تفسير سفر أيوب ٣٤ للقمص أنطونيوس فكري
تفسير سفر أيوب – الإصحاح الرابع والثلاثين
الأيات 1-9:
“فاجاب اليهو وقال، اسمعوا اقوالي ايها الحكماء واصغوا لي ايها العارفون، لان الاذن تمتحن الاقوال كما ان الحنك يذوق طعاما، لنمتحن لانفسنا الحق ونعرف بين انفسنا ما هو طيب، لان ايوب قال تبررت والله نزع حقي، عند محاكمتي اكذب جرحي عديم الشفاء من دون ذنب، فاي انسان كايوب يشرب الهزء كالماء، ويسير متحدا مع فاعلي الاثم وذاهبا مع اهل الشر، لانه قال لا ينتفع الانسان بكونه مرضيا عند الله”. الحكماء. . . العارفون= أليهو كان مختلفاً معهم ومع هذا كان يحترمهم. الأذن تمتحن الأقوال= الأذن تمتحن بمعني العقل والإدراك. هو دعاهم أن يسمعوا أقواله ويتذوقوها ثم يحكموا هل كلامه فيه حكمة أم لا. لنمتحن لأنفسنا الحق= هنا جمع أليهو نفسه معهم، ومعني كلامه أنه يجب أن نمتحن كل ما نسمعه لنحكم عليه، فهو كمن يطلب أن يتحاور معهم للوصول إلي الحقيقة بلا فرض رأي.
وفي (5) يلوم أيوب علي الكلام الصعب الذي قاله عن الله (18:13 + 2:27، 4، 5) خصوصاً إصراره أنه برئ وأن الله ظلمه= نزع حقي. وميزة أليهو أنه يدين أيوب في أقوال محددة بينما الأصحاب أدانوه علي أعمال تصوروا هم أنه عملها وهو برئ منها مما أثاره. وفي (6) عند محاكمتي أكذب= ترجمتها هكذا اليسوعية “أُكَذَبْ والحق لي” أي الله يعلم إنني برئ ومع هذا يتهمني أنني كاذب وخاطئ ليعذبني بلا سبب. جرحي عديم الشفاء من دون ذنب= آلامه ميئوس من شفائها وهو برئ.
وفي (7) أليهو يلوم أيوب بشدة ويصوره كمن يجلس في مجلس المستهزئين ليهزأ بأحكام الله. يشرب الهزء كالماء= معناها أنه أخذ قدراً كبيراً في توجيه الإتهامات لله. وفي (8) يسير متحداً مع فاعلي الأثم= في إتهامات أيوب لله والهزء من أحكامه صار أيوب كأنه زميل لفاعلي الإثم الأشرار. وفي (9) إتهم أليهو أيوب ولامه لأنه فهم من كلامه أن أيوب يقصد أن الإنسان المتدين البار لن يستفيد من تدينه. كما لو كانت خدمة الله بلا جدوي. وهذا الكلام إستخلصه من 22:9
الأيات 10-20:
“لاجل ذلك اسمعوا لي يا ذوي الالباب حاشا لله من الشر وللقدير من الظلم، لانه يجازي الانسان على فعله وينيل الرجل كطريقه، فحقا ان الله لا يفعل سوءا والقدير لا يعوج القضاء، من وكله بالارض ومن صنع المسكونة كلها، ان جعل عليه قلبه ان جمع الى نفسه روحه ونسمته، يسلم الروح كل بشر جميعا ويعود الانسان الى التراب، فان كان لك فهم فاسمع هذا واصغ الى صوت كلماتي، العل من يبغض الحق يتسلط ام البار الكبير تستذنب، ايقال للملك يا لئيم وللندباء يا اشرار، الذي لا يحابي بوجوه الرؤساء ولا يعتبر موسعا دون فقير لانهم جميعهم عمل يديه، بغتة يموتون وفي نصف الليل يرتج الشعب ويزولون وينزع الاعزاء لا بيد”.
في الأيات (10-12) كانت خطة أليهو أن يجعل أيوب يتقبل آلامه وهو في سلام. وسبق له في الإصحاح السابق أن شرح أن الله يقصد تاديب الإنسان بالألام، وبالتالي فالآلام هي لخير الإنسان. وهنا يثبت أن الله يعطي العقوبة أو التأديب بقدر إستحقاق الإنسان تماماً وليس بأكثر من ذلك.
وفي (13) من وكله بالأرض= يريد أليهو أن يثبت عدل الله، وأنه له السلطان المطلق فهو الذي صنع المسكونة كلها فهو بالتالي الذي يحكمها، وسلطانه عليها لم يأتي من أحد، فلم يوكله أحد. وصاحب الشئ يهتم بما يملكه أكثر من إهتمام الوكيل به. بل هو لو أغفل عن إهتمامه لحظة تحطم كيان الكون في لحظة. فالله لأنه صاحب هذه الأرض يحكمها بالعدل، فلماذا يحكمها بالظلم، ولمصلحة من. لو كان هو يديرها كوكيل، ربما كان يخطيء لصالح نفسه (كوكيل الظلم)، ولكن هي أرضه فلماذا لا يعدل، هل هناك من هو أقوي أو أعدل منه.
