تفسير سفر أيوب ٩ للقمص أنطونيوس فكري

تفسير سفر أيوب – الإصحاح التاسع

 

الأيات 1-13:

 “فاجاب ايوب وقال، صحيح قد علمت انه كذا فكيف يتبرر الانسان عند الله، ان شاء ان يحاجه لا يجيبه عن واحد من الف، هو حكيم القلب وشديد القوة من تصلب عليه فسلم، المزحزح الجبال ولا تعلم الذي يقلبها في غضبه، المزعزع الارض من مقرها فتتزلزل اعمدتها، الامر الشمس فلا تشرق ويختم على النجوم، الباسط السماوات وحده والماشي على اعالي البحر، صانع النعش والجبار والثريا ومخادع الجنوب، فاعل عظائم لا تفحص وعجائب لا تعد، هوذا يمر علي ولا اراه ويجتاز فلا اشعر به، اذا خطف فمن يرده ومن يقول له ماذا تفعل، الله لا يرد غضبه ينحني تحته اعوان رهب”.

 نجد أيوب هنا يؤكد بر الله وصلاح الله وسلطان الله المطلق وأنه لا يختلف مع أصحابه حول هذا الرأي. صحيح. قد علمت أنه كذا= أي أنا متفق معكم فيا قلتموه عن الله. ولكن كانت مشكلة أيوب التي حاول أن يعرضها أمام أصحابه استحالة أن يتبرر الإنسان عند الله= فكيف يتبرر الإنسان عند الله. في نظر أيوب أن يتبرر إنسان أمام الله شئ صعب فهو حاكم مطلق له كل السلطان علي الطبيعة فمن يقف أمامه، خصوصاً حين يضع الله في قلبه أن يرصد خطوات هذا الإنسان، فإذا تحول إنتباه الله الجبار من الطبيعة الهائلة إلي الإنسان الضعيف ورصد الله له كل خطية فمن يثبت أمام الله. وأمام قوته القاهرة، حينئذ سيكون الله كما لو كان ينقض علي فريسة ليسحقها. بل إن أقوي المتمردين مثل رهب لن يقف أمامه. ومن المؤكد أن قوة الله جبارة لكن أيوب في آلامه نسي أن محبة الله أيضاً جبارة، ولم تظهر هذه المحبة بقدر ما ظهرت علي الصليب. لقد ظن أيوب أن الله سيسحق الخاطئ ويا للعجب فقد سحق إبنه الوحيد عوضاً عن الخاطئ. ثم يبدأ أيوب يثبت صعوبة أن يتبرر إنسان أمام الله. إن شاء أن يحاجه لا يجيبه عن واحد من ألف= الله يستطيع أن يوجه للإنسان 1000 سؤال مربك، أو ألف خطأ إرتكبه الإنسان، ولا يستطيع الإنسان أن يجاوب عن سؤال واحد. فالله في حكمته يستطيع بسهولة أن يعلن حمق وجهل كل مدعي للحكمة. ولن نستطيع أن نبرر أنفسنا عن أي خطأ إرتكبناه. من تصلب عليه فسلم=كل من تحدي الله وتقسى أمامه لم يسلم، بل كل قساوة أمام الله تدل علي حماقة صاحبها. وهذا ما حدث مثلاً للشيطان. ولنلاحظ أن إبليس كان يمني نفسه أن يجدف أيوب علي الله لكنه تكلم حسناً عن الله وأظهر عظمته ومجده. ووصف أيوب الله بأنه حكيم القلب لذلك لا نقدر أن نجاوبه في المحاكمة. وأنه شديد القوة= فلا نقدر أن نقوي أمامه. ودليل قوته. المزحزح الجبال ولا تعلم= لقد جعل جبل سيناء يرتعد (مز 8:68) وهذا يحدث من الزلازل والبراكين التي هي تحت سيطرة الله. ولا تعلم= أي ليس بإرادتها فالله هو الذي يزلزل الجبل وقتما يريد. بل ينقل الجبل إذا أراد (جبل المقطم ونقله) المزعزع الأرض من مقرها= الأرض مستقرة علي محورها والله وحده قادر أن يزعزع إستقرارها. وتتزلزل أعمدتها= هذا تصوير شعري يشير لأن الأرض مستقرة كأنها علي أعمدة والله حين يزلزلها كأنه يزلزل أعمدتها. أما عن العلم وأن الأرض لا تستقر علي أعمدة فهذا ذكر في ص 7:26 أن الله يعلق الأرض علي لا شئ. وقد قيل هذا بفم أيوب أيضاً مما يثبت فكرة الخيال الشعري. الآمر الشمس فلا تشرق= الله يأمر الشمس فتشرق ويأمرها فتغرب، وهو خلقها في البدء وهو القادر ان يزيلها. “فالسماء والأرض تزولان” وراجع أيضاً رؤ 1:21. وهو قادر أن يأمرها فلا تشرق، وهذا يحدث طبيعياً في الكسوف، وحدث معجزياً مع يشوع وأشعياء مع حزقيا وحينما صلب المسيح. فمع يشوع وقفت ومع أشعياء تراجعت ويوم صليب المسيح توارت. ويختم علي النجوم= في أش 26:40 قيل يخرج بعدد جندها. كأن النجوم موضوعة في خزانة صباحاً ويخرجها الله مساءً بعددها لا ينقص منها واحداً، وهوج يختم عليها فلا يقدر أحد غيره أن يخرجها أو يدخلها، والمعني أنها تحت سلطانه وحده. ولقد زلزل الله الأرض مرة أيام الطوفان فإندفع الماء يغمر الجبال لأن القشرة الأرضية هبطت بجبالها فإرتفعت المياه حتي غطت الجبال. ولكثرة الأمطار الرهيبة إختفي نور الشمس عن الأرض. الباسط السموات وحده= هو بسطها في البدآية ومازال يحفظها مبسوطة كما هي.

