تفسير سفر أيوب ٢٦ للقمص أنطونيوس فكري

تفسير سفر أيوب – الإصحاح السادس والعشرون

 

الأيات 1-14:

“فاجاب ايوب وقال، كيف اعنت من لا قوة له وخلصت ذراعا لا عز لها، كيف اشرت على من لا حكمة له واظهرت الفهم بكثرة، لمن اعلنت اقوالا ونسمة من خرجت منك، الاخيلة ترتعد من تحت المياه وسكانها، الهاوية عريانة قدامه والهلاك ليس له غطاء، يمد الشمال على الخلاء ويعلق الارض على لا شيء، يصر المياه في سحبه فلا يتمزق الغيم تحتها، يحجب وجه كرسيه باسطا عليه سحابه، رسم حدا على وجه المياه عند اتصال النور بالظلمة، اعمدة السماوات ترتعد وترتاع من زجره، بقوته يزعج البحر وبفهمه يسحق رهب، بنفخته السماوات مسفرة ويداه ابداتا الحية الهاربة، ها هذه اطراف طرقه وما اخفض الكلام الذي نسمعه منه واما رعد جبروته فمن يفهم”.

 أيوب هنا يرد علي بلدد متهكماً ويبين له أنه لم يأتي بجديد، بل كلامه بلا فائدة

كيف أعنت من لا قوة له= هل كلماتك مهما بدا أنها كلمات عظيمة قد أعانتني أنا من لا قوة لي الآن، أنت جئت لتعزيني فهل فعلت= هل خلصت ذراعاً لا عز لها.

هل أعطيتني كلمات تعزيني وتخلصني بعد أن إنكسر عزي وضاع. كيف أشرت علي من لا حكمة له، وأظهرت الفهم بكثرة= أي خير صنعت بكلامك، ما هي المشورة النافعة التي أعطيتها لي، هب أنني بلا حكمة، فماذا أشرت به علي، هل تظن حقاً أنني لا أؤمن بكل ما قلته عن عظمة الله وحقارة الإنسان، حتي تكرر ما قلتموه سابقاً وفي هذا تظن نفسك أنك تظهر فهماً وحكمة لا مثيل لهما. لمن أعلنت أقوالاً= هل تظنني جاهلاً لا أعرف الله حتي تعلمني عن الله كما تعلم ولد صغير. هناك فرق في طريقة التعليم، إذا ما كلمنا ولد صغير، أو شخص جاهل، أو شخص متعلم. (في حالة كأيوب المفروض أن يكون الكلام عن نعمة الله ورحمته لا عن عظمة الله وسلطانه)

ونسمة من خرجت منك= أي بإلهام من تكلمت، وهل تصورت أن كلامك هذا موحي به من الله، أنا أتعجب بأي روح تكلمت. وكان أيوب له الحق في الهجوم علي أصحابه فهم في مناقشاتهم كانوا يتكلمون بمنطق الخصوم الذين يبحثون كيف ينتصرون. والأصحاب في تعزياتهم قد يفشلون، أما الروح القدس فهو المعزي الحقيقي.

الأيات 5-14:- هنا أيوب يظهر أمام أصحابه أنه يعرف عن الله كما يعرفون بل أكثر والذي ينبغي أن نعرفه، أنه عندما نتحدث عن مجد الله فإننا نعجز عن أن نعلن الأمر بوضوح كما هو 1كو 12:13. وعن عظمة الله إتفق الأصحاب ولم يختلفوا.