والأيات 15، 14:- أنت يا أيوب تتهم الله بأنه يظلمك، وهو كعدو لك، جافٍ من نحوك، هل تتصور يا أيوب عمن تتكلم، الله الذي له كل السلطان، الله الذي بيده روحك، إن غفل عنك لحظة تموت، وإن وضع في نفسه أن يكون ضدك لهلكت في طرفة عين، فروحك في يده. فلماذا يعذبك إذاً، هو لو أراد، فهو قادر أن يهلكك في لحظة. إن جعل عليه قلبه= الله لو وضع قلبه، أي صمم علي ضرب شخص إن جمع إلي نفسه روحه ونسمته= ينزع منه روحه فيموت= يُسلم الروح كل بشر= هل يستطيع إنسان أن يمتنع. الله لا يحتاج لقوة حتي يسحق الإنسان الضعيف، فقط يسحب منه النسمة التي سبق فأعطاها له. إن جمع إلي نفسه روحه ونسمته= أي يسترد الله لنفسه هذه النسمة التي أعطاها للإنسان فيموت.
وفي (16) فإن كان لك فهم= إفهم أن الله لا يمكن مخاصمته، وإفهم أنه ليس عدواً لك فلو عاداك الله لهلكت في لحظة. وفي (17) العل من يبغض الحق يتسلط= هل لو تصورت أن الله ظلمك من دون حق فكيف يكون الله وهو مبغض للحق يتسلط علي العالم. الملك الدنيوي لو حكم بلا عدل تنهار مملكته من الفساد، فهل يحكم الله العالم بلا عدل حتي ينهار العالم، ولمصلحة من يسمح الله بإنهيار العالم الذي خلقه أم البار الكبير تستذنب= الله هو البار العظيم، الذي يلا خطأ فهل تنسب له الظلم.
وفي (18) إذا كان لا يليق أن نوجه إساءة للملوك الأرضيين والندباء= الأمراء فهل نوجه تهمة الظلم لله، وتهمة الظلم أو اللؤم لا يمكن ولا يصح أن نوجهها للملك الأرضي، فهل توجهها يا أيوب لملك الملوك. وفي (20، 19):- الله في سلطانه المطلق لا يحابي أحد فهو خالق الجميع من تراب، فهو لن يجامل موسعاً=غنياً لأنه غني. ولن يجامل فقير لأنه مسكين. فكلهم يموتون لابيد= أي دون تدخل إنسان.
الأيات 21-30:
“لان عينيه على طرق الانسان وهو يرى كل خطواته، لا ظلام ولا ظل موت حيث تختفي عمال الاثم، لانه لا يلاحظ الانسان زمانا للدخول في المحاكمة مع الله، يحطم الاعزاء من دون فحص ويقيم اخرين مكانهم، لكنه يعرف اعمالهم ويقلبهم ليلا فينسحقون، لكونهم اشرارا يصفقهم في مراى الناظرين، لانهم انصرفوا من ورائه وكل طرقه لم يتاملوها، حتى بلغوا اليه صراخ المسكين فسمع زعقة البائسين، اذا هو سكن فمن يشغب واذا حجب وجهه فمن يراه سواء كان على امة او على انسان، حتى لا يملك الفاجر ولا يكون شركا للشعب”.
إبتداء من هنا يثبت حتمية عدل الله بأن يعرف كل شئ دون أن يفحص.
ففي (21) الله يفحص عمل كل واحد لذلك تكون عقوبته عادلة. وفي (22) لا ظلام ولا ظل موت= كل شئ مكشوف أمام عينيه، ولا شئ يختفي عنه من شرور عمال الإثم. ففاعلي الشر قد يختبأون في الظلام فلا يراهم إنسان، فهل يختفون من أمام الله.
وفي (23)، (24) لأنه لا يلاحظ الإنسان زماناً للدخول في المحاكمة مع الله= القاضي البشري يحتاج زماناً لمراقبة المتهم، وفحص قضيته ولكن الله، لأن طرق الإنسان كلها مكشوفة أمامه ففي لحظةيحطم الأعزاء الأشرار من دون فحص= أي لا يحتاج لوقت لفحص قضيتهم. هذا إثبات أن حياتنا بتفاصيلها كلها مكشوفة أمامه.
وفي (26، 25) الله يسحق بعدل فهو يعرف أعمال الجميع. وحين يضرب يضرب أمام الناظرين ليرتدع الجميع. ويقلبهم ليلاً= هكذا ضرب بيلشاصر ليلاً. ولكن قوله ليلاً يشير لشرهم. فالليل يشير لأعمال الظلمة. والمعني الله يضربهم بسبب شرهم.
وفي (28، 27) شر هؤلاء الخطاة أنهم متمردين علي الله لا يخافون منه ولا يراعوا في شرورهم إنسان، فصاروا طغاة ضد المساكين (لو 2:18). وسر شر الأشرار أنهم تصوروا أنهم بلا إله في هذا العالم= إنصرفوا من ورائه. ولم يعودوا يخافون من أحكامه، لأنهم لم يتأملوا في عقاب الله للأشرار= وكل طرقه لم يتأملوها.
وفي (29) الله له السلطان المطلق علي كل الخليقة وما يقرره لا يمكن لأحد أن يغيره. إن حجب وجهه=يحزن الإنسان، وفي هذه الحالة لن يستطيع إنسان تعزيته، وحجب الله لوجهه عن المتألم معناه أنه لا عزاء لهذا الإنسان. وفي سلطان الله المطلق يحفظ العدل لكل الناس= حتي لا يملك الفاجر= الله لا يترك الفاجر يتحكم في الأبرار حتي لا يكون شركاً للشعب. حتي وإن سمح الله للفاجر أن يملك زمناً فهو لا يتركه دائماً مز 3:125. وإن ملك فاجر علي شعب يكون هذا بسماح من الله لكي يؤدب هذا الشعب. وبعد أن يأتي التأديب بثماره ينزع الله هذا الفاجر.
الأيات 31-37:
“و لكن هل لله قال احتملت لا اعود افسد، ما لم ابصره فارنيه انت ان كنت قد فعلت اثما فلا اعود افعله، هل كرايك يجازيه قائلا لانك رفضت فانت تختار لا انا وبما تعرفه تكلم، ذوو الالباب يقولون لي بل الرجل الحكيم الذي يسمعني يقول، ان ايوب يتكلم بلا معرفة وكلامه ليس بتعقل، فليت ايوب كان يمتحن الى الغاية من اجل اجوبته كاهل الاثم، لكنه اضاف الى خطيته معصية يصفق بيننا ويكثر كلامه على الله”.
أليهو يعلم أيوب ماذا يجب أن يقول، فبعد أن لامه يضع في فمه كلاماً يقوله. (وخطوات التوبة أن نمتنع عن التكلم بكلام شرير ثم نبدأ نتعلم أن نتكلم كلاماً صالحاً). ولكن هل لله قال إحتملت= عليك يا أيوب إن كنت رجلاً باراً حقاً أن تقول لله، أنا أحتمل كل ما تسمح به، أحتمل لأنه تأديب، ولأنني واثق في أنك لا تفعل سوي الخير. لا أعود أفسد= لا أعود لخطاياي. هنا يدعوه للإعتراف بأنه أخطأ، وبأن يقدم توبة فلا يعود لخطيته ثانية. ويفهم أن يحتمل التأديب كأنه علاج لحالته حتي لا يهلك بسبب خطاياه، كما يحتمل المريض الدواء ليشفي. ما لم أبصره فأرينه أنت= أنا إكتشفت بعضاً من أخطائي، فإكشف لي يارب ما لا أستطيع أن أراه، إكشف المختبئ فيَ والذي لا أعلمه فلا أعود إليه. بهذا يعترف أيوب أمام الله كما فعل اللص اليمين “أنا بعدل جوزيت”. وقول أليهو هل لله قال= المقصود أيوب أو أي تائب.
وفي (33) هل كرأيك يجازيه= هنا يسأل أليهو أيوب “هل كرأيك يا أيوب يجازي الله الإنسان التائب، أو هل يستشير الله إنسان فيما يفعله، أو في طريقة التأديب المناسبة، الإنسان قاصر في معرفته فكيف يختار. والكلام هنا كأن الله يوجه الكلام لأيوب لأنك رفضت= لأنك يا أيوب ترفض حكمي وطرقي وتظن أنني أخطأت. فأنت تختار لا أنا= تفضل يا أيوب أختار التصرف السليم بدلاً مني.
وفي (34، 35) يستشهد أليهو بكل العقلاء والفهماء، وبأنهم يؤيدوه في أن أيوب تكلم بلا عقل. هنا يقول أليهو لأيوب ما سبق وقاله أيوب لزوجته “تتكلمين كإحدي الجاهلات”. وفي بعض الأحيان نشير علي الناس بنصائح نحتاج أن نسمعها لأنفسنا.
وفي (36) يتمني أليهو أن الله يترك أيوب لآلامه حتي آخر المشوار لتنكشف كل أخطائه ويسحب كل الكلام الصعب الذي قاله ويقدم توبة حقيقية فيصير باراً فعلاً.
وفي (37) يصفق بيننا= علامة علي إستمرار تمرده وغضبه، وأنه مستمر في إتهامه لله بالظلم. وبهذا أضاف لخطاياه خطية جديدة.
تفسير أيوب 33 | تفسير سفر أيوب | تفسير العهد القديم |
تفسير أيوب 35 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير سفر أيوب | تفاسير العهد القديم |