تفسير سفر أيوب ٣٩ للقمص أنطونيوس فكري

تفسير سفر أيوب – الإصحاح التاسع والثلاثون

 

يستمر الله في عتاب أيوب لأنه إتهمه بالظلم، بينما هو يراعي حتي المخلوقات الأخري المتوحش منها والضعيف ويهتم بها ويرزقها. والله يعاتب أيوب لأنه في خطبه الكثيرة إهتم بأن يذكر صلاحه وإهتمامه بالفقراء وأعماله الصالحة، وكأن الله يقول له، إن كنت أنت قد عملت بعض الأعمال الصالحة، فأنا كل أعمالي صالحة وأنظر للخليقة حولك وأنت تري أنني لا أنسي أحد، وإن كان هناك بعض الأعمال التي لا تستطيع حكمتك الإنسانية أن تفهمها، فتواضع وأشعر بأن معرفتك بسيطة حتي بما حولك من الخليقة، فكم وكم بالأمور التي تجهلها.

الأيات 1-4:

“اتعرف وقت ولادة وعول الصخور او تلاحظ مخاض الايائل، اتحسب الشهور التي تكملها او تعلم ميقات ولادتهن، يبركن ويضعن اولادهن يدفعن اوجاعهن، تبلغ اولادهن تربو في البرية تخرج ولا تعود اليهن“.

 تأوي الوعول والأيائل إلي الصخور في الجبال العالية البعيدة عن مساكن الناس، فيصعب علي الإنسان إن يعرف طباعها وعاداتها، وأما الرب فلا يعرفها فقط بل يدبرها ايضاً لأن الكل منه. ومن عجائب عنآية الله أنه أعطي هذه الحيوانات حتي الصغير منها سناً غريزة بها تقدر أن تدبر ذواتها بخلاف أطفال البشر الذين يحتاجون إلي أن يراعيهم والديهم عدة سنين إلا هلكوا. ولقد حدد الله لكل نوع من الحيوانات ميعاد للحمل والولادة بل هي تلد بسهولة أكثر كثيراً من الأنسان. ولا يعين الإنسان هذه الحيوانات حتي تلد، بل هي تلد وحدها والله يرعاها حتي تلد ثم يرعي صغارها، فإن إهتم الله بهذه الحيوانات فكم بالأولي يكون إهتمامه ببني البشر.

الأيات 5-8:

“من سرح الفراء حرا ومن فك ربط حمار الوحش، الذي جعلت البرية بيته والسباخ مسكنه، يضحك على جمهور القرية لا يسمع زجر السائق، دائرة الجبال مرعاه وعلى كل خضرة يفتش”.

 الفرا هو فتي حمار الوحش وهو أجمل وأسرع من الحمار الأليف ولا يمكن تذليله وتربيته ولا الإستفادة منه= لا يسمع زجر السائق= فلا يمكن ربطه إلي عربة ليجرها. ويحب أن يعيش منطلقاً في البرية= جعلت البرية بيته. السباخ= الأرض القفر. فالبرية والسباخ مكان الفرا. ولا يدخل إلي قرية ليعيش فيها= يضحك علي جمهور القرية أي لا يقبل أن يكون له مالك يعمل عنده. وعلي كل خضرة يفتش= لأن لا مالك له فهو المسئول عن نفسه، يفتش عن أماكن الخضرة ليأكل. بينما الحمار الذي يتم ترويضه فهو يعمل ويعطيه سيده طعامه. ويؤخذ الفرا رمزاً للإنسان الخاطئ الشهواني الذي يجري وراء شهوته ويدعي أنه حر يفعل ما يريد أر 24:2 + هو 9:8. فكما أن الفرا أيضاً لا نفع منه هكذا مثل هذا الإنسان الشرير. أما الحمار الأليف المروض هو الذي يقبل التأديب من يدي سيده فيطعمه سيده. والإنسان الذي يقبل تأديب الله يسكنه الله في مراع خضر، بينما تكون حياة الشرير في قفر وسباخ اي في خراب

الأيات 9-12:

“ايرضى الثور الوحشي ان يخدمك ام يبيت عند معلفك، اتربط الثور الوحشي برباطه في التلم ام يمهد الاودية وراءك، اتثق به لان قوته عظيمة او تترك له تعبك، اتاتمنه انه ياتي بزرعك ويجمع الى بيدرك”.

الثور الوحشي= أكبر وأقوي من الثور الأليف. وهو أيضاً لا يمكن أستخدامه كما يستخدم الثور الأليف. وفيه يظهر قوة الخالق وضعف الإنسان الغير قادر حتي أن يروض حيواناً. والثور الوحشي كان يوجد قديماً في فلسطين ولا يوجد الأن (عد 22:23 + مز 10:92). والله يظهر لأيوب أنه لا يمكنه إخضاع هذا الثور الوحشي ليخدمه، وذلك لن أيوب كان يتصور أن كل الأمور يجب أن تخضع لفكره ولحكمته، وأن كل شئ يجب أن يسير علي حسب هواه، وكأن الله يقول له فلنبدأ بالثور الوحشي، هل تستطيع أن تجعله يسير وفق إرادتك. وقبل سقوط الإنسان كان له سلطان علي كل الوحوش. لكن بعد السقوط تمردت عليه الحيوانات وفقد سلطانه، ولكن الله أبقي بعض الحيوانات تحت سلطان الإنسان لتخدمه، ولم يعطه سلطاناً علي الباقي ليعرف ضعفه ولا يتكبر.

الأيات 13-18:

“جناح النعامة يرفرف افهو منكب راوف ام ريش، لانها تترك بيضها وتحميه في التراب، وتنسى ان الرجل تضغطه او حيوان البر يدوسه، تقسو على اولادها كانها ليست لها باطل تعبها بلا اسف، لان الله قد انساها الحكمة ولم يقسم لها فهما، عندما تحوذ نفسها الى العلاء تضحك على الفرس وعلى راكبه”. توجد النعامة في بلاد العرب وفي إفريقيا وأماكن أخري ويربونها لريشها الجميل والثمين. وهي لها جناحان ولكن لا يمكنها الطيران فجناحيهاصغيران بالنسبة لطولها (يزيد علي المترين) ووزنها. ولكن جناحيها يساعدانها في الركض وهي سريعة جداً، وأسرع من الخيل= تضحك علي الفرس وعلي راكبه. فطول خطوتها حوالي 8 أمتار. تحوذ نفسها إلي العلاء= أي ترفع رأسها حين تركض. وحين تبيض تضع بيضها في الرمال، قد تحتضنه أحياناً، ولكنها أحياناً تتركه حين يشتد الحر فيفقس بفعل الحرارة دون أن تتعب هي. وهي تترك بيضها مكشوفاً معرضاً أن يدوسه أي أحد (أيات 14، 15). وإذا كانت النعامة تترك بيضها هكذا فكيف يخرج الصغار؟ بالتأكيد هي عنآية الله “فإن نسيت الأم رضيعها فأنا لا أنساكم” وليتعلم الأباء من النعامة، فسيكون أباً لا حكمة له إن ترك أولاده في العالم بلا رعآية روحية، فمن المؤكد سوف تسحقهم شهوات هذا العالم وتدوسه أرجل الناس الأشرار. ويصير كل تعب الوالدين باطلاً= باطل تعبها بلا أسف= أي أن النعامة لا تأسف علي بيضها لو ضاع أو إنكسر. وفي إهتمامها بذاتها إذا خافت أو شعرت بخطر تجري بسرعة عظيمة وتترك صغارها= تقسو علي أولادها وهذا مثال للخدام غير الأمناء. وكنيستنا القبطية تضع دائماً بيض نعام قدام الهياكل بهذا المفهوم، أن الله هو الذي يرعي شعبه حتي لو نسيه كل أحد، ولو نسيتنا أمهاتنا وخدامنا فالله لا ينسانا فعينه علينا دائماً. تترك بيضها وتُحميه في التراب= تتركه ليفقس في التراب الساخن الحامي، ولذلك شاع أن النعامة جائرة الطبع وقليلة المحبة لفراخها وبلا حكمة= لأن الله قد أنساها الحكمة ولم يقسم لها فهماً. فبينما ريشها ثمين تتباهي به، إلا أنها بلا حكمة. فأيهما نفضل الحكمة مع كوننا فقراء، أم كبرياء الغني مع عدم الحكمة. وإتخذ خيلاء النعامة بريشها علامة علي كبرياء الأغنياء بثرواتهم وملابسهم.

الأيات 19-25:

“هل انت تعطي الفرس قوته وتكسو عنقه عرفا، اتوثبه كجرادة نفخ منخره مرعب، يبحث في الوادي وينفز بباس يخرج للقاء الاسلحة، يضحك على الخوف ولا يرتاع ولا يرجع عن السيف، عليه تصل السهام وسنان الرمح والمزراق، في وثبه ورجزه يلتهم الارض ولا يؤمن انه صوت البوق، عند نفخ البوق يقول هه ومن بعيد يستروح القتال صياح القواد والهتاف”.

 الفرس= بعد أن إستعرض الله قوته وقدرته في خلق ورعآية حيوانات غير مروضة، يظهر قدرته في حيوان عجيب، له شجاعة غريبة في الحروب لذلك استخدموه في الحرب، ولكن مع هذه الشجاعة فطفل صغير قادر أن يقود هذا الفرس، والفرس لا يتمرد علي صاحبه. عُرفاً= هو غالباً غطاء مصفح يوضع حول رقبة الحصان ليحميه وهو ذاهب للقتال. والكلمة الأصلية في العبرية رعداً، وبهذا يفهم معني الكلمة أنها إشارة لمنظر الفرس الجميل والمخيف وهو ذاهب للقتال في شجاعة. ثم يصور شجاعته في القتال. أتوثبه كجرادة= فقزته قوية بالرغم من وزنه. يَنْفِزْ ببأس= أي يثب ويطفر بقوائمه جميعاً ويضعهن معاً من غير تفريق بينهن. تصل السهام= هو صوت السهام في الجعبة. ولكن لا شئ يرعبه. لا يؤمن أنه صوت البوق= كأنه مشتاق للقتال ومن شدة فرحه إن سمع صوت البوق لا يصدق أن القتال قد بدأ فيندفع للمعركة، مشتاقاً للقتال، لا يكاد يصدق أذنيه أنه إستمع لصوت بوق القتال من فرحه به. يلتهم الأرض=إشارة لسرعة ركض الفرس فيري راكب الفرس الطريق أمامه وكأن فرسه يبتلعه. والسؤال لأيوب هل أعطيت الفرس هذه الشجاعة فلا يخاف الموت.

الأيات 26-30:

“امن فهمك يستقل العقاب وينشر جناحيه نحو الجنوب، او بامرك يحلق النسر ويعلي وكره، يسكن الصخر ويبيت على سن الصخر والمعقل، من هناك يتحسس قوته تبصره عيناه من بعيد، فراخه تحسو الدم وحيثما تكن القتلى فهناك هو”.

