تفسير سفر يشوع ١٦ للقمص تادرس يعقوب

 

الأصحاح السادس عشر

نصيب أفرايم

بعد يهوذا جاءت القرعة على أفرايم:

  1. نصيب أفرايم بعشائره             [1-9].
  2. بقاء الكنعانيين في وسطهم       [10].
  3. نصيب أفرايم بعشائره…

كلمة “أفرايم” تعني (الثمر المتكاثر)، كأن هذا السبط إنما يضم جماعة المؤمنين الذين قبلوا عطية المسيح لهم، روحه القدوس ساكنًا فيهم يهبهم ثمره المتزايد. هؤلاء بحق يستحقون الالتصاق بإخوتهم بني يهوذا، لأنه إن كان يهوذا يُشير إلى التمتع بالاتحاد مع السيد المسيح الخارج من هذا السبط، والانتساب له، فإن بني أفرايم يمثلون أصحاب الثمار المتكاثرة في المسيح يسوع بواسطة روحه القدوس، الذي يأخذ مما له ويخبرنا (يو 16: 15). إنه يهبنا سمات السيد المسيح نفسه، فيعطينا محبة المسيح وفرحه وسلامه وصلاحه وطول أناته إلخ… (غلا 5: 22) وذلك خلال دخوله بنا إلى الثبوت في المسيح، أو إتحادنا معه وفيه. إذن فثمر الروح لا ينفصل عن الوحدة مع الآب في المسيح يسوع، وكأن أفرايم إنما يجب أن يلتصق بيهوذا ويصحبه! بمعنى آخر، ليت كل مؤمن من انتسب لأفرايم، وصار له ثمر الروح القدس ينطلق خلال هذا الثمر إلى إتحاد أعمق مع السيد المسيح.

يشجعنا القديس جيروم أن نلتصق بهذا السبط إذ لنا معه نصيب في الميراث الإلهي أو الإكليل، قائلاً: [كن أفرايم أيضًا، كن مثمرًا، لتنتج الأعمال الصالحة، وعندئذ يكون لك إكليل الرب[233]].

ويلاحظ في تقسيم أرض الموعد أن أفرايم ونصف منسي أخذا منتصف كنعان (السامرية)، لأن شكيم كان قد عينها يعقوب ليوسف (تك 48: 21-22، يش 42: 32)، فيها دُفنت عظام يوسف، وقد صارت من نصيب منسي، بينما صارت شيلوه من نصيب أفرايم ولكلا البلدين ذكريات روحية خاصة لدى الشعب القديم، نكتفي هنا بالحديث عن شيلوه بكونها نصيب أفرايم. فإن “شيلوه” غالبًا ما تعني (موضع الراحة)، تبعد حوالي 9 أميال شمال شرق بيت إيل وحوالي 17 ميلاً شمال أورشليم، ربما تكون سيلون الحالية.

تمتع أفرايم بشيلوه بكونها المدينة التي تمثل الحضرة الإلهية وسط شعبه، فقد اختارها يشوع مقرًا للتابوت والخدمة، وفيها قسم يشوع الأرض ووزعها على الأسباط (18: 1، 8-10)، وقد بقيت الخيمة حوالي 300 عامًا في شيلوه. وفي عهد القضاة كان الشعب يجتمع معًا سنويًا في شيلوه للتعييد وربما لتقديم الذبيحة كعلامة فرح بالله الساكن في وسطهم، وكانت بنات شيلوه يرقصن ابتهاجًا بالعيد. وفي إحدى تلك الأعياد، خطف البنياميون 200 منهن وتزوجوا بهن (قض 21: 19-23؛ 1 صم 1-3). وكانت شيلوه مسكن عالي الكاهن وصموئيل. لكن الله رفض شيلوه فصارت عبرة أمام كل الشعب، إن الله إن كان قد أحب شيلوه هذه القرون لكنها إذ اصرت على الشر هجرها وسمح بخرابها، لهذا كان يُهدد الله أورشليم فيما بعد أن تصير كأختها شيلوه! إنها مثل الإنسان الذي ينعم بفيض حب الله وعطاياه المجانية فتكون دينونته أشد إن أصر على العصيان والحياة الدنسة. لقد رفض الله مسكن شيلوه ولم يعد التابوت هناك، بل أصعده داود إلى أورشليم (2 صم 6)، ونقلت الخيمة إلى نوب في الجنوب (1 صم 21: 1-9)، ومن هناك إلى جبعون ثم أورشليم (2 أي 1: 3-4). هناك سكن أخيا النبي (1 مل 14: 1-16). ويظهر أن شيلوه كانت خربة في أيام إرميا النبي (إر 7: 12، 14؛ 26: 6، 9) وفي أيام القديس جيروم. وقد أظهرت الحفريات الدنمركية (1930-1932) أن شيلوه قد خربت حوالي عام 1050 ق.م، وبقيت هكذا لعدة قرون، لهذا فغالبًا ما يكون قد تم على يدّي الفلسطينيين بعد غلبتهم على أفيق[234].

إن كان لنا ثمر روح الله وحسبنا أعضاء في سبط أفرايم الروحي، إنما تقوم شيلوه في داخلنا، التي ينبغي أن نحذر لئلا تخرب وتنهدم بسبب تراخينا وفساد حياتنا، فينزع الرب بركته ويبحث عن أورشليم عوضًا عنها! لنخف عن موضع استقرار الرب فينا فلا نحرم من حضرته الدائمة فينا إلى الأبد في داخلنا!

  1. بقاء الكنعانيين في وسطهم…

كما ترك يهوذا اليبوسيين في وسطهم، هكذا ترك أفرايم الكنعانيين يسكنون في

وسطهم في جازر، إذ يقول الكتاب: “فلم يطردوا الكنعانيين الساكنين في جازر، فسكن الكنعانيون في وسط أفرايم إلى هذا اليوم وكانوا عبيدًا تحت الجزية” [10].

يحذرنا العلامة أوريجانوس من هؤلاء الكنعانيون الساكنين مع أفرايم، قائلاً: [إن كنت تحمل بالحق ثمار الرب (كأفرايم) وترى إنسانًا يعيش في إهمال وعدم نظام فاعلم أنه من الكنعانيين. فإن لم تستطيع أن تطرده من الكنيسة، كما لم يطرد بنو أفرايم الكنعانيين، فاتبع مبدأ الرسول: “ثم نوصيكم أيها الإخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب” (2 تس 3: 6)[235]].

ويرى العلامة أوريجانوس أن جازر تعني (اتحاد ضيق)، وأن الكنعانيين يمثلون الجسد، وأفرايم يمثل الروح، فإنه متى تركت النفس للجسد أن يطلق شهواته الشريرة تكون قد اتحدت في جازر، أي خلال (اتحاد ضيق) يجعلنا كعبيد تحت الجزية. لهذا ليت نفوسنا في اتحادنا بالجسد لا تدخل معه في جازر، أي في اتحاد ضيق، إنما تقبله مقدسًا في الرب، ليعيش الإنسان بكليته حرًا جسديًا وروحيًا، لا يتمرر من الشهوات الجسدية ولا أخطاء الروح.

على أي الأحوال، إن كان نصيب أفرايم يعتبر أغنى المناطق خصوبة وأروعها جمالاً لكنها كانت تحمل خطرًا إذ وُجد فيها الكنعانيون، وهكذا مع غنى العطية توجد مقاومة!

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى