تفسير سفر إرميا النبي 48 للقمص أنطونوس فكري

 

سبق أشعياء وتنبأ عن خراب موآب وتحقق هذا على يد شلمنأصر الأشوري. وهذه النبوة تشير لخراب آخر على يد بابل. وهذه عادة الله كما قلنا خراب محدود يعقبه خراب مدمِّر في حالة عدم التوبة.

 

الآيات 1-13:- “عَنْ مُوآبَ: «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: وَيْلٌ لِنَبُو لأَنَّهَا قَدْ خَرِبَتْ. خَزِيَتْ وَأُخِذَتْ قَرْيَتَايِمُ. خَزِيَتْ مِسْجَابُ وَارْتَعَبَتْ. لَيْسَ مَوْجُودًا بَعْدُ فَخْرُ مُوآبَ. فِي حَشْبُونَ فَكَّرُوا عَلَيْهَا شَرًّا. هَلُمَّ فَنَقْرِضُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةً. وَأَنْتِ أَيْضًا يَا مَدْمِينُ تُصَمِّينَ وَيَذْهَبُ وَرَاءَكِ السَّيْفُ. صَوْتُ صِيَاحٍ مِنْ حُورُونَايِمَ، هَلاَكٌ وَسَحْقٌ عَظِيمٌ. قَدْ حُطِّمَتْ مُوآبُ، وَأَسْمَعَ صِغَارُهَا صُرَاخًا. لأَنَّهُ فِي عَقَبَةِ لُوحِيتَ يَصْعَدُ بُكَاءٌ عَلَى بُكَاءٍ، لأَنَّهُ فِي مُنْحَدَرِ حُورُونَايِمَ سَمِعَ الأَعْدَاءُ صُرَاخَ انْكِسَارٍ. اهْرُبُوا نَجُّوا أَنْفُسَكُمْ، وَكُونُوا كَعَرْعَرٍ فِي الْبَرِّيَّةِ. «فَمِنْ أَجْلِ اتِّكَالِكِ عَلَى أَعْمَالِكِ وَعَلَى خَزَائِنِكِ سَتُؤْخَذِينَ أَنْتِ أَيْضًا، وَيَخْرُجُ كَمُوشُ إِلَى السَّبْيِ، كَهَنَتُهُ ورُؤَسَاؤُهُ مَعًا. وَيَأْتِي الْمُهْلِكُ إِلَى كُلِّ مَدِينَةٍ، فَلاَ تُفْلِتُ مَدِينَةٌ، فَيَبِيدُ الْوَطَاءُ، وَيَهْلِكُ السَّهْلُ كَمَا قَالَ الرَّبُّ. أَعْطُوا مُوآبَ جَنَاحًا لأَنَّهَا تَخْرُجُ طَائِرَةً وَتَصِيرُ مُدُنُهَا خَرِبَةً بِلاَ سَاكِنٍ فِيهَا. مَلْعُونٌ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلَ الرَّبِّ بِرِخَاءٍ، وَمَلْعُونٌ مَنْ يَمْنَعُ سَيْفَهُ عَنِ الدَّمِ. «مُسْتَرِيحٌ مُوآبُ مُنْذُ صِبَاهُ، وَهُوَ مُسْتَقِرٌّ عَلَى دُرْدِيِّهِ، وَلَمْ يُفْرَغْ مِنْ إِنَاءٍ إِلَى إِنَاءٍ، وَلَمْ يَذْهَبْ إِلَى السَّبْيِ. لِذلِكَ بَقِيَ طَعْمُهُ فِيهِ، وَرَائِحَتُهُ لَمْ تَتَغَيَّرْ. لِذلِكَ هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُرْسِلُ إِلَيْهِ مُصْغِينَ فَيُصْغُونَهُ، وَيُفَرِّغُونَ آنِيَتَهُ، وَيَكْسِرُونَ أَوْعِيَتَهُمْ. فَيَخْجَلُ مُوآبُ مِنْ كَمُوشَ، كَمَا خَجِلَ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ مِنْ بَيْتِ إِيلَ مُتَّكَلِهِمْ.”

هذا الإصحاح يتناول حفداء لوط من ابنته الكبرى والإصحاح التالي يتناول حفداء لوط (بني عمون) من ابنته الصغرى. وهؤلاء يشيرون اليوم لمن يسميهم الكتاب “نُغُولٌ لا بنون” (عب8:12) ويمثلون فئة عريضة “ممن لهم اسم أنهم أحياء وهم أموات” وهم لأنهم أولاد غير شرعيين فلا حق لهم في الميراث مع إسرائيل ، هؤلاء قد يكون لهم نجاح مؤقت ولكن الدينونة ستلحقهم ولذلك في أول الإصحاح يُعَرِّف الله نفسه بأنه إله إسرائيل، فإسرائيل هو الابن الشرعي (خر8:6) + (خر22:4) وقد لعب موآب دورًا هامًا في تاريخ إسرائيل منذ إجتياز بني إسرائيل البرية في طريقهم من مصر إلى فلسطين. فكانت موآب العدو اللدود لهم. وكان بالاق ملك موآب قد إستدعى بلعام ليلعن لهُ الشعب حينما خاف منهم. وحينما لم يلعنه بسبب أن الله منعهُ من ذلك، أشار بلعام على بالاق بأن يجعل إسرائيل يزني فيلعنه الله. وهكذا جعل بالاق إسرائيل يزني مع بنات موآب فهلك منهم 24000 رجل . لهذا تشير موآب أيضًا للشيطان الذي يلقى معثرة أمام أولاد الله فيموتون. لذلك فالله يعاقب موآب لكل الشر الذي ألحقته بإسرائيل ، لذلك سمى هذا الخراب عمل الرب (10). فالويل “لمن يعثر أحد هؤلاء الصغار”. وفي آية (1) نبو هو جبل في موآب رأى منهُ موسى أرض الميعاد (تث1:34) ونبو وقريتايم ومسجاب مدن موآبية. وآية (2) في حشبون فكروا عليها شرًا = هي مدينة على حدود موآب وصلها الأعداء وفكروا بالشر على موآب هناك. وحشبون = مدينة المكايد. والمعنى أن موآب التي كادت لإسرائيل وأسقطتها في الشر ها هي تسقط بنفس الطريقة فالعدو يكيد لها في نفس المكان الذي كادت فيه الشر للآخرين. وأنتِ أيضًا يا مدمين = مدمين تعني مزبلة أو إبادة تامة. فالشر الذي في العالم ما هو إلا مزبلة ولا يقود إلا للإبادة التامة وسيبيد الله العالم كله ورمزًا لذلك خراب موآب. تُصَمِّين = تسقطين وتصبحين عاجزة (تُقْطَعِين كما تُقْطَع شجرة – الترجمة الإنجليزية). ويذهب وراءها سيف الرب. وفي (3صوت صياح وبكاء نتيجة الضربة ولكنه بكاء العذارى الجاهلات بلا فائدة.

وفي (4) صغارها = تترجم الآية هكذا “وأسمعت صراخها حتى صوغر” أي إلى أقصى البلاد ، وصوغر هي المدينة التي طلب أبوهم لوط الذهاب إليها عند حرق سدوم وعمورة. وفي (6) كونوا كعرعر = راجع (إر6:17) والمعنى أنهم بعد طردهم من بلادهم سيكونون في حالة ضعف كالعرعر، هاربين بلا حماية في البرية. والمسيح كشف الشياطين وأضعفهم وفضح أساليبهم في الغواية. وفي (7) كموش = أعظم آلهة الموآبيين ولاحظ خطية موآب إتكالها على ثروتها وقوتها وحيلها = أعمالها وخزائنها = ثقة الشياطين في أنفسهم وحيلهم، سيخزيها الله وسيسقط الشيطان ورمزه هنا كموش وكل من يتبعه = كهنته ورؤساؤه . وفي (8) يبيد الوطاء = المقصود به وادي موآب أي شاطىء بحر لوط. ولنلاحظ أن المسيح صخرتنا وكل من يحتمي به يرفعه، ويصير كجبل “اَلْمُتَوَكِّلُونَ عَلَى ٱلرَّبِّ مِثْلُ جَبَلِ صِهْيَوْنَ” (مز125: 1) + “رفعت عيني إلى الجبال” ولكن كل من إنخدع بحيل إبليس وأحب الأرض بشهواتها يصبح أرضيًا (أي وطاء) وهذا يبيد حينما يباد إبليس. وحتى يشرح الله للشعب قديمًا ألاّ يلتصقوا بالأرضيات منعهم من أكل الحيات وكل ما يزحف على بطنه (لا41:11-44) . وفي (9) أعطوها جناحًا = فتستطيع الهرب سريعًا ولكنها بهذا ستصير مثل الطيور التي تطير فوق الخِربْ. وآية (10) ولأن هذا هو عمل الرب فملعون من يعمله برخاوة = = الله كلَّف ملك بابل بعقاب موآب (إر25: 8-11 ، 21). كما كلف كورش الملك بعقاب بابل بعد ذلك (إر25: 26 + إش21: 1-10 + إش13: 1 ، 17-22 + إش44: 24 -45: 8) بل قال عن كورش أنه مسيح الرب لأنه مخصص لهذا العمل (إش45: 1). ومن يكلفه الرب بعمل يجب أن يؤديه بكل أمانة ومن يتراخى في عمل الرب يكون ملعونا. وهذه هي طريقة الله أنه يؤدب أمة عن طريق أمة أخرى (زك1: 18-21). وَمَلْعُونٌ مَنْ يَمْنَعُ سَيْفَهُ عَنِ الدَّمِ = عمل نبوخذ نصر عقاب موآب عقابًا شديدًا، والله كديان له مطلق الحرية أن يُصدر أحكامه كما يريد. وعلى مَنْ يكلفه الرب بعمل أن لا يتراخى. ومن الناحية الروحية فعملنا الآن أن نستخدم سيف الرب، سيف الصلاة والإيمان، سيف كلمة الله ضد الشياطين وذلك لنصيبها في الصميم. وملعون من يعمل عمل الرب برخاء = هذه الآية موجهة لكل خادم ولكل مسيحي يعمل في كرم الرب. وآية (11) يقال أن الخمر الجيدة إذا إرتاحت فلا تنقل من إناء لإناء تتحسن، أما الخمر الرديئة فعلى نقيض ذلك. والمعنى هنا أنهم يشبهون الخمر الرديئة فهم لم ينتقلوا من مكانهم ولم يذهبوا للسبي مدة طويلة = (ولم تواجههم تجارب أليمة)= لم يفرغ من إناء لإناء. وكان المنتظر أن يتحسن طعمهم لكن لأنهم أردياء ولأنهم مستقر على درديه (عكارة الخمر) أي إستمروا في أفراحهم وملذاتهم الجسدانية الشهوانية كما يستمد الخمر قوته من الدردى الذي فيه. هم لم يستفيدوا من أيام راحتهم في أنهم يقدموا توبة، والله أطال لهم فترة راحتهم فهم أقدم من إسرائيل كدولة ولم يعرفوا أية متاعب. ولم يفرغوا من آنية لآنية مما يضعفهم. ولكن كل هذا لم يقدهم للتوبة بل بقى طعمهُ فيه ورائحتهُ لم تتغير = أي بقيت رائحة خطيته فيه، رديئة طول الأيام. وهكذا كل من يفرح بالعالم يكون رديء في نظر الله. وفي (12) مصغين فيصغونه = لها عدة ترجمات تقود كلها لنفس المعنى فهي إما مضلين يُضلونه أو عمال يصبون الإناء فينسكب الخمر. وَيُفَرِّغُونَ آنِيَتَهُ = والمعنى أن البابليين في تخريبهم لموآب سيفقدونها كل مصادر لذاتها الجسدية وأفراحها = الخمر التي كانت في الآنية. ويكسرون أوعيتهم = يخربوا بلادهم . فإذا لم نستغل بركات الله أيام راحتنا ونتوب يحرمنا الله من هذه البركات. بيت إيل = حيث هيكل العجول التي عبدها إسرائيل.

 

الآيات 14-47:- “«كَيْفَ تَقُولُونَ نَحْنُ جَبَابِرَةٌ وَرِجَالُ قُوَّةٍ لِلْحَرْبِ؟ أُهْلِكَتْ مُوآبُ وَصَعِدَتْ مُدُنُهَا، وَخِيَارُ مُنْتَخَبِيهَا نَزَلُوا لِلْقَتْلِ، يَقُولُ الْمَلِكُ رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ. قَرِيبٌ مَجِيءُ هَلاَكِ مُوآبَ، وَبَلِيَّتُهَا مُسْرِعَةٌ جِدًّا. اُنْدُبُوهَا يَا جَمِيعَ الَّذِينَ حَوَالَيْهَا، وَكُلَّ الْعَارِفِينَ اسْمَهَا قُولُوا: كَيْفَ انْكَسَرَ قَضِيبُ الْعِزِّ، عَصَا الْجَلاَلِ؟ اِنْزِلِي مِنَ الْمَجْدِ، اجْلِسِي فِي الظَّمَاءِ أَيَّتُهَا السَّاكِنَةُ بِنْتَ دِيبُونَ، لأَنَّ مُهْلِكَ مُوآبَ قَدْ صَعِدَ إِلَيْكِ وَأَهْلَكَ حُصُونَكِ. قِفِي عَلَى الطَّرِيقِ وَتَطَلَّعِي يَا سَاكِنَةَ عَرُوعِيرَ. اسْأَلِي الْهَارِبَ وَالنَّاجِيَةَ. قُولِي: مَاذَا حَدَثَ؟ قَدْ خَزِيَ مُوآبُ لأَنَّهُ قَدْ نُقِضَ. وَلْوِلُوا وَاصْرُخُوا. أَخْبِرُوا فِي أَرْنُونَ أَنَّ مُوآبَ قَدْ أُهْلِكَ. وَقَدْ جَاءَ الْقَضَاءُ عَلَى أَرْضِ السَّهْلِ، عَلَى حُولُونَ وَعَلَى يَهْصَةَ وَعَلَى مَيْفَعَةَ، وَعَلَى دِيبُونَ وَعَلَى نَبُو وَعَلَى بَيْتِ دَبْلَتَايِمَ، وَعَلَى قَرْيَتَايِمَ وَعَلَى بَيْتِ جَامُولَ وَعَلَى بَيْتِ مَعُونَ، وَعَلَى قَرْيُوتَ وَعَلَى بُصْرَةَ وَعَلَى كُلِّ مُدُنِ أَرْضِ مُوآبَ الْبَعِيدَةِ وَالْقَرِيبَةِ. عُضِبَ قَرْنُ مُوآبَ، وَتَحَطَّمَتْ ذِرَاعُهُ، يَقُولُ الرَّبُّ. «أَسْكِرُوهُ لأَنَّهُ قَدْ تَعَاظَمَ عَلَى الرَّبِّ، فَيَتَمَرَّغَ مُوآبُ فِي قُيَائِهِ، وَهُوَ أَيْضًا يَكُونُ ضُحْكَةً. أَفَمَا كَانَ إِسْرَائِيلُ ضُحْكَةً لَكَ؟ هَلْ وُجِدَ بَيْنَ اللُّصُوصِ حَتَّى أَنَّكَ كُلَّمَا كُنْتَ تَتَكَلَّمُ بِهِ كُنْتَ تَنْغَضُ الرَّأْسَ؟ خَلُّوا الْمُدُنَ، وَاسْكُنُوا فِي الصَّخْرِ يَا سُكَّانَ مُوآبَ، وَكُونُوا كَحَمَامَةٍ تُعَشِّشُ فِي جَوَانِبِ فَمِ الْحُفْرَةِ. قَدْ سَمِعْنَا بِكِبْرِيَاءِ مُوآبَ. هُوَ مُتَكَبِّرٌ جِدًّا. بِعَظَمَتِهِ وَبِكِبْرِيَائِهِ وَجَلاَلِهِ وَارْتِفَاعِ قَلْبِهِ. أَنَا عَرَفْتُ سَخَطَهُ، يَقُولُ الرَّبُّ، إِنَّهُ بَاطِلٌ. أَكَاذِيبُهُ فَعَلَتْ بَاطِلًا. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أُوَلْوِلُ عَلَى مُوآبَ، وَعَلَى مُوآبَ كُلِّهِ أَصْرُخُ. يُؤَنُّ عَلَى رِجَالِ قِيرَ حَارِسَ. أَبْكِي عَلَيْكِ بُكَاءَ يَعْزِيرَ، يَا جَفْنَةَ سَبْمَةَ. قَدْ عَبَرَتْ قُضْبَانُكِ الْبَحْرَ، وَصَلَتْ إِلَى بَحْرِ يَعْزِيرَ. وَقَعَ الْمُهْلِكُ عَلَى جَنَاكِ، وَعَلَى قِطَافِكِ. وَنُزِعَ الْفَرَحُ وَالطَّرَبُ مِنَ الْبُسْتَانِ، وَمِنْ أَرْضِ مُوآبَ. وَقَدْ أُبْطِلَتِ الْخَمْرُ مِنَ الْمَعَاصِرِ. لاَ يُدَاسُ بِهُتَافٍ. جَلَبَةٌ لاَ هُتَافٌ. قَدْ أَطْلَقُوا صَوْتَهُمْ مِنْ صُرَاخِ حَشْبُونَ إِلَى أَلْعَالَةَ إِلَى يَاهَصَ، مِنْ صُوغَرَ إِلَى حُورُونَايِمَ، كَعِجْلَةٍ ثُلاَثِيَّةٍ، لأَنَّ مِيَاهَ نِمْرِيمَ أَيْضًا تَصِيرُ خَرِبَةً. وَأُبَطِّلُ مِنْ مُوآبَ، يَقُولُ الرَّبُّ، مَنْ يُصْعِدُ فِي مُرْتَفَعَةٍ، وَمَنْ يُبَخِّرُ لآلِهَتِهِ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ يُصَوِّتُ قَلْبِي لِمُوآبَ كَنَايٍ، وَيُصَوِّتُ قَلْبِي لِرِجَالِ قِيرَ حَارِسَ كَنَايٍ، لأَنَّ الثَّرْوَةَ الَّتِي اكْتَسَبُوهَا قَدْ بَادَتْ. لأَنَّ كُلَّ رَأْسٍ أَقْرَعُ، وَكُلَّ لِحْيَةٍ مَجْزُوزَةٌ، وَعَلَى كُلِّ الأَيَادِي خُمُوشٌ، وَعَلَى الأَحْقَاءِ مُسُوحٌ. عَلَى كُلِّ سُطُوحِ مُوآبَ وَفِي شَوَارِعِهَا كُلِّهَا نَوْحٌ، لأَنِّي قَدْ حَطَمْتُ مُوآبَ كَإِنَاءٍ لاَ مَسَرَّةَ بِهِ، يَقُولُ الرَّبُّ. يُوَلْوِلُونَ قَائِلِينَ: كَيْفَ نُقِضَتْ؟ كَيْفَ حَوَّلَتْ مُوآبُ قَفَاهَا بِخِزْيٍ؟ فَقَدْ صَارَتْ مُوآبُ ضُحْكَةً وَرُعْبًا لِكُلِّ مَنْ حَوَالَيْهَا. لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَا هُوَ يَطِيرُ كَنَسْرٍ، وَيَبْسُطُ جَنَاحَيْهِ عَلَى مُوآبَ. قَدْ أُخِذَتْ قَرْيُوتُ، وَأُمْسِكَتِ الْحَصِينَاتُ، وَسَيَكُونُ قَلْبُ جَبَابِرَةِ مُوآبَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ كَقَلْبِ امْرَأَةٍ مَاخِضٍ. وَيَهْلِكُ مُوآبُ عَنْ أَنْ يَكُونَ شَعْبًا، لأَنَّهُ قَدْ تَعَاظَمَ عَلَى الرَّبِّ. خَوْفٌ وَحُفْرَةٌ وَفَخٌّ عَلَيْكَ يَا سَاكِنَ مُوآبَ، يَقُولُ الرَّبُّ. الَّذِي يَهْرُبُ مِنْ وَجْهِ الْخَوْفِ يَسْقُطُ فِي الْحُفْرَةِ، وَالَّذِي يَصْعَدُ مِنَ الْحُفْرَةِ يَعْلَقُ فِي الْفَخِّ، لأَنِّي أَجْلِبُ عَلَيْهَا، أيْ عَلَى مُوآبَ، سَنَةَ عِقَابِهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. فِي ظِلِّ حَشْبُونَ وَقَفَ الْهَارِبُونَ بِلاَ قُوَّةٍ، لأَنَّهُ قَدْ خَرَجَتْ نَارٌ مِنْ حَشْبُونَ، وَلَهِيبٌ مِنْ وَسْطِ سِيحُونَ، فَأَكَلَتْ زَاوِيَةَ مُوآبَ، وَهَامَةَ بَنِي الْوَغَى. وَيْلٌ لَكَ يَا مُوآبُ! بَادَ شَعْبُ كَمُوشَ، لأَنَّ بَنِيكَ قَدْ أُخِذُوا إِلَى السَّبْيِ وَبَنَاتِكَ إِلَى الْجَلاَءِ. وَلكِنَّنِي أَرُدُّ سَبْيَ مُوآبَ فِي آخِرِ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ».”

ونحن نقرأ هذه الآيات فليكن في أذهاننا أنها رثاء على موآب، لكنها أيضًا هي نبوة عن سقوط الشيطان الذي طالما أذل شعب الله وفي (14) هذه سخرية منهم لأنهم يتصورون أنفسهم جبابرة ومازال حتى اليوم من يتصور أنه أضعف من الشياطين. ولكن نحن بالمسيح الذي فينا أقوى منهم. وفي (15) صعدت مدنها = أي صعد الأعداء مدنها الجبلية. فنحن بالمسيح صعدنا لفوق فقهرنا قوة الشياطين.

وفي (16) قريب هلاك موآب = حين يجيء ملك بابل أو حين يجيء المسيح ليهزم إبليس. وفي (17) اندبوها = فالله حزين على أثار الخطية. قضيب وعصا = إشارة للمُلك وفي (18) إجلسى في الظماء = أي في العطش بلا تعزية من الروح القدس وهكذا كل من يفصل نفسه عن الله يفقد مجده ويعطش. أما الذي يشرب من الماء الذي يعطيه المسيح فلن يعطش أبدًا. ومن (19-24) تصوير أوضح للمأساة وأنها عامة. هذه دعوة لنا نحن أيضًا لنتعظ من الخراب الذي يحدث حولنا (حرائق/جفاف/زلازل/ أوبئة…) ولنفهم أن هناك خرابا سيأتي نتيجة الخطية. فالشيطان رئيس هذا العالم، وإذا سقط الرئيس أو الملك تخرب مدن ملكه. لذلك فهذا العالم مُقدم على الخراب كما خربت مدن موآب. فلنقتنع بتفاهة هذا العالم ونخشى غضب الله. وخراب هذا العالم سيكون مفاجئًا ومدهشًا لمن يظنون أنفسهم أقوياء قادرين على حماية أنفسهم. والخراب سيكون عامًا لأن الخطية عامة. ويهلك موآب = ستنقطع موآب عن أن تكون شعبًا لأنها إعتدت على شعب الله ولكن هذا الخراب لا يفرح قلب الله بل يحزنه لذلك يرثيه. وهناك كلمات كثيرة تكررت هنا وفي (إش 15)، لأن الروح القدس الذي أوحى للنبيين هو روح واحد. وفي (25) عُضب قرن موآب = كُسِرَ قوته، فالقرن رمز للقوة وسط مجتمعات الرعاة. وقرن الشيطان هو قوته التي طالما هاجم بها البشر ولكن هذه القوة كسرها صليب المسيحوتحطمت ذراعه = بمعنى فقد قوته ، لكن بعد أن فقد قوته لم يتبقى له سوى أن يضع أفكارا سيئة خاطئة في عقول البشر، لذلك قال الآباء عن الشيطان أنه قوة فكرية. وفي (26) يشبه موآب أو الشيطان بإنسان سَكِرَ وهو هنا سَكِرَ من كأس خمر سخط الرب ففقد وعيه بل تمرغ في قيئه فصار ضحكة. وفي (27) أفما كان إسرائيل ضحكة لكِ = لطالما سخرت الشياطين من شعب الله حين سقط وشمتت فيه والآن جاء الدور عليها. هل وُجِدَ بين اللصوص = حين سقط إسرائيل أو شعب الله هزأ بهم موآب أو هزأ بهم الشيطان كما لو كانوا لصوص بدلًا من رثائهم وهذا هو الفرق فالشيطان شامت في سقوط أولاد الله وهلاكهم. وهذه الآيات ترثيه، وترثى من تبعه. وفي (28) خلوا المدن وإسكنوا في الصخر = وصخرتنا هو المسيح ولهُ وحدهُ نلجأ ، ولنعتزل العالم وشره حتى ننجو من الهلاك القادم. هذه دعوة لشعب موآب ليهرب من وجه خراب جيش بابل ، وهي دعوة لكل منا(رؤ4:18 + إش20:48) لنحذر فالشر قادم ولنهرب منهُ. كونوا كحمامة تعشش في جوانب فم الحفرة = فم الحفرة هو جنب المسيح المطعون الذي نلجأ إليه للحماية، كما لجأت حمامة نوح إلى الفلك، لنحتمي بدم المسيح. ومن المعروف أن الحمام يعود دائما إلى بيته (الحمام الزاجل). لذلك فمن يعود للمسيح دائمًا ويثبت فيه يعتبر كاملا، لذلك يقول العريس في سفر النشيد “اِفْتَحِي لِي يَا أُخْتِي، يَا حَبِيبَتِي، يَا حَمَامَتِي، يَا كَامِلَتِي” (نش5: 2) + (كو1: 28). والحفرة قد تشير للهاوية والخراب الآتي على أشرار موآب أو على العالم الآن بسبب الشر المتزايد، والنصيحة الموجهة هنا هي الإعتزال عن العالم والإحتماء بالمسيح حتى لا نسقط في حفرة أو هاوية الخراب. وفي (29) تظهر خطية موآب أو خطية الشيطان فقد تكررت كلمة كبرياء 6 مرات بما يعني كمال النقص. وهذا يشير لمدى ضيق الله من هذه الخطية (كبرياء موآب + متكبر جدًاَ + عظمته + كبريائه + جلاله + إرتفاع قلبه). حقًا قبل السقوط تشامخ الروح، والكبرياء قبل الكسر. وموآب الذي لا يريد أن يتذلل فسوف يُذل. وفي (30) يظهر شرهم ضد شعب الله وخيانتهم في معاملاتهم معهم لكراهيتهم لأولاد الله. فموآب أوقع بين الكلدانيين وبين شعب يهوذا وقالوا عنهم كلام شرير حتى يفنوهم كشعب، ولكن أليس هذا هو عمل الشياطين ضدنا ولذلك فأحد أسماء الشياطين “المشتكي” والسيد لهُ المجد أطلق عليه “الكذاب وأبو الكذاب” فهو يشتكي علينا أمام الله وبأضاليله وأكاذيبه يخدعنا فنسقط فيشتكي علينا. ولكن الله يقول هنا إنه باطل = لأن الله سيبطل مؤامراته ويفضحه. وفي (31) النبي يولول ويرثى الخراب الآتي وسيبطل صوت الفرح العالمي المشار لهُ بالخمر والمعاصر والجفنة ويحل مكانهُ الصراخ= جلبة لا هتاف (32-34) . وفي هربهم يكونون كعجلة ثلاثية = أي لها ثلاث سنين وهي تندفع في طيش وتهور من الرعب القادم. لأن مياه نمريم تصير خربة = مصدر المياه أي مصدر العزاء يتوقف. هذا أكبر مصدر للرعب. وفي (35) نهاية هذه العبادة الوثنية. وفي (36) الصفير على الناي يستخدم في الحزن. والنبي هنا يرثى من “ربح العالم وخسر نفسه” . وفي (37) علامات وثنية لإظهار الحزن . وفي (38) نجد النوح على الأسطح حيث سبق وقدموا عباداتهم للأوثان بلا خجل . وفي (38) تشبه بإناء محطَّم فمهما كان ثمنه إذا تحطم لا يصير لهُ أية قيمة. وفي (40) ملك بابل يأتي باسطًا جناحين ضد موآب= أي جيوشه ولكن المعنى الروحي فالمسيح هو الذي أتى كنسر بلاهوته وناسوته ليحارب الشيطان. وفي (41) سقوط الجبابرة مهما تحصنوا، بل سيكونوا في رعبهم كقلب امرأة ماخض. وفي (42) نهاية كل متكبر والآيات (43-45) فيها تحقيق لنبوة موسى عن موآب (عد 21-28) فهم سيلحق بهم غضب رهيب وسيهربون إلى حشبون ويظنون أن الغضب هكذا إنتهى بحصول الكلدانيين على المدن الأخرى ولكن تخرج نار لتلتهمهم. وفي (47،46) ينتقل الكلام من الرمز للشياطين لشعب موآب نفسه. وهم كشعب أممي لهم رجاء في الخلاص بالمسيح. وهنا يظهر حنو الله على الجميع وحزنه على سبيهم ولكن حين يأتي المسيح يرد سبي موآب أيضًا.

 

في آية2: فِي حَشْبُونَ فَكَّرُوا عَلَيْهَا شَرًّا. هَلُمَّ فَنَقْرِضُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةً.

وفى آية45: فِي ظِلِّ حَشْبُونَ وَقَفَ الْهَارِبُونَ بِلاَ قُوَّةٍ، لأَنَّهُ قَدْ خَرَجَتْ نَارٌ مِنْ حَشْبُونَ، وَلَهِيبٌ مِنْ وَسْطِ سِيحُونَ، فَأَكَلَتْ زَاوِيَةَ موآب، وَهَامَةَ بَنِي الْوَغَى.

وما بين الآيتين صورة لخراب شامل لموآب، ورثاء من الله على هذا الخراب الذي حدث للشيطان والذي موآب رمز له. وهذا الرثاء يتوافق مع “كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ ٱلصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى ٱلْأَرْضِ يَا قَاهِرَ ٱلْأُمَمِ” (إش14: 12). ومع “يَا ٱبْنَ آدَمَ، ٱرْفَعْ مَرْثَاةً عَلَى مَلِكِ صُورَ وَقُلْ لَهُ هَكَذَا قَالَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ: أَنْتَ خَاتِمُ ٱلْكَمَالِ، مَلآنٌ حِكْمَةً وَكَامِلُ ٱلْجَمَالِ ….” (حز28: 12-19). ونلاحظ:-

  1. الشيطان خليقة الله، ونجد الله في محبته يرثى خليقته، بينما أن الشيطان في شره وقسوته يسخر من الإنسان حين سقطأَفَمَا كَانَ إِسْرَائِيلُ ضُحْكَةً لَكَ(آية27).
  2. كلمةحشبونتعني تدبير، وكان تدبير الله ضد الشيطان هو خلاص البشر بالفداء، وأيضًا عقاب إبليس وخرابه إذ خدع آدم وأسقطه، وقارن الآيتين 2 ، 45. في حشبون (بتدبير اللهفكروا عليها – هذا هو التدبير الإلهي الذي أنهى قوة الشيطان = فِي ظِلِّ حَشْبُونَ وَقَفَ الْهَارِبُونَ بِلاَ قُوَّةٍ. وصار الشيطان ضعيفا جدًا = وَكُونُوا كَعَرْعَرٍ فِي الْبَرِّيَّةِ.
  3. النبوات ضد الأمم هى:-I) هي إنذارات لهذه الأمم حتى تكف عن أعمالها الرديئة كما أرسل يونان النبي لينذر أهل نينوى. II) هي رمزية بنسبة كبيرة:- الله ليس ضد موآب ولا مصر ولا عمون كشعوب، بدليل قوله 1*هنا عن موآب “وَلكِنَّنِي أَرُدُّ سَبْيَ موآب فِي آخِرِ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ” (آية47). 2*وعن مصر يقول “مبارك شعبي مصر” (إش19: 25). وهل لو الله ضد مصر كان المسيح قد هرب إلى مصر. 3*وعن بني عمون يقول الرب “ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ أَرُدُّ سَبْيَ بَنِي عَمُّونَ” (إر49: 6). نجد الله الديان هنا يؤدب بني عمون ثم يردهم كشعب له. 4*وعن بابل في سفر الرؤيا (إصحاح17) نرى أن بابل هي مملكة الشر في العالم التي يقودها الشيطان، فهل بابل هي العراق؟ وهل العراق جالسة على سبعة جبال؟! إنما بابل هنا رمز للشر الذي يسود العالم كله ويقوده الشيطان. 5*وهل الله ضد أشور وعاصمتها نينوى؟ وهل لو الله ضدها، هل كان يُرسل لها يونان النبي؟ وحينما تتوب نينوى يقبل الله توبتها. ولكن حين تقسَّى قلبها وصار لا أمل في توبتها قرر الله هلاكها، ورأينا قرار خرابها على فم ناحوم النبي. إذًا الله ليس ضد هذه الشعوب ولا أي شعب آخر، فالكل خليقته. “والله يريد أن الجميع يتوبون وإلى معرفة الحق يقبلون” (1تي2: 4). إنما الله هو:- 1*ضد الشيطان الذي يحركهم لعبادته من خلال أوثانهم التي يعبدونها. ونفهم كل هذه الإنذارات ضد الشعوب الوثنية أنها موجهة كنبوات ضد الشيطان وعقابه المتوقع بصليب المسيح2*الله ينذر هذه الشعوب حتى تكف عن خطاياها وأعمالها الرديئة، فالله يرسل لهم هذه النبوات كما أرسل يونان لنينوى.
  4. المسيح بصليبه أنهى قوة الشيطانموآب قَدْ أُهْلِكَ وما عاد له سوى عرض أفكاره على البشر. ولقد تم تصوير ذلك بطرق عديدة:- أ) (حز30: 21-26) “يَا ٱبْنَ آدَمَ، إِنِّي كَسَرْتُ ذِرَاعَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ، … هَأَنَذَا عَلَى فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ، فَأُكَسِّرُ ذِرَاعَيْهِ ٱلْقَوِيَّةَ وَٱلْمَكْسُورَةَ، وَأُسْقِطُ ٱلسَّيْفَ مِنْ يَدِهِ …. وَأُشَدِّدُ ذِرَاعَيْ مَلِكِ بَابِلَ وَأَجْعَلُ سَيْفِي فِي يَدِهِ، وَأُكَسِّرُ ذِرَاعَيْ فِرْعَوْنَ فَيَئِنُّ قُدَّامَهُ أَنِينَ ٱلْجَرِيحِ”. لذلك قال الأباء عن الشيطان أنه قوة فكرية، هو يقترح الشر ومن يقبل أفكاره يخطئ. ب) يوآب يصيب إبشالوم بسهم قاتل ويطلب من الجنود إكمال المهمة فيضرب جنود يوآب إبشالوم ويكملون ما بدأه يوآب ويجهزون عليه (2صم18: 9-15). ج) وهذا ما عمله المسيح بصليبه أنه أنهى قوة الشيطان. وترك للكنيسة إكمال العمل بحريتها الكاملة، وذلك برفض أفكاره وأكاذيبه بصلواتها وأصوامها وقداساتها وتسابيحها. ولذلك يقول مَلْعُونٌ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلَ الرَّبِّ بِرِخَاءٍ (آية10). والله أعطاها السلطان ضد عدوها إبليس “هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا لِتَدُوسُوا ٱلْحَيَّاتِ وَٱلْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ ٱلْعَدُوِّ، وَلَا يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ” (لو10: 19). والله دعَّم من يريد من شعبه بالنعمة أي قوة ومعونة الروح القدس. والمسيح هو الذي يقودنا في المعركة ضد إبليس كفرس (رؤ6: 2 + نش1: 9).
  5. شرح رب المجد يسوع عمل الكنيسة في حربها ضدالشيطان، وأن الشيطان في ضعفه لن يقوى عليها. وأن الكنيسة عليها أن تكمل هدم مملكته بقوله “أبواب الجحيم لن تقوى عليها” (مت16: 18). فالكنيسة، كنيسة مهاجمة، تهاجم مملكة الشياطين بصلواتها ورفضها لشروره والشيطان لن يقوى على الحرب المعلنة من الكنيسة ضده.
  6. كثرة المدن المذكورة تشير لأن خراب مملكةالشيطان هو خراب كامل.
  7. اِنْزِلِي مِنَ الْمَجْدِ، اجْلِسِي فِي الظَّمَاءِ(آية18) وهذا ما أشار إليه الرب يسوع حين قال “إِذَا خَرَجَ ٱلرُّوحُ ٱلنَّجِسُ مِنَ ٱلْإِنْسَانِ يَجْتَازُ فِي أَمَاكِنَ لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ، يَطْلُبُ رَاحَةً وَلَا يَجِدُ” (مت12: 44). الظماء يعني العطش، والماء يرمز للروح القدس المعزى. فهم لشقائهم حرموا أنفسهم من كل تعزية. بعد أن كانوا مخلوقين ليفرحوا (آيات32-33). ونفهم الآية أن الشيطان كان كاروبيم مخلوقا في المجد وبكبريائه فقد كل هذا (إش14 + حز28).
  8. قوله“مَلْعُونٌ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلَ الرَّبِّ بِرِخَاءٍ، وَمَلْعُونٌ مَنْ يَمْنَعُ سَيْفَهُ عَنِ الدَّمِ” هنا يشير لعقوبة الله ضد الشيطان، ففي سفر إشعياء يقول عن عمل المسيح على الصليب أنه داس الشيطان فرُشَّ دمه على ثياب المسيح “مَنْ ذَا ٱلْآتِي مِنْ أَدُومَ، بِثِيَابٍ حُمْرٍ مِنْ بُصْرَةَ؟ هَذَا ٱلْبَهِيُّ بِمَلَابِسِهِ، ٱلْمُتَعَظِّمُ بِكَثْرَةِ قُوَّتِهِ. «أَنَا ٱلْمُتَكَلِّمُ بِٱلْبِرِّ، ٱلْعَظِيمُ لِلْخَلَاص. مَا بَالُ لِبَاسِكَ مُحَمَّرٌ، وَثِيَابُكَ كَدَائِسِ ٱلْمِعْصَرَةِ؟ قَدْ دُسْتُ ٱلْمِعْصَرَةَ وَحْدِي، وَمِنَ ٱلشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ. فَدُسْتُهُمْ بِغَضَبِي، وَوَطِئْتُهُمْ بِغَيْظِي. فَرُشَّ عَصِيرُهُمْ عَلَى ثِيَابِي، فَلَطَخْتُ كُلَّ مَلَابِسِي. لِأَنَّ يَوْمَ ٱلنَّقْمَةِ فِي قَلْبِي، وَسَنَةَ مَفْدِيِّيَّ قَدْ أَتَتْ” (إش63: 1-6). والرمز هنا واضح، فهل الشيطان له جسد بشري ودم، وحينما يدوسه المسيح يخرج منه دم؟! إنما هذا رمزا لدينونة إبليس بالصليب. ولكي نتأكد أن غضب الله موجه للشيطان بالدرجة الأولى وليس لشعوب خلقها ثم مات ليفديها، وأن الدم المشار إليه هو تعبير عن عمل الصليب في عقاب الشيطان “فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ يُعَاقِبُ ٱلرَّبُّ بِسَيْفِهِ ٱلْقَاسِي ٱلْعَظِيمِ ٱلشَّدِيدِ لَوِيَاثَانَ، ٱلْحَيَّةَ ٱلْهَارِبَةَ. لَوِيَاثَانَ ٱلْحَيَّةَ ٱلْمُتَحَوِّيَةَ، وَيَقْتُلُ ٱلتِّنِّينَ ٱلَّذِي فِي ٱلْبَحْرِ … لَيْسَ لِي غَيْظٌ. لَيْتَ عَلَيَّ ٱلشَّوْكَ وَٱلْحَسَكَ فِي ٱلْقِتَالِ (يوم الصليب) فَأَهْجُمَ عَلَيْهَا وَأَحْرِقَهَا مَعًا… أَوْ يَتَمَسَّكُ بِحِصْنِي فَيَصْنَعُ صُلْحًا مَعِي. صُلْحًا يَصْنَعُ مَعِي. (إش27: 1-5). المسيح هنا كديان ينفذ العقوبة ضد الشيطان ليصنع الصلح بين الله وكنيسته. وما عمله المسيح هو إضعاف الشيطان جدًا ليصير كعرعر. ويطلب منا أن نكمل العمل، فالمسيح أعطانا السلطان أن ندوس على الشيطان (لو10: 19). وهذا السلطان يكون إذا قبلنا أن نجعل المسيح يقودنا في المعركة التي نكون فيها كفرس يقوده هو. حينئذٍ يقال أن المسيح خرج غالبًا ولكي يغلب (رؤ6: 2). إعلانا أننا نُمَلِّكْ المسيح علينا رافضين الشيطان وإغراءاته.
  9. بالنسبة للمسيح الديان فنقول أنه داس الشيطان بصليبه ورمزيا نقول أن الدم رُشَّ على ثيابه.وبالنسبة للكنيسة *المسبحة التي *ملكت المسيح عليها خاضعة لوصاياه يقال أيضًا أنها تدوس الشيطان. والمسيحي الذي لا يفعل هذا فيدوس الشيطان، قيل عنه هنا مَلْعُونٌ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلَ الرَّبِّ بِرِخَاءٍ، وَمَلْعُونٌ مَنْ يَمْنَعُ سَيْفَهُ عَنِ الدَّمِ. والسيف هنا المقصود به كلمة الله والتسابيح. والدم هنا إشارة لهزيمة الشيطان الذي يدوسه المؤمنين (وواضح الرمز هنا فالشيطان روح وليس له جسد ولا دم، ولكن قوله الدم رمز لعقاب الله للشيطان لهزيمته الكاملة). ونلاحظ أن من يرفض أن يُمَلِّك المسيح على قلبه رافضا العلاقة مع الله في صلاة وتسبيح فهو سيقع في يد الشيطان. وعلينا أن نفهم أن من يملك الرب عليه يباركه الرب. وأن من يقع في يد الشيطان تسود حياته اللعنة (راجع مقالة “الصليب لعنة تتحول إلى بركة” في نهاية تفسير الإصحاح الثالث من رسالة غلاطية).
  10. بالنسبة لشعب العهد القديم إذ كانوا لا يميزون بين الخاطئ والخطية، تجد أن الصلواتتطلب هلاك الأشرار. أما العهد الجديد فنحن نعتبر أن الخاطئ مريض نطلب له التوبة والشفاء، فالمسيح أتى لأجل الخطاة “لَمْ آتِ لِأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى ٱلتَّوْبَةِ” (لو5: 32). والآن نحن نعتبر أن أعداءنا هم الشيطان والخطية والجسد (الإنسان العتيق).

زر الذهاب إلى الأعلى