الماشي علي أعالي البحار= أي أن أمواج البحر العظيمة تحت سيطرة الله وهو يمنعها من أن تندفع لتغطي الأرض اليابسة. (وحين إنتهر المسيح البحر الهائج سكن)

صانع النعش. . . = النعش والجبار والثريا هي مجموعات نجوم وأيوب ذكر ثلاثاً منها كمثال. والنعش غالباً هو الدب القطبي الذي نحدد به الشمال الجغرافي. مخادع الجنوب= هي مجموعة النجوم التي لا تري إلا من نصف الكرة الجنوبي.

هوذا يمر علي ولا أراه= الله يعمل في الخفاء وبكيفية لا تدرك، نحن نري أعماله ولكننا لا نراه، ومن أعماله نري بصيص من نور مجده غير المدرك رو 19:1، 20.

حقا إن إدراكنا القاصر يعجز عن إدراك أعمال مشورته لكننا نلمس قدرته ومجده والله سلطانه مطلق لا يمكن الإعتراض عليه= إذا خطف فمن يرده= فإذا إنتزع الرب صحة إنسان أو ثروته أو أولاده لا يستطيع أحد أن يمنعه، بل هو يخطف حياة الإنسان نفسه ولا يستطيع أحد أن يقول له ماذا تفعل. وحقاً نحن الأن لن نفهم الحكمة في تصرفات الله. ولكن سيأتي الوقت الذي فيه نفهم أن ما إعترضنا عليه، أو رفضناه، أو حكمنا بأنه تم مصادفة، سنفهم أن كل شئ تم بحكمة لا نهائية.

الله لا يرد غضبه= الله يطلق غضبه ضد الأشرار المعاندين ولا أحد يستطيع أن يمنعه.

ينحني تحته أعوان رَهَب= رهب معناها الأصلي يعني الكبرياء. والكبرياء منسوبة لمصر وفي اش 9:51 نفهم أن رهب هي التنين، وربما أطلق الإسم علي التمساح أو (التنين). ولأن التمساح منسوب لمصر وأيضاً الكبرياء هي خطية مصر صار إسم رهب إشارة لمصر أش 7:30. وربما الإشارة لأسطورة قديمة تتحدث عن إخماد ثورة في السماء قام بها الوحش البحري رهب وأعوانه، ثم سيطر عليهم الله وثبتهم في السماء علي شكل مجموعة كواكب. فالذين يقاومون الله كثيرين لكن حين يريد الله فبسلطانه وقوته المطلقة يخضعهم. والله يقيناً يسحق كل من تجبر عليه وكل من يعين هذا المتمرد= أعوان رهب.

الأيات 14-21:

“كم بالاقل انا اجاوبه واختار كلامي معه، لاني وان تبررت لا اجاوب بل استرحم دياني، لو دعوت فاستجاب لي لما امنت بانه سمع صوتي، ذاك الذي يسحقني بالعاصفة ويكثر جروحي بلا سبب، لا يدعني اخذ نفسي ولكن يشبعني مرائر، ان كان من جهة قوة القوي يقول هانذا وان كان من جهة القضاء يقول من يحاكمني، ان تبررت يحكم علي فمي وان كنت كاملا يستذنبني، كامل انا لا ابالي بنفسي رذلت حياتي”.

نري أيوب هنا يطبق علي نفسه ما سبق أن قاله عن عجز الإنسان عجزاً مطلقاً عن أن يحاج الله. ونتيجة لهذا نراه ييأس من أن ينال رضاه، الأمر الذي نشأ من أرائه القاسية الظالمة عن الله، فالله في نظره إله جبار لا يقاومه أحد ولا يبرر إنسان. كم بالأقل أنا أجاوبه= إذا كان الله قادراً أن يخضع رهب فكم بالأولي أنا أيوب الخليقة الضعيفة المسكينة. وأختار كلامي معه= هل أستطيع أنا أمام هذا الإله الجبار أن أقف لأدافع عن نفسي وأتخير الكلمات المناسبة، هل سيعطيني هذه الفرصة. لأني وإن تبررت لا أجاوب بل أسترحم دياني= حتي لو كنت باراً ووقفت أمامه وشعرت بعظمته لن أستطيع أن أنطق بأنني بار بل سأطلب رحمته، فالله يري حتي أخطائنا التي لا نراها. وهذه هي الطريقة التي ينبغي أن نقف بها أمام الله، مثل العشار. بل وصل أيوب لحالة يائسة تماماً من إستجابة الله لصلواته. لو دعوت فإستجاب لي لما أمنت بأنه سمع صوتي= أي لو قدمت تضرعاتي وأعطاني سؤل قلبي، فإنني لا أعتقد بأن صلواتي هي العلة في الإستجابة. فالله يأخذ (يخطف) حين يريد، ويعطي حين يريد وليس ذلك بسبب صلواتنا أو إرادتنا بل بحسب سلطانه المطلق الذي لا يناقشه فيه أحد. ثم يضع صورة لله أنه ظلمه بلا سبب فهو لا يشعر في داخله أنه خاطئ بل هو بار= ذاك الذي يسحقني بالعاصفة= قد تكون العاصفة التي هدم بها منزل أبنائه. أو عاصفة غضبه الذي ظهر في كل ما حدث. ويكثر جروحي بلا سبب. وجروحه هي الصدمات المتوالية التي أتت عليه= ولا يدعني أخذ نفسى هل لو كان الله كما صوره أيوب يسحق ولا يدعه يأخذ نفسه كان يستطيع أن يقول هذا الكلام عن الله دون أن يقتله؟! كثيراً ما نظلم الله الحنون ثم يسترسل أيوب في تصوير قوة الله وعجزه عن الوقوف أمامه= إن كان من جهة قوة القوي يقول هأنذا= الله قوي ويقيناً لا أستطيع أن أقف أمام قوته ولا أمام قوة حجته= وإن كان من جهة القضاء يقول من يحاكمني= هنا يشير لله كحاكم أو قاضي مطلق وليس من يستطيع أن يقف أمامه فلا سلطة للإستئناف إن تبررت يحكم عليَ فمي= في ترجمة أخري “إن ظننت نفسى بريئاً، فإن فمى يحكم عليَ” أي إذا حاولت أن أتكلم لأبرئ نفسى فمن المؤكد أنني سوف أخطئ فيحكم عليَ الله. وهذا كلام صعب فنحن يجب أن نقف أمام الله شاعرين بأننا كلنا خطية وفي إحتياج لأن يبررنا بدمه. وإن كنت كاملاً يستذنبني= أي لو قلت أنني كامل وبلا خطية فالله قادر أن يجد خطأ فيَ ليستذبنني، كأن يجدني متكبراً أو أكون قد فرطت بشفتي بكلمة يمسكها عليَ. ثم يصل أيوب لقمة غطرسته وكبريائه ويظهر بره الذاتي الذي يؤدبه الله عليه فيقول كامل أنا. اي مع كل ما قلته أن الله قادر أن يجد في خطأ إلا أنني في نظر نفسى فأنا كامل، لذلك لا أبالي بنفسى. رذلت حياتي= أي أنا مستعد أن أدافع عن نفسى وعن كمالي وبرائتي حتي لو أدي هذا لأن يهلكني الله فإني رذلت حياتي بسبب ألامي وأصبح الأمر عندي سيان، أن أموت أو أن أحيا هكذا.

الأيات 22-24:

“هي واحدة لذلك قلت ان الكامل والشرير هو يفنيهما، اذا قتل السوط بغتة يستهزئ بتجربة الابرياء، الارض مسلمة ليد الشرير يغشي وجوه قضاتها وان لم يكن هو فاذا من”.