الأخيلة ترتعد من تحت المياه وسكانها= الأخيلة أي الأموات (أش 9:14 + أش 14:26). وكانوا يتصورون أن الأموات يسكنون الهاوية، والهاوية تحت الأرض، تحت أعمق أعماق الماء، في مكان لا يدرك. والأموات فيها يرتعبون من الله مهما كان جبروتهم في حياتهم علي الأرض. الهاوية عريانه قدامه=نحن كبشر لا نستطيع أن نري الهاوية، لكنها مكشوفة أمام الله. والهلاك ليس له غطاء= المكان الذي يتعذب فيه الأشرار أيضاً مكشوف أمام الله. ولعلنا من هذه الآية نلمس فكر القدماء فهناك الهاوية وهي مكان للأبرار وهناك الهلاك وهي هاوية أخري خاصة بالأشرار، ولا يستطيع من في الهاوية الإتصال بمن في هاوية الهلاك، والعكس صحيح. ونفس المفهوم قاله سليمان في أم 11:15. يمد الشمال علي الخلاء= يقصد النجوم التي في السماء وأجملها ما في الشمال (ولا يقصد طبعاً شمال الكرة الأرضية) وهذه النجوم قد تعلقت في السماء علي لا شئ والأقدمين كانوا يعتقدون أن السماء قبة تحوي النجوم ومثبتة علي الأرض أو فوق الأرض. والخلاء يقصد به الهواء. ويعلق الأرض علي لا شئ= عجيب أن يقول أيوب هذا حسب نظريات العصر الحديث. يصر المياه في سحبه= بالنسبة لهم فالماء محفوظ فوق السحب ومع هذا وبالرغم من وزن المياه الكبير فإن السحب لا تتمزق= فلا يتمزق الغيم تحتها= كأن المياه مصرورة بإحكام في كيس إلي أن تحين الفرصة لإستخدامها. وهنا قد يكون أيوب يقارن طريقة حفظ الماء قديماً في أزقة(جمع زقاق وهو كيس جلدي) وهذه الأزقة تتمزق أحياناً، أما السحب في نظره فهي لا تتمزق. يحجب وجه كرسيه باسطاً عليه سحابه الله في مجده لا يحتمل أحد ضياؤه ولذلك هو يخفي مجده حتي لا نموت نحن البشر. وهو هنا يصور السحاب أنه يغطي مجد الله كما يغطي نور الشمس وحرارتها. ولكن رأينا بعد ذلك أن هناك فعلاً سحابة حجبت المسيح في صعوده، وسحابة رافقت الشعب في مسيرته نحو كنعان. رسم حداً علي وجه المياه عند إتصال النور بالظلمة= القدماء تصوروا أن مياه البحر تحيط بالأرض كلها كدائرة، ونور الشمس ينير داخل هذه الدائرة أما خارج هذه الدائرة ظلمة، والله رسم حداً عند إتصال النور بالظلمة. أعمدة السماوات ترتعد، وترتاع من زجره= يقصد الجبال التي علي قممها ترتكز السماء وهذه ترتعد مع الرعود والزلازل. بقوته يزعج البحر= بالعواصف والأنواء وبقوته يضرب مصر= وبفهمه يسحق رهب= إذا فهمنا أن رهب إشارة إلي مصر. نري أن هذه الآية إشارة للضربات التي وجهت لفرعون وللمصريين، خصوصاً بشق البحر حين شقه الله= يزعج البحر. بنفخته السموات مسفرة= أي بنسمة فيه يطرد السحاب وتصبح السموات صافية فتظهر الكواكب. ولكن في ترجمات أخري ترجمت الآية بروحه زين السموات= فالله خلق السموات بكواكبها وإزدانت بلمعانها

ويداه أبدأتا الحية الهاربة= قد يقصد بها الحية التي تبتلع الشمس في الكسوف أو القمر في الخسوف كما كان القدماء يعتقدون. وسماها هاربة لسرعة حركاتها. وربما كانت الإشارة لإبليس فهو الحية الهاربة، وقد تكون الإشارة إلي لوياثان كما سيأتي الشرح في إصحاح(41). والبعض فسروا الآية بأنها مجموعة نجوم أسموها الحية الهاربة، وهي جزء من زينة السموات. ها هي أطراف طرقه كل ما قلته هو جزء لا يذكر من عجائب خلقة الله، هي أطراف فلا يوجد من يدعي أنه يعرف الأعماق. نحن معرفتنا بسيطة جداً بالله. ما أخفض الكلام الذي نسمعه منه= أي ما أقل ما نسمع عنه. وأما رعد جبروته فمن يفهم= أي إذا كنا بالكاد نعرف شيئاً من أطراف طرق الله، فمن الذي يفهم قوته ويدركها. كلمة أطراف طرقه تناظر ما أخفض الكلام الذي نسمعه منه. وبالتالي يصبح رعد جبروته كنآية عن معرفة أعماق الله.

فاصل

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى