تفسير سفر يشوع ١ للقمص أنطونيوس فكري
الإصحاح الأول
آية (1): “وكان بعد موت موسى عبد الرب أن الرب كلم يشوع بن نون خادم موسى قائلاً.”
بعد موت موسى: الله أخفى موسى حتى لا يؤلهوه ويعبدوه. وكان لابد لموسى أن يموت حتى يظهر يشوع. فينتهي عهد الناموس لننعم بعهد النعمة. خادم موسى= من تواضعه لم يذكر أنه القائد.
آية (2): “موسى عبدي قد مات فالآن قم اعبر هذا الأردن أنت وكل هذا الشعب إلى الأرض التي أنا معطيها لهم أي لبني إسرائيل.”
هنا نجد أن الله يذكر يشوع بما وعد به من قبل، أن يشوع سيصبح قائداً للشعب (تث23:31) ولاحظ أن يشوع يذكر أنه خادم موسى وهذا تواضع والله يرفعه ليصير قائداً ورئيساً لشعبه وهذا يشبه (في2) أخلى ذاته أخذاً صورة عبد.. رفعه الله وأعطاه إسماً فوق كل إسم. فيشوع رمز للمسيح. قم أعبر الأردن.. وكل هذا الشعب إلى الأرض= الله أعطى لشعبه الأرض ميراثاً. وعليهم أن يعبروا الأردن أولاً وهو الآن فى فيضانه (15:3) وهو عميق سريع الجريان ولكن الله سيوقفه من أجلهم. وهذه هي خطة الله لنرث ما أعده الله لنا في أورشليم السماوية (أرض ميعادنا) لكن علينا أولاً أن نعبر الأردن أي نموت ونخلع جسد بشريتنا بلا خوف من الموت فالمسيح أبطل سلطانه ولم يعد له قوة كما توقف نهر الأردن عن السريان إلى البحر الميت (تفسير رقم I) وعلينا أن نجتاز في المعمودية فنموت مع المسيح ونقوم معه ونحيا في الأرض الآن صالبين أهوائنا مع شهواتنا حتى نخلع جسدنا العتيق (تفسير رقم II) وبكلا التفسيرين نحصل على التبني الكامل وبالتالي ميراث ملكوت السموات. ولاحظ أمر الله ليشوع قم.. أعبر فهو يأمر لأنه أي الله هو القائد الحقيقي لمسيرة الشعب. وبماذا يأمر؟ بالموت أي عبور الأردن كمقدمة للقيامة بالجسد الممجد. الذي نرث به الأرض السماوية. وكل هذا الذي حدث للشعب كان بسبب وجود يشوع مع تابوت العهد في وسطهم رمزاً لأن المسيح هو الذي حطم وكسر شوكة الموت بطاعته وموته وقيامته فهو القيامة والحياة وعلينا أن نثبت فيه فهو الطريق وهو القيامة فنقوم معه.
آية (3): “كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته كما كلمت موسى.”
الله سبق وأكد لموسى أنه سيهبهم الأرض التي سبق فوعد بها الآباء إبراهيم وأسحق ويعقوب والله يظل أميناً في وعوده بالرغم من عدم أمانتنا (رو3:3،4). ولكن الله يعرف الوقت المناسب (ملء الزمان) الذي فيه يحقق وعده. وليس معنى أن الوعد قد تأخر تنفيذه أن الله لن ينفذ وعده، بل هو وحده يعرف الوقت المناسب ولاحظ قوله تدوسه بطون أقدامكم= فالله وعدهم بالأرض (من نعمته) ولكن عليهم الجهاد ليحصلوا عليها. فالله يعطي بلا حدود وجهادنا وإرادتنا هم الذين يصنعون الحدود. وهذا يشير لأهمية الجهاد مع عمل نعمة الله. وهناك رأى لبعض الآباء أن أرض كنعان التي وهبها الله للشعب تشير للمركز الذي كان لإبليس وجنوده قبل السقوط وبسقوطه وسقوطنا بغوايته وطأ قلوبنا تحت قدميه. وعلينا تحت قيادة يشوعنا الحقيقي المسيح يسوع أن نسترد أرضنا ونطأ إبليس وجنوده تحت أقدامنا (لو19:10) فنسترد قلوبنا ونحتل أيضاً المركز الذي كان لإبليس قبلاً. ولكن حتى أتمتع بمكان رئيس الشياطين في السموات علىّ الآن أن أتأهل بالرب يسوع أن أسحق الشيطان تحت قدمي (رو20:16) وهذا هو جهادنا الآن.
آية (4) : “من البرية ولبنان هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات جميع ارض الحثيين وإلى البحر الكبير نحو مغرب الشمس يكون تخمكم.”
هذه الحدود المذكورة هنا تحدد أرض الميعاد وهذه الحدود تحققت فعلاً أيام داود وسليمان. والله يحدد لهم الأرض حتى لا يطمعوا في ضم الأراضي حولهم.