 هنا يلمس أيوب نقطة الخلاف الأساسية مع أصدقائه الذين يصرون علي أن الآلام لا تصيب إلا الشرير ليثبتوا أنه شرير. هو يريد أن يثبت بره. هم يريدون أن يثبتوا أن الأبرار والصالحين ينجحون دائماً في هذا العالم، أما أيوب فيقول لا فإنه أمر عادي أن ينجح الأشرار ويُنكب الأبرار. هي واحدة لذلك قلت إن الكامل والشرير هو يفنيهما= ما قاله أيوب هنا هو صحيح إلي حد بعيد فالآلام تصيب الأبرار والأشرار. ولكن خطأ أيوب في قوله أن الله يفنيهما معاً. فالنار تصيب الآنية الذهبية فتنقيها وتصيب القش فتحرقه وتفنيه، لكن مفهوم أن الألم هو مؤدب لم يكن واضحاً عند أيوب.

إذا قتل السوط بغتة يستهزئ بتجربة الأبرياء= السوط هو الألم الذي يسمح به الله، والألم إذا أتي يكتسح الكل أمامه حتي الأبرياء. وحين يري آلام وصراخ الأبرياء لا يهتم بل يستهزئ بآلامهم. وهذا كلام صعب من أيوب ونحن قد رأينا المسيح يبكي علي قبر لعازر وهو في كل ضيقنا تضايق ثم تألم هو وشعر بألامنا ليعين المجربين عب 18:2. ولكن عندما تحتد الروح في المناقشة أو بسبب عدم الإقتناع، نكون في حاجة لكن نضع حارساً علي أبواب شفاهنا لكن نتحدث بوقار عن الله وعن الأمور السماوية.

فالأرض مسلمة ليد الشرير= ربما كان أيوب يستشهد بحادثة حوله كان فيها ملك شرير يحكم الأرض حوله ويظلم الناس. ولكن نجد هذا المفهوم صحيحاً إلي حد بعيد (رو20:8 + لو 6:4 بل المسيح أطلق علي الشيطان رئيس هذا العالم) ولذلك نجد في بعض الأحيان الأشرار ينجحون لأنهم خروا وسجدوا للشيطان “أعطيك كل هذه إن خررت وسجدت لي” لكنها تضيع فجأة فلماذا؟ يقول المزمور “إن لم يحرس الرب المدينة فباطل سهر الحراس”. فالشيطان قد يعطي لكنه لا يقدر أن يحفظ. ولنلاحظ أن الله سلم الأرض للشيطان ولكنه أي الله هو ضابط الكل. ومن يريد أن يعيش للأرض (الماديين والشهوانيين) سيكونوا تحت سلطان إبليس. أما من يريد أن يعيش في السماويات فلن يكون لإبليس سلطان عليه.

يغشى وجوه قضاتها= أعمي عيون قضاتها. هنا يقصد أيوب أن القضاة الذين كان ينبغي عليهم أن يحكموا بالعدل فينصفوا المظلوم، كأن الله أعمي عيونهم وأصبحوا لا يروا الحق. وأيوب ينسب هذا الظلم لله، أي أن الله هو الذي سلم الأرض ليد الأشرار وأعمي عيون القضاة فصارت الأرض مملكة ظلم ثم يتمادي في رأيه الصعب القاسي قائلاً وإن لم يكن هو أي الله. . . فإذن من.

الأيات 25-35:

“ايامي اسرع من عداء تفر ولا ترى خيرا، تمر مع سفن البردي كنسر ينقض الى قنصه، ان قلت انسى كربتي اطلق وجهي واتبلج، اخاف من كل اوجاعي عالما انك لا تبرئني، انا مستذنب فلماذا اتعب عبثا، ولو اغتسلت في الثلج ونظفت يدي بالاشنان، فانك في النقع تغمسني حتى تكرهني ثيابي، لانه ليس هو انسانا مثلي فاجاوبه فناتي جميعا الى المحاكمة، ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا، ليرفع عني عصاه ولا يبغتني رعبه، اذا اتكلم ولا اخافه لاني لست هكذا عند نفسي”. .

 أيامي أسرع من عداء= كل أيامي الحلوة، أيام الرخاء ذهبت فجأة. تفر ولا تري خيراً= “قد فَرَت ولم تصب خيراً” (الترجمة اليسوعية) لقد هربت منه أيام رخائه سريعاً ولم تترك له وراءها خيراً. تمر مع سفنالبردي أي مرت سريعة فقوارب البردي قوارب خفيفة وسريعة في النيل. ولنستفيد من هذا ونفهم أن حياتنا تجري سريعة “كبخار يظهر قليلاً ثم يضمحل”.

إن قلت أنسي كربتي (همومي وشكواي) أطلق وجهي وأتبلج (تبلج اي ضحك وهش) أي إذا حاولت أن أنسي همومي وأضحك لا أستطيع لأنني أخاف من أوجاعي أوجاعي أقوي من إرادتي أن انسي. وما زاد آلامه فلم يستطع أن ينسي كربته إنه كان يائساً أن يخلصه الله من آلامه، أو يخففها عنه. وإستمرار آلامه يثبت لأصحابه نظريتهم أنه شرير وهذا يؤلمه بالأكثر. ووصل في يأسه لأنه قال أنا مستذنب= أي أن الله أصدر قراراً بأنني مذنب رغماً من براءتي فلماذا أتعب عبثا= في محاولة تبرئة نفسي. ومهما حاولت أن أبرئ نفسي فلا فائدة حتي ولو إغتسلت في الثلج= المقصود الماء الذي كان ثلجاً وذاب فهذا الماء هو أنقي أنواع المياه فهو بلا شوائب. وغسل الأيدي علامة نقاوة القلب (كما فعل بيلاطس)= وحتي إن نظفت يدي بالأشنان. الأشنان تعني الصابون أو المطهر. فإنك في النقع تغمسني حتي تكرهني ثيابي= أي مهما حاولت أن أبرر نفسي أمامك فلا فائدة. ومعني الآية = النقع= المستنقع وكله روائح كريهة وحين يغمس أحد ثيابه في النقع يعاف من أن يلبسها لرائحتها ونتانتها. إذاً حتي لو طهر أيوب نفسه بإجتهاد فهو سيظل كريها نتناً أمام الله، بل أمام الناس بل حتي أمام نفسه. وهذا صحيح جداً فنحن خطاة بل بالخطايا ولدتنا أمنا. ومهما حاولنا أن نتبرر فلا فائدة، ولكن هناك طريق واحد للتبرير وهو دم المسيح الذي إذ نأتي إليه شاعرين بخطايانا كارهين أنفسنا معترفين أننا غير مستحقين يطهرنا دمه من كل خطية رؤ 14:7 + 1يو 9:1.

والأيات(32-33) رائعتان. وكأن أيوب فيها يشتاق للمسيح إبن الإنسان الوسيط بين الإنسان وبين الله (1تي 5:2). لقد كان أيوب يائساً من أن يستمع إليه الله [وهذا صحيح فنحن غير مقبولين إلا بشفاعة دم المسيح]. وكان هذا قاسياً علي أيوب. وهو هنا يشتكي من أنه غير قادر علي الحوار مع الله لأن الله ليس إنساناً= ليس هو إنساناً مثلي فأجاوبه= أي لو كان إنساناً لتكلمت معه بلا خوف وشرحت له بري [والمسيح صار إنساناً لنتكلم معه بلا خوف ولكن لا داعي لأن نبرر أنفسنا كما تصور أيوب، إنما جاء هو ليبررنا]. فنأتي جميعاً إلي المحاكمة= حسناً قال داود “وتتبرر إذا حوكمت” عموماً فأيوب كان له شكواه علي الله، أن الله ظلمه وهو يريد أن يذهب للمحاكمة ليثبت أنه بار ومظلوم. وإشتكي أنه ليس وسيط. فكيف يتم الإتصال بين الله وإنسان [لذلك جاء المسيح كإله وإنسان معاً، فيه إجتمعت الطبيعتان في طبيعة واحدة] والمسيح يضع يده علي كلينا علي الطبيعة اللاهوتية وعلي الطبيعة البشرية التي أخذها منا ليصالحنا علي الله. هنا أيوب يشتاق لوجود مصالح بينه وبين الله، بروح النبوة إشتاق للمسيح.

ليرفع عني عصاه= لو وجد هذا المصالح لإنتهي غضب الله علينا وترفع العصا.

ولا يبغتني رعبه= بالمسيح رأينا وجه الله الراضي المحب بعد أن زال غضبه.

إذاً أتكلم ولا أخافه= هل كان أحد يخاف من المسيح المحب حين كان يكلمه.

لأني لست هكذا عند نفسى= لم تنقشع سحب غضب الله عني وما زال غضب الله متشبثا بي ولست أدري ماذا أفعل. . . هكذا كان إنسان العهد القديم قبل المسيح.

فاصل

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى