تفسير سفر يشوع ٨ للقمص أنطونيوس فكري
الإصحاح الثامن
آية (1): “فقال الرب ليشوع لا تخف ولا ترتعب خذ معك جميع رجال الحرب وقم اصعد إلى عاي انظر قد دفعت بيدك ملك عاي وشعبه ومدينته وأرضه.”
لاحظ أن الشعب كله = جميع رجال الحرب. في وضع استعداد ولا مكان للتراخي والراحة التي اقترحها الجواسيس. ولنلاحظ الشعب كله بروح واحد مستعد وأُخِذَ البعض ليراقب والبعض ليحارب (لذلك سنجد رقمين 30.000، 5000) ولكن لأن الكل كان في وضع استعداد فلقد شارك الكل في الغنيمة. ما أجمل الكنيسة التي تصلي بروح واحدة لأجل مشكلة معينة فلسوف يشترك الكل في فرحة الغنيمة والانتصار.
آية (2): “فتفعل بعاي وملكها كما فعلت باريحا وملكها غير أمروهم غنيمتها وبهائمها تنهبونها لنفوسكم اجعل كمينا للمدينة من ورائها.”
الله بدأ هنا يعطيهم ثمار جهادهم = غنيمتها وبهائمها تنهبونها لنفوسكم بعد أن قدموا البكور (غنيمة أريحا) لله. ونجد الله يرشد يشوع لخطة عسكرية يضرب بها عاي= إجعل كميناً للمدينة= في أريحا اسقط الله الأسوار أمامهم وهنا لابد من الجهاد فالله بحكمته يدرب أولاده خطوة خطوة ليتعلموا الجهاد ضد حيل إبليس كما تعلم الأم أولادها السير فهي أولاً تحملهم على كتفها (هزيمة أريحا) ثم تتركهم يسيرون فيقعون على الأرض أولاً (سقوطهم أمام عاي) ثم يسيرون بسهولة (انتصارهم ثانية).
الآيات (3-29): “فقام يشوع وجميع رجال الحرب للصعود إلى عاي وانتخب يشوع ثلاثين ألف رجل جبابرة البأس وأرسلهم ليلاً. وأوصاهم قائلاً انظروا انتم تكمنون للمدينة من وراء المدينة لا تبتعدوا من المدينة كثيراً وكونوا كلكم مستعدين. وأما أن وجميع الشعب الذي معي فنقترب إلى المدينة ويكون حينما يخرجون للقائنا كما في الأول أننا نهرب قدامهم. فيخرجون وراءنا حتى نجذبهم عن المدينة لأنها يقولون انهم هاربون أمامنا كما في الأول فنهرب قدامهم. وانتم تقومون من المكمن وتملكون المدينة ويدفعها الرب إلهكم بيدكم. ويكون عند أخذكم المدينة أنكم تضرمون المدينة بالنار كقول الرب تفعلون انظروا قد أوصيتكم. فأرسلهم يشوع فساروا إلى المكمن ولبثوا بين بيت إبل وعاي غربي عاي وبات يشوع تلك الليلة في وسط الشعب. فبكر يشوع في الغد وعد الشعب وصعد هو وشيوخ إسرائيل قدام الشعب إلى عاي. وجميع رجال الحرب الذين معه صعدوا وتقدموا وأتوا إلى مقابل المدينة ونزلوا شمالي عاي والوادي بينهم وبين عاي. فاخذ نحو خمسة آلاف رجل وجعلهم كميناً بين بيت إبل وعاي غربي المدينة. وأقاموا الشعب أي كل الجيش الذي شمالي المدينة وكمينه غربي المدينة وسار يشوع تلك الليلة إلى وسط الوادي. وكان لما رأى ملك عاي ذلك انهم أسرعوا وبكروا وخرج رجال المدينة للقاء إسرائيل للحرب هو وجميع شعبه في الميعاد إلى قدام السهل وهو لا يعلم أمروهم عليه كميناً وراء المدينة. فأعطى يشوع وجميع إسرائيل انكساراً أمامهم وهربوا في طريق البرية. فالقي الصوت على جميع الشعب الذين في المدينة للسعي وراءهم فسعوا وراء يشوع وانجذبوا عن المدينة. ولم يبق في عاي آنية في بيت إبل رجل لم يخرج وراء إسرائيل فتركوا المدينة مفتوحة وسعوا وراء إسرائيل. فقال الرب ليشوع مد المزراق الذي بيدك نحو عاي لأني بيدك ادفعها فمد يشوع المزراق الذي بيده نحو المدينة. فقام الكمين بسرعة من مكانه وركضوا عندما مد يده ودخلوا المدينة وأخذوها وأسرعوا واحرقوا المدينة بالنار. فالتفت رجال عاي إلى ورائهم ونظروا وإذا دخان المدينة قد صعد إلى السماء فلم يكن لهم مكان للهرب هنا آنية هناك والشعب الهارب إلى البرية انقلب على الطارد. ولما رأى يشوع وجميع إسرائيل أمروهم الكمين قد اخذ المدينة وأمروهم دخان المدينة قد صعد انثنوا وضربوا رجال عاي. وهؤلاء خرجوا من المدينة للقائهم فكانوا في وسط إسرائيل هؤلاء من هنا وأولئك من هناك وضربوهم حتى لم يبق منهم شارد ولا منفلت. وأما ملك عاي فامسكوه حياً وتقدموا به إلى يشوع. وكان لما انتهى إسرائيل من قتل جميع سكان عاي في الحقل في البرية حيث لحقوهم وسقطوا جميعا بحد السيف حتى فنوا أمروهم جميع إسرائيل رجع إلى عاي وضربوها بحد السيف. فكان جميع الذين سقطوا في ذلك اليوم من رجال ونساء اثني عشر ألفاً جميع أهل عاي. ويشوع لم يرد يده التي مدها بالمزراق حتى حرم جميع سكان عاي. لكن البهائم وغنيمة تلك المدينة نهبها إسرائيل لأنفسهم حسب قول الرب الذي أمر به يشوع. واحرق يشوع عاي وجعلها تلا أبدياً خراباً إلى هذا اليوم. وملك عاي علقه على الخشبة إلى وقت المساء وعند غروب الشمس أمر يشوع فانزلوا جثته عن الخشبة وطرحوها عند مدخل باب المدينة وأقاموا عليها رجمة حجارة عظيمة إلى هذا اليوم.”
خطة الحرب
تتلخص الخطة في تكوين 3 مجموعات
- مجموعة مع يشوع
- كمين 30000 خلف عاي
- كمين 5000 بين بيت إيل وعاي
مهمة المجموعة الأولى بقيادة يشوع أن تهجم فيخرج عليها جيش عاي فتستدير وتهرب فيظن جيش عاي أنهم سيهربون مثل المرة الأولى فيلاحقونهم ومهمة المجموعة الثانية أنه حين تفرغ عاي من جيشها يعطي يشوع علامة لهذه المجموعة فتقتحم عاي وتشعل بها النيران وتكون النيران علامة ليشوع ورجاله فيستديروا لضرب جيش عاي الذي أنهار نفسياً حينما شاهد حريق عاي.
وتكون مهمة المجموعة الثالثة حماية الجيش من أي هجون محتمل من أهل بيت إيل لمعونة عاي.
التفسير الروحي لما حدث: عاي بشرورها تمثل إبليس. والمجموعة التي تهاجم مع يشوع ثم تنسحب وتعود وتضرب تمثل شعب اليهود. والمجموعتين (30.000 + 5000) يمثلون الأمم المجموعة الأولى ويشوع بينهم تمثل اليهود. فالمسيح جاء من بينهم. والمجموعتين الثانيتين يمثلان الأمم، وهؤلاء لم يكن المسيح وسطهم “هم آمنوا به دون أن يروه بل لم يكن لهم النبوات التي كانت عند اليهود ولا الناموس”. ويشوع كرمز للمسيح في هروبه أمام أهل عاي يمثل المسيح الذي استسلم للصليب وبعد ذلك استدار وهجم على إبليس وجنوده هو والذين معه (30.000 + 5.000 + كل رجال الحرب). ولاحظ معنى الأرقام 30.000 = 3×10×1000 = المؤمنين بالثالوث وهم بالمسيح قادرين على تتميم الوصايا (10) فيصيروا سماويين (1000). وهم صاروا بنعمة المسيح (رقم 5 رقم النعمة) سماويين (1000). ولاحظ أن الخطة متكاملة فما كان لفريق أن يغلب دون مساعدة الفريق الآخر. فالكنيسة متكاملة يهوداً وأمم. ولاحظ أن يشوع هو المدبر “ويسوع خرج غالباً ولكي يغلب” (رؤ2:6) وهي رأس جيشه كما أن المسيح رأس الكنيسة، فضرب عاي لم يكن بحيلة بشرية إنما بخطة إلهية استخدم الله فيها خدامه وشعبه، وإن كان هو كرأس للكنيسة قد دبر ووهب النصرة.
وفي آية (8) المقصود إشعال حريق في جزء منها كعلامة فالله أعطاهم غنيمة المدينة.
وفي آية (10) وعد الشعب= أي جهزهم بأعدادهم. ومعنى كلمة عد الأصلي إفتقد الرجال في إماكنهم ليتأكد من استعدادهم. وفي (13) سار يشوع إلى وسط الوادي= ربما لكي يختار أنسب مكان يرى منه الكمين المختفي وراء التلال خلف عاي ويراه من هذا المكان جيشه حتى يعطيهم العلامة بالهجوم حين يرى هو الحريق الذي يشعله الكمين.
وفي (14) في الميعاد= ربما الميعاد الذي حدده يشوع للحرب أو الميعاد الذي خرج فيه ملك عاي.
وفي (17) هذا خطأ من ملك عاي أن يترك بلده بلا حماية. والله قادر أن يصيب أعداء شعبه بالعمى وفي حقدهم على شعب الله يدمرون أنفسهم بأخطائهم. وهذا ما حدث مع فرعون فدمر جيشه في البحر. وفي (18) المزراق= الرمح وغالباً وضع عليه راية وكان يشوع في وضع عالٍ ليراه الكل. فمد يشوع المزراق الذي بيده…. وفي (26) لم يرد يده التي مدها بالمزراق حتى حرم جميع سكان عاي. وقارن مع (18) فقال الرب ليشوع مد يدك بالمزراق
- أمر الرب يشوع بمد يده يرمز لعمل التجسد الإلهي حيث تشير اليد إلى أقنوم الابن أما بسطها فيعني إعلانها. وكأن الابن أعلن ذاته خلال التجسد، مصوباً صليبه كمزراق يهدم به إبليس وحصونه ويحرق مملكته بنار روحه القدوس.
- يشوع لم يرد يده بالمزراق حتى انتهت الحرب وهذا إعلان أن الله لم يرجع عن مساعدتهم ومد يد العون لهم. وهذا ما حدث مع موسى من قبل.
- الحربة هي سلاح مخيف للعدو وهكذا الصليب.
- إذا بدأنا حربنا ضد العدو فلا يجب أن نرتد مرة أخرى بعد أن أشهرنا ضده السلاح ولذلك لم يعيد يسوع يده بالمزراق “من وضع يده على المحراث لا ينظر إلى خلف” بل يجب أن تظل عيوننا إلى الصليب المرفوع فنحارب ونغلب.
- عدم إرتداد يشوع بيده وبالمزراق يشير لأن المسيح سيظل يحارب عن طريقنا (رؤ6:2)
وفي آية (29) صلب ملك عاي. ملك عاي رمز للشيطان في هذه القصة. ومعنى صلبه أن المسيح بصليبه المنظور صلب الشيطان بطريقة غير منظورة (كو14:2،15) وحطم قوته وعلينا أن نصلب أنفسنا مع المسيح (غل14:6) فصليب المسيح علامة حبه لي وقبولي الصلب معه علامه حبي له. وإذا قبلت هذا يكون الشيطان وخداعاته لا سلطان لها علىّ كأن إبليس بالنسبة لي مصلوباً مسمراً. وموضع إبليس (عاي) يصير محروقاً وخراباً.
الآيات (30-35): “حينئذ بنى يشوع مذبحا للرب إله إسرائيل في جبل عيبال. كما أمر موسى عبد الرب بني إسرائيل كما هو مكتوب في سفر توراة موسى مذبح حجارة صحيحة لم يرفع أحد عليها حديداً واصعدوا عليه محرقات للرب وذبحوا ذبائح سلامة. وكتب هناك على الحجارة نسخة توراة موسى التي كتبها أمام بني إسرائيل. وجميع إسرائيل وشيوخهم والعرفاء وقضاتهم وقفوا جانب التابوت من هنا ومن هناك مقابل الكهنة اللاويين حاملي تابوت عهد الرب الغريب كما الوطني نصفهم إلى جهة جبل جرزيم ونصفهم إلى جهة جبل عيبال كما أمر موسى عبد الرب أولاً لبركة شعب إسرائيل. وبعد ذلك قرا جميع كلام التوراة البركة واللعنة حسب كل ما كتب في سفر التوراة. لم تكن كلمة من كل ما أمر به موسى لم يقراها يشوع قدام كل جماعة إسرائيل والنساء والأطفال والغريب السائر في وسطهم.”
كان المتوقع هنا أن نسمع عن باقي الفتوحات لتستمر قصة وتاريخ الشعب في الأرض لكننا نجد القصة تتوقف لنسمع عن إقامة مذبح علامة شكر لله الذي أعطاهم النجاح والغلبة. فالتاريخ والحروب بدون الله لا شئ ولا معنى لتاريخ شعب بدون الله فالغلبة والنصرة هي من عند الله. ونجد هنا يشوع يتمم أوامر موسى (تث1:27-8) ولنلاحظ في هذا المذبح:-
- لقد حدد الله مقدماً موضع إقامته بـ “جبل عيبال” وزمان إقامته “بعد عبور الأردن وقبل الإنتهاء من الحروب والشعور بالراحة فيها” (يش22:11) والله اختار جبل عيبال لكي يرتفع الشعب عليه بعد الاستيلاء على أريحا وعاي وقبل الدخول في بقية حروبهم حتى يكون لهم علاقة بالله قبل أن ينشغلوا بخيرات كنعان، وحتى يشكروا الله على ما أعطاهم ويطلبون العون لباقي المعارك. فإقامة مذبح هنا وفي هذا الوقت في منتهى الأهمية. ولنلاحظ أن إقامة هيكل سليمان بعد استقرار المملكة يرمز لدخولنا للسماء، أما مذبح عيبال فيشير لدخولنا إلى عربون السماء أثناء جهادنا على الأرض ننعم بالوجود الدائم في حضرة الرب خلال الإيمان لا العيان خلال ذبيحته المقدسة.
- يقام هذا المذبح من حجارة صحيحة والحجارة تشير للمؤمنين (1بط5:2) وهي حجارة حية لأنها التقت بمسيحها فصارت فيه صحيحة بعد أن حطمها عدو الخير. ولم يرفع أحد حديداً عليها أي تظل بسيطة كما هي لا يغير العالم منها شئ بأفكاره أو مبادئه، وعدو الخير لا يستطيع أن يأتي بشر عليها لأنها محفوظة في يدي مخلصها (يو28:10 + 1يو18:5). والكنيسة هي بيت الله والمسيح حجر الزاوية والرسل والتلاميذ حجارة أساس بسبب قوتهم (أف20:2 + 1كو11:3).
- وكتب هناك على الحجارة نسخة توراة موسى (آية 22). وهكذا يلتحم المذبح بالشريعة أو العبادة بالوصية، فلا قبول لحياتنا كذبيحة حب لله بالعبادة وحدها دون طاعة الوصية الإلهية، ولا طاعة للوصية ما لم يعمل الله فينا خلال الذبيحة والعبادة. وإذا فهمنا أن الحجارة تشير للمؤمنين فمعنى أن يشوع كتب الشريعة والوصايا عليها فهذا يشير إلى أن يسوعنا المسيح كتب وصاياه في قلوبنا. المذبح الخفي لله. ولاحظ تأثير كلمات المسيح على قلوب تلميذي عمواس وكيف ألهبهما (لو27:24،32).
- في آية (35) يشوع قرأ كلمات الله لجماعة إسرائيل (الرجال) والنساء والأطفال والغريب= فكلام المسيح صالح للجميع ولكل المستويات ليرفع الجميع، الرجال روحياً، ولينضج الأطفال روحياً، والنساء المدللين غير القادرين على الجهاد يصيرهن مجاهدين، والغرباء أي الموعوظين غير المؤمنين يصبرهم مؤمنين.
تفاسير أخرى لسفر يشوع أصحاح 7