من البرية= برية سيناء والعربية الصخرية حدوداً جنوبية. ولبنان= حدوداً شمالية. النهر الكبير= هو الفرات وهو الحد الشرقي. وإلى البحر الكبير= أي البحر المتوسط كحد غربي ولاحظ قوله البحر الكبير، لأن اليهود يقولون لفظ يم على كل تجمع مائي (يم أي بحر) فالبحر الميت يسمى يم وهكذا بحيرة طبرية فبالمقارنة معهما يصير البحر المتوسط هو البحر الكبير. جميع أرض الحثيين= الحثيين هم أقوى شعوب الكنعانيين، والله يعدهم بهذا ليطمئنهم ومكانهم شمال فلسطين (قض26:1) بين الفرات ولبنان (يش4:1) وبعضهم جنوب فلسطين بقرب حبرون “(تك3:23) وكأن معنى القول ستمتلكون حتى أرض الحثيين الأقوياء وإذا حدث هذا فمن المؤكد أنكم ستمتلكون باقي أراضي الكنعانيين.. وروحياً نلاحظ أن أرض الميعاد تبدأ حدودها بالبرية الخربة فخارج المسيح خراب وما يدخله المسيح يعطيه أن يصير جنة مثمرة تفرح قلب الله (لبنان). وهكذا بالمسيح نتحول من برية خربة إلى السموات نفسها. وهذه الجنة يرويها النهر الكبير (رؤ1:22) رمزاً للروح القدس (الذي يبدأ عمله مع الإنسان من لحظة المعمودية) حتى السماء. ويظل أيضاً خارج أرض الميعاد البحر الكبير بمياهه المالحة التي لا تروى وأمواجه المضطربة رمز للعالم.وإذا فهمنا أن البحر يشير للعالم والأمم الذين فيه، تكون هذه الآية نبوة عن دخول الأمم إلى الإيمان لأننا نلاحظ قوله نحو مغرب الشمس يكون تخمكم= أي حدودكم يحددها مكان مغرب الشمس والشمس إذا غربت عن مكان تشرق في مكان آخر من العالم أي إشراقها دائم على كل الأرض. والمسيح شمس برنا حين أشرق، أشرق على كل المسكونة والإيمان به أمتد إلى كل العالم.
الآيات (5،6) : “لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك كما كنت مع موسى أكون معك لا أهملك ولا أتركك. تشدد وتشجع لأنك أنت تقسم لهذا الشعب الأرض التي حلفت لآبائهم أن أعطيهم.”
هنا نرى أن الله هو العامل الحقيقي في هذا الخلاص، هو الذي يختار يشوع وهو الذي يسنده ويسند الشعب وهو أمين في تحقيق مواعيده. الله دعا يشوع للعمل ولكن ليكون الله نفسه هو العامل به وفيه. ونحن مع الله ندرك أننا مختفين فيه وهو القائد الحقيقي للمعركة فلا نخاف من قوات الظلمة فهي ليست ثائرة علينا بل على القائد الإلهي نفسه. لذلك يقول الله لا أهملك ولا أتركك= فالله يريد أن يكون خدامه مملوئين رجاء وثقة فيه (2كو14:2 + رو37:8) ومن يهمله الله يتركه الله يدافع عن نفسه ومن لا يهمله الله يدافع الله عنه. وليس معنى هذا أننا لن نجد مقاومين بل معنى لا يقف إنسان في وجهك= أي لا يثبت إنسان في وجهك وشروط هذا الوعد حتى يتحقق [1] الإيمان [2] طاعة وصايا الله (يش11:7،12). ونحن لنا مقاومين هم قوات شر روحية وعلينا بإيمان أن لا نخاف منهم (أف12:6) بل تشدد وتشجع= فيشوع خاف من قيادة هذا الشعب المتمرد، وخاف من المدن المحصنة. وكل خادم يخاف من خدمة النفوس الشريرة ويرى صعوبة توبتها لا يدري أن الله هو الذي يقود هذه النفوس للتوبة وليس الخادم نفسه.
الآيات (7،8): “إنما كن متشددا وتشجع جداً لكي تتحفظ للعمل حسب كل الشريعة التي أمرك بها موسى عبدي لا تمل عنها يميناً ولا شمالاً لكي تفلح حيثما تذهب. لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك بل تلهج فيه نهاراً وليلاً لكي تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه لأنك حينئذ تصلح طريقك وحينئذ تفلح.”
هنا ثلاث أمور هامة لتنجح أي خدمة:
- الإيمان: تشجع.. لكي تتحفظ= تتحفظ أصلها تنتبه وتراقب وتصون وتحترز وهو يستطيع أن يفعل هذا لو تشجع فكلمة لكي عائدة على تشجع أي آمن بالله وكن شجاعاً.
- طاعة الوصية: لا تمل عنها يميناً ولا شمالاً لكي تفلح= قارن مع (مز3:1). والتشبيه هنا أن الوصية كطريق مستقيم عليه أن يتنبه أن لا يحيد عنه وإلاّ ضل هدفه.
- التمسك بشريعة الله واللهج فيها: لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك= كلمة الله هي السلاح الحقيقي للخادم عليه أن يحيا بها.
الآيات (9،10) “ اما امرتك تشدد و تشجع لا ترهب و لا ترتعب لان الرب الهك معك حيثما تذهب. فأمر يشوع عرفاء الشعب قائلاً.”
عرفاء الشعب= كان هؤلاء العرفاء هم المدبرين الذين يعملون تحت المسخرين المصريين لحساب عد الطوب (خر6:5) وعملوا كرؤساء ألوف ومئات وعشرات كنواب للرئيس وكقادة للجيش لتحقيق العدالة وقيادة الشعب بعد الخروج (تث15:1)
آية (11): “جوزوا في وسط المحلة وأمروا الشعب قائلين هيئوا لأنفسكم زاداً لأنكم بعد ثلاثة أيام تعبرون الأردن هذا لكي تدخلوا فتمتلكوا الأرض التي يعطيكم الرب إلهكم لتمتلكوها.”
إصحاح (2) الذي يتكلم عن حادثة الجاسوسين سبق هذه الآيات زمنياً.
هيئوا لأنفسكم زاداً= كلمة زاد تشير لكل أنواع الطعام حتى لحوم الحيوانات، وحتى هذه اللحظة كان الشعب يقتات على المن. وربما بدأ المن يقل استعداداً لدخولهم أرض الميعاد حيث يجدون الحنطة الجديدة. لذلك يطلب منهم إعداد الزاد للمسيرة. والمن كان قد توقف بعد دخولهم أرض الميعاد. ولكن روحياً نفهم أن الزاد هو روحي استعداداً لهذا العمل العظيم وليس الزاد المادي فقط، بل أن بعض الكتاب اليهود فهموها هكذا. ونحن محتاجين للزاد السماوي استعداداً ليوم دخولنا كنعان السماوية. وهذا الزاد السماوي هو إقتناء حياة المسيح المقامة كحياة لنا ويكون هذا بأن نلهج في كلمة الله ليلاً ونهاراً وننفذ وصاياه في إيمان قوي غير خائفين إنتظاراً للقيامة العامة التي تشير لها رقم (3) بعد ثلاثة أيام تعبرون. لاحظ أن الله معنا ويشددنا ولا يطلب سوى أن لا نكف عن جهادنا حتى ندخل أرض الميعاد. وعلينا أن لا نرهب ولا نخاف حتى يأتي في مجيئه الثاني.
الآيات (12-18): “ثم كلم يشوع الرأوبينيين والجاديين ونصف سبط منسى قائلاً. اذكروا الكلام الذي أمركم به موسى عبد الرب قائلا الرب إلهكم قد أراحكم وأعطاكم هذه الأرض. نساؤكم وأطفالكم ومواشيكم تلبث في الأرض التي أعطاكم موسى في عبر الأردن وأنتم تعبرون متجهزين أمام اخوتكم كل الأبطال ذوي البأس وتعينونهم. حتى يريح الرب اخوتكم مثلكم ويمتلكوا هم أيضاً الأرض التي يعطيهم الرب إلهكم ثم ترجعون إلى أرض ميراثكم وتمتلكونها التي أعطاكم موسى عبد الرب في عبر الأردن نحو شروق الشمس. فأجابوا يشوع قائلين كل ما أمرتنا به نعمله وحيثما ترسلنا نذهب. حسب كل ما سمعنا لموسى نسمع لك إنما الرب إلهك يكون معك كما كان مع موسى. كل إنسان يعصى قولك ولا يسمع كلامك في كل ما تأمره به يقتل إنما كن متشددا وتشجع.”
الله كان قادراً أن يخلص التسعة أسباط ونصف دون جهاد السبطين ونصف لكن الله يقدس العمل البشري والوحدة، فألزمهم بالعمل مع أخوتهم ما دامت لهم قوة للعمل، وما داموا قادرين على الجهاد، فالله لا يستخدم المعجزات إلا بالقدر الذي لا يوجد فيه طريق آخر للخلاص سوى المعجزة. فالله لا يحتقر بل يطلب جهاد الإنسان ولكن الإنسان في جهاده عليه أن يعرف أن المعونة هي من الله “ليس الزارع ولا الساقي بل الله الذي ينمي ولكن لابد من وجود الزارع والساقي حتى ينمي الله العمل” وفي آية (13) أراحكم= أعطاكم أرض شرق الأردن ولكن من أراحه الله لا يعيش لنفسه بل للآخرين وفي (17) نجد طاعة السبطين ونصف بل هم يصلون من أجل يشوع = الرب معك وفي (18) نجدهم يضعون قانون بالموت لمن يخالف يشوع.