 النسر والعقاب= العقاب شبيه بالنسر. يستقل العقاب= يحلق بجناحيه عالياً جداً. ويمتاز كلاهما بالطيران عالياً جداً. وحدة بصرهما، فهما يريان الفريسة أو الجيفة من علي مسافات لا تدركها عين الإنسان وينقضان عليها. ويمتاز النسر بعلو أوكاره وشراهته في أكل اللحم والدم= فراخه تحسو الدم= فصغار النسور لا تستطيع أكل اللحم فتلحس الدم. والكبار تأكل جيف القتلي= وحيثما تكن القتلي فهناك هو يسكن الصخر= يقيم النسر أوكاره عالياً حتي لا يصل إليه أيدي الأعداء. فمن الذي أعطي النسر هذه الحكمة والقوة علي الطيران عالياً وحدة البصر. ومن الذي يرشد الطيور المهاجرة التي تتجه نحو الجنوب الحار في فصول الشتاء الباردة= وينشر جناحيه نحو الجنوب= من أعطي لهذه الطيور هذه الغريزة التي تميز بها الجنوب الجغرافي دون أن تخطئ، وهي تطير نحو الجنوب في خط مستقيم دون خطأ ليلاً ونهاراً حتي تصل إلي مكانها. فهل لك حكمة هذه الطيور يا أيوب أو قدراتها، ولكن الله أعطي لها حكمة وقدرات مميزة حتي تستطيع أن تعيش.

تعليق علي الإصحاحات 39، 38

الإصحاحين 39، 38 هما دعوة من الله للإنسان أن يرفع عينيه للخليقة حوله فيدرك قوة الله وصلاحه وعنايته فيثق فى الله. وقوة الله ظاهرة في الأجرام السماوية، وفي الأرض التي نحيا عليها، وفي خليقته الحيوانية سواء الجبار منها كالأسد والنسر أو ما هو ضعيف منها كالنملة بل المخلوقات الميكروسكوبية. والله يرعي الجميع. والإنسان عموماً يحاربه الشيطان بفكرة أن الله أهمله خصوصاً إذا كان الإنسان في ضيقة، وهنا الله يرد علي هذا الفكر. إن كنت لا أهمل كل خليقتي سواء جماد أو حيوان فهل أهملكم أنتم أحبائي”

وعرض صور خليقة الله الحيوانية أمام الإنسان تجعله يتواضع، فأين نحن من قوة الأسد أو حدة بصر النسر وإرتفاعه أو شجاعة الفرس. فما الذي يحمينا حتي نحيا سوي رعآية الله وأعمال عنايته بالرغم من محدودية قدراتنا

وهناك تأمل في هذه الحيوانات يظهر صفات معينة للإنسان

  1.       الفرا:- يشير للإنسان الخاطئ الشهواني، الذي يكسر كل القيود المعروفة، دينية كانت أو إجتماعية

 جرياً وراء شهواته، وهذا يحيا في خراب لا يجد طعاماً.

  1.       ثور الوحش:- يشير للقوة التي لم تخضع تحت الترويض، فلا يمكن أن يكون لها نفع ويندرج تحت

 هذه القوي، قوتنا الجسمانية والشهوانية والعقلية والروحية.

  1.       النعامة:- هي رمز للأنانية، بلا قلب ومتكبرة، جبانة فهي تهرب تاركة صغارها فالأنانية

 والكبرياء تقس القلب، أما الحب فيجعل من الإنسان بطلاً يفدي غيره وكل خاطئ يمكن أن نقول عنه

 أنه أناني منغلق علي ذاته، وكما تدفن النعامة رأسها في الأرض حين تري الخطر قادم عليها هكذا

 يفعل الخاطئ إذ يري الخطر قادم فيخدع نفسه قائلاً سلام سلام ويرد عليه الله لاسلام قال الرب

 للأشرار. والنعامة تمثل الإنسان المتكبر عموماً الذي يزهو بما عنده.

  1.       الفرس:- هو يمثل المؤمن الذي يقوده المسيح الذي خرج غالباً ولكى يغلب رؤ 2:6. وهذا لا

 يهتم بحروب الشيطان حوله مهما كانت عنيفة مخيفة بل لا يهاب الموت.

  1. النسر:- يمثل الإنسان الروحي، الذي يحلق عالياً في السموات، له حدة بصر يري بها أعدائه

 الشياطين بحيلهم ويقف علي الصخر (28:39) وصخرتنا هي المسيح

فاصل

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى