكم رحبعام. مجموعة أسباط يربعام دعيت إسرائيل ، وسبطا رحبعام دعيا يهوذا. واستمر هذا الانقسام في الشعب حتى هذا اليوم ( وقت النبي ) : فنحن في الواقع لا نعرف أي حدث كان من شأنه تجميع إسرائيل ويهوذا في اتحاد واحد . إذا فإسرائيل – إسرائيل التي ليربعام وخلفائه – أخطأت أولاً وأخطات أيضاً أكثر ؛ ووصلت خطاياها – بالمقارنة مع يهوذا – إلى درجة أن الله جعلها تساق إلى السبي عند الأشوريين ، واستمر ذلك كما يقول الكتاب ” حتى الآن ” .
وبعد ذلك أخطأ أيضا أبناء يهوذا ، وتم سبيهم إلى بابل ، ولكن ليس ” حتى الآن ” مثل إسرائيل ، وإنما لمدة ٧٠ سنة تنبأ عنها إرميا كما ذكرها أيضا دانيال.
ويعلن الله أخطاء إسرائيل في الكلمات الموجودة في الآية 6 ، ثم يقول : بعد كل تلك الخطايا التي ارتكبتها إسرائيل ، فإن يهوذا التي علمت بكل هذه الخطايا ، ورأت كيف أرسلتها ( أي إسرائيل ) للسبي ، لم تستفد من ذلك الدرس ، بل على العكس ، أكثرت من خطاياها ، إلى درجة أن خطاياها هذه إذا ما قورنت بخطايا إسرائيل فسوف نجد براً في إسرائيل أكثر من يهوذا . وعندئذ أخذ النبي الأمر بالتنبؤ لأن يهوذا أصبحت أكثر شراً من إسرائيل ، وحتى يرجعوا عن خطاياهم . ثم بعد هذا ، تنبأ النبي أيضا أن إسرائيل ويهوذا سوف تجتمعان ، وأنه في يوم من الأيام سوف يجمعهم ملك واحد.
ومن كان مهتماً بتفسير القراءات ، فليراجع ما تم شرحه اليوم ، وسوف يرى أن المعنى قد أخذ في الوضوح .
إر 6:3-8 ” وقال الرب لي في أيام يوشيا الملك : هل رأيت ما فعلت العاصية إسرائيل ؟ – إسرائيل أولاً وليس يهوذا – ” انطلقت إلى كل جبل عال وإلى كل شجرة خضراء وزنت هناك . فقلت بعدما فعلت كل هذه : ارجعي إلي . فلم ترجع . فرأت أختها الخائنة يهوذا . فرأيت أنه لأجل كل الأسباب إذ زنت العاصية إسرائيل ، فطلقتها وأعطيتها كتاب طلاق… ” ،
٢. كان على يهوذا أن تستخلص من ذلك درسا -لأني طلقت إسرائيل وطردتها عند الأشوريين وأعطيتها كتاب طلاق في يديها – ومع ذلك لم تخف الخائنة يهوذا أختها ” ولم تكتف بهذا الدرس ، بل أضافت إلى خطاياها أثاماً أكثر ، حتى بدت خطايا شعب إسرائيل بالمقارنة بخطايا شعب يهوذا كأنها بر وصلاح . ” لم تخف الخائنة يهوذا أختها بل مضت وزنت هي أيضاً. وكان من هوان زناها أنها نجست الأرض وزنت مع الحجر ومع الشجر . وفي كل هذا أيضا لم ترجع إلي أختها الخائنة يهوذا بكل قلبها بل ” رجعت إلىَّ ” بالكذب ” . لم تهابني بعد كل ما فعلته بإسرائيل ولم ترجع إلي رجوعاً كاملاً بل بالعكس رجعت إلى بالكذب . ” فقال الرب لي : قد بررت نفسها العاصية إسرائيل أكثر من الخائنة يهوذا ” .
۳. دعونا نرى ما هو القصد من وراء هذا الجزء.
إن دعوة الأمم بدأت عند سقوط إسرائيل ، فبعدما كرز الرسل لجماعة اليهود قالوا لهم : ” كان يجب أن تُكلموا أنتم أولا بكلمة الله ولكن إذ دفعتموها عنكم وحكمتم أنكم غير مستحقين للحياة الأبدية هوذا نتوجه إلى الأمم ” ( أع 13 : 46 ).
ويقول أيضا الرسول العارف بهذا الموضوع : ” بزلتهم صار الخلاص للأمم لإغارتهم ” ( رو ۱۱ : ۱۱ ) . إذا فالأخطاء الكثيرة لهذا الشعب أدت إلى استعبادهم ، كما أدت أيضا إلى دخولنا إلى ” رجاء الخلاص ” ، نحن الذين كنا غرباء عن عهود الموعد ، لا رجاء لنا ” ( أف ۲ : ۱۲ ) . كيف إذا حدث ذلك الأمر ، كيف أنه بعدما ولدت في أي مكان من العالم ، وبعدما كنت غريبا عن أرض الموعد ، أقف اليوم لأتحدث عن وعود الله ، وأؤمن بإله الأباء إبراهيم وإسحق ويعقوب ، بل وأكثر من ذلك أن أقبل في داخلي يسوع المسيح الذي تنبأ عنه الأنبياء من قبل؟
ونلاحظ أن شعب إسرائيل هذا هو الذي كتب عنه : ” فطلقتها ( أي إسرائيل ) وأعطيتها كتاب طلاقها ” . إن الله قد طلق إسرائيل وأعطاها كتاب طلاقها ، وهذا قد يحدث بالنسبة للمتزوجين. إذا أصبحت الزوجة مكروهة عند زوجها كما هو مكتوب في شريعة موسي ، فإن الزوج يكتب لها كتاب طلاق فتطلق ، ويكون من حق الزوج الذي طلق امرأته الأولي لسبب سوء سلوكها أن يتزوج بأخرى.
بنفس الطريقة فإن شعب إسرائيل بعدما أخذ كتاب طلاقه تم إهماله تماماً. فأين أنبياؤهم بعد ؟ وأين “معجزاتهم ” بعد ؟ وأين هو ظهور الله لهم ؟ وأين العبادة والهيكل والذبائح ؟ لقد طردوا من مكانهم .
فالله إذا قد أعطي إسرائيل كتاب طلاق ؛ ثم نحن ، يهوذا ، لأن المخلص قد خرج من سبط يهوذا . لقد رجعنا إلى الرب ، ولكن يبدو أن أيامنا الأخيرة سوف تشابه أيام يهوذا الأخيرة إن لم تكن أسوأ منها . فيبدو أن هذا هو وقت انتهاء العالم فعلاً. ويظهر هذا بوضوح من كلام السيد المسيح في إنجيله : ” ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين ، ولكن الذي يصبر إلي المنتهي فهذا يخلص ” ( مت ٢٤ : ۱۲-۱۳ ) . وأيضا : ” سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضا ” ( مت ٢٤ : ٢٤ ) . وهذا هو وقتنا الحاضر الذي يقصده المخلص بمجيئه الثاني ، حيث أنه إذا بحثنا في العديد من الكنائس سوف لا نجد مؤمناً واحدا حقيقيا : ” ولكن متي جاء ابن الانسان ألعله يجد الإيمان على الأرض ” ( لو 18: 8 ) . وبالفعل ، فإنه إذا حكمنا على الأوضاع من حيث الحقيقة وليس من حيث العدد ، ولو نظرنا إلى الأعماق الداخلية بدلاً من النظر إلي أعداد الناس المجتمعة ، فسوف ندرك أننا لم نعد بعد مؤمنين أمناء . فقبل ذلك كان يوجد مؤمنين حقيقيين ، في عصر الشهداء المزدهر ، فعند عودة مواكب أجساد الشهداء إلى القبور كانت الكنيسة كلها تجتمع بلا أي خوف ، وكان الداخلون إلى الإيمان حديثاً يتعلمون مبادئ المسيحية وهم يرون من حولهم أجساد الشهداء ، كما أن مؤمنين كثيرين كانوا يعترفون بإيمانهم حتى الموت دون أن يكونوا خائفين أو متزعزعين في إيمانهم بالله الحي . إذا فنحن نعرف أناسا قد رأوا أشياء عجيبة وغير عادية . فكان يوجد إذا مؤمنون قليلون ، ولكنهم مؤمنون حقيقيون ، اتبعوا الطريق الضيق الكرب المؤدي إلى الحياة . أما الآن وقد أصبحنا كثيرين في عددنا ، ولما كان من غير الممكن ان يكون هناك كثيرين منتخبين ، لأن يسوع لا يكذب حينما يقول : “كثيرون يدعون وقليلون ينتخبون ” ، فمن بين الجموع الذين يتخذون العقيدة الدينية عملا لهم ( مهنة لهم ) يوجد بالكاد قليلون يصلحون للانتخاب الإلهي وللتطويب .
4. فعندما يقول الله : ” لقد طلقت أولاً إسرائيل بسبب خطاياها وأبعدتها عني ، ويهوذا لم ترجع إلي بالرغم من معرفتها بما حدث لإسرائيل ” ، فإنه يتحدث أيضا عن خطايانا . عند قراءتنا للمصائب والأهوال التي حلت بشعب إسرائيل ، يجب أن تأخذنا رعدة ونقول : ” إن كان الله يشفق على الأغصان الطبيعية فلعله لا يشفق عليك أيضاً” ( رو ۱۱ : ٢١ ) . إذا كان الذين يفتخرون بأنهم زيتونة حقيقية ( رو ١١ :٢٤) ، الذين هم متأصلين في جذور إبراهيم وإسحق ويعقوب ، قد قطعهم الله بلا شفقة ، رغم صلاحه وحبه للإنسان ، فكم بالحري نحن ؟
“هوذا لطف الله وصرامته ‘ ( رو ۱۱ : ۲۲ ) ، فهو ليس لطيفاً بدون صرامة ، ولا صارماً بدون لطف. فلو أن الله كان لطيفاً فقط بلا صرامة لكنا قد ازددنا في احتقارنا وعدم مبالاتنا تجاه لطفه. ولو كان صارماً بلا لطف لكنا قد سقطنا في اليأس من خطايانا. ولكن في الواقع بما أنه إله فهو لطيف وصارم في آن واحد، وأما نحن البشر فإننا نحن الذين نختار : نختار لطفه إذا رجعنا إليه ، ونختار صرامته إذا بقينا في خطايانا . ويكلمنا الله علي لسان الأنبياء ليقول لنا : ” هل رأيت ما فعلت العاصية إسرائيل ” ، – يفهم من إسرائيل هنا الشعب اليهودي – ، ” انطلقت إلي كل جبل عال وإلي كل شجرة خضراء”.
إذا نظرت إلى الفريسي الذي صعد إلي الهيكل بغرور بدون أن يقرع صدره ولا أن ينشغل بخطاياه ، بل قائلاً : ” اللهم إني أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ، ولا مثل هذا العشار . أصوم مرتين في الأسبوع وأعشر كل ما أقتنيه ( لو ۱۸ : ۱۱-۱۲ ) ، فسوف تفهم أنه قد صعد إلي كل جبل عال ، بمشاعره التي تستحق اللوم وبحبه للتفاخر والتباهي ، كذلك بالغرور والكبرياء صعد أيضاً إلي كل أكمة مرتفعة ، جاء تحت كل شجرة ، ليس شجرة مثمرة ، وإنما شجرة خشب فقط . فهناك اختلاف بين شجر الخشب وبين الشجر المثمر : فعندما نزرع شجرا للأخشاب فقط ، نقوم بزرع بذور غير مثمرة ، مجرد بذور عميقة . وهي ترمز إلي حوارات الهراطقة وحجبهم ذات البريق الغاش المخادع الغر صالح لإقناع السامعين . فإذا تركنا أنفسنا وراء هذه المجادلات ، فقد ذهبنا تحت كل شجرة للخشب .
ه . “وزنت هناك . فقلت بعدما فعلت كل هذه ارجعي إليَّ. فلم ترجع . فرأت أختها الخائنة يهوذا ( خيانة إسرائيل ) “ . هذا العتاب موجه لنا نحن أيضاً، نحن الذين نخطئ ، ولا نوفي بعهودنا مع الله ، نحن الذين لا نري ما حدث للذين فقدوا عهودهم مع الله على الرغم من كونهم من نسل إبراهيم وعلى الرغم من أنهم قد أخذوا الوعد.
يجب علينا إذا أن نتمسك بهذه الفكرة : بما أن هؤلاء قد قطعوا من البركات ومن الوعود الإلهية ، وأن كونهم من نسل إبراهيم لم يفدهم بشيء ، فكم بالحري إذا أخطأنا نحن، فسوف نكون مهملين من الله . ويقول لهم المخلص : ” لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم ” . كذلك يقول لهم القديس يوحنا : ” لا تبتدئوا تقولون في أنفسكم لنا إبراهيم أبا ، لأني أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادا لإبراهيم “.
إنه يقصدنا نحن بكلمة هذه الحجارة ، بقلوبنا الحجرية وقسوتنا تجاه الحق ، وأنها بالفعل حقيقة أن الله في قدرته قد أقام أولاداً لإبراهيم من خلال الحجارة.
” فرأيت أنه لأجل كل الأسباب إذ زنت العاصية إسرائيل فطلقتها وأعطيتها كتاب طلاقها لم تخف الخائنة يهوذا أختها “ . بعد كل هذا الذي صنعته بإسرائيل لم تخف يهوذا مما حدث للأخرين.
جاء عبد جديد ليخدم صاحب منزل ، وبما أنه قد تم شراؤه حديثاً، بدا يسأل ويستفسر : أي من الخدم السابقين كان صالحاً في عيني سيده ولماذا ؟ وأي منهم كان شريراً في عينيه ولماذا ؟ وبعدما يفكر إذا كان سوف يستمر في خدمة سيد ذلك المنزل ، فإنه يجتنب السلوك الذي أدى إلى طرد العبيد الأشرار وعقابهم . ثم في عمله بالسلوك الطيب الذي اتبعه العبيد السابقون والذي جعلهم مطوبين من سيدهم ، تأخذه الغيرة ليحذوا حذوهم.
نحن أيضاً ، كنا عبيداَ ، ولكن ليس لله ولكن للأوثان والشياطين ؛ لقد كنا وثنيين وإننا رجعنا فقط إلى الله من أمس أو من أول أمس : فلنقرأ الكتاب المقدس ، ولننظر من فيه تبرر ، ومن فيه قد دين ، ولنتمثل بالذين قد تبرروا ، ولنتحاش السقوط في أخطاء الذين أسلموا إلى السبي والذين طردوا بعيداً عن الله .
6. “لم تخف الخائنة يهوذا أختها بل مضت وزنت هي أيضاً. وكان من هوان زناها أنها نجست الأرض وزنت مع الحجر ومع الشجر” ، فعندما نخطئ وتتحول قلوبنا إلى حجر فإننا لا نفعل شيئاً آخر سوى ارتكاب الزنا مع الحجر.
” وفي كل هذا أيضاً لم ترجع إلي أختها الخائنة يهوذا بكل قلبها بل بالكذب “ . إذاً كنا في توبتنا ورجوعنا لله نضع الشروط والتحفظات ، فإننا نستحق هذا العقاب من الله أننا لم نرجع إليه بكل قلبنا. فإنه لهذا قال الكتاب : لم ترجع إلي أختها الخائنة يهوذا بكل قلبها ، ولم يقل : لم ترجع إلى أختها الخائنة يهوذا وبقيت بلا حركة ( بلا رد فعل ) ، وإنما : رجعت إلي بالكذب.
إن التوبة الحقيقية إذا هي أن نقرأ الكتب القديمة ( أي كتب العهد القديم ) ، ونعرف من هم الأبرار ونتمثل بهم ، ومن هم الخطاة ونتجنب السقوط في أخطائهم ؛ أن نقرأ كتب العهد الجديد وكلام الرسل. وبعد القراءة نكتب كل ما قرأناه في قلوبنا ونطبقه في حياتنا حتى لا يعطي لنا نحن أيضاً كتاب طلاق ، ولكن حتى نستطيع أن نبلغ إلى الميراث الأبدي ، وأن الأمم عندما يخلصون فإن إسرائيل أيضا حينئذ تستطيع أن تخلص.
لأن : ” أن القساوة قد حصلت جزئياً لإسرائيل إلى أن يدخل ملؤ الأمم . وهكذا سيخلص جميع إسرائيل ” ( رو ١١ : ٢٥-٢٦ ) ، ” ويكونوا رعية واحدة لراع واحد ” . ولإلهنا المجد والقدرة إلى أبد الآبدين ، أمين .
عظة 5
تفسير للآيات من : ” ارجعوا أيها البنون العصاة فأشفي عصيانكم ” ( إر 3: 22) ، إلى : ” من أجل ذلك تنطقوا بمسوح ” ( إر 4 :8). (جزء 1)
۱. مكتوب بوضوح في أعمال الرسل أن الرسل قد دخلوا أولاً إلى مجمع اليهود ليعلنوا كإخوة لهم من نسل إبراهيم وإسحق ويعقوب ، وليوضحوا لهم ما يختص بمجيء السيد المسيح في كلام الكتاب المقدس . ولكن لما لم يقبل اليهود منهم الكلام الذي كلموهم به ، كان يجب عليهم تغيير السامعين لكلامهم ، كما هو مكتوب : ” كان يجب أن تكلموا أنتم أولاً بكلمة الله . ولكن إذ دفعتموها عنكم وحكمتم أنكم غير مستحقين للحياة الأبدية . هوذا نتوجه للأمم” ( أع 13 : 46).
إن هذا الذي قيل بكل وضوح في أعمال الرسل ، قيل أيضاً من قبل الأنبياء في مرات عديدة ؛ وفي الواقع أن الروح القدس يتكلم بواسطة الأنبياء إلى أبناء ذلك الشعب قبل كل شيء ، ولكن إذ حدث انه بعدما تكلم كثيراً لم يتم سماعه فإنه يتوجه برسالته النبوية إلى الأمم.
وهذا ما يظهر لنا من خلال بداية قراءتنا هذا اليوم ، حيث يقول الله لأبناء إسرائيل قبل هذا الجزء بالتحديد : ” تدعيني يا أبي ومن ورائي لا ترجعين . حقاً إنه كما تخون المرأة قرينها هكذا خنتموني يا بيت إسرائيل يقول الرب ” ، وبعدما قيل هذا الكلام الذي يخص إسرائيل ، فإن الروح القدس يتوجه أيضا إلينا نحن أبناء الأمم ويقول : ” ارجعوا أيها البنون العصاة ، فأشفي عصيانكم ” ، لأننا نحن المقصود بنا الناس المملوءين عصيان ( جراح ) . عن كل واحد منا يمكنه أن يقول ، حتى وإن كان قد شفي من جراحاته : ” نحن الذين كنا قبلا ، نحن أيضا ، غير المؤمنين ، أغبياء ، ضالين ، عبيداً للشهوات والأهواء المتنوعة نحيا في الشر والشهوة ، مبغضين ومبغضين بعضنا بعضاً. ولكن حين أظهر صلاح مخلصنا الله وحبه للبشر سكب رحمته علينا بنعمة الميلاد الجديد ” . وبما أنني ذكرت هذا الجزء للقديس بولس الرسول فسوف أحاول أن أشرحه أكثر وضوحاً. فإنه لم يقل : ” نحن كنا قبلاً غير مؤمنين ، أغبياء ” ، ولكن القديس بولس الرسول ، ابن إسرائيل ، الذي من جهة بر الناموس بلا لوم ، يقول : “نحن الذين كنا قبلا نحن أيضا ” نحن أيضا أبناء إسرائيل كنا غير مؤمنين ، أغبياء ؛ فإن أبناء الأمم لم يكونوا هم وحدهم الأغبياء ، ولم يكونوا وحدهم الغير مؤمنين ، ولم يكونوا وحدهم الخطاة ، ولكن نحن أيضا الذين استلمنا الشريعة ، كنا كذلك قبل مجيء السيد المسيح.
وبعد ذلك الكلام الموجه إلى إسرائيل ، فقد قيل لنا نحن أبناء الأمم : ” ارجعوا أيها البنون العصاة فأشفي عصيانكم” . لكن قد يقول قائل : ” إن هذا الكلام موجه إلي إسرائيل وأنك أنت الذي تطبقه علي الأمم ” . أوضح أنه عندما يوجه الله حديثاً يختص بالتوبة والرجوع لا يضيف كلمة إسرائيل ، وإنما يبدأ بها في الحال ، فقد قيل بعد ذلك : ” إن رجعت يا إسرائيل يقول الرب إن رجعت إلي وإن نزعت مكرهاتك من إمامي فلا تتيه . وان حلفت حي هو الرب بالحق والعدل والبر فتتبرك الشعوب به وبه يفتخرون ” ( إر 4 : 1-2) . إذاً كانت موجهة الفترة الأولي إلي أبناء الأمم والشعوب ، ثم بعد ذلك إلى إسرائيل ، لأن القساوة قد حصلت جزئياً لإسرائيل إلي أن يدخل ملوك الأمم . وهكذا سيخلص جميع إسرائيل ؛ حسبما قال الرسول في رسالته إلي أهل رومية . ( رو 11: 25-26).
أنظر كيف أن الله يدعونا – إذا رجعنا – أن نرجع بالكامل ، حينما يعدنا أنه إذا رجعنا إليه بالتوبة فإنه يشفي جراحاتنا ( عصياننا ) بالمسيح يسوع ، ونحن أيضا بلا انتظار ولا تأخير نجيب مثل إسرائيل ونقول : ” ها قد أتينا إليك لأنك أنت الرب إلهنا ” ( إر 3: 22) . لقد قال الرب : ” ارجعوا أيها البنون العصاة فأشفي عصيانكم ” ، وأبناء الأمم يجيبون : ” سوف نكون خدامك أنت ” ، نحن الذين كن قبلاً خداماً للشيطان ولقوات الشر ، ولكن علي الرغم من ذلك ، فإننا الآن بعدما دعوتنا للتوبة نجيب قائلين : ” ها قد أتينا إليك ” ، لأننا لم نكن ننتظر سوي شيئا واحد : دعوتك . وعلي عكس الذين تم دعوتهم ، فقدموا أعذاراً كثيرة ، نحن عندما دعينا لم نقدم أعذاراً. ونجد هذا بالفعل في أمثال الإنجيل ، أن الذين دعوا أولاً قبل الآخرين كانوا يقولون واحدا بعد الآخر : ” إني اشتريت حقلا وأنا مضطر أن أخرج وأنظره . أسالك أن تعفيني . وقال آخر إني اشتريت خمسة أزواج بقر وأنا ماض لأمتحنها . أسألك أن تعفيني . وقال آخر إني تزوجت بإمرأة فلذلك لا أقدر أن أجيء ” . إذا فإن هذا ليس هو أسلوبنا ، نحن أبناء الأمم ، أن يتم دعوتنا وان نعتذر . فلماذا نعتذر ؟ وما هو ذلك الحقل الذي سوف يشغلنا ؟ وأي زوجة تشغلنا ؟ حقيقة ، ما هو هذا الشيء الذي من شأنه أن يشغلنا؟
إذ قال لنا الله : ” ارجعوا أيها البنون العصاة فأشفي عصيانكم ” (إر3: 22) ، ونحن عندما ننظر إلى جراحاتنا وإلى الوعد بالشفاء ، نجيب في الحال ، ونقول : ” ها قد أتينا إليك لأنك أنت الرب إلهنا ” . ولنتذكر أننا بهذه الكلمات قد أقمنا عهداً مع الله ، وأننا لن نكون ملكاً لأحد آخر ، لن نكون ملكاً لأفكار الغضب ، ولا أفكار الكآبة ، ولا أفكار الشهوة ؛ لن نصبح ملكاً للشيطان وجنوده . بل بالعكس ، بما أننا قد دعينا ونحن أجبنا : ” ها قد أتينا إليك ” ، فلنثبت إذا بأفعالنا أننا ملك له هو وحده . ونضيف : ” لأنك أنت الرب إلهنا ” . لأننا لا نعترف أنه يوجد إله آخر ، فلا نفعل كالنهمين بالنسبة للبطن الذين آلهتهم بطونهم ( أف 3 : 19 ) ، ولا كمحبي المال بالنسبة للفضة ، ولا كالطامعين بالنسبة لعبادة الأوثان ؛ فيجب علينا ألا نقيم إلها ، ولا أن نؤله شيئا من الذي يؤلهه الناس ، ولكن لنا إله الذي هو فوق كل شيء ، الله الذي هو ” إله وأب واحد للكل ، الذي علي الكل ، وبالكل ، وفي كلكم ” ( أف4: 6). وبما أن شغلنا الشاغل هو حب الله ، إذ يربطنا الحي بالله ، فسوف نقول : ” ها قد أتينا إليك لأنك الرب إلهنا ” .
3. ثم أننا في إدانتنا لأخطائنا السابقة -حينما كنا نظن أن الأوثان كانت عظيمة ومرتفعة جداً وكنا نعبدها معجبين بهذه الأشياء التي نقدم لها العبادة ، ولكن الآن وقد حكمنا عليها بأنها كانت كاذبة – نقول في توبة ورجوع : “حقاً باطلة هي الآكام ” . وربما ، بشيء من البحث ، سوف نتعرف على الفرق بين الأكام وبين الجبال عند الأمم ، الذين يتهمون هذه الأكام مثلها مثل الجبال بالكذب حينما يقولون : ” حقا باطلة هي الآكام ثروة الجبال ” ( إر ۳ : ۲۳ ) . نحن نشرح هذا حتى ندين أخطاءنا السابقة.
إن المعبودات عند الأمم كانت تعبد إما كآلهة أو كأبطال . وفي الواقع أن الوثنيين هم أنفسهم يعلمون أن بعض هذه الكائنات المعبودة كانت قبلاً بشراً ثم تم تأليههم بعد ذلك.فهم يعبدون ” هرقل ” ليس كإله بالولادة وإنما كإنسان تم تحويله إلى إله . كذلك يعبدون Ascle pios كإنسان تحول من حالته الإنسانية إلى الحالة الإلهية بسبب تقواه وفضيلته . ولكنهم حينما يعبدون أباء هؤلاء الأبطال فإنهم يعبدونهم كألهة بالطبيعة وليس كبشر متحولين إلى ألهة.
إذاً فالذين يعتبرهم الأمم آلهة بالطبيعة سوف يكونون هنا الجبال ، والذين يعتبرونهم بشر متحولين إلى آلهة سوف يكونون الأكام . ولكن الذين يتعبدون لهذه الآلهة بالفعل لا يفترضون أنها آلهة كاذبة ، فهم يعتقدون أن وحيهم هو وحي حقيقي وأن شفاءهم هو شفاء حقيقي ، دون أن يروا الفرق بين عمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة وبكل خديعة الإثم في الهالكين ( ٢ تس ۲ : ۹ ) . وبين قوات وعجائب الحق . إن ما كان يفعله يسوع المسيح كان من عجائب الحق ، وما كان موسي يفعله كان أيضا من قوات الحق ، ولكن ما كان يفعله المصريون كان آيات وعجائب كاذبة . كان سيمون الساحر يضع آيات حتى كان يدهش شعب السامرة الذين قالوا عنه ‘ هذا هو وقوة الله العظيمة ” ( أع 8 : 10) ، علي الرغم من كونها قوات وآيات وعجائب كاذبة.
٤. إذا ، ربما أننا نعرف ، نحن الذين جئنا من نسل الأمم ، أنه بسقوط إسرائيل صار لنا طريقاً إلى الخلاص ، وأن اليهود قد طردوا خارجاً حتى ندخل نحن إلي الملء ، ومن جهة أخري ، بما أننا نعلم أن : القساوة قد حصلت جزئيا لإسرائيل إلي أن يدخل ملؤ الأمم . وهكذا سيخلص جميع إسرائيل ( رو ١١ : ٢٥ ) ، فسوف نقول قبل كل شيء : ” حقا باطلة هي الآكام ثروة الجبال ” ، ثم بعد ذلك نقول بخصوص إسرائيل التي سوف تخلص بعد ملء الأمم : ” حقا بالرب إلهنا خلاص إسرائيل “.
دعونا نشرح معني العبارة التي قالها القديس بولس الرسول ، فما المقصود بأن جميع إسرائيل سيخلص عندما يدخل ملؤ الأمم ؟ كان يوجد إسرائيل للخلاص : فإن كان الجزء الأكبر من إسرائيل قد سقط ، لكن حصلت بقية حسب اختيار النعمة ( رو 11 : 5 ) ، بقية قيل عنها في إيليا : ” أبقيت لنفسي سبعة آلاف رجل لم يحنوا ركبة لبعل”.
وفي شرح المقصود بهذه البقية ، يقول بولس الرسول : ” فكذلك في الزمان الحاضر أيضاً قد حصلت بقية حسب اختيار النعمة ” ( رو 11 : 5 ) . إذا فقد كان يوجد في إسرائيل بقية للخلاص حينما كانت إسرائيل مطرودة . ولم يقل الرسول : ” عندما يخلص جميع الأمم فحينئذ سيخلص جميع إسرائيل ” ، وإنما : ” إلي أن يدخل ملؤ الأمم . وهكذا سيخلص جميع إسرائيل ” . فإن إسرائيل سوف يخلص ولكن ليس بعد أن يخلص كل الأمم وإنما بعد أن يخلص ملؤ الأمم . فمن هو قادر أن يحسب لنا بعقله الوقت المتبقي ، في رأيه ، والذي فيه تعبد جميع الشعوب الله ، وكما هو مكتوب في صفنيا : ” من عبر أنهار كوش ” المتضرعون إلي متبددي يقدمون تقدمتي ” ( صف 3 : 10) . وكما يقول المزمور 68 أيضا ، حينما تسرع كوش بيدها إلي الله ( مز 68 : 31 ) ، وبعد كم من الوقت والزمان سوف يعطي ” كلمة الله ” الأمر لجميع ممالك الأرض قائلا : ” يا ممالك الأرض غنوا لله رنموا لإله يعقوب ” ( مز 68: 32) .
5. ثم بعد ذلك ، باعترافنا بالخطايا التي عشنا فيها ، نحن وآباؤنا ، بعبادتنا للأوثان سوف نقول : ” وقد أكل الخزي تعب آبائنا منذ صبانا غنمهم وبقرهم بنيهم وبناتهم ” يجب أن يكون هناك خزي حتى يأكل التعب الباطل والأعمال الكاذبة التي لأبائنا ، فإنه بدون الخزي لن تنتهي هذه الأعمال الباطلة والكاذبة.
وفي هذا الصدد دعونا نستعرض بعض أوجه الاختلاف ما بين الخطاة : يوجد خطاة ليس عندهم خزي ولا حياء من خطاياهم ، فهم لا يخجلون منها . هؤلاء هم الذين فقدوا كل حس والذين أسلموا لكل نجاسة.
وأنت تري بالفعل كيف أن الشعوب الأممية يستعرضون في بعض الأحيان ويتفاخرون بقائمة فسقهم وزناهم كما لو كانت بطولات ، دون أن يخجلوا من قيامهم بهذه الأفعال ودون أن يطلقوا عليها خطايا. وطالما لا يوجد عندهم خزي فإن خطاياهم لن تؤكل (لن تمحي). إن بداية الصلاح هي أن نشعر بالخجل من الأشياء التي كنا لا نخجل منها قبل ذلك . لذلك فإنني لا أظن أن تكون الكلمات التالية التي كان يقولها الأنبياء يقصد بها لعنة : ” فليخز وليرتد إلى الوراء كل الذين يبغضون صهيون “(مز۱۲۸).
6. إن التصرفات الغير عاقلة التي كان يقوم بها الآباء هي التي يطلق عليها غنم وبقر ، فإن الكائنات الغير عاقلة ليست دائماً ممدوحة ، ولكن توجد كائنات غير عاقلة ملومة مثل غنم الآباء الذين أخطأوا. أما الكائنات الغير عاقلة الممدوحة والمطوبة فهي التي يقال عنها : ” خرافي تسمع صوتي ” . فهذه كانت أيضاً أغنام ، ويمكننا أن نكون مثلها إذا قبلنا الرعي الصالح في قلوبنا. لأن المخلص حينما يقول : ” أنا هو الراعي الصالح ” ، فإنني لا يجب أن أسمعه بطريقة عامة كما يفعل الجميع ويعتقدون أنه راعي المؤمنين فقط دون الخطاة ، وإنما يجب عليَّ كخاطيء أن أقبل السيد المسيح في داخل نفسي ، أن أقبل الراعي الصالح في داخلي ، الراعي الصالح الذي يستطيع بعصا رعايته أن يسيطر علي تصرفاتي الغير عاقلة فلا يجعلها تخرج كيفما تشاء وحيثما تشاء . ولكنها تحت قيادة الراعي تتحول إلي تصرفات سليمة ” فلستم إذاً بعد غرباء بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله ” ( اف ۲ : ۱۹ ) . فإنه لذلك ، لو أن الراعي في داخلي فإنه سوف يقود حواسي ، ولن تخضع أبداً لأي فكر غريب ، لن تخضع لفرعون ولا لنبوخدنصر ، وإنما للراعي الصالح .
7-” بنوهم وبناتهم ” . على من تعود ” هم ” إلا على الآباء الذين أكل أولادهم بخزيهم ( أولادهم وبناتهم ) ؟ لقد قلنا قبل ذلك في مواقف متعددة إن من ضمن أولاد النفس : الأفكار التي هي البنين ، والأفعال والتصرفات المادية التي هي البنات . وبما أنه توجد عند الأمم أفكار شريرة وكذلك أفعال فاسدة فلذلك وجد بنون وبنات قد أكلوا بسبب خزي أباؤهم من خطاياهم . أما بالنسبة لنا ، فهل يمكننا ألا ننجب بنات وبنين ليأكلهم الخزي!
8. ثم بعد هذا يقول هؤلاء المعترفون بخطاياهم : ” نضطجع في خزينا ، ويغطينا خجلنا ( ببرقع ) ” ( إر 3 : 25) . لقد اعتدنا أن نتحدث عن البرقع الموضوع علي وجه الذين لا يرجعون إلى الرب . وبسبب هذا البرقع فحين يُقرا موسي (2كو3: 15) لا يفهم الخاطي ، لأن البرقع موضوع علي قلبه . وإذا فنحن نقول بخصوص البرقع إن الخزي هو هذا البرقع ، فطالما توجد عندنا أفعال الخزي ، فمما لاشك فيه أن البرقع موجود أيضاً عندنا ، بحسب ما قيل في المزمور 43 ( 44 ) : ” وخزي وجهي قد غطاني ( ببرقع ) ” ( مز 44 : 15 ) . إذا فالذين لا يعملون أعمالاً مخزية لن يكون عندهم برقع . وهذا ما قاله بولس الرسول : ” ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة ” (2کو3 :18) . فإذا كنا نريد أن ننزع البرقع الناجم عن الخزي فلنعمل الأعمال المجيدة ، ولنجعل كلمة المخلص هذه في أذهاننا : ” لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب ” ( يو 5 : 23). وكذلك قول بولس الرسول : ” فإننا بتعدينا للناموس نهين الله ” ( رو 2: 23) . إن نزع البرقع هو في مقدرتنا نحن وليس في مقدرة أحد آخر. فعندما كان موسي يتوجه إلى الله كان بالفعل ينزع البرقع . فها أنت ترى كيف أن موسي كان أحيانا يمثل الشعب . فطالما أنه لا يتجه إلى الرب – ممثلاً شعبه الذي لا يتجه إلى الرب – كان يضع حينئذ برقعاً علي وجهه ؛ ولكنه عندما ينظر إلى الله ، ممثلاً هؤلاء الذين ينظرون إلى الله من شعبه ، كان ينزع البرقع . وأن الله لم يأمر موسي قائلاً له : ” غط نفسك ببرقع ” ، وإنما عندما رأى موسي أن الشعب لا يقدر أن ينظر إلي مجده ، وضع برقعاً علي وجهه ؛ كما أنه لم ينتظر أيضا أن يقول الله : ” انزع البرقع ” في كل مرة يرجع إلى الرب.
9. لقد كُتب ذلك إذاً، حتى أنك أنت أيضاً الذي وضعت البرقع علي وجهك بأعمالك المخزية ، تعمل أنت بدورك علي نزع هذا البرقع ؛ إذا اتجهت بنظرك إلى الرب وعندئذ تنزع البرقع ولا تعود تقول : ” يغطينا خجلنا ( ببرقع ) ” . فعلي سبيل المثال ، الغضب حينما يستقر في نفوسنا ، يكون مثل البرقع علي الوجه ؛ ولهذا فعندما نريد أن نقول في صلاتنا : ” قد أضاء علينا نور وجهك يا رب ” ( مز 4 ) ، فلنرفع البرقع ولننفذ ما قاله الرسول : ” فأريد أن يصلي الرجال في كل مكان رافعين أيادي طاهرة بدون غضب ولا جدال ” ( 1تي 2: 8 ) . فإذا نزعنا الغضب نكون قد نزعنا البرقع ، وهكذا أيضا بالنسبة لجميع الخطايا . ولكن طالما الخطايا موجودة في فكرنا فإن البرقع سوف يظل موجوداً علي وجوهنا الداخلية بصورة تحجب عنا رؤية مجد الله المضيء . إن الله لا يخفي عنا مجده ، ولكننا نحن بوضعنا برقع الخطية علي نفوسنا نعمل علي عدم رؤية مجد الله .
10. ” لأننا إلي الرب إلهنا أخطأنا نحن وأباؤنا ” . هل نستطيع نحن أيضا أن نقول مثل هؤلاء الناس : إننا أخطأنا . إنه ليس نفس الشيء أن نقول : لقد أخطأنا ، و ” إننا نخطئ ” . فإن الذي ما يزال في خطيته عليه أن لا يقول : لقد أخطأنا . وإنما الذي يقول ذلك ، هو الإنسان الذي أخطأ من قبل ثم تاب توبة حقيقية بعد ذلك. وهناك أمثلة في الكتاب المقدس لأشخاص لم يعودوا يخطئون ، ومع ذلك يقولون : ” لقد أخطأنا ، لقد تعدينا الشريعة ” كما سفر دانيال . كذلك أيضا يقول داود النبي : ” خطايا شبابي وجهلي لا تذكر ” . فلنعترف إذا بخطايانا ، ليس خطايا أمس ولا أول أمس ، وإنما هل نستطيع أن نعترف بخطايانا التي مر عليها 15 سنة دون أن نكون قد ارتكبنا أية أخطاء خلال هذه الـ١٥سنة التي تلت هذا الاعتراف.
فإذا ذهبنا لنعترف بخطايا أمس ، فإننا نكون غير صادقين في توبتنا .
” لأننا إلى الرب إلهنا أخطأنا ، نحن وآباؤنا منذ صبانا إلي هذا اليوم “
إن بداية الآية كما سبق أن شرحنا تعلمنا أفضل وسيلة للاعتراف بالخطايا ، ثم تعلن لنا تكملة الآية عن مرور وقت طويل على ارتكاب الخطايا والاستمرار فيها : ” منذ صبانا إلى هذا اليوم ” ” ولم نسمع لصوت الرب إلهنا ” ؛ إننا أخطأنا ولم نسمع حتى الآن ؛ فبعد ذلك حينما رجعوا وكانت لهم بداية للتوبة ، قالوا : اننا أخطانا ولم نسمع . فإن رغبتنا في السماع ، والسماع حقيقة بطريقة فعلية ، لا يتم بالنسبة لنا في آن واحد . وكما أن في حالة الجروح تستلزم وقتا قبل أن تشفي ، كذلك الحال بالنسبة للرجوع ، فإن الرجوع الكامل والنقي إلي الله يستلزم أيضا بعض الوقت